Title : قصة تكنولوجيا الإلكترونيات Author: دايفد ل. مورتن جونيور,جوزيف غابريال [image "Description: ..\..\Shared\الإلكترونيات.eps" file=image-17.jpg] تأليفدايفد ل. مورتن جونيور وجوزيف غابريـالترجمةاوليغ عوكي [image "Description: Description: Description: ..\ASP logo new.eps" file=image-29.jpg] [image "Description: Albabtain logo" file=image-33.jpg] [image "Description: Description: Description: ..\HASSOUNA\BISM.TIF" file=image-43.jpg] يضم هذا الكتاب ترجمة الأصل الإنكليزي Electronics/The Life Story of a Technologyحقوق الترجمة العربية مرخّص بها قانونياً من الناشر بمقتضى الاتفاق الخطي الموقّع بينه وبين الدار العربية للعلوم ناشرون، ش.م.ل. Translated from the Engligh Language edition of Electronics/The Life Story of a Technology, by David L. Morton Jr. and Joseph Gabriel, originally published by Greenwood, an imprint of ABC-CLIO, LLC., Santa Barbara, CA, USA. Copyright © 2004 by the author(s). Translated into and published in the Arabic language by arrangement with ABC-CLIO, LLC. All rights reserved.  Arabic Copyright © 2011 by Arab Scientific Publishers, Inc. S.A.LNo part of this book may be reproduced or transmitted in any form or by any means electronic or mechanical including photocopying, reprinting, or on any information storage or retrieval system, without permission in writing from ABC-CLIO, LLC.الطبعة الأولى: 1432 هـ - 2011 مISBN: 978-614-02-2007-2جميع الحقوق محفوظة للناشرين [image "Description: Albabtain logo" file=image-55.jpg] مركز البابطين للترجمةالكويت، الصالحية، شارع صلاح الدين، عمارة البابطين رقم 3ص.ب: 599 الصفاة رمز 13006، هـ (00965) 22412730البريد الإلكتروني: tr2@albabtainprize.org [image "Description: ..\..\HASSOUNA\ASP Pub_Inc [Converted].eps" file=image-65.jpg] عين التينة، شارع المفتي توفيق خالد، بناية الريمهاتف: (+961-1) 785107 - 785108 - 786233ص.ب: 13-5574 شوران - بيروت 1102-2050 - لبنانفاكس: (+961-1) 786230 - البريد الإلكتروني: bachar@asp.com.lbالموقع على شبكة الإنترنت: http://www.asp.com.lbيمنع نسخ أو استعمال أي جزء من هذا الكتاب بأية وسيلة تصويرية أو الكترونية أو ميكانيكية بما فيه التسجيل الفوتوغرافي والتسجيل على أشرطة أو أقراص مقروءة أو بأية وسيلة نشر أخرى بما فيها حفظ المعلومات، واسترجاعها من دون إذن خطي من الناشر.إن الآراء الواردة في هذا الكتاب لا تعبر بالضرورة عن عن رأي الناشرينالتنضيد وفرز الألوان: أبجد غرافيكس، بيروت - هاتف (+9611) 785107الطباعة: مطابع الدار العربية للعلوم، بيروت - هاتف (+9611) 786233مركز البابطين للترجمة*"مركز البابطين للترجمة" مشروع ثقافي عربـي مقرّه دولة الكويت، يهتم بالترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية وبالعكس، ويرعاه ويموّله الشاعر عبد العزيز سعود البابطين في سياق اهتماماته الثقافية وضمن مشروعاته المتعدّدة العاملة في هذا المجال.ويقدّم المركز هذا الإصدار، ضمن سلسلة كتب تتناول عرضاً وشرحاً مُسهباً وتقنياً لأهم تكنولوجيات العصر وعلومه الحديثة، وذلك في إطار الكتب التي يشجّع ترجمتها إلى العربية، ومساهمةً منه في رفد الثقافة العربية بما هو جديد ومفيد، وإيماناً بأهمية الترجمة في التنمية المعرفية وتعزيز التفاعل بين الأمم والحضارات.وإذ يحرص "مركز البابطين للترجمة" على اختيار هذه الكتب وفق معايير موضوعية تحقّق الغايات النبيلة التي أُنشئ لأجلها، وتراعي الدقّة والإضافة العلمية الحقيقية، فمن نافل القول إن أي آراء أو فرضيات واردة في هذه الكتب وتم نقلها التزاماً بمبدأ الأمانة في النقل، فإنما تعبّر حصراً عن وجهة نظر كاتبها ولا تلزم المركز والقائمين عليه، بأي موقف في أي حال من الأحوال. والله الموفّق.تمهيد السلسلةفي عالم هذه الأيام، تلعب التكنولوجيا دوراً متمماً في الحياة اليومية للأشخاص من جميع الأعمار، فهي تؤثر على المكان الذي نعيش فيه، وطريقتنا في العمل، وطريقتنا في التفاعل مع بعضنا البعض، وما نطمح إلى تحقيقه. لمساعدة الطلاب وعامة الناس على أن يفهموا بشكل أفضل طريقة تفاعل التكنولوجيا والمجتمع، طوّرنا سلسلة كتب قصيرة سهلة المنال تتعقّب تواريخ تلك التكنولوجيات بينما توثّق كيف أصبحت تلك التكنولوجيات حيوية جداً لحياتنا.كل جزء من هذه السلسلة يُخبر سيرة أو "قصة حياة" إحدى التكنولوجيات المهمة جداً. كل قصة حياة تتعقّب التكنولوجيا من "أسلافها" (أو التكنولوجيات السالفة)، مروراً بسنواتها الأولى (إما اختراعها أو تطويرها) وتحقيقها الشهرة، إلى تدهورها، أو زوالها، النهائي. ومثلما أن السيرة الجيدة تضم تحليلاً للحياة الشخصية لأحد الأفراد إلى جانب وصف لتأثير ذلك الشخص على العالم الواسع، يضم كل جزء من هذه السلسلة مناقشةً للتطوّرات التكنولوجية مع وصف لتأثير التكنولوجيا على النطاق الواسع للمجتمع والثقافة - والعكس بالعكس. إن التكنولوجيات المُغطاة في السلسلة تشمل المدى الكامل لتلك التي ظهرت منذ عقود - الأسلحة النارية والمطبوعات، مثلاً - إلى الاختراعات الحديثة التي سيطرت بسرعة على العالم العصري، كالإلكترونيات والكمبيوتر.صحيح أننا نشدّد على تقديم مناقشة واقعية لتطوّر التكنولوجيا، إلا أن قراءة هذه الكتب ممتعة أيضاً. فتاريخ التكنولوجيا مليء بالحكايات الغريبة التي تسلّينا وتُنيرنا في آن. لقد نجح المؤلفون - وكلهم خبراء في حقولهم - في جعل رواية تاريخ التكنولوجيا مفعمة بالحياة، بينما يزوّدون القراء أيضاً بفهم عميق للعلاقة بين العلم والتكنولوجيا والمجتمع.مقدمةتعود جذور هذا الكتاب إلى التحضيرات للاحتفال بالذكرى السنوية الخمسين لجمعية الأجهزة الإلكترونية (Electron Device Society أو EDS) التابعة لمعهد المهندسين الكهربائيين والإلكترونيين (Electrical and Electronics Engineers أو IEEE) في العام 2002. لقد رعت مجموعة الاهتمام هذه التابعة للمعهد IEEE عملية تجميع مقابلات التاريخ الشفهية لبعض أعضائها البارزين، وبدلاً من إصدار كتاب عن تاريخ الأجهزة الإلكترونية، رعت الجمعية عرضاً صغيراً متنقّلاً وكتيّباً تذكارياً. وقد أدى هذا إلى توفّر كمية كبيرة من الملاحظات بين أيدي المؤلفين تنفع لتأليف كتاب عن الموضوع، لكن لم يكن لديهم ناشر. ومع ذلك، زوَّد أعضاء الجمعية EDS، بما في ذلك رئيس لجنة التاريخ كريغ كايسي، إرشادات قيّمة عن المرحلة الأولية للمشروع. كما أن الدعم الذي قدّمه مركز التاريخ التابع للمعهد IEEE في جامعة روتغرز كان حاسماً جداً في إكمال هذا الكتاب. لقد تكرّم علينا موظفو العلاقات العامة في الشركتين Intel (إنتل) وLucent (لوسنت)، بالأخص إد أكرت وريتشارد تبلستكي من لوسنت، بتزويدنا الصور الفوتوغرافية والسماح لنا بنشرها.التسلسل الزمني1904           اختراع صمام فليمينغ (دايود الأنبوب المفرَّغ).1907           اختراع دايود شبه الموصِّل (نوع التلامس النقطي).اختراع الترايود (أوديون دي فورست).1947           اختراع ترانزستور التلامس النقطي.1951           اختراع الترانزستور الوصليّ.1954           اختراع الدايود الوصليّ (المستعمل كخلية شمسية).اختراع الميزر.1956           اختراع النوفستور.1959           اختراع الدارة المتكاملة.اختراع الترانزستور المسطَّح.1960           استعراض الليزر.تقديم رقائق منطق المقاوِم-الترانزستور.                 اختراع الموسفت (MOSFET، أو الترانزستور الحقليّ بشبه الموصِّل المعدني المؤكسد).1962           الإعلان عن رقائق منطق الدايود-الترانزستور (DTL).                 تقديم رقائق منطق ازدواج الباعث (ECL).استعراض الدايود الباعث للضوء الأحمر.استعراض ليزر شبه الموصِّل.1963           تقديم رقائق السيموس (CMOS، شبه الموصِّل بأكسيد معدني متمِّم).                 تسويق رقائق منطق الترانزستور-ترانزستور (TTL).1968           تقديم شركة سوني لأنبوب أشعة الكاثود Trinitron (ترينيترون).تقديم رقائق منطق السيموس.حوالي 1970     الإعلان عن التكامل الواسع.1970           تقديم رقاقة الذاكرة العشوائية الوصول (RAM) 320 بت.حوالي 1971     تقديم الشاشات العاملة بالدايود الباعث للضوء (LED) الأبجدي الرقمي.1971           تقديم الجهاز التسلسلي الشحن (CCD).                 تقديم الشاشات العاملة بعرض البلّور السائل (LCD).                 تقديم شركة إنتل للمعالج الصُغري 4004.1972           تسويق رقاقة الذاكرة RAM حجم 1 كيلوبت (Kbit).1974           تقديم شركة إنتل للمعالج الصُغري 8080.                 تقديم شركة موتورولا للمعالج الصُغري 6800.1975           تسويق الذاكرة RAM حجم 4 كيلوبت.1976           تسويق الذاكرة RAM حجم 16 كيلوبت.                 تقديم المعالج Z-80 من شركة Zilog.1978           تقديم شركة إنتل للمعالج الصُغري 8086.1979           تقديم شركة إنتل للمعالج الصُغري 8088.1980           الإعلان عن التكامل الفائق (VLSI).1982           تسويق الذاكرة العشوائية الوصول الديناميكية (DRAM) حجم 256 كيلوبت.                 تقديم شركة إنتل للمعالج الصُغري 80286.1985           تقديم شركة إنتل للمعالج الصُغري 80386.تسويق الذاكرة الوامضة.1986           تسويق الذاكرة DRAM حجم 1 ميغابت (Mbit).1988           تسويق الذاكرة DRAM حجم 4 ميغابت.1991           تسويق الذاكرة DRAM حجم 16 ميغابت.1992           الإعلان عن المعالج الصُغري إنتل بنتيوم.1994           تسويق الذاكرة DRAM حجم 64 ميغابت.1998           تسويق الذاكرة DRAM حجم 256 ميغابت.2000           تسويق المعالج الصُغري إنتل بنتيوم IV.1 - أصول الإلكترونيات، 1900-1950مقدمةتتكل الكمبيوترات والتلفزيونات والهواتف، وكل الأنظمة الإلكترونية الأخرى، هذه الأيام على الدارات، والتي هي المسارات التي تسلكها الكهرباء عبر مختلف المكوّنات الكهربائية من أجل تنفيذ مهمة مفيدة. قد تتألف الدارة البسيطة، مثلاً، من بطارية طرفها الموجب موصول من خلال سلك بأحد أطراف فتيل لمبة، ثم يكون هناك سلك يعيدنا من الطرف الآخر للفتيل إلى البطارية. لا مجال لنشرح هنا بالتفصيل فيزياء الإلكترونات أو لماذا تجعل فتيل اللمبة يُطلق حرارةً وضوءاً. يفترض المؤلفون أن لدى القارئ معرفة بسيطة بالفيزياء والدارات الكهربائية، رغم أننا نعتقد أن فقط القليل من هكذا معرفة ضروريٌ لتقدير هذا الكتاب. في الواقع، رغم أن الشروح التقنية المبسّطة المبيّنة في هذا الكتاب قد تكفي في عمل تأريخي، إلا أنها لن ترضي القارئ الذي يملك خلفية قوية في الفيزياء أو الإلكترونيات، وهي لا تقصد أن تفعل ذلك.الأحشاءالعمل الحالي هو في المقام الأول سرد تاريخي لـ "أحشاء" الأنظمة الإلكترونية العصرية، وبالتحديد الأشياء التي يسميها المهندسون الكهربائيون الأجهزة الإلكترونية "النشطة" التي تؤلف الدارات. لكن تعريف صفة "نشطة" صعب بعض الشيء. الأسلاك والمكثِّفات والمقاوِمات هي أمثلة عن الأجهزة الكهربائية "الهامدة". وفي حين أنها أساسية في أي دارة تقريباً، إلا أنها لا تقوم بالضرورة بتحويل أو تغيير وجهة التيار الذي ينساب من خلالها. إنها هامدة إلى حد ما لأن التيار ينساب من خلالها. لكن الأجهزة النشطة تستطيع تنفيذ تغييرات عميقة أكثر على التيار أو على الفولطية (الجهد الكهربائي)، كتضخيمه أو تشغيله وتعطيله. الحق يُقال أن تصنيف الأجهزة بين نشطة وهامدة مسألة غير سليمة، لأن بعض الأجهزة كالمعالجات الصُغرية تحتوي على عناصر نشطة وهامدة في آن، وبعض الفئات الأساسية للأجهزة، كالدايودات، تقع في مكان ما بين النشطة والهامدة.قد يبدو في البدء أنه من التعسّف استثناء الأجهزة الهامدة وتصغير مناقشة الدارات الكاملة، حيث أن الأجهزة نفسها ستكون بلا معنى خارج سياق الدارة تماماً مثلما سيكون تاريخ العجلات بلا معنى من دون مناقشة السيارة. لكن هناك تبريرات للتركيز على الأجهزة النشطة بشكل حصري تقريباً. فالأجهزة النشطة في المقام الأول، كأنبوب أشعة الكاثود (CRT) والترانزستور والليزر والرقاقة الصُغرية، هي التي حفّزت اهتمام عامة الناس وأصبحت كلمات شائعة الاستعمال. وتعود أهمية تلك الأجهزة إلى حقيقة أن مخترعيها نالوا في حالات عديدة جوائز نوبل أو جوائز دولية رئيسية أخرى. وأحد أسباب هذا هو أن تلك الأجهزة النشطة تشكّل قلب ودماغ الأنظمة التكنولوجية المهمة. إنها مهمة ليس فقط لأسباب علمية وتكنولوجية، بل لأسباب رمزية أو ثقافية أيضاً، تماماً مثلما هو قلب ودماغ الإنسان. إننا نعتقد أن الإدراك المتزايد لأهمية تلك الأجهزة، بالمقارنة مع الافتقار العام للمعرفة عنها، هو سبب لا يُقاوَم لدراسة أصولها وتطوّرها.التاريخ الأوليلقد تم فرض الاختلافات الهندسية المعاصرة بين الأجهزة النشطة والهامدة، وحتى المصطلح "الإلكترونيات"، على التكنولوجيا بمفعول رجعي، بعد فترة طويلة في الواقع من اختراع أوائل الأجهزة الإلكترونية النشطة . بالنظر إلى الخلف نجد أن المهندسين في حقبة العشرينات استعملوا مصطلح "إلكترونيات" جزئياً لتفريق تكنولوجيا الراديو الجديدة عن التكنولوجيات القديمة للكهرباء والإضاءة والمحرّكات والهاتف والتلغراف. فقبل ظهور الإلكترونيات، كانت هناك كهرباء فقط. لقد كانت بداية تطوّر التكنولوجيا الكهربائية في القرن الثامن عشر هي اكتشاف الوسائل الميكانيكية لتراكم شحنات الكهرباء الساكنة وإرسالها عبر الأسلاك، أو تخزينها في "مُركِّمات" بدائية تدعى قوارير لايدن (Leyden) (أسلاف المكثِّف العصري). حوالي سنة 1800، اكتشف المخترع والفيزيائي الإيطالي أليساندرو فولتا البطارية الكهربائية، وقد سمّى هذا الجهاز pile، ولاحقاً في ذلك القرن توصَّل مخترعون آخرون إلى طرق لبناء مولِّدات كهربائية ميكانيكية زوَّدت مصادر من الكهرباء. وقد تحقّق استعمال الكهرباء للإضاءة العملانية أو التسخين أو تنفيذ الأعمال الميكانيكية (باستعمال المحرّكات) قبل العام 1850، رغم أنه لم يتم تسويق ذلك بنجاح كبير. كانت الكهرباء في العام 1850 لا تزال ظاهرة علمية إلى حد كبير لكنها بدت أنها على وشك إيجاد سوق.معظم الأجهزة المُغطاة في هذا الكتاب تقع تحت فئة "الإلكترونية" بدلاً من مجرد الكهربائية، والتمييز مهم. بدأ مهندسو الراديو (أو اللاسلكي) الأوائل في القرن العشرين يشيرون إلى الأجهزة كـ "إلكترونية" إذا كان عملها يعتمد على انسياب الإلكترونات في فضاءٍ خالٍ. كانوا في ذلك الوقت يفكّرون بشكل رئيسي بفئة الأجهزة الجديدة المعروفة بالأنابيب المفرَّغة (سنناقشها لاحقاً في هذا الفصل) والتي كان بدأ انتشار استعمالها كمكتشِفات لإشارات الراديو، ومولِّدات لموجات تردّد الراديو، ومضخِّمات. إن سَلَف الأنابيب المفرَّغة للقرن العشرين كان الأنبوب المتوهّج، وهو أنبوب زجاجي مختوم تم شفط معظم الهواء منه وتم استبداله بنوع غاز آخر. إذا تم إدخال إلكترودَين سلكيين في أطراف الأنبوب (يتطلب هذا أن تكون الفتحات في الأنبوب مُغلقة بشكل محكم، لكن نادراً ما كان الإغلاق مثالياً) وتم توصيل مولِّد أو مصدر آخر للتيار، سيتأيَّن (يتحوّل إلى أيونات) الغاز داخل الأنبوب وينشئ مساراً موصِّلاً للإلكترونات من الإلكترود السالب (أو الكاثود) إلى الإلكترود الموجب (أو الأنود)، وهذا سيجعل الغاز يتوهّج. لكن الآلية لهذه الظاهرة لم تكن معروفة في ذلك الوقت. لم يكن قد تم بعد إثبات وجود الإلكترون، وكانت الكهرباء تُعتبر كما لو أنها نوعٌ من السوائل غير المرئية.سُميّت الأنابيب المتوهّجة لاحقاً أنابيب غايسلر على إسم نافخ الزجاج الألماني هنريخ غايسلر الذي حسّن الأنبوب المتوهّج بشكل كبير باختراعه نموذجاً فعّالاً أكثر لمضخّة الفراغ عام 1855 لإزالة الهواء من الداخل. في الحقبة 1850s (خمسينات القرن التاسع عشر) وما يليها، استمر تحسين أنابيب ومصابيح غايسلر التي ترتكز على مبدأ التفريغ الكهربائي في عدة نماذج مختلفة. وأحد التنويعات هو مصباح بخار الزئبق من العام 1901 الذي يُنتج ضوءاً ساطعاً جداً ملائماً للإضاءة في الهواء الطلق، وكذلك مصابيح النيون والمصابيح الفلورية المشابهة للأنواع المستعملة هذه الأيام.لكن أدّى أحد فروع الاختبار على الأنابيب المتوهّجة إلى استعمالها لأهداف أخرى غير الإضاءة. ففي العام 1855، اكتشف ج. م. غوغان في فرنسا أنه عندما يُوضَع إلكترودان مختلفا الحجم في أنبوب غايسلر، سيتم "تصحيح" التيار المتناوب الذي يمرّ من خلاله، أي أنه سيتم تحويله إلى نبضات من التيار المستمر التي تنساب في اتجاه واحد فقط. فكان تأثير الأنبوب أن يتصرف كصمام أحادي الاتجاه، مما يسمح بمرور المرحلة الموجبة للتيار المتناوب، لكنه يمنع المرحلة السالبة. مرة أخرى، كان التأثير في ذلك الوقت مجرد حشرية علمية. هناك صيغة أخرى لأنبوب غايسلر كانت اختراع ويليام كروكس لأنبوب أشعة الكاثود (CRT) حوالي العام 1875. (بدأ يوجين غولدشتاين في العام 1876 يسمّي الانسياب من خلال فراغ بـ "أشعة الكاثود"، وهذا مصطلحٌ أصبح راسخاً في الأذهان حتى بعد اكتشاف الإلكترون). كان الاكتشاف الرئيسي لكروكس أن العديد من الإلكترونات في الأنبوب المتوهّج تجاوزت الأنود الهدف على كل الجهات لتضرب الجدار الزجاجي للأنبوب. سيتوهّج الزجاج في بعض الظروف ويمكن عندها رؤية ظل الأنود. ووجد الآخرون أنه يمكن فتل أو حتى عكس المسار المستقيم لأشعة الكاثود بواسطة حقل كهربائي أو مغنطيسي قريب، كمغنطيس موضوع بالقرب من الجهة الخارجية للأنبوب. استعمل كارل فرديناند براون هذه التأثيرات عام 1897 ليصنع جهاز قياس حسّاس، يدعى oscillograph (راسمة الذبذبات)، ليُستعمل لقياس التيارات الكهربائية المختلفة. باستعمال الحقل الكهربائي للتيار المطلوب قياسه كمعدِّلٍ لمسار الشعاع، يستطيع الجهاز إظهار صورة للموجة الكهربائية على هيئة "أثر" مرئي على الشاشة. في العام 1895، وجد فيلهلم رونتجن أن أنبوب كروكس يُصدر أيضاً نوعاً من الأشعة المجهولة (سمّاها الأشعة السينية) التي تستطيع، خلافاً لأشعة الكاثود، أن تخترق الجدران الزجاجية للأنبوب. وبالتالي بدأ يُستعمل أنبوب كروكس في الطب، وإلى جانب الإضاءة بالتفريغ الغازيّ، يؤلف هذا الاستخدام الرئيسي الثاني لتكنولوجيا الإلكترونيات. لكن ومع ذلك لم تكن كلمة "الإلكترونيات" قد أصبحت رائجة بعد.ظهر الإلهام المباشر للجهاز الذي حفّز حقل الإلكترونيات في العام 1880. كان توماس إديسون يطوّر نظام إضاءة كهربائية باستعمال تكنولوجيا كانت مشابهة جداً للأنبوب المتوهّج. في أنبوبه، أو اللمبة حسب تسميته، كان يوجد إلكترودان متقاربان موصولان بقطعة قصيرة من الكربون معروفة بالفتيل. وكانت الكهرباء التي تمرّ من أحد الإلكترودَين من خلال الخيط وتُكمل دارتها من خلال الإلكترود الآخر تجعل الخيط يحمى ويبدأ بالتوهّج. لن تحترق مادة الفتيل في فراغ قريب من المثالي. كان إديسون حراً في استعمال الكربون العادي، وهو مادة ذات نقطة ذوبان مرتفعة جداً. لقد كان يتم إنتاج هكذا أنابيب إضاءة "متوهجة" منذ عدة سنوات، رغم أن الفضل يُعطى لإديسون عادة لتسويقه نظام الإضاءة الكهربائية الذي يرتكز على هذا المبدأ. ورغم أنه يمكن للمرء أن يجادل بشأن أولويته كمخترع، إلا أنه لا يمكن المجادلة بشأن نجاحه التجاري: فالشركات التي أسّسها أو رخَّصها أصبحت أكبر المصانع الكهربائية (جنرال إلكتريك، GEC في بريطانيا، AEG في ألمانيا، الخ) أو أكبر مزوّدي الطاقة الكهربائية في العالم. كان يُجري اختبارات في العام 1883 على لمبة تحتوي على إلكترود ثالث غير موصول بإلكترودات الفتيل. وقد لاحظ أنه عندما يتم توصيل هذا الإلكترود المنفصل بالطرف الموجب للدارة، سينساب بعض التيار الذي ينساب في الفتيل إلى الطرف الحر عبر الفراغ. وتوصيل الطرف بالجهة السالبة للبطارية لا يُنتج أي انسياب. سجَّل براءة اختراع الجهاز واعتقد أنه قد يكون مفيداً في أخذ القياسات الكهربائية، لكنه فَقَد الاهتمام بسرعة وانتقل إلى العمل على مشاريع أخرى. بعد رؤيته عرضاً ترويجياً عن اللمبة، دَرَس جون أ. فليمينغ في إنكلترا عمل "صمامه" الأحادي الاتجاه للتيارات المتناوبة، مُمرِّراً تياراً مستمراً موجباً أو المرحلة الموجبة للتيار المتناوب من الفتيل إلى "صفيحة" إلكترود قريبة. وقد سجَّل براءة اختراع إصداره عن الجهاز في العام 1904 واقترح أن يُستعمل لتصحيح التيارات المتناوبة المرتفعة التردّد. عند وضعه في دارة بحيث يكون الطرف السالب موصولاً بهوائيّ لالتقاط النبضات الكهرومغنطيسية اللاسلكية، وإخراج الطرف الموجب مربوطاً بمؤشرٍ من أحد الأنواع (كالمقياس الغلفاني، أو الغلفانومتر، galvanometer)، يمكن أن يصبح الصمام أساساً لمستقبِل راديو حسّاس نوعاً ما. لقد ظهر الراديو، الذي كان يدعى "الإبراق اللاسلكي" في ذلك الوقت، منذ بضع سنوات فقط. لقد كان يستعمل ملفات شرارات أو منوِّبات مرتفعة التردّد لإنتاج موجات راديو، بينما كان يتم اكتشافها باستعمال تشكيلة من الأجهزة الكهربائية الميكانيكية الحسّاسة كفاية للرد على طاقة التردّدات الراديوية. كان صمام فليمينغ، مثلما أصبح معروفاً، وسيلة غير ميكانيكية حسّاسة جداً لاكتشاف الموجات الراديوية. [image "Description: images\electronics_Page_005_Image_0001.tif" file=image-187.jpg] "صمام" فليمينغ، أو الدايود، من براءة اختراع تعود للعام 1905. يتألف الجهاز من لمبة معدَّلة مع أنود أسطوانيّ (c)، مبيّن هنا باقتطاع جانبي للكشف عن الأجزاء الداخلية. أنصاف الدورات الموجبة للموجات الراديوية التي يلتقطها الهوائي (n) تمرّ عبر الدارة من الفتيل (b) إلى الأنود (c)، مما يسبّب انحرافاً في إبرة الغلفانومتر (i). تتصرف هذه الدارة كمكتشِف حسّاس لإشارات التلغراف الراديوية. براءة الاختراع الأميركية 803684.الأوديون وقدوم "الإلكترونيات"لقد أدّت أناقة صمام فليمينغ كمكتشِف راديويّ إلى جعل المخترع الأميركي لي دي فورست يضيف عنصراً ثالثاً إلى صمام فليمينغ بعد سنتين، لينشئ نوعاً جديداً مهماً جداً من الأجهزة. لقد وضع سلكاً مفتولاً كالأفعى بين الفتيل والصفيحة. أصبح شكل السلك في الإصدارات اللاحقة كالشوّاية، لذا أصبح معروفاً بـ "الشبكة". بتطبيق فولطية صغيرة على الشبكة، نظَّم أنبوب دي فورست الانسياب من الفتيل إلى الصفيحة بدقة. وقد أدّت نتائج دي فورست الاختباريّة إلى إقناعه أنه اخترع شكلاً حسّاساً أكثر بكثير لمكتشِف الموجات الراديوية. اعتقد دي فورست أيضاً أن الأنبوب الجديد يستطيع فعلياً تضخيم الموجات الواردة، بدلاً من مجرد اكتشافها. رغم أنه سجَّل براءة اختراع هذا التطبيق في العام 1907، إلا أنه كان من الواضح أنه لم يتمكن من تقديم هكذا مضخِّم حتى العام 1912. وأكثر من ذلك، عندما فعل ذلك، اكتشف أن دارة المضخِّم ستُحمَّل حِملاً زائداً من وقت لآخر، مما يجعلها تبدأ عفوياً بتوليد طاقة تردّدات راديوية. لقد اعتبر هذه الوظيفة غير المتوقعة كإزعاج في البدء، لكن أدرك الآخرون لاحقاً أنه يمكن التحكم بها واستغلالها لاستبدال منوِّبات التردّد الراديوي الضخمة قيد الاستعمال. قد لا يفهم القارئ بعد سبب الأهمية الكبيرة لهذا الجهاز، الذي يدعى الأوديون، لكن السبب هو أن التضخيم أصبح الإنجاز العظيم ليس فقط في الراديو، بل أيضاً في عدة حقول أخرى من الهندسة الكهربائية.في الفترة الواقعة بين اختراع الأنبوب المتوهّج وبين العام 1907، تم اختراع التلغراف والهاتف والراديو، كل ذلك من دون فائدة الإلكترونيات. لكن في حالة الهاتف والراديو، وبدرجة أقل التلغراف، سعى اختصاصيو الكهرباء بحماسة إلى إيجاد طريقة لتمديد المسافة القصوى التي يمكنهم إرسال الإشارات بها عبر سلك أو الهواء. وسمّى مخترعو الهاتف هذا الاختراع المنشود "المُرحِّل"، وهو المصطلح المستعمل في الإبراق لقصد جهاز ميكانيكي كهربائي يتلقى إشارة واردة ضعيفة ويستعملها ليعيد إنشاء إشارة صادرة واضحة قوية. كان المُرحِّل في الأساس عبارة عن مفتاح تلغراف تلقائي يستعمل الطاقة المتبقية لنبضات التلغراف الكهربائية الواردة لينشّط مغنطيساً كهربائياً حسّاساً، مما يؤدي إلى فتح وإغلاق دارة منفصلة لإعادة إنشاء نفس النبضات لكن بفولطية وتيار أعلى. لا يمكن ترحيل إشارات الهاتف بهذه الطريقة لأنها تتألف من أشكال موجات معقّدة بدلاً من نبضات تنشيط-تعطيل بسيطة. كانت إشارات الراديو في الأصل مجرد نبضات تلغراف مرتفعة التردّد، لكن كان يمكنها في العام 1906 أن تكون أيضاً على هيئة إشارات صوتية (فسُمّيت عندها "التراسل الهاتفي اللاسلكي"). سعى مخترعو الراديو إلى إيجاد طرق لإرسال نوعَي الإشارات عند مستويات طاقة أعلى أكثر، كما اختبروا طرقاً لاكتشاف الإشارات الضعيفة جداً من المحطات البعيدة. سيتم في نهاية المطاف التوصّل إلى مُرحِّل الهاتف المنشود ومرسِل الراديو المرتفع الطاقة ومستقبِل الراديو الحسّاس على هيئة دارات ترتكز على أنبوب دي فورست.رغم أن دي فورست بدأ بنفسه بيع الأوديونات لمستقبِلات الراديو، فقد أفلس بسرعة. وطلب في العام 1912 أن يعرض الجهاز على شركة الهاتف والتلغراف الأميركية، فسعت AT&T فوراً إلى شراء الحقوق القانونية للأوديون. وبدأ المهندسون في شركة وسترن إلكتريك التابعة لـ AT&T بتحسين الأوديون في غضون شهر، وسرعان ما أصبحت الشركة أحد صانعي الأنابيب الأوائل في العالم. لكن الإسم التجاري لدي فورست سيختفي؛ وسيصبح الأوديون معروفاً في السنوات اللاحقة بالترايود (أو الصمام الثلاثي)، بسبب عناصره الداخلية الثلاثة، وكان متميزاً عن صمام فليمينغ الثنائي العناصر، الذي أصبح يُعرَف بالدايود. تم إهمال المصطلح الترايود، إلى جانب التنويعات اللاحقة كالبنتود (الصمام الخماسي)، رغم أن مقوِّمات أشباه الموصِّلات لا تزال تُعرَف بالدايودات. [image "Description: images\electronics_Page_007_Image_0001.tif" file=image-197.jpg] كان "أوديون" لي دي فورست للعام 1907 نموذجاً معدَّلاً لصمام فليمينغ. داخل غلافه الزجاجي المفرَّغ (D)، يستطيع التيار أن يمرّ من الفتيل (F) إلى الأنود (b). تتصرّف الشبكة (a) كمتحكم، فتعيق الانسياب إلى درجة أكبر أو أقل بناءً على الفولطية المزوَّدة بها. يمكن سماع إخراج الدارة على مستقبِل هاتف (T). لاحقاً، طوّر دي فورست وآخرون أنابيب ودارات فعّالة أكثر لاستعمال الأوديون كمضخِّم. براءة الاختراع الأميركية 879532.أوائل استعمالات أشباه الموصِّلاترغم أن الأنبوب المفرَّغ يُعتبر تكنولوجيا قديمة هذه الأيام (وهذه نظرة يتحدّاها هذا الكتاب)، لا يعرف البعض أن أجهزة أشباه الموصِّلات قديمة مثله تقريباً. لقد صنَّف علماء القرنين الثامن عشر والتاسع عشر العديد من المواد وفقاً لخصائصها الكهربائية، بما في ذلك قدرتها على توصيل الكهرباء. فقد تم تصنيف عناصر الجرمانيوم والسيليكون، إلى جانب العديد من المركَّبات الكيميائية، كأشباه موصِّلات، بمستوى مقاوَمة لانسياب الكهرباء من خلالها يقع في مكان ما بين الموصِّلات الجيدة والعوازل الجيدة. لا تزال تلك المواد تُعرَف كأشباه موصِّلات هذه الأيام، رغم أن هذا المصطلح لا يصف جيداً الخصائص التي تجعلها مفيدة في الدارات الكهربائية. الخاصية الأولى من تلك الخصائص المفيدة التي اكتشفها العلماء كانت استجابة بعض أشباه الموصِّلات للضوء. لاحظ ويلوباي سميث في العام 1873 أن مقاوَمة السيلينيوم انخفضت بشكل كبير عند تعريضها لضوء الشمس العادي. في الواقع، كان يمكن بناء "خلية" أو بطارية سيلينيوم تولّد تياراً صغيراً عند تعريضها للضوء. استعمل ب. نيبكوف مصفوفةً من هكذا خلايا ضوئية في العام 1884 ليوضّح مبدأ التلفزيون بأسلوب بدائي جداً (سنناقش أجهزة التصوير والعرض التلفزيوني بمزيد من التفصيل لاحقاً في هذا الفصل).بعد بضع سنوات فقط من ظهور الراديو، تم استعمال الأجهزة المرتكزة على أشباه الموصِّلات كمكتشِفات للموجات الراديوية لأول مرة. اكتشف هـ. س. دنوودي في العام 1906 أن بلّوراً من الكاربورندم، وهو الإسم التجاري لكاشط من كربيد السيليكون تم اختراعه في تسعينات القرن التاسع عشر (1890s)، يعمل كمكتشِف للموجات الراديوية. لكن يجب وضع البلّور بين نابضَين قابلين للتعديل تمرّ الإشارة من خلالهما أيضاً. لم يكن السبب الدقيق للحاجة إلى النوابض مفهوماً جيداً، لكن المختبِرين اكتشفوا طرقاً لتعديل النوابض للحصول على مكتشِف راديو موثوق. لاحقاً، أصبحت البلّورات المصنوعة من السيليكون النقي أو "الغالينا" (كبريتيد الرصاص) شعبية أكثر كمكتشِفات راديو. يمكن تلحيم أحد طرفَي بلّور مصنوع من الغالينا بكوب نحاسي بشكل دائم وتركيبه على صفيحة. ويكون هناك قوس قابل للتعديل فوق الصفيحة يُمسك سلكاً رفيعاً ("شارب القطة") يجب وضعه بعناية لكي يلمس أفضل بقعة على البلّور. كان يتم العثور على تلك البقعة بطريقة المحاولة والخطأ. في كل تلك المكتشِفات البلّورية، كانت واجهة الربط أو نقطة الاتصال بين بنية البلّور والسلك أو الإلكترود هي سر النجاح.شرح مبسّط لأشباه الموصِّلاتتتولّد فائدة أشباه الموصِّلات في الإلكترونيات من بنية الذرّات التي تؤلف بلّورات شبه الموصِّل. يحتوي الكربون والسيليكون والجرمانيوم، وهي ثلاثة أشباه موصِّلات شائعة، على أربعة إلكترونات في مدارها الخارجي ("الصَدفة" العليا للإلكترونات الدائرة في الفلك)، تشكّل عندما تُذاب ويُعاد تجميدها بنيات بلّورية منظَّمة أو شبكيات. يؤدي مزج ("إشابة"، أي، إضافة شوائب) الفوسفور أو الزرنيخ إلى إزعاج هذه البنية، مما يعطي البلّور إلكترونات زائدة تحوّل البلّور من عازل إلى موصِّل. وبما أن الإلكترونات تحمل شحنة سالبة فإن هذا النوع من البلّور يُسمى النوع n. إشابة البلّور بالبورون أو الغاليوم تحوّل البلّور إلى موصِّل أيضاً، لكنها تفعل ذلك بتركه بعجزٍ للكترونات، المعروف بـ "الفجوات"، مما يجعل البلّور موجباً أو النوع p. إنشاء وصلة بين بلّور من النوع n وبلّور من النوع p يعطي نتيجة مدهشة هي إنشاء جهاز إلكتروني مفيد، يدعى دايود، يوصل الكهرباء في اتجاه واحد بسبب قطبية البلّورات. يمكن استعمال الدايودات في الدارات الكهربائية لتحويل أو "تصحيح" التيار المتناوب إلى تيار مستمر. كما أنها مفيدة في مستقبِلات الراديو، حيث يُسمى عملها التصحيحي "اكتشاف". في بعض أنواع إرسالات الراديو كبث محطات AM، تتألف الإشارات المتلقاة في الواقع من تيار مستمر متقلّب مركَّباً على تيار متناوب مرتفع التردّد. يصدّ الدايود جزء التيار المتناوب ويمرّر الباقي إلى مضخِّم الراديو.إنشاء سندويش من دايودَين متعاكسين ظهراً لظهر ينشئ ترانزستوراً وصليّاً، والذي يمكنه أن يأخذ شكل بنيةٍ N-P-N أو بنيةٍ P-N-P. في هذا النوع من الترانزستورات، تُسمى إحدى الطبقتين الخارجيتين الباعث، والطبقة الوسطى القاعدة، والطبقة الخارجية الثانية المجمِّع. بما أن هدف الترانزستور هو أن يتصرف كبدّالة أو كمضخِّم للتيار، يتم توصيل الجهاز بمزوّد طاقة كبطارية لتزويد الباعث بمصدر تيارٍ، بينما يخدم المجمِّع كإخراج. إذا بقيت القاعدة غير موصولة، لا يستطيع أن ينساب التيار من خلال الترانزستور. لكن إذا تم توصيل القاعدة بمزوّد الطاقة أيضاً، سينساب تيار صغير من الباعث عبر القاعدة. سيتم "تشغيل" الترانزستور فوراً، وسيحدث انسياب أكبر بكثير من الباعث إلى المجمِّع. يمكن إضافة دارة أكثر تعقيداً لضبط كمية انسياب التيار عبر القاعدة، وبفعل هذا يمكن تنظيم أو تعديل انسياب الباعث-المجمِّع، مما يسمح للترانزستور باستخدام انسياب صغير جداً ليتحكم بانسياب كبير. يستطيع الترانزستور عندها أن يتصرف كبدّالة تشغيل-تعطيل بسيطة، مثلما يفعل في دارات منطق الكمبيوتر، أو يمكن استعماله لتضخيم الإشارة من الهاتف أو الميكروفون.بعد منتصف الخمسينات، كان معروفاً أن الوصلات المصنوعة من زرنيخيد غيوم (gallium arsenide) تبعث ضوءاً (رغم أنه مرّ وقت طويل قبل أن يبدأ تصنيع الليزرات القابلة للاستعمال والدايودات الباعثة للضوء، أو LED، بهذه الطريقة). شرح هذه الظاهرة يقدّم مجموعة أخرى من المصطلحات. الإلكترونات الحرة المنتقلة عبر بلّور شبه الموصِّل لها مستوى طاقة مرتفع نوعاً ما ويُقال أنها في "حزام التوصيل". عندما يُصادف إلكترونٌ فجوةً في ذرّة، يقع فيها ويميل إلى البقاء هناك. تتواجد الفجوات في الذرّات في الشبكية حيث سيتواجد الإلكترون عادة، وعندما يقع إلكترون حر، يعود إلى حالة طاقة متدنية. تتحرّر طاقته الزائدة على هيئة فوتون ضوء. عندما يكون فرق الطاقة أو "فجوة الحزام" صغيراً، مثلما هو في السيليكون، يتحرّر الضوء في تردّدات الأشعة تحت الحمراء غير المرئية. وعندما تكون فجوة الحزام كبيرة، يكون الانبعاث مرئياً. في نوع الدايود المستعمل للتبديل أو التصحيح، يمتص الدايود نفسه معظم الضوء. يتم تشييد الدايودات الباعثة للضوء بحيث يشعّ معظم الضوء إلى الخارج. يتم تركيب الجهاز عادة في كوب عاكس صغير ليساعد في توجيه الضوء، ويتم تحزيم المجموعة بأكملها في بلاستيك نصف شفاف. يستعمل ليزرٌ شبه موصِّلٌ مقداراً كبيراً من نفس المبدأ، باستعمال "بنيات متباينة" أو وصلات من مواد ذات فجوات حزام متقلبة بشكل واسع، واستخدام مرايا أو وسائل أخرى لعكس الضوء المنبعث من الوصلات من أجل تحفيز تأثير الليزر.الكهرباء الانضغاطيةمن الواضح أن بيار وجاك كوري كانا في العام 1880 أول من يقيس ظهور فولطيات صغيرة عند تطبيق ضغط على بعض أنواع البلّورات المعدنية، كتلك المسماة أملاح روتشل. اعتقاداً منهما أن هذا كان نوعاً "جديداً" من الكهرباء، لُقِّب هذا التأثير بالكهرباء الانضغاطية، وهو إسم علق في الأذهان. بعد فترة، اكتُشف أيضاً أن العملية المعاكسة يمكن أن تحدث أيضاً: عند إخضاع هكذا بلّورات لحقل كهربائي، ستتوتّر بنيات شبكياتها. أدى هذا البحث في نهاية المطاف إلى فئتين رئيسيتين من الأجهزة العملانية قبل العام 1945. اشتملت الفئة الأولى على الميكروفونات، سمّاعات الرأس، خراطيش الفونوغراف، ومبدِّلات الصوت تحت الماء (لاكتشاف الغواصات). وكانت الفئة الثانية هي استعمال بلّورات الكوارتز الهزّاز كمنظِّمات تردّد دقيق للمعدات الإلكترونية، كأنظمة الرادار مثلاً. في فترة ما بعد الحرب، انتعشت الأبحاث على الجهاز الكهربائي الانضغاطي باكتشاف فئة جديدة من الخزفيات ذات خصائص كهربائية انضغاطية شديدة. وقد توافَق الاهتمام في تلك المواد مع اهتمام متزايد في حقولٍ كالأصوات فوق السمعية، استعمال موجات صوتية ذات تردّد مرتفع جداً لأهداف مختلفة كالتصوير الطبي والجراحة، تنظيف المعادن، وإيجاد أسراب من الأسماك في البحر. بعد فترة طويلة، أصبحت الأجهزة الكهربائية الانضغاطية الصغيرة جداً جزءاً من الأبحاث في الأنظمة الميكانيكية المصغّرة (المناقشة في الفصل 6)، حيث تنفّذ الكهرباء الانضغاطية أشياء كضخّ السوائل على مقياس مُصغَّر. بحلول القرن الحادي والعشرين، أصبحت الكهرباء الانضغاطية شائعة الاستعمال كأجهزة استشعار لاكتشاف الحركة والتصادم والضغط والجهد. العديد من أنواع إنذارات في السيارات، مثلاً، يستعمل أجهزة الاستشعار الكهربائية الانضغاطية لاكتشاف الاهتزازات المتميزة التي تنبعث عندما ينكسر زجاج السيارة. كما تم استعمال الكهرباء الانضغاطية لتضخيم صوت الغيتارات السمعية. هناك استخدامٌ مهمٌ آخر في أواخر القرن العشرين كان ساعة الكوارتز، التي استعملت جهازاً كهربائياً انضغاطياً لتوليد إشارة كهربائية دقيقة يتم استعمالها لتنظيم سرعة آلية الساعة. لكن بقيت هذه التكنولوجيا إلى حد كبير عبارة عن حشرية في العقود الأولى من القرن العشرين.توسّع استعمالات الأجهزة الإلكترونيةإذاً في العام 1915 تقريباً، أصبحت مقوِّمات التردّدات الراديوية التي ترتكز على أشباه الموصِّلات والأنابيب المفرَّغة، والمضخِّمات التي ترتكز على الأنابيب المفرَّغة الثلاثية العناصر، متوفرة وقيد الاستعمال، مثلما كانت أنواع مختلفة أخرى من الأنابيب كـ CRT. وتحوَّل الراديو، الذي تم إطلاقه بناءً على التكنولوجيات الكهربائية الميكانيكية، إلى التكنولوجيا الإلكترونية بالقرب من نهاية الحرب العالمية الأولى. وتم الاستغناء عن مولِّدات الموجات بفجوة الشرارة والمنوِّبات الضخمة المرتفعة التردّد وحلت محلها المرسِلات بالأنابيب المفرَّغة الأصغر حجماً والأقل كلفة عادة. واستفادت أيضاً خدمة الهاتف بشكل كبير من ظهور "المكرِّرات" بالأنابيب المفرَّغة في العام 1915، عندما أطلقت AT&T أول خدمة للمكالمات البعيدة المدى من الساحل إلى الساحل. وقد استمر دور شركات الهاتف في تاريخ الأجهزة الإلكترونية في السنوات اللاحقة، والتوقف مؤقتاً هنا لشرح هذا قد يسهّل فهم التطوّرات العديدة اللاحقة في الإلكترونيات. فبعد فترة قصيرة من إنشاء خدمة المكالمات البعيدة المسافة، أصبح أحد أهداف شركات الهاتف حول العالم هو أتمتة عملية توصيل أحد زبائن الهاتف بزبون آخر. لقد استعمل النظام الأصلي لألكسندر بل عمالاً بشريين في المحطات المركزية يقومون بتوصيل المتصلين يدوياً من خلال قَبس الأسلاك مادياً في لوحة تبديل. كانت العملية بطيئة ومكلفة، خاصة للمحطات التي تضم أكثر من بضع مئات من المشترِكين. اقترح البعض استعمال نوع جديد من أجهزة الهاتف للسماح للزبائن بتوصيل المكالمات بأنفسهم. يستعمل الجهاز الجديد مفاتيح أو قرصاً دوَّاراً للاتصال بالمحطة المركزية واختيار الوصلة المطلوبة. وتقوم أجهزة تبديل تلقائية باكتشاف المعلومات الواردة من الهاتف (الذي يتألف من نبضات تيار مستمر مرسَلة في ترتيب معيّن) وتستعمل "مُرحِّلات" (جهاز يشبه مادياً مُرحِّلات التلغراف المشروحة سابقاً في هذا الفصل، لكنها تتصرّف كبدّالة تلقائية بدلاً من أن تتصرّف كمضخِّم) لتوجيه المكالمة إلى الجهة المطلوبة. بين الثلاثينات وحوالي العام 1960، ظهرت معدات تبديل تلقائي متطوّرة أكثر بكثير، ترتكز على مُرحِّلات، أعطت الزبائن القدرة على إجراء مكالمات محلية وبعيدة المسافة، لكن كان ثمن هذا مقداراً كبيراً من التعقيد وتكاليف صيانة مرتفعة. أصبحت معدات التبديل، التي لم يرها عموم الناس أبداً تقريباً، قلب خدمة الهاتف، وتساعد أهميتها في شرح سبب الأهمية الكبيرة لشركات الهاتف في تاريخ تكنولوجيا الأجهزة، لأنها سعت في السنوات اللاحقة إلى إيجاد بدائل إلكترونية للمُرحِّلات والبدّالات التقليدية."التوسّع السلبي" للأنابيب المفرَّغة في العشرينات والثلاثيناتفي العقدَين بين نهاية الحرب العالمية الأولى وبداية الحرب العالمية الثانية، توسَّع استعمال تقنيات الأنبوب المفرَّغ وشبه الموصِّل أبعد بكثير من حدود التراسل الهاتفي وبث محطات الراديو. بدءاً من العشرينات، مثلاً، بدأت شركات الفونوغراف بتسجيل أغانيها باستعمال مسجِّلات أقراص "كهربائية" جديدة في الستديو. فبدلاً من البوق السمعي القديم، استعملت تلك الآلات رأس قطع كهرومغنطيسي مصمّم بعناية، مركّباً على ذراع تشبه المِخرطة. كانت آلية القطع تُغذّى بالميكروفونات من خلال مضخِّم أنبوب مفرَّغ. كان النظام جذاباً جداً لدرجة أنه بمنتصف العشرينات اعتمدت معظم شركات التسجيل هذه التكنولوجيا. لكن القصة كانت مختلفة من جهة المستهلك. فالانهيار الاقتصادي الكبير أخَّر دخول الأنابيب المفرَّغة إلى أنظمة الفونوغراف المنزلية، لكن في أواخر الثلاثينات أصبحت معظم الفونوغرافات مجهّزة بلاقطات كهرومغنطيسية، وتشاركَت بمضخِّم ومكبّر صوت مع جهاز الراديو.شهدت أواخر العشرينات أيضاً تطبيق تكنولوجيا الأنبوب المفرَّغ على الأفلام السينمائية لإنشاء "الأفلام الناطقة". استعملت الأفلام الناطقة الأولى أسطوانات فونوغراف كبيرة يتم تشغيلها بالتزامن مع آلة العرض السينمائي ويتم تضخيمها من خلال مضخِّمات أنبوب مفرَّغ فعّالة ومكبّرات صوت. قدّمت شركات جنرال إلكتريك ووسترن إلكتريك وشركة الراديو الأميركية (RCA) وغيرها أنابيب منخفضة الضجة ومضخِّمات فعّالة لتناسب هذه السوق. وبعد بضع سنوات فقط، بدأت نفس تلك الشركات وغيرها بما في ذلك Pathé في فرنسا وTri-Ergon في ألمانيا بتقديم معدات لتسجيل المسار الصوتي على الفيلم السينمائي مباشرة على هيئة سجل مرئي بدلاً من أخدود ميكانيكي. واحتاجت عملية الاستماع إلى تطوير جهاز ملائم حسّاس للضوء "ليقرأ" المسار الصوتي. اقترح العديد من المخترعين استعمال النوع الموجود من الخلايا الضوئية المصنوعة من السيلينيوم لتحقيق هذه المهمة، لكن تلك الخلايا لم تكن عادة حسّاسة كفاية لإعطاء نتائج جيدة. كان "الأنبوب الضوئي" حلاً أفضل، وهو أنبوب مفرَّغ حسّاس للضوء (سنناقشه لاحقاً في هذا الفصل).بدأت الاتصالات الراديوية أيضاً بالتوسّع لتخدم احتياجات جديدة. لقد تم تزويدها بشكل رئيسي في البدء للاتصالات بين السفن والساحل، لكنها أصبحت بحلول الثلاثينات شائعة الاستعمال على الطائرات أيضاً. لكن هذا الإرسال الذي يبدو بسيطاً يتطلب في الواقع تحسينات كبيرة لجعل مرسِلات ومستقبِلات الراديو أخفّ وزناً وأصغر حجماً وأكثر قوة. كان اعتماد الجيش على الاتصال الراديوي في تصاعد مستمر، وسيثبّته في نهاية المطاف على كل سفينة وطائرة ودبابة وغواصة ومحطة أرضية تقريباً. لقد برز "البث" الراديوي في العشرينات أيضاً، وأصبح بحلول العام 1930 أساس شبكات الاتصالات المحلية والوطنية والدولية في كل بلد حول العالم تقريباً. بالأخص في الولايات المتحدة، حيث كانت هناك محطات عديدة متنافسة، أصبحت مسألة تزويد أنابيب وأجهزة أخرى للبث صناعةً رئيسيةً. أصبح الآن المصطلح "الإلكترونيات" شائع الاستعمال، ورغم أنه ليس واضحاً مَن هي أول جهة اعتمدته، إلا أن شعبيته انعكست في تأسيس المجلة التكنولوجية Electronics في العام 1930.الرادار وارتقاء الجيش في أبحاث الأجهزةأبدى الجيش، بالأخص في بريطانيا العُظمى والولايات المتحدة، اهتماماً مُبكراً بالتكنولوجيا التي أصبحت معروفة بالرادار. يأتي الإسم رادار من المصطلح radio detection and ranging (الاكتشاف اللاسلكي وتحديد المسافة). لقد عرف العلماء منذ أواخر القرن التاسع عشر أنه بإمكان الموجات الراديوية أن تنعكس، لكن أول تطبيق عمليّ لهذه الظاهرة ظهر في العام 1924 عندما استعمل إدوارد أبلتون مرسِل راديو ليقيس ارتفاع الغلاف المتأيّن (الأيونوسفير)، حيث قاس الوقت الذي استغرقته الموجة لتنعكس عائدةً إلى المرسِل واحتسب المسافة بناءً على السرعة الذي تسافر بها الموجات الراديوية. في العام 1934 أو 1935، استعملت شركة فرنسية هي Compagnie Générale Transatlantique هذه الطريقة مع مرسِل مرتفع التردّد لتكتشف السُفن المحتجبة في الضباب أو الظلام. الأنبوب الذي اختارته الشركة، الذي سُمّي في نهاية المطاف مغنترون، تعود أصوله إلى دراسات عن مسارات حركة الإلكترون التي أجراها ج. ج. تومسون في تسعينات القرن التاسع عشر. استكشَف تومسون المسارات التي تسلكها الإلكترونات أثناء طيرانها تحت تأثير حقل مغنطيسي قوي. لاحقاً، اخترع الفيزيائي السويسري هنريخ غريناشر أنبوباً فيه كاثود مركزي مُحاطاً بأنود منحني أو أنبوبيّ. عند تطبيق حقل مغنطيسي قوي خارج غلاف الأنبوب، تبدأ الإلكترونات تدور داخل الأنبوب بدلاً من أن تضرب الأنود. سيؤدي هذا الدوران إلى توليد طاقة ذات تردّد مرتفع جداً داخل الأنبوب. رغم أن الفيزيائي الألماني إيريك هابان استعرض مرسِل راديو مرتفع التردّد يرتكز على هكذا أنبوب في العام 1921، إلا أن ألبرت هَلّ من جنرال إلكتريك استقصى المبدأ في العام 1920 وصمّم أنبوباً ملائماً للاستعمال كمرسِلٍ AM. لقد كان أنبوب هَلّ، المسمى المغنترون، الذي تم تذكّره في السنوات اللاحقة كالأصل لنشوء خط مهم من الأنابيب المولِّدة للموجات الصُغرية (مايكروويف). لم تستثمر جنرال إلكتريك كثيراً في المغنترون، لكن التصميم الأساسي خضع لتحسين مستمر في العشرينات والثلاثينات. اكتشف المهندسون في ألمانيا وبريطانيا العُظمى أنه عند استخدام حقول مغنطيسية أقوى وفولطيات تشغيل أعلى، يُبدي الأنبوب بعض الخصائص المثيرة للاهتمام. رغم أن طريقة عمله كانت مفهومة بشكل سيئ، إلا أن الأنبوب يستطيع تزويد مستويات طاقة مرتفعة بالمقارنة مع الأنابيب "المشبّكة" التقليدية. يعود السبب إلى التفاعل بين الإلكترونات الدائرة وبين الحقل المغنطيسي الخارجي. لقد أدّى تفاعل الحقول إلى جعل بعض الإلكترونات داخل الأنبوب تتباطأ وبعضها الآخر تتسارع. بالنتيجة، ستصبح مجموعات. بعدها سترسل المجموعات طاقتها إلى دارة إخراج الأنبوب على هيئة موجات صُغرية فعّالة.كان هناك تطبيق مهم للمغنترون هو الكلايسترون، الذي تم اختراعه في أواخر الثلاثينات من قِبل الأخوين سيغورد وراسل فاريان. في أنبوبهما، يمرّ شعاع إلكترون مستقيم من خلال تجويف طويل فارغ. ويتفاعل في طريقه مع حقول معدِّلة، ترنّ داخل حجرات دائرية مجوّفة. تُنشئ الإلكترونات مجموعات، ثم تنقل معظم طاقتها بالتحريض الكهرومغنطيسي إلى حنفية (صنبور) بالقرب من نهاية الأنبوب. وكانت الطاقة المتبقية في الإلكترونات تُهدَر على هيئة حرارة عند رأس الأنبوب، الذي كان يجب تبريده لمنع حرارة الأنبوب من الارتفاع بشكل زائد. كان الأنبوب عبارة عن مولِّد موجات صُغرية فعّال، وكان فهم طريقة عمله بالنسبة للمهندسين أسهل في ذلك الوقت من المغنترون.مغنترون التجويف والرادار في الحرب العالمية الثانيةقبل اختراع مغنترون التجويف والكلايسترون، كان الباحثون محدودين عند الأنظمة التي تستطيع إنتاج نبضات رادار قوتها عدة كيلوواطات أو أقل. في العام 1939، أنتَج جون ت. راندال وهنري أ. بووت في جامعة برمينغهام في إنكلترا، يبدو أنه عن طريق الصدفة، مغنتروناً محسّناً أصبح الأساس لخط أبحاث مهم في حقل الرادار. أظهَر الأنبوب، المسمى مغنترون التجويف، دلائل واعدة بتخطي طاقة إخراج الأنابيب التقليدية بشكل كبير. تم اشتقاق الإسم من شكل الأنود. فبدلاً من استعمال صفيحة منحنية واحدة أو أكثر مثلما يفعل البقية، كان الأنود مصنوعاً من أسطوانة قصيرة من المعدن الخالص تم ثقب سلسلة من الفجوات فيها. وكان يوجد في الوسط فجوة مركزية كبيرة تم إدخال الكاثود فيها على هيئة سلك معدني. ثم تم قصّ ممرات من الفجوة المركزية إلى كل تجويف من التجويفات المحيطة. عندما كان التيار ينساب في الأنبوب، كانت الإلكترونات تتفاعل مع كتلة الأنود، وكانت تنشأ حقول رنّانة قوية يعتمد تردّدها على حجم التجويفات. الإلكترونات الذاهبة نحو الأنود ستتفاعل أيضاً مع مغنطيس خارجي، الذي يمنعها من بلوغ الأنود لكن يجعلها تدور في غيمة دوران في التجويف المركزي. الحقل المغنطيسي الذي ينبعث عن هذه الغيمة يتفاعل مع حقول الأنود، مما يؤدي إلى نشوء حقل مغنطيسي متذبذب في كل تجويف. وتتفاعل تلك الحقول أكثر فأكثر مع غيمة الإلكترون، مما يسحب طاقة منها وتصبح أقوى على نحو متزايد. يحدّد حجم وتباعد التجويفات تردّد الحقول المنشأة هناك، ويمكن تشييد الأنبوب بسهولة ليرنّ عند تردّدات الموجات الصُغرية. ويؤدي إدخال حلقة بسيطة من الأسلاك في جهة إحدى التجويفات إلى سحب بعض طاقة الموجات الصُغرية، التي يتم نقلها عندها إلى مرسِل الرادار. بعد العمل لبعض الوقت على مغنترون تجويف لأطوال موجيّة حجمها 10 سم، سلَّم الباحثون البريطانيون أسرار تصميمهم إلى المهندسين في الولايات المتحدة، لكي يستطيعوا أن يركّزوا على الاحتياجات العاجلة أكثر. حسّنت الشركة Bell Telephone Laboratories وغيرها المغنترون البريطاني، فقدّمت مثلاً أنبوباً بأطوال موجيّة من 20 إلى 30 سم بعد بضع سنوات كان قادراً على تسليم نبضة قوتها 750 كيلوواط. لم يكن هذا النوع من القوة متوفراً أبداً عند أطوال موجيّة قصيرة هكذا من قبل، وقد تبيَّن أن أنظمة الرادار الناتجة عن ذلك مهمة جداً في انتصار الحلفاء.في غضون ذلك، تواصَل العمل على الكلايسترون، الذي أعتُبر في نهاية المطاف جزءاً من فئة أجهزة جديدة مسماة أنابيب الموجات المسافرة (أو TWTs). ساهمت شركة Bell Telephone Laboratories في العمل المُبكر على أنواع جديدة من أنابيب الموجات المسافرة، مما أدّى إلى ظهور طراز عملاني صنع رودلف كومبفنر وأ. و. هايف وجون ر. بيرس من شركة Bell Telephone Laboratories في العام 1943. تبيَّن أن الأنبوب، الذي كان يهدف أصلاً إلى توليد موجات صُغرية مرتفعة القوة، يمكنه أن يكون أيضاً مضخِّماً بعرض نطاق عريض جداً، مما فتح له احتمالات بعيدة عن الرادار.الجيش والنمنمةكانت أنابيب الرادار أيضاً في قلب أحد الجهود الأولى لإنتاج أنظمة إلكترونية منمنَمة. اقترح و. س. بوتمنت في بريطانيا شيئاً يدعى مصهر التقارب في العام 1941. داخل قذيفة المدفعية، يُرسل رادار صغير جداً نبضاتٍ ويقيس التأخير بين الموجات الصادرة والانعكاسات الواردة. طالما كانت القذيفة تمرّ بالقرب من هدفها، سيتناقص التأخير إلى قيمة محدّدة مسبقاً. عندما يحصل ذلك، تسبّب الدارة حصول انفجار. أدرك المهندسون الذين اقترحوا هذا النظام أنه سيتطلب أنابيب أصغر بكثير من تلك الجاري استخدامها في الرادار التقليدي، ويجب أن تكون [image "Description: images\electronics_Page_016_Image_0001.tif" file=image-241.jpg] استعمل مغنترون بيرسي سبنسرز المرتفع الفعالية من العام 1941 حقلاً مغنطيسياً قوياً لجعل الإلكترونات الحرة في أنبوب مفرَّغ تدور في مسارات دائرية. هذه الصورة هي اقتطاع جانبي من فوق تبيّن كيف أن حجم وتباعد التجويفات العديدة الرنّانة (14) المقصوصة في كتلة الأنود (4) تساهم في التأثير. التأثير هو إنتاج موجات قوية من الطاقة المرتفعة التردّد يتم سحبها بواسطة حلقة تقارن (25). براءة الاختراع الأميركية 2408235.الأنابيب قادرة على تحمّل الإجهاد الهائل الناتج عن إطلاق القذيفة من المدفع. لاحقاً، أدرك البريطانيون، الذين بدأوا هذه الأبحاث، أنهم لا يملكون الموارد لإنهاء تطوير المصهر وتصنيعه على نطاق كبير، لذا طلبوا من الأميركيين أن يفعلوا لهم ذلك. كانت القذائف جاهزة للاستعمال بحلول العام 1941، وتم استعمالها لاحقاً لمحاربة "القنابل الأزّازة" الألمانية ذات القيادة الآلية والسريعة جداً التي كانت تُقذَف على لندن. ارتفع معدّل إصابة القنابل الأزّازة سريعاً إلى 100 بالمئة تقريباً. وبنهاية الحرب، كانت الشركات الأميركية ومن بينها شركة ريثيون قد صنّعت أكثر من 150 مليون مصهر تقارب (proximity fuse). وإلى جانب كونه أحد أهم الإنجازات التكنولوجية المؤثّرة في الحرب، كان مصهر التقارب أيضاً مؤشَّراً لبداية جهود قوية من قِبل الجيش لنمنمة الأجهزة الإلكترونية المستعملة في الطائرات والصواريخ. سيساهم هذا التركيز على النمنمة، في السنوات اللاحقة، بشكل مباشر في نجاح التكنولوجيات التي تتراوح من الترانزستور إلى الدارة المتكاملة.بدايات أجهزة العرض والتصويريتطلب العديد من الأنظمة الكهربائية والإلكترونية نوعاً من الأجهزة ليتصرف كعارض أو مؤشر للمعلومات. اعتمدت الاقتراحات الأولى للتلغراف في القرن التاسع عشر على المؤشرات الكهرومغنطيسية والأبجدية الرقمية التي تستعمل إبرة متحركة واحدة أو أكثر للتأشير إلى حرف أو رقم، وكانت المؤشرات ذات الإبرة شائعة في القرن العشرين لمختلف أنواع أدوات القياس الكهربائية. واشتمل بعض أشهرها على مؤشرات المقاوَمة ذات الإبرة المستعملة لإظهار مستوى الوقود في السيارات ومؤشر وحدة الحجم الكهرومغنطيسي (أو العدّاد "VU") المستعمل في المعدات الصوتية. عندما أصبح المصباح المتوهّج شائعاً في أواخر القرن التاسع عشر، أصبح أيضاً نموذجاً شائعاً من المؤشرات. تستطيع المصابيح الفردية إظهار "حالة الاشتغال" أو معلومات بسيطة أخرى، بينما يمكن استعمال مصفوفات من المصابيح لإبراز كلمات أو لإنشاء صور. اعتمدت معظم أنظمة التلفزيون المقترحة من تسعينات القرن التاسع عشر إلى عشرينات القرن العشرين على مصفوفات مصابيح، إلى جانب أجهزة ميكانيكية مساعِدة، لتشكيل الصور. وكانت المصابيح الصغيرة المعبأة بالغاز من النوع المستعمل منذ منتصف القرن التاسع عشر شائعة الاستعمال في محطات تبديل الهاتف لتحديد حالة "انشغال" الخطوط. في إلكترونيات المستهلك، كان هناك نوع مهم من المؤشرات هو أنبوب "العين العجيبة" الذي تم تطويره في الثلاثينات. العين العجيبة هي نوعٌ من أجهزة شعاع الكاثود، وهي تُضيء فوسفوراً على أنود هدف دائري موضوع بحيث يمكن رؤيته بسهولة خارج غلاف الأنبوب. يمكن تكبير أو تصغير حجم البقعة المُضاءة لتحديد حجم أو قوة إشارة الراديو. قبل ظهور عدّادات وحدة الحجم الرخيصة حوالي العام 1960 (وهي تكنولوجيا استُبدلت لاحقاً بأجهزة العرض الإلكترونية)، كانت العين العجيبة هي النموذج القياسي لمؤشرات المستوى للمسجِّلات وأجهزة الراديو الأغلى ثمناً.تطوير أنبوب أشعة الكاثود خلال الثلاثينات والأربعيناتأهم تكنولوجيا من بين تكنولوجيات عرض الأنبوب المفرَّغ كانت أنبوب أشعة الكاثود (CRT). بقي أنبوب أشعة الكاثود مثلما قدّمه براون قليل الاستعمال حتى العشرينات، عندما طوَّر هندريك ج. فان در بيجي وجون ب. جونسون في وسترن إلكتريك أنبوب أشعة كاثود صغيراً للاستعمال في راسمات الذبذبات الإلكترونية. كان الأنبوب، المسمى النوع 224-A، الأول على الأرجح في الإنتاج الدوري. كان غلاف هذا الأنبوب بشكل قارورة، مع شاشة كبيرة نسبياً مسطّحة مستديرة لتسهيل رؤية وقياس أشكال الموجات. خلال نهاية عصر الأنبوب المفرَّغ، كانت معظم أنابيب أشعة الكاثود لعملية رسم الذبذبات تستعمل الانحراف الالكتروستاتي للشعاع من خلال مجموعتين من الصفائح داخل الغلاف. وقد زوَّد هذا وقت استجابة أسرع من المغنطيس الكهربائي الخارجي، لكن المغنطيسات الكهربائية أعطت نتائج أفضل للتلفزيون والرادار وشاشات الكمبيوتر التي ظهرت لاحقاً.شكّلت راسمات الذبذبات سوقاً صغيرة لكن ثابتة لأنابيب أشعة الكاثود خلال فترة الثلاثينات، عندما أصبحت راسمة الذبذبات الإلكترونية ميزةً قياسيةً في العديد من مختبرات الإلكترونيات الصناعية والجامعية. عندما قرّرت شركة  RCA في أوائل الثلاثينات أن تكرّس مواردها الكبيرة للتلفزيون، اختار المهندسون أنبوب أشعة الكاثود لعملية العرض فيه. وأفادت عملية تطوير أنبوب أشعة الكاثود، التي كانت تسير جيداً عند بدء أبحاث الرادار خلال الحرب العالمية الثانية، جهاز التلفزيون بشكل مماثل. خلال الحرب العالمية الثانية، صرفت الحكومة الأميركية بمفردها مبلغاً ضخماً قدره $2.7 مليار على أنظمة الرادار للاستعمال العسكري، وقد أدّى بعضها إلى شاشات CRT أكبر وصافية أكثر ومستجيبة أكثر. في البدء، كان عدد الشاشات CRT المتوفرة تجارياً قليلاً، لذا كان النموذج القياسي لمؤشر الرادار عبارة عن راسمة ذبذبات تعمل بشعاع الكاثود. كانت الرادارات الأولى تعرض في أغلب الأحيان "انعكاسات" الرادار، فتمثّل الأشياء التي يكتشفها الرادار كدائرة فارغة على الشاشة مع نتوءات (للدلالة على انعكاسات الرادار) تُشير باتجاه الخارج. وكان هناك تنويعٌ ثانٍ يعرض النتوءات التي تُشير من أسفل الشاشة. كان النوع الثاني معروفاً بنمط التقديم A-Scope، لكن استُبدل بدءاً من العام 1941 بعرض الرادار المبيّن للموقع في المستوى الأفقي (plan position indicator أو PPI). سيقوم الرادار PPI المحمول جواً والموجَّه نحو الأرض، مثلاً، بعرض قطعة الأرض والأشياء الموجودة عليها أو فوقها كما لو أنها كانت تُضاء بمصباح ضخم. يعود الفضل لهذا النوع من الرادار إلى جهد مشترك بين مختبر الأبحاث البحرية الأميركي وبين الباحثين في بريطانيا العُظمى. لا يزال الرادار PPI يستعمل شاشةً CRT عادية، لكن يتم تحديث الصورة فيه بتواتر أقل بكثير مما يجري في التلفزيون، لذا كانت هناك رغبة بإيجاد شاشة CRT بفوسفور يستطيع أن يبقى متوهّجاً لعدة ثوانٍ. بالنتيجة، استعملت الشاشات CRT للرادار PPI تكنولوجيا معروفة بالشاشات P7، والتي تم تطويرها لأول مرة في بريطانيا العُظمى في العام 1938، والتي وفّرت بقاءً أفضل للصورة من الشاشات CRT لراسمة الذبذبات القياسية في ذلك الوقت.أنابيب أشعة الكاثود للتلفزيون في الأربعيناتمعظم أنظمة التلفزيون المقترحة قبل أوائل الثلاثينات كانت تنشئ الصورة باستعمال قرص دوّار سريع فيه دوائر ثقوب. وكان هناك صف لمبات صغيرة تومض في اللحظات الملائمة خلف القرص فتشكّل صورة كاملة بسبب استمرار الأثر في العين. لكن نوعية الصورة كانت سيئة دائماً. وبدا التلفزيون الإلكتروني الذي يستعمل أنبوب أشعة الكاثود للعرض كبديل أفضل، وتم اختراع هكذا نظام في ألمانيا عام 1935 واستُعمل لعدة سنوات قبل الحرب العالمية الثانية.كان العديد من المخترعين والشركات في الولايات المتحدة وأوروبا ينتقلون نحو التلفزيون الإلكتروني، لكن لم ينجح أحد منهم بقدر نجاح شركة الراديو الأميركية (RCA)، التي بدأت البث في العام 1939. كانت شاشات CRT المتوفرة تجارياً صنع الشركة RCA في الثلاثينات بحجم 5 أو 9 بوصات وتستعمل الفوسفور الأخضر (أو الأصفر لاحقاً). تم تقديم شاشة حجم 12 بوصة في العام 1939، عندما كانت الشركتان فيلكو وNational Union تسوّقان شاشات CRT في الولايات المتحدة، بينما كانت الشركة Baird في إنكلترا تصنّع من قبل شاشات "Cathovisor" بحجم 12 و15 و22 بوصة. كانت الشركة Dumont and Cossor (وهي شركة إنكليزية) تسوّق أيضاً أنابيب منحرفة الكتروستاتياً للتلفزيون. بدأت الشركة السابقة بتصنيع شاشات CRT حجم 14 و20 بوصة في العام 1939.رغم أن التلفزيون التجاري وُضع جانباً خلال الحرب، استمرت بعض الأبحاث المتعلقة بالتلفزيون. الشركة RCA، مثلاً، طوّرت قنبلة طائرة يتم التحكم بها عن بُعد بواسطة كاميرا تلفزيون مركّبة فيها ترسل إشارات إلى محطة تحكم قريبة. تم استعمال القنابل الطائرة بشكل محدود في منطقة المحيط الهادئ.التصويرتماشياً مع أهداف هذه المناقشة، تكنولوجيا التصوير هي أي جهاز يُستعمل لاكتشاف معلومات بصرية، لكن بإمكان هذا أن يتراوح من المكتشِفات الضوئية البسيطة إلى مجموعات أكثر تعقيداً من آلاف أو ملايين الأجهزة الفردية المستعملة في الكاميرات الإلكترونية هذه الأيام. كانت خلايا السيلينيوم الفردية تُستعمل اختبارياً في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين كأجهزة استشعار ضوئية لتحقيق أهداف كفتح الأبواب تلقائياً. بسبب عدم حساسيتها النسبية، تم استبدالها في تطبيقات عديدة بالأنابيب الضوئية بدءاً من الثلاثينات. تضمّنت تلك الأنابيب باعثاً ضوئياً حسّاساً للضوء كان عادة من المادة شبه الموصِّلة سيزيوم أكسيد الفضة مغلّفة في صفيحة كاثود معدنية. سيُطلق الكاثود دفقاً ضعيفاً من الإلكترونات عند إصابته بالضوء، والذي سيجمّعه الأنود. كان يتم عادة وضع مضخِّم ترايود في نفس غلاف الأنبوب لرفع الإخراج إلى مستويات ملائمة لمراحل المضخِّم اللاحقة. تم الترويج بحماسة للأنابيب الضوئية المشابهة للاستعمال في التطبيقات الصناعية في الثلاثينات والأربعينات. كانت تسمى الأنابيب في أغلب الأحيان "عيون كهربائية"، وكانت قادرة على اكتشاف وجود أو عدم وجود الأشياء بناءً على الضوء المنعكس منها أو الذي يشعّ من خلالها، وبهذه الطريقة تستطيع الدارات الإلكترونية تنفيذ تحكّمٍ بدائيٍ بالنوعية أو تطبيقات صناعية بسيطة أخرى.أنابيب الكاميراكان تجميع الصور المعقّدة أكثر ذات الهيئة الإلكترونية بدلاً من الهيئة الفوتوغرافية جزءاً أساسياً لتطوّر التلفزيون. وظّفت شركة RCA فلاديمير زواريكين، وهو مهاجر روسي سجَّل براءة اختراع جهاز تلفزيون يستعمل شاشة أنبوب براون (CRT) وأنبوب كاميرا إلكترونية خاصة يسمى الأيكونوسكوب في العام 1923. استخدَم أنبوب الكاميرا صفيحةً هدفاً مصنوعة من ورقة مايكا عازلة وُضعت عليها قطرات صغيرة جداً من مادة باعثة للضوء. تتوافق كل قطرة مع بكسل (pixel) واحد من معلومات الفيديو. عاد زواريكين إلى هذا التصميم بدءاً من العام 1929 في الشركة RCA، وأجرى اختبارات على الأنبوب الجديد، بدءاً من العام 1934، مستخدماً الفسيفساء التي أصبحت مألوفة أو مصفوفة عناصر الصورة (البكسلات) الباعثة للضوء التي تتألف من قاعدة من أكسيد الفضة مع طبقة من أكسيد السيزيوم. كان هناك شعاع إلكترون يمسح كل بكسل، وكان الضوء الذي يضرب حُبيبةً من المادة الباعثة للضوء يجعلها تُطلق إلكترونات وتصبح مشحونة إيجابياً. لذا تلتقط المصفوفة في البدء صورةً على شبكة بكسلاتها، ويصبح كل بكسل موجباً أكثر أو أقل وفقاً لكثافة الضوء الذي ضرب هناك. خلف ورقة المايكا التي تدعم المصفوفة الباعثة للضوء كانت توجد "صفيحة إشارة" معدنية، وكل حُبيبة شكّلت مكثِّفاً بين نفسها وبين المايكا العازلة وبين صفيحة الإشارة. عندها تجمِّع الكُريّات الإلكترونات عندما يمسحها الشعاع وتتغيّر حالة شحنتها فجأة. يؤدي هذا إلى حصول انسياب للإلكترونات في صفيحة الإشارة بسبب عمل المكثِّف. عندما يمسح الشعاع المصفوفة، سيسبّب كل بكسل حصول تفريغ في صفيحة الإشارة، وكانت النتيجة إشارة التلفزيون. يعمل الأنبوب في مستويات ضوء محيط متدنية أكثر من طرق مسح التلفزيون السابقة.كان الأيكونوسكوب أنبوب الكاميرا الأول الذي عمل بشكل ملائم مع بث التلفزيون، رغم أنه كان لا يزال يتطلب مستويات إضاءة مرتفعة جداً للحصول على تباين ملائم للصورة. بدأ استخدامه في العام 1939 في البث التلفزيوني الأول لشركة RCA. في العام 1939، تعاون ألبرت روز وهارلي أيامز من شركة RCA على اختراع نوع جديد من أنبوب كاميرا التلفزيون يدعى الأورثيكون. لسوء الحظ، كانت الحرب قد أنهت مسبقاً البث التلفزيوني، لكن شركة RCA تابَعت تطوير الأنبوب بتمويل عسكري. وتم استعماله في نهاية المطاف في معدات عسكرية مختلفة، كالصاروخ الموجَّه بالكاميرا الذي يعمل بالتحكم عن بُعد والذي تم استعماله بشكل محدود أواخر الحرب. احتوى الأورثيكون على مصفوفة حسّاسة باعثة للضوء كان يتم تركيز الصورة المطلوبة عليها. والفوتونات التي تضرب المصفوفة تجعلها تُصدر إلكترونات وفقاً لكثافة الضوء، وكان يتم تجميع تلك الإلكترونات في مؤخرة الأنبوب بواسطة صفيحة مجمِّعة. يعيد الشعاع الماسح شحن الحُبيبات بالتتابع، مثلما يجري في الأيكونوسكوب، وعندما يحصل ذلك يرسل كل بكسل نبضة إشارة إلى صفيحة الإشارة المشتركة. وكانت الإلكترونات الزائدة من الشعاع تنعكس إلى الصفيحة المجمِّعة. استعمل الأنبوب فرق فولطية أكبر بين فسيفساء الصورة وبين الصفيحة المجمِّعة للإلكترونات المنبعثة. وكانت النتيجة أن كمية أكبر من تلك الإلكترونات عادت إلى داخل الأنبوب لتضرب المجمِّع. هذا خفَّف عودتها إلى الفسيفساء، مما أدّى إلى "ضجة" في الصورة. حقّقت شركة RCA انخفاضاً إضافياً لهذا الانبعاث الثانوي بإبقاء الفسيفساء عند نفس احتمال الفولطية كمدفع الإلكترون، لكي تضرب الإلكترونات الباعثة للضوء الحُبيبات بلطف أكثر. رغم أن شعاع الإلكترون المنخفض السرعة حسّاسٌ أكثر من الأيكونوسكوب، إلا أنه كان من الصعب تركيزه، لذا استمرت محاولات تحسينه خلال الأربعينات.سيعود الأورثيكون بعد نهاية الحرب ليستبدل الأيكونوسكوب لكاميرات التلفزيون. وقد حسّنه روز وبول وايمر وهارولد لُوْ العاملين في الشركة RCA، معيدين تقديمه كأورثيكون الصورة. استغلّ الأورثيكون الانبعاث الثانوي للإلكترونات بدلاً من تجنّبه. تبعث الفسيفساء الباعثة للضوء الإلكترونات نحو داخل الأنبوب، حيث يسرّعها حقلٌ كهربائيٌ وتضرب صفيحةً هدفاً موجودة على مسافة قصيرة منها. عندما يحصل هذا، تزيح الإلكترونات عن الهدف، وتنشأ "صورة شحنة" تتألف من مصفوفة مناطق مشحونة إيجابياً. كانت صورة الشحنة هذه أقوى بعدة مرات من الصورة الأصلية بسبب التسارع. عندها يمرّ الشعاع الماسح فوق هذا الهدف، مُعيداً كل منطقة إلى حالة شحنة محايدة وعاكساً أي إلكترونات زائدة عكسياً ليتم تجميعها في مؤخرة الأنبوب. لكن بدلاً من التخلّص من هذا الشعاع المنعكس، يستخرج أورثيكون الصورة الإشارة منه، كون الشعاع تنوّع في المزامنة الدقيقة مع حالة شحنة كل منطقة على الهدف. كانت النتيجة أنبوباً بحساسية أكبر للضوء. أصبح أورثيكون الصورة بسرعة أنبوب كاميرا التلفزيون القياسي وبقي هكذا لعقدَين من الزمن. رغم أنه تم استبداله لاحقاً بأجهزة أشباه الموصِّلات، لا يزال يتم إحياء ذكرى الأنبوب في إسم جائزة إيمي (Emmy، والمعروفة أصلاً بـ Immy) التي تقدّمها الأكاديمية الوطنية للفنون والعلوم السينمائية.الكمبيوترات والأجهزة الإلكترونيةيعتمد حقل استخدام الكمبيوتر هذه الأيام على الأجهزة الإلكترونية بشكل كبير لدرجة أنه من المستحيل تقريباً مناقشة الاثنين بشكل منفصل. لكن كما الفونوغراف والهاتف والراديو، كانت الكمبيوترات الأولى خالية كلياً من الأجهزة الإلكترونية، وفي حالات عديدة خالية من الدارات الكهربائية أيضاً. تعود أصول الكمبيوترات العصرية إلى الأجهزة الميكانيكية المستعملة لإجراء عمليات حسابية بسيطة، وفي الآلات المتخصصة المنشأة لحل المعادلات التفاضلية المعقّدة، وفي المعدات المستعملة لتجميع وفرز وتخزين المعلومات الرقمية. اخترع عدد من علماء الرياضيات الأوروبيين آلات لاحتساب الأرقام بدءاً من القرن السادس عشر. وبمنتصف القرن التاسع عشر، في وسط الثورة الصناعية، كانت الحاسبات الميكانيكية الصغيرة بما يكفي لكي تتسع على سطح المكتب قيد الاستعمال في كل أصناف المهن والمكاتب الحكومية لأهداف المحاسبة.في العشرينات، اقترح أستاذ الفيزياء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا فانّيفار بوش أنه يمكن محاكاة المعادلات المعقّدة التي تشتمل على عدة متغيّرات باستعمال ما يسمى الكمبيوترات التماثلية. كانت تتم محاكاة المعادلة المطلوب حلها، إلى حد ما، بترجمة متغيّراتها إلى تروس أو حدبات (كامات) أو مكوّنات ميكانيكية أخرى. وقد لعبت الكمبيوترات التماثلية، بسبب معالجتها المعادلات المعقّدة جداً بسهولة، دوراً حيوياً في مهامٍ كمحاكاة الطيران (المستعملة لأول مرة في الحرب العالمية الثانية) وتصويب المدفعية لسنوات عديدة. كما ستتم ترجمتها إلى تصاميم إلكترونية، رغم أنها ساهمت بوضوح بجزء صغير فقط في إعادة تشكيل سياق تكنولوجيا الأجهزة. كانت الكمبيوترات الرقمية أكثر أهمية في هذا الشأن.تتضمن الكمبيوترات الرقمية هذه الأيام بعض الأفكار من الأسلاف التماثليين، مدموجة مع بضع أفكار أخرى. وكان لآلة هولليريث المنظِّمة للجداول، المقدَّمة في تسعينات القرن التاسع عشر، تأثيراً مهماً على تصميم الكمبيوتر. اقترح هيرمان هولليريث تخزين معلومات إحصاء السكان على بطاقات مثقوبة. عندها تستطيع آلته فرز البطاقات واستخراج لوائح بالأشخاص الذين يملكون مميزات محدّدة. رغم أن بعض آلات هولليريث استعملت محرّكات كهربائية، إلا أن وظائف فرزها بقيت تعتمد على عمليات ميكانيكية بكل معنى الكلمة. استوحت الكمبيوترات الرقمية أيضاً من الجيل السابق للحاسبات المهنية المستعملة للعمليات الحسابية البسيطة. كان شائعاً في العشرينات أن يقوم الباحثون العاملون على المسائل الرياضية المعقّدة جداً بتقسيم المسائل إلى مهام حسابية منفردة وتوزيعها على عمّال حساب بشريين (يسمّون "كمبيوترات") ينفّذون العمليات الحسابية ويُجَدولون النتائج. كان يتم كل هذا يدوياً أو ميكانيكياً حتى العام 1937، عندما شيَّد المهندس جورج ستيبيتز العامل في مختبرات بَل (Bell Laboratories) حاسبةً تستعمل مُرحِّلات الهاتف الكهربائية لتنفيذ العمليات الحسابية. كانت المُرحِّلات مرتّبة في دارات لكي يستطيع العامل، مثلاً، ضغط أزرار لجعل الآلة تجمع رقمين ورؤية النتائج معروضة كلمبة مضاءة. شجَّعت إدارة مختبرات بَل ستيبيتز على تشييد طراز معقّداً أكثر قادراً على تلقي وإرسال البيانات على خطوط الهاتف إلى آلة مُبرقة كاتبة. كانت حاسبة المُرحِّلات اختراعاً مدهشاً في ذلك الوقت وقد عملت أسرع بكثير من الحاسبة الميكانيكية فلفتت أنظار الباحثين.في أواخر الثلاثينات، كان العديد من الميزات الأخرى التي ستُستعمل لبناء الكمبيوترات العصرية الأولى متوفرة مسبقاً، كالرياضيات الثنائية. كان الطلب على تلك الأجهزة لا يزال منخفضاً، لكن هذا بدأ يتغيّر مع اقتراب الحرب العالمية الثانية. قرّر أستاذ في جامعة أيوا، جون أتناسوف، تشييد حاسبة ثنائية محسّنة في العام 1939. اقترح تغذية البيانات إلى الحاسبة بواسطة بطاقات مثقوبة، وتجري العمليات الحسابية الفعلية في الدارات الكهربائية، وسيتم تخزين النتائج الوسيطة بصرياً على بطاقات تكتبها الآلة. سيتم تخزين الأرقام في "الذاكرة" كشحنات على مجموعة مكثِّفات مركّبة على أسطوانة تدور. وكان هناك آخرون، أمثال كونراد زوس في ألمانيا، يعملون على خطوط مشابهة.قامت شركة IBM وجامعة هارفرد ببناء كمبيوتر أكثر تعقيداً خلال الحرب العالمية الثانية سُمّي هارفرد مارك 1. كانت البرامج تُغذّى للكمبيوتر على شريط ورق مثقوب، وكان يتم إدخال البيانات من خلال بطاقات مثقوبة. كانت العمليات الحسابية الفعلية تُنفَّذ في المجموعة الكبيرة من المُرحِّلات والقوابض والمحاور الدوّارة في الكمبيوتر. في غضون ذلك، شيَّد البريطانيون كمبيوتراً قابلاً للبرمجة يدعى Colossus (كولوسوس) لمساعدتهم في كسر الشيفرات الألمانية السرية. بدلاً من مُرحِّلات، استعمل هذا الكمبيوتر أنابيب مفرَّغة مربوطة في دارات لكي تعمل كمُرحِّلات (أي، بدّالات سريعة النتائج)، لكنه لم يتضمن أي أجزاء متحركة. بين العامين 1943 و1946، تم بناء كمبيوتر آخر يدعى ENIAC (إينياك) (اختصار Electronic Numerical Integrator and Computer، مُكامِل رقمي إلكتروني وحاسبة) في جامعة بنسلفانيا. في هذا الوقت، كانت الأنابيب المفرَّغة قد بدأت تحل محل المُرحِّلات لأن مصممي الكمبيوتر أدركوا أن سرعة التبديل التي يقدّمها الأنبوب كانت أسرع بكثير من تلك التي يقدّمها المُرحِّل. ومع نمو الكمبيوترات لتصبح أكثر تعقيداً وازدياد عدد المُرحِّلات أو الأنابيب، أصبحت سرعة التبديل أهم أكثر فأكثر. لكن عائق الأنابيب كان أنها موثوقة أقل من المُرحِّلات ويجب استبدالها بشكل دوري. وقد أشارت إحدى التقديرات إلى وجوب تغيير خمسين أنبوب مفرَّغ كل يوم من الأنابيب المفرَّغة الموجودة في الكمبيوتر إينياك البالغ عددها حوالي 18,000.كان إينياك قابلاً لإعادة البرمجة فقط بإعادة ترتيب داراته مادياً، لكن اقترح مخترعوه في غضون سنة أو سنتين تطوير كمبيوتر بـ "برامج مخزَّنة" لجعل عملية إعادة البرمجة عملانية أكثر. لكن هذا تطلّب نوعاً من أنظمة الذاكرة لتخزين التعليمات مؤقتاً وأحياناً البيانات الوسيطة. اعتمدت معظم الكمبيوترات اللاحقة أيضاً أسلوب البرامج المخزَّنة، واستعملت أنابيب مفرَّغة للعمليات الحسابية وخطوط التأخير الزئبقية للتخزين المؤقت للتعليمات. كان خط التأخير الزئبقي في الأساس أنبوباً زجاجياً معبأً بالزئبق وتوجد بلّورات كوارتز عند طرفَيه. كانت النبضات الكهربائية المُرسَلة إلى أحد الطرفَين تجعل الكوارتز يهتز، وكان الاهتزاز ينتقل عبر الزئبق ويلتقطه البلّور في الطرف المعاكس، مما يولّد نبضة إخراج جديدة. يستغرق الانتقال عبر الزئبق لحظةً، لذا كانت النتيجة هي تأخير النبضة. كان التأخير طويلاً كفاية ليكون الجهاز مفيداً كذاكرة. لكن وَجَب جعل البيانات تدور باستمرار في الخط من أجل إبقائها في الذاكرة، وعندما كانت الكهرباء تنقطع، كانت البيانات تزول.كانت هناك حاجة إلى عدد هائل من الأجهزة الفردية لإرضاء مصممي ذاكرة الكمبيوتر بعد حوالي العام 1950. وبرهنت الأنابيب المفرَّغة أنها غير اقتصادية تقريباً فوراً، وبينما بقيت الكمبيوترات بذاكرة قليلة لعدة سنوات، اعتاد مبرمجو الكمبيوتر على كتابة برامج تستعمل أقل قدر ممكن من الذاكرة. وعندما لم يكن إلزامياً الحصول على البيانات بالسرعة القصوى، كان التخزين يتم باستعمال أشرطة مغنطيسية وأسطوانات وأقراص (الأقراص مرتبطة بالأقراص الصلبة المستعملة هذه الأيام). وظهرت أجهزة أخرى لفترة وجيزة كمنافِسات محتملة للذاكرة العشوائية الوصول الأسرع، كأنبوب ويليامز. كان هذا نموذجاً معدَّلاً لأنبوب أشعة الكاثود يخزّن كل بت (bit) من المعلومات الثنائية كبقعة ساطعة أو داكنة على وجه أنبوب أشعة الكاثود. يمكن اكتشاف حالة تلك البُقع بواسطة إلكترودات موضوعة على الجهة الخارجية للأنبوب، لأن مكثِّفاً ينشأ عن الفوسفور المشحون والغلاف الزجاجي والإلكترود. لأن توهّج الفوسفور يستمر لوقت قصير بعد أن يضيئه الشعاع الماسح، يحافظ الأنبوب على المعلومات على شاشته. طوّرت شركة RCA في أواخر الأربعينات أيضاً جهاز ذاكرة يرتكز على الأنبوب المفرَّغ، يدعى السلكترون، قادراً على تخزين 256 بت من المعلومات. بشكله المبسّط، تألّف السلكترون من كاثود مركزي مُحاط بما يصل إلى 256 بنية شبكة. ستُكتب البيانات وتُمحى وتُخزَّن بانتقاء إحدى الدارات الـ 256 إلكترونياً واستشعار أو إعادة كتابة حالتها، نشطة أو معطّلة. لم يُثبت هذان الحلان بالأنابيب المفرَّغة أنهما اقتصاديان، لذا اعتمدت معظم الكمبيوترات من الخمسينات حتى أوائل السبعينات على ما كان يسمى ذاكرة النواة. كان آن وانغ من جامعة هارفرد أول من اقترح تخزين بيانات الكمبيوتر باستعمال حلقات أو نوى (جمع نواة) من الفيريت (الحديد) موضوعة في مصفوفات قابلة للعنونة بواسطة صفيفة من الأسلاك الرفيعة. عند تعريضها لنبضة موجبة أو سالبة من إحدى مجموعات الأسلاك، ستحافظ النواة على شحنة مغنطيسية موجَّهة نحو اتجاه أو آخر بناءً على قطبية النبضة. يمكن استعمال الأسلاك الأخرى "لقراءة" حالة النوى مثلما تدعو الحاجة. كانت ذاكرة النواة مُكلفة لأنها كانت تُجمَّع باليد، وقد جعل وقت الاستجابة البطيء نسبياً لمادة الفيريت هذا النوع من الذاكرة أبطأ من الترانزستورات. بقيت ذاكرة النواة هي النموذج السائد لذاكرة الكمبيوتر إلى أن تم استبدالها نهائياً بالنوع العصري لرقاقة شبه الموصِّل.اختراع الترانزستورهكذا كان تاريخ الأجهزة الإلكترونية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. تركّز بقية هذا العمل على الفترة بعد العام 1947، وهي كانت السنة التي تم فيها اختراع جهاز سُمّي الترانزستور في مختبرات بَل في ولاية نيوجرسي. لقد أحدث ثورة حقيقية في حقل الأجهزة الإلكترونية، فأزاح الأنبوب المفرَّغ في معظم استخداماته وأعلن بدء عصر الكمبيوتر. الترانزستور هو جهاز شبه موصِّل، وكان تشييده في هيئته الأولى مشابهاً لتشييد دايودات شبه الموصِّل شارب القطة المستعملة في الراديو. بدأ مهندسو شركة مختبرات بَل (أو Bell Telephone Laboratories) في أواخر العشرينات يتحقّقون من خصائص مختلف أشباه الموصِّلات على أمل إيجاد بدائل للدايودات والترايودات. ركّزت بعض الأبحاث الأولى على المقوِّمات المصنوعة من أكسيد النحاس. كان استخدام أكسيد النحاس، وهو مركَّب شبه موصِّل، قد بدأ لصنع دايودات لتصحيح التيارات، ويمكن استعماله مثلاً لتزويد طاقة تيار مستمر لمعدات الهاتف. قدَّمت شركة RCA الدايود "ركتوكس" (Rectox) المصنوع من أكسيد النحاس في أوائل الثلاثينات، والذي تألّف من عدد من الأقراص النحاسية المغلّفة بأكسيد النحاس على إحدى الجهتين، مع أقراص رصاصية في الوسط. في شركة سيمنز-شوكرت في ألمانيا، دَرَس والتر شوتكي مقوِّمات مشابهة واستنتج أن عملية التصحيح يجب أن تجري في الوصلة بين النحاس وأكسيد النحاس.كانت معظم الاقتراحات الأولى لشبه موصِّلٍ بديلٍ للترايود ترتكز على التشبيه بين النموذج الموجود للدايود والترايود، وهما النوعان الرئيسيان للأنبوب المفرَّغ اللذان يختلفان قليلاً فقط في البنية المادية. اعتقد الباحثون أنه يمكن استخدام شبكةٍ أو نوعٍ مشابهٍ من أجهزة التحكم الكهربائي لتنظيم انسياب الإلكترونات في دايودات شبه الموصِّل أو البلّورات. في العام 1938، مثلاً، شارك ر. و. بول في ألمانيا في تأليف أطروحة تصف كيف يستطيع المرء، نظرياً، استبدال الترايود بناءً على بلّور صلب. لقد استعرض المفهوم باستعماله بلّوراً من بروميد البوتاسيوم. ستنبعث الإلكترونات من سلك تلامس نقطي، ثم تسير نحو أنود في الطرف البعيد. وكان يُفترَض من سلكٍ موضوعٍ في البلّور بالقرب من الكاثود أن يعدِّل الانسياب بنفس الطريقة التي عدّلت بها الشبكة حركة الإلكترونات في الترايود. الجهاز يعمل حقاً، لكن عملية التعديل كانت بطيئة جداً وتعمل فقط عند تسخين البلّور.اعتمدت أجهزة "التأثير الحقلي" التي اقترحها يوليوس ليليانفلد من بروكلين، نيويورك في العام 1926 ولاحقاً أوسكار هايل من برلين في العام 1935 أسلوباً مختلفاً بعض الشيء. استعمل المخترعان عيّنةً من مركَّبٍ شبه موصِّلٍ موضوعٍ بين صفيحتين معدنيتين. كانت إحدى الصفيحتين موصولة بمصدر تيار، وكانت الجهة الأخرى موصولة بإخراج الجهاز. وكانت هناك صفيحة ثالثة فوق وخارج كتلة شبه الموصِّل، ومعزولة عنها، تُغذّى بإشارة تحكم. تنشئ فولطيةٌ مطبَّقةٌ على الصفيحة العليا حقلاً الكتروستاتياً كان يُفترَض أن يؤثر على المادة شبه الموصِّلة، مما يسبّب انخفاض مقاوَمته. بتغيير حقل التحكم، سيعمل الجهاز نظرياً كترايود أنبوب مفرَّغ. ليس واضحاً ما إذا عملت تلك الأجهزة أم لا، ولكن في جميع الأحوال اختفت تلك الاختراعات في غياهب النسيان.عودة شارب القطةكانت إصدارات شبه الموصِّل للترايود، المسماة أجهزة التأثير الحقلي، ودايودات شبه الموصِّل العادية أو المقوِّمات تتطوّر كلها في الوقت نفسه في الثلاثينات، وهذه حقيقة تعقّد تاريخ اختراع الترانزستور. في مختبرات بَل، كان العمل على أشباه الموصِّلات (بعضه نظريٌ فقط) جارياً أيضاً، وكان يركّز على تحسين أساليب استخراج المعادن من خاماتها وتحويلها إلى سبائك لإنشاء المواد شبه الموصِّلة وكذلك التحقّق من خصائص أنواع دايودات شارب القطة المعروفة سابقاً. صحيح أن استخدام دايود شارب القطة شبه الموصِّل في مستقبِلات بث الراديو قد توقف خلال العشرينات، تم استئناف استخدامه في أواخر الثلاثينات لاستعماله كمكتشِف في الرادار. لقد عمل أنبوب الترايود، الذي خَدَم جيداً كمكتشِف للموجات الراديوية العادية، بشكل سيئ عند التردّدات الأعلى المستعملة في الرادار. لكن مكتشِف شارب القطة شبه الموصِّل عمل بشكل أفضل في هذا التطبيق، وأصبح نقطة التركيز في عدد كبير من الأبحاث في مختبرات بَل وفي عدة أماكن أخرى من الفترة التي سبقت مباشرة الحرب العالمية الثانية في أواخر الأربعينات. صنع الصانعون البريطانيون والأميركيون آلاف دايودات شبه الموصِّل لاستعمالها في الرادارات العسكرية خلال الحرب. بحلول العام 1942، دخلت جنرال إلكتريك أيضاً إلى هذا المضمار، وأنتجت دايودات شارب قطة مصنوعة من بلّورات من الجرمانيوم.رغم أن دايودات رادار شارب القطة أو "التلامس النقطي" كانت تُنتَج بكميات كبيرة خلال الحرب، إلا أنها كانت لا تزال غير موثوقة بعض الشيء بسبب المكان المهم جداً لنقطة السلك الطرف على سطح بلّور شبه الموصِّل. كان بإمكان تغيّرات بسيطة في الحرارة أو نقرة على الجهة الجانبية للمقوِّم أن تجعله عديم الجدوى. كانت الواجهة بين النقطة وشبه الموصِّل معروفة بأنها المفتاح لعمله، لكن لم يستطع الفيزيائيون شرح السبب بشكل ملائم. ربما لهذا السبب كان والتر براتين، وهو باحث في مختبرات بَل، مهتماً أكثر بمقوِّم أكسيد النحاس، حيث كانت تتم بإحكام مزاوجة سطح نحاسي كبير بمادة شبه موصِّل أكسيد النحاس. بعد انضمامه إلى مختبرات بَل في العام 1929، عمل على تلك الأجهزة خلال الثلاثينات. اعتقد آخرون في مختبرات بَل، كالباحث راسل أوهي، أن المفتاح كان في التخلّص من التلوّثات في المادة شبه الموصِّلة. وسيبدأون بجني ثمار جهودهم، المدموجة بجهود العديد من الباحثين الآخرين، بعد بضع سنوات.حتى مع تصميمه الميكانيكي النشيط أكثر، كان الجزء الأكثر تسبّباً للمشاكل في مقوِّم أكسيد النحاس هو الواجهة بين النحاس والأكسيد. فكّر براتين أنه إذا أمكن إدراج بنية شبكية أو إلكترود في الوصلة، قد يصبح الدايود ترايوداً وبالتالي مفيداً كبدّالة أو مضخِّم. لكنه لم يكن قادراً أبداً على تشييد جهاز يعمل بناءً على هذه الفكرة. لاحقاً حاول ويليام شوكلي، وهو باحث آخر في مختبرات بَل، العمل على نفس الشيء تقريباً، خلال العامين 1939 و1940، وحتى جعل براتين يشيّد له عدة نماذج، لكن الجهاز فشل في العمل مرة أخرى. أجرى شوكلي اختبارات أيضاً مع جهاز تأثير حقليّ شبه موصِّل بدائي، لكنه فشل في العمل أيضاً. [image "Description: images\electronics_Page_028_Image_0001.tif" file=image-280.jpg] تألّف مكتشِف الموجات الراديوية "البلّوريّ" صنع بيكارد في العام 1906 من عيّنة صغيرة من مادة شبه موصِّلة (n) موضوعة بين وصلتين معدنيتين، وكوب (m) و"شارب قطة" سلكيّ (11). براءة الاختراع الأميركية 836531.ثم حوالي العام 1940، أخذ هذا البحث في مختبرات بَل سبيلاً جديداً. كان راسل أوهي، الذي عمل في العام 1939 على المعدات لإنتاج سبائك سيليكون فائقة النقاوة، يختبر مقاوَمة قضيب مأخوذ من إحدى سبائكه عندما وجد أنه أبدى تأثيراً كهرضوئياً أكبر بكثير مما كان ممكناً مع الخلايا الضوئية الأخرى. كان هناك شيء في هذا القضيب جعله مميّزاً، وبعد مزيد من الاختبارات، أظهَر القضيب أنه يعمل كمقوِّم أيضاً. لقد تبيَّن أن السبيكة الأكبر التي قصّ القضيب منها كانت لها منطقة ذات مستوى تلوّثات مرتفع ومنطقة ذات مستوى تلوّثات منخفض. الوصلة بين الاثنين شكّلت نفس نوع الواجهة أو الحاجز مثل وصلة النحاس/أكسيد النحاس في دايود أكسيد النحاس. بسبب العمل الأحادي الاتجاه لـ "صمام" الوصلة، تميل فولطيةٌ مطبَّقةٌ على القضيب (أو الإلكترونات التي أزاحتها الفوتونات الواردة) إلى السير في اتجاه واحد على القضيب، مما يعطي هذا التصرّف الدايوديّ. وأكثر من ذلك، كان لمناطق التلوّث المنخفض ومناطق التلوّث المرتفع مستويات مقاوَمة مختلفة وردود مختلفة على الضوء. سمّى أوهي وجاك سكاف (Scaff)، الذي شارك في هذا البحث، المنطقتين موجبة وسالبة، أو "النوع p" و"النوع n". وسُمّيت الواجهة "وصلة p-n". لا تزال هذه المصطلحات مستعملة هذه الأيام لوصف أجهزة أشباه الموصِّلات. ثم عمل الاثنان على تعريف التلوّثات التي تؤدي إلى هاتين المنطقتين، واكتشفا أن الألومنيوم والبورون يسبّبان النوع p، وأن تلوّثات الفوسفور تسبّب النوع n.وصول الترانزستورأدى اندلاع الحرب العالمية الثانية إلى توقّف العمل على التأثير الحقلي وأجهزة الترايود شبه الموصِّل وكذلك وصلات شبه الموصِّل، لكن في السنوات التي تلت الحرب مباشرة، قرّرت مختبرات بَل تشديد الأبحاث على فيزياء الجوامد، وفيزياء الموجات الصُغرية، والإلكترونيات، بما في ذلك إجراء أبحاث على أجهزة شبه الموصِّل المصنوعة من السيليكون والجرمانيوم. تم تعيين ويليام شوكلي كرئيس لهذا الفريق، وفي العام 1945 تم تعيين براتين وباحث آخر هو جون باردين لاكتشاف سبب فشل اختبارات التأثير الحقلي السابقة. استنتج شوكلي وباردين معاً أن جهاز التأثير الحقلي يجب أن يعمل نظرياً، وأن هناك شيئاً يحصل على سطح المادة شبه الموصِّلة يمنعه من العمل. انتقل البحث في المختبر إلى فحص سطح شبه الموصِّل. بحلول العام 1946، كان والتر براتين يعمل على المشكلة في المختبر ووجد أن جهاز التأثير الحقلي سيعمل إذا تم غمره بالماء. يبدو أن الصفة الكهرليّة للماء تغيّر المشاكل على السطح التي كانت تمنع الجهاز من أن يعمل. قدّم باردين اقتراحات قيّمة، وبدا أن الاثنين قريبان من التوصّل إلى تصميم مضخِّم شبه موصِّل يستعمل مسبارات تلامس نقطيّ تحتكّ بسطح شبه الموصِّل من خلال نقطة ماء صغيرة جداً. تابع براتين هذا الاختبار وأخذ يفحص كتلةً من الجرمانيوم التي اعتقد أن على سطحها طبقة رفيعة من الأكسيد لتعزلها. لكنه أزال الطبقة بالغسل عن غير قصد. عندما أدخَل مسبارات في سطحها ليختبر مقاوَمتها الكهربائية، اكتشف أنه عند لمس الكتلة بمسبار موجب ومسبار سالب، ستضخِّم الكتلة الفولطية من دون الحاجة لقطرات الماء. صمّم باردين وبراتين نموذجاً محسّناً مع ترك المسبارات موضوعة قريبة جداً لبعضها البعض، وتم استعراض هذا لأول مرة في 16 ديسمبر 1947. لم يعتمد الجهاز على التأثير الحقلي أو على وصلات شبه الموصِّل المطوّرين سابقاً، لكنه كان في معظم الطرق مجرد نموذج معدَّل لشارب القطة. ومع ذلك فقد عمل بشكل جيد جداً. وقف الاثنان، وإلى جانبهما ويليام شوكلي، لالتقاط ما أصبحت لاحقاً صورة فوتوغرافية شهيرة مع الجهاز الجديد (راجع الصورة في الفصل 2 والقسم "نيك هولونياك: عن مخترعي الترانزستور" في هذا الفصل). [image "Description: images\electronics_Page_029_Image_0001.tif" file=image-288.jpg] الدايود الوصليّ شبه الموصِّل الذي سجَّل براءة اختراعه براسل أوهي من مختبرات بَل في العام 1941. هذا الجهاز هو شريحة من بلّور فردي يحتوي على مناطق ملوّثة n وp. الضوء الذي يضرب الجهاز يولّد تياراً صغيراً، مما يجعله مفيداً كجزء من "بطارية شمسية". براءة الاختراع الأميركية 2443542. [image "Description: images\electronics_Page_030_Image_0001.tif" file=image-293.jpg] البطارية الشمسية لمختبرات بَل، 1954 (بإذن من لوسنت تكنولوجيز إنك).استعمل براتين وهـ. ر. مُور هذا الترانزستور بعد ذلك بقليل لبناء مضخِّم صوتيّ، وقبل نهاية ذلك العام ببضعة أيام أدركت مختبرات بَل أنها حقّقت اكتشافاً مهماً. كل ما ينقص الآن هو إسمٌ. اجتمعت لجنةٌ واقترحت عدة أسماء، من بينها "ترايود شبه الموصِّل" و"أيوتاترون" و"الترايود الصلب"، والعديد غيرها. ثم تداولوا مذكرةً ليطرحوا كل اقتراحاتهم على التصويت. فاز الإسم "ترانزستور" الذي اقترحه جون ر. بيرس والذي كان دمجاً للكلمتين transfer (إرسال) وvaristor (المقاوم المتغيِّر) (وهو إسم ابتكار سابق لمختبرات بَل).نيك هولونياك: عن مخترعي الترانزستورعمل نيك هولونياك في مختبرات بَل من 1954 إلى 1955 ولاحقاً في جنرال إلكتريك، وساهم في أولى مراحل تكنولوجيا شبه الموصِّل والدايود الباعث للضوء ونواحي أخرى.دخل جون ]باردين[ وسألني إذا رأيت مجلة Electronics، وقلت "لا". كان أحد الطلاب يقف قريباً فأرسلته ليقطع الشارع إلى بنائنا الرئيسي. عاد الشاب ومعه عدد 17 أبريل 1980 من المجلة فتصفّحتها مع جون. ثم توقف عند الصورة الشهيرة - صورة باردين وبراتين وشوكلي. كان فقط مبتعداً مثلك أنت، وقال لي: "والتر حقاً يكره هذه الصورة"، فأجبته وقتها: "لماذا؟ أليست متملِّقة؟" ... عندها قال لي: "لا. هذه أدوات والتر، هذا اختبارنا، وها هو بيل يجلس هناك وليست له أي علاقة بشيء". ... ما قصده جون وقتها كان بسيطاً جداً: لم يكن لشوكلي أي علاقة على الإطلاق بذلك الاختبار وبالاكتشاف الأساسي للترانزستور الثنائي القطبية. ... إذا كنت تريد الحقيقة، وتريد التاريخ الصحيح - من وجهة نظر مختبرات بَل، ليس ضرورياً قول هذا لأن ثلاثة أشخاص في مختبرات بَل اخترعوا الترانزستور. مختبرات بَل هي هذا المنبع حيث تحصل تلك الأشياء الرائعة. كلام فارغ! الأمور لا تحصل بهذه الطريقة. لا تحصل بهذه الطريقة أبداً. هؤلاء كلهم أشخاص. إنهم يخوضون معارك دائمة، وأحياناً تكون سهلة وأحياناً لا. ويجب أن يعرف التاريخ هذا لأن الشباب يرون حقاً أن هذه الأمور يفعلها أشخاص، وهي لا تتم بطريقة نظيفة ومعقَّمة وجميلة. إنها تتم بتكهّنات ومناقشات مستمرة، مع كل نقاط ضعف وخصوصيات الأشخاص.المصدر: نيك هولونياك، حديث شفوي وثّقه في 22 يونيو 1993 فريديريك نيبيكر، مركز التاريخ التابع للمعهد IEEE، جامعة روتغرز، نيوبرانزويك، نيوجرسي [image "Description: images\electronics_Page_032_Image_0001.tif" file=image-312.jpg] ترانزستور التلامس النقطيّ لمختبرات بَل للعام 1947، مبيّناً بطريقة منظّمة أكثر بكثير من الجهاز الفعلي. يلامس سلكان سطح بلّور من الجرمانيوم عليه طبقة رفيعة من النوع p على طبقة تحتية من النوع n. عند توصيلهما في دارة بإحدى الطرق، تسمح إشارة صوتية صغيرة بين أحد الطرفين (5) والطبقة التحتية (2) بانسياب تيار أكبر بين الطبقة التحتية والطرف الثاني (6). براءة الاختراع الأميركية 2524035.تم الإعلان عن اكتشاف الترانزستور في يونيو 1948. ووعدَت مختبرات بَل أن يحل الترانزستور قريباً محل الأنابيب المفرَّغة بسبب بساطته وحجمه الصغير، لكن الجهاز أثار في البدء حماسة صغيرة في قطاع الإلكترونيات بشكل عام. فقط محرّرو مجلة Electronics بدوا مُعجبين بالترانزستور ووضعوه على غلاف عدد سبتمبر لتلك السنة، قائلين أنه "بسبب خصائصه الفريدة، سيكون للترانزستور تأثيرات بعيدة المدى على تكنولوجيا الإلكترونيات وسيحل بلا شك محل أنابيب الإلكترون التقليدية في نطاق كبير من الاستخدامات". كان الآخرون أقل حماسة إلى حد بعيد: كرَّست صحيفة نيويورك تايمز لهذا الاختراع عموداً طوله 12 سم فقط في قسم أخبار الراديو. هذه الحماسة المحدودة مفهومة كون مختبرات بَل لم تبذل جهداً كبيراً لتشرح سبب أهمية وجود بديل للأنبوب المفرَّغ. لقد قدَّمت ترانزستورات التلامس النقطيّ عدة حسنات على تكنولوجيا الأنبوب، من بينها الحجم الصغير والفعالية، لكن تصنيعها كان صعباً أيضاً وبإمكانها تحمّل طاقة أقل من الأنابيب. بالنتيجة، ركّزت الأبحاث في مختبرات بَل وفي القطاع ككل، في السنوات التي تلت فوراً إعلان الترانزستور، على تطوير أنواع جديدة من الترانزستورات ستعمل بشكل أفضل وبشكل موثوق أكثر من بدائل الأنبوب المفرَّغ. لكن التطوّرات في تكنولوجيا شبه الموصِّل في أوائل الخمسينات دفعت الترانزستور إلى أبعد من هدفه الأولي كبديل للأنبوب المفرَّغ. بدأ يتم تصميم الترانزستورات إلى حدود أبعد بكثير من الاحتمالات التي قدّمتها تكنولوجيا الأنبوب، وبرزت لأول مرة مخططات لقطاعٍ متميّزٍ. [image "Description: images\electronics_Page_033_Image_0001.tif" file=image-317.jpg] نموذج المختبر لترانزستور التلامس النقطيّ الأول لمختبرات بَل (بإذن من لوسنت تكنولوجيز).2 - من الأنابيب إلى أشباه الموصِّلاتسياق الابتكارلقد عدَّلت الحرب العالمية الثانية حقل الهندسة الكهربائية بشكل جوهري، فزادت مداه بشكل كبير وغيّرت تنظيمه الداخلي. توسّعت كليات الهندسة بسرعة خلال الحرب، بالأخص في الولايات المتحدة، واستمر النمو مع بذل كل مؤسسة جهداً كبيراً لتوسيع قدرات أبحاثها. في حقل الهندسة الكهربائية، انعكست الأهمية المتزايدة للإلكترونيات في الاقتصاديات العسكرية والمدنية في النمو السريع لجمعياتها المحترفة، كمعهد مهندسي الراديو (Institute of Radio Engineers أو IRE) في الولايات المتحدة ومعهد المهندسين الكهربائيين (Institute of Electrical Engineers) في بريطانيا العُظمى. وأكثر من ذلك، مع توفّر مزيد من الوظائف في قطاع أبحاث وتصنيع الأجهزة، نمت بسرعة مجموعات اهتمام خاص لتلك المجتمعات المحترفة. رعت المجموعة المحترفة للأنابيب المفرَّغة التابعة لمعهد IRE، من بين مجموعات أخرى، سلسلة من المؤتمرات المحترفة تم فيها الإعلان لأول مرة عن كل اختراع رئيسي في حقل الأجهزة.كانت الأجهزة الإلكترونية بعد 1945 المستفيد الخاص بملايين عديدة من ميزانية الأبحاث الأميركية الجديدة البالغة عدة مليارات من الدولارات. كان مجموع النفقات السنوية للحكومة الفدرالية على أبحاث وتطوير التكنولوجيا العسكرية قد وصل من قبل إلى مبلغ لم يسبق له مثيل هو 2.6 مليار دولار بحلول العام 1949. ومع بداية الحرب الكورية في العام 1950، زاد الرئيس هاري ترومان مجموع الإنفاق العسكري بشكل كبير، من حوالي 13 مليار دولار في السنة إلى حوالي 50 مليار دولار. وذهب قسم قليل من هذا مباشرة إلى الشركات التي طوّرت أو صنّعت الإلكترونيات. كما ازداد التمويل للأبحاث والتطوير الأساسيين بشكل مماثل، وقد ارتفع في غضون عقد من الزمن إلى مبلغ مذهل هو 12.4 مليار دولار، وهو مبلغ شكّل أكثر من 2.5 بالمئة من إجمالي الناتج القومي. كان السباق إلى الفضاء، وهو علميّ من جهة وتحدٍّ خلال الحرب الباردة من جهة أخرى، مصدراً مهماً لأموال الأبحاث والدخل المباشر. وفي حين أن "علماء الصواريخ" كانوا الأبطال الأكثر تغطية من الإعلام في هذا الجهد، فقد عمل مئات المهندسين الكهربائيين والفيزيائيين في الكواليس لتطوير أنظمة الملاحة والاتصال التي جعلت السفر في الفضاء والاتصال عبر الأقمار الاصطناعية أمراً ممكناً. كان يجري أيضاً إعداد شبكات اتصال وملاحة ودفاع عسكرية شاسعة جديدة، كرادار التحذير الدفاعي المُبكر عبر القارات (أو DEW). كان خط الرادار DEW والأنظمة العسكرية الجديدة الأخرى في أغلب الأحيان عبارة عن تركيبات لنواحي تكنولوجية كانت منفصلة سابقاً، من بينها الرادار والاتصال عن بُعد والكمبيوترات. كان أداء ووثوقية تلك الأنظمة إلزامياً تحت تهديد اندلاع حرب نووية، وهي حقيقة كان لها أثر كبير على طريقة تطوير المكوّنات الإلكترونية الجديدة، وما هي الخيارات التي يتم اختيارها، وما هي المسارات المحتملة التي لم يتم سلوكها.كان مقداراً كبيراً من هذه الأبحاث مكرَّساً لتطوير مكوّنات إلكترونية أصغر وأصغر من أجل جعل نطاق كبير من الأهداف العسكرية والعلمية عمليّة. لقد تطلّبت رحلةٌ في الفضاء، من النوع الذي تخيّله المهندسون الأميركيون والسوفيات، أساليب تحكم واتصال جديدة، وتطلّب العديد منها أجهزة إلكترونية فائقة الصِغر لكي تكون عملانية. كانت المكوّنات الإلكترونية المُنمنمة ضرورية أيضاً لتطوير الصواريخ الموجَّهة المتطوّرة، وللأقمار الاصطناعية للاتصالات، وللتطويرات في حقل الملاحة الجوية. مثلاً، أعطى الصاروخ Minuteman، الذي تم تطويره في أواخر الخمسينات، دفعاً كبيراً لإلكترونيات شبه الموصِّل الأولى، وأصبح أحد أوائل أنظمة الصواريخ التي تستعمل الترانزستورات. بالنتيجة، زوَّد سلاح الجو تمويلاً لإجراء أبحاث لتحسين وثوقية ونمنمة الترانزستورات بحوالي 13 مليون دولار على الأقل، وتم نشر حوالي 800 صاروخ Minuteman مجهَّز بترانزستورات بحلول العام 1965.ربما أهم شيء هو أن جو الحرب الباردة دعّم فكرة وجوب بقاء الأبحاث أولويةً وطنيةً. فالمشاريع التي لم يكن ليتم تمويلها على الأرجح في الفترة ما قبل الحرب نتيجة افتقارها في أغلب الأحيان للقدرة التسويقية القصيرة الأجل أصبحت تتلقى منحاً كبيرة للأبحاث خلال الخمسينات، حتى تلك التي ليست لها استخدامات عسكرية مباشرة. كانت نتيجة هذا النشاط القوي على إجراء الأبحاث ظهور تشكيلة كبيرة من الأجهزة الإلكترونية الجديدة. وكان للبعض منها جاذبية تجارية مباشرة، لكن العديد منها استمر فقط بسبب البيئة السريعة للإنفاق العسكري خلال الحرب الباردة.رغم أن طليعة الأبحاث على الأجهزة الإلكترونية انتقلت إلى التطبيقات العسكرية والفضائية، إلا أنه كان للأسواق الاستهلاكية تأثيراً كبيراً أيضاً. كان الحدث الأكبر هو إعادة تقديم التلفزيون. فقد عاود التلفزيون الأسود والأبيض ولاحقاً الملوّن الظهور في الولايات المتحدة أولاً ثم في البلدان الأوروبية التي دمّرتها الحرب. في الولايات المتحدة، تخلّت الشبكات الإعلامية الرئيسية عن جهودها الإذاعية على الراديو كلياً تقريباً، ونقلت مواهبها البشرية إلى الوسط الإعلامي الجديد. وأسّست معظم البلدان الأخرى شبكات برعايات حكومية لتزويد تغطية تلفزيونية عالمية. كانت النتيجة سوقاً جديدة ضخمة لمستقبِلات التلفزيون والكاميرات والمرسِلات ومعدات الإنتاج، وكلها ساعدت في تحفيز استمرار الابتكار في حقل الأجهزة. وقد شكّلت المنتجات الجديدة كمسجِّلات الأشرطة وأجهزة راديو الترانزستور أسواقاً أصغر ولكن مهمة.كان الكمبيوتر يلوح في الأفق أيضاً. فبعد تقديمه خلال الحرب العالمية الثانية، انتقل الكمبيوتر بسرعة من الاختبارات المخبرية إلى الشركات التجارية. وبعد أن كان يتكل في البدء على نماذج الأجهزة الإلكترونية المعروفة كالأنابيب المفرَّغة، سيبدأ الكمبيوتر في فترة الخمسينات بالتأثير على اتجاه التطوير في حقل الترانزستورات. وجاءت الكمبيوترات، مثلما هو حاصل الآن، بعدة نماذج مختلفة، وأكثرها تذكّراً هي "الكمبيوترات الإيوانية" (mainframes) العملاقة صنع شبيهات IBM. لكن الكمبيوترات الأصغر كتلك المستعملة في أنظمة توجيه الصواريخ كانت أحياناً المحرّك الحقيقي للتغيير التقني. سيصبح هذا جلياً جداً في الدارة المتكاملة، وهي المنتَج الذي يمكن اعتباره الأكثر تشويقاً خلال العقد.الأنابيب المفرَّغة للاتصاللقد كانت الأنابيب المفرَّغة هي حجر الأساس لقطاع جهاز الإلكترون في السنوات ما قبل الحرب العالمية الثانية. خلال الحرب، قادت الاستخدامات العسكرية التطوير السريع لتقنيات الأنبوب المفرَّغ بإنشاء طلب كبير على معدات الاتصالات المتقدمة والاستخدامات الأخرى للأنبوب. أدّى هذا إلى ابتكارات حاسمة للجهود الحربية وإلى تطوّرات أساسية في تكنولوجيا الأنبوب، من بينها تطوير مُذبذِب مغنترون التجويف وأنواع جديدة من الأنابيب المعبأة بالغاز، كلاهما للاستعمال في تكنولوجيا الرادار. في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية فوراً، استمرت تكنولوجيا الأنبوب المفرَّغ بالتطوّر بسرعة وبقيت جزءاً أساسياً من قطاع جهاز الإلكترون المتنامي بسرعة. لقد كانت تكنولوجيا الأنبوب، في الواقع، أهم تجارياً من أجهزة أشباه الموصِّلات، على الأقل خلال منتصف الخمسينات. بالعودة إلى تاريخ أنبوب الإلكترون، شرح أحد المعلِّقين في 1965 أهميته بالطريقة التالية:من الحقائق البديهية أن رزق كل مهندس تقريباً تأثّر بعمق بأنبوب الإلكترون. فبعد ولادته نتيجة اختراع دي فورست للتحكم الشبكي حوالي العام 1906، كان هذا الأنبوب الدعامة الأساسية للإلكترونيات خلال العقود الخمسة الماضية. لقد أصبح الراديو، التلفزيون، الكمبيوترات، الأفلام السينمائية الناطقة، ومعظم حقل تحويل الطاقة والأتمتة، إما ممكناً أو تعدَّل بمقدار كبير نتيجة نمو جهاز دي فورست. بالإضافة إلى ذلك، أثّر في نواحي عديدة أخرى. القطاع الكيميائي، الطب والبيولوجيا، المواصلات، التعليم، الموارد المالية - كلها تطوّرت وتعدَّلت بسبب استعماله. ("The Future"، 1965)لكن مع ظهور الترانزستور والانتقال السريع إلى أجهزة شبه الموصِّل بالحالة الجامدة في بعض الاستخدامات، بدأ يتغيّر تأثير شخصية أنبوب الإلكترون. فبموازاة نمو تكنولوجيا الجوامد بين 1950 و1965، حصل تغيّر كبير في "مزيج منتجات" الأنابيب الإلكترونية. لم تعد تكنولوجيا الأنبوب هي حجر الأساس الإلكتروني لقطاع جهاز الإلكترون وانتقلت بدلاً من ذلك إلى ما يمكن اعتباره استخدامات متخصصة لم تستطع تكنولوجيا الجوامد أن تملأها، كالأجهزة المرتفعة الطاقة التردّد للاستعمال في معدات الاتصالات. مع ازدهار قطاع الإلكترونيات في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، نمت تلك الاستخدامات المتخصصة بسرعة أيضاً. أنابيب صورة التلفزيون، أنابيب الموجات الصُغرية، أجهزة التصوير، أنابيب تخزين البيانات، والأنابيب الأخرى التي تحمل في بعض الحالات شبهاً ضئيلاً باختراع دي فورست الأصلي أصبحت مهمة على نحو متزايد وحافظت على قيمتها المالية المرتفعة نسبياً في منتصف الستينات (وفي بعض الحالات حتى نهاية القرن العشرين). بالنتيجة، لم يحصل انخفاض ملموس في مجموع القيمة المالية لقطاع تصنيع الأنبوب خلال هذه الفترة، رغم أن قيمة قطاع الأنبوب بالنسبة لقطاع جهاز الإلكترون ككل انخفضت بشكل ملحوظ. لذا، تغيَّرت شخصية قطاع الأنبوب بشكل كبير لتبيان تأثير أجهزة الجوامد، بينما بقي حجم قطاع الأنبوب مستقراً نسبياً ضمن قطاع أكبر ينمو بسرعة.التحسينات الداخليةشهدت تكنولوجيا الأنبوب ككل تطوّرات هامة فأصبحت الأنابيب أصغر وفعّالة أكثر وقادرة على معالجة "كثافات تيار" أو مستويات طاقة أكبر. كانت الأنابيب لا تزال غير موثوقة نتيجة تعطّل العناصر داخلها. كان إصلاح أعطال الأنبوب في إلكترونيات المستهلك أقل كلفة من إصلاحها في المعدات العسكرية أو معدات الاتصال عن بُعد، لذا فقد شهدت تلك المعدات جهوداً أقوى بكثير للتحسين. أحد تلك الجهود، الذي جرى قسم كبير منه في مختبرات بَل، كان في مجال تحسين الكاثود. فمنذ 1930، تمت زيادة المعدل الوسطي لحياة الكاثودات في الأنابيب المستعملة في "مكرِّرات" (مضخِّمات) الهاتف البعيد المسافة إلى 20,000 ساعة لكثافات التيار المنخفضة من خلال طرق كتحسين عمليات التصنيع. وقد سمحت التحسينات التي شهدتها تصاميم الأنبوب في الثلاثينات بمتابعة استعماله بنجاح لعدة عقود. مثلاً، حقّق أنبوب وسترن إلكتريك نوع 301A، المستعمل بشكل واسع في المكرِّرات، فترة حياة متوقعة تزيد عن خمسين سنة. لكن هذا تطلّب أن يتم تشغيل الأنابيب عند تيارات وفولطيات أقل بكثير من الحد الأقصى. من أجل زيادة حياة الكاثود بمقدار كبير، وهذا كان ضرورياً لتكون الاستخدامات ذات كثافة التيار المرتفعة عمليّة اقتصادياً، فحص الباحثون بعمق مميزات المعادن، النيكل أو التنغستن عادة، المستعملة لصناعة الكاثودات. في فترة الخمسينات، طوّرت مختبرات بَل وغيرها طرقاً جديدة لتصنيع مواد الكاثود، وقد سمحت تلك الطرق بزيادة مستويات طاقة الأنبوب.الكلايسترون الجديد وأنابيب الموجات المسافرةكان أنبوب الموجة المسافرة نوعاً جديداً من المضخِّمات تم اقتراحه في الثلاثينات وحسّنه باحثو مختبرات بَل خلال الحرب العالمية الثانية. بعد انتهاء الحرب، وجد الباحثون أن المميزات العريضة النطاق والمرتفعة الاكتساب للأنبوب قد تكون قيّمة في إنشاء أنظمة اتصالات جديدة، من بينها مُرحِّلات الأقمار الاصطناعية واتصالات الراديو الأرضية بالموجات الصُغرية. كانت AT&T في ذلك الوقت تحضّر لاستخدام مُرحِّلات الموجات الصُغرية كأساس لنظام جديد من التراسل الهاتفي البعيد المسافة. سيتألف النظام في الأساس من عدة محطات تضخيم/ترحيل وهوائياتها وأبراجها المقترنة بها، ممدودة في الأرياف عند دروب الهاتف التي تشهد حركة مرور مرتفعة. يمكننا رؤية تلك الأبراج هذه الأيام، على الطرق العامة في أغلب الأحيان، ويمكن تمييزها من خلال هوائيات موجاتها الصُغرية البوقية الشكل غير المألوفة. أصبح أنبوب وسترن إلكتريك 444A، المستعمل في المضخِّم الرئيسي للنظام، أول أنبوب موجة مسافرة يتم إنتاجه بكميات كبيرة (يُقال أنها حوالي 20,000 في أوائل السبعينات). [image "Description: images\electronics_Page_040_Image_0001.tif" file=image-345.jpg] أنبوب الموجة المسافرة صنع مختبرات بَل، 1967. بإذن من لوسنت تكنولوجيز إنك.أول كبل هاتف عبر الأطلسيقد تتفاجأ عندما تعرف أن الاتصال الهاتفي عبر المحيط الأطلسي كان فقط ممكناً بالراديو (لاسلكياً) قبل الحرب العالمية الثانية، بالمقارنة مع الإبراق عبر الأطلسي الذي بدأ استعماله منذ القرن التاسع عشر. كانت المشكلة الرئيسية هي التضخيم. لأن إشارات الهاتف تحتاج إلى تضخيم عند فواصل دورية على درب الكبل، كان من الضروري بناء "مُرحِّلات" مضادة للماء وموثوقة جداً. بدأ العمل على تطوير تلك الأنواع من الأنابيب في الثلاثينات، وتم تمديد كبل بحريّ قصير لأول مرة في العام 1950، بين جزيرة كي وست في فلوريدا وبين هافانا في كوبا. لكن ويليام و. بايكر رئيس مختبرات بَل شبَّه مشروع الكبل عبر الأطلسي بأنه صعب كالعمل البطولي الذي حصل بعد عدة سنوات بوضع أول قمر اصطناعي في مدار حول الأرض. بدأت اختبارات طول عمر بنيات الكاثود المهمة في الحرب العالمية الثانية، وقد جرت اختبارات أداء حذرة أخرى على الفتائل والشبيكات. تم تجميع الأنابيب نفسها في مختبرات بَل وليس في وسترن إلكتريك، ذراع التصنيع الاعتيادية لـ AT&T. بعد تشييدها في "غرف نظيفة" من قِبل عمال يرتدون أثواب فضفاضة وقفازات، كان يتم اختبار الأنابيب في دارة لـ 5,000 ساعة قبل انتقائها للاستعمال. ظهرت نتائج العناية المعطاة لتصميم وتصنيع تلك الأنابيب عندما تم تثبيت الكبل عام 1956. وعندما أصبح قديماً بسبب تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية عام 1978 وتم إخراجه من الخدمة، كانت الأنابيب البالغ عددها أكثر من 300 قد عملت باستمرار لـ 22 سنة من دون أي عطل. تم الحصول على أداء مشابه من الأنبوب ذي النوع 455A-F الذي تم تطويره عام 1955 في مختبرات بَل لنظام اتصال سلكي جديد. تم تطوير الكبل المتحد المحور، المشابه لذلك المستعمل في المنازل لتلقي برامج التلفزيون، في البدء للاتصال الهاتفي البعيد المسافة. طبَّقت مختبرات بَل نفس متطلبات الوثوقية الصارمة على هذا الأنبوب، وبالنتيجة تعطّل فقط أنبوبان من أكثر من 5,800 أنبوب قيد الاستخدام بعد ما مجموعه أكثر من 700 مليون ساعة استعمال تراكمية.تكنولوجيات التصوير والعرضهناك عدة طرق لاعتبار حقل أجهزة التصوير والعرض بعد الحرب العالمية الثانية كعالم صغير لميول تاريخية أشمل في حقل الإلكترونيات: شهدت الخمسينات نضوج أنابيب الإلكترون، تلاها ظهور بديلات شبه الموصِّل، تلاها انضمام المعالج الصُغري. كما في حقل الاتصالات، بقيت الأنابيب تُستعمل في بعض الاستخدامات، بعضها لا يزال مهماً جداً حتى هذا اليوم. وتم أيضاً تطوير عدة تقنيات عرض مهمة، كتلك التي تتضمن بلّورات سائلة، كانت على علاقة استطرادية فقط بقصة الأنابيب وأشباه الموصِّلات، وبالنتيجة من الصعب تلخيص حقل أجهزة تصوير وعرض الإلكترون ككل.أولاً، يجب أن نشير إلى أنه تم تطوير تشكيلة كبيرة من أجهزة العرض البسيطة استعملت تكنولوجيا الأنبوب في السنوات بعد الحرب العالمية الثانية. كان العديد من تلك الأجهزة في حقل أجهزة القياس والكمبيوترات. وأراد المهندسون أجهزة عرض رقمية أو أبجدية أو غير ذلك لتشكيلة كبيرة من معدات الاختبار والاستخدامات الإلكترونية الأخرى. تفوَّقت تلك الطلبات سريعاً على السرعة والمرونة الممكنة مع النماذج الأقدم للأجهزة الكهربائية الميكانيكية كجهاز الجمع (totalisator) أو "اللوح الشامل" (tote board) الشائع الاستعمال لإظهار نتائج حلبة السباق أو أرقام العملية الانتخابية أو مواعيد وصول القطارات. أحد أشهر أجهزة العرض الإلكتروني لفترة لما بعد الحرب، مثلاً، كان أنبوب نيكسي، المعروف أيضاً كـ numicator. تألّف أنبوب نيكسي، الذي تم اختراعه عام 1954، من أنود مشبكي خارجي وعشرة كاثودات سلكية موضوعة بحيث تشكّل الأرقام. وكانت دارات التبديل الإلكتروني الموصولة بأنبوب نيكسي تجعل أي كاثود من الكاثودات العشرة يُضيء، بحيث أنه إذا تم تثبيت صف من أنابيب نيكسي، يمكننا إظهار إخراج رقمي متعدد الأعداد. إذا لزم الأمر، يمكن تبديل الأرقام بسرعة للسماح بمراقبة حدث متقلّب أو متغيّر، كالوقت مثلاً. كان الجهاز بسيطاً نسبياً، وبقي يُستعمل لعدة سنوات في استخدامات مختلفة من بينها الحاسبات وآلات الاختبار.تحسينات أنبوب أشعة الكاثودفي الفترة بين كسوف "المدى A" (A-Scope) وأوائل الخمسينات، كانت أجهزة عرض الرادار أفضل بقليل من أنابيب صورة التلفزيون القياسية بشاشات الفوسفور P7. لكن بدءاً من أوائل الخمسينات، بدأت أنابيب الرادار تأخذ هوية شخصية أكثر فأكثر كأنابيب متخصصة وبدأ يتم تصميمها للتغلّب على مشكلة احتباس الصورة. في العام 1953، مثلاً، طوّرت شركة RCA الإصدارات الأولى لشاشة التخزين المباشر. استعملت تلك الأنابيب ظاهرة الانبعاث الثانوي للإلكترون للمحافظة على الصور لفترة أطول من الممكن مع انبعاث الفوسفور البسيط. الانبعاث الثانوي للإلكترون هو نتيجة حقيقة أن العديد من الإلكترونات الثانوية تنبعث من الفوسفور عندما تضربه الإلكترونات بمستويات تسارع مرتفعة. لكن في مرحلة من المراحل، تبدأ تلك الإلكترونات تعلق في الفوسفور نتيجة ظاهرة تُعرَف بـ "احتمال الالتصاق"، وتنخفض نسبة الإلكترونات المنبعثة مع ارتفاع التسارع. باستخدام مدفع إلكترونات لكتابة الصورة المطلوبة وكذلك "مدفع فيضان" لإغراق الشاشة بالإلكترونات، يمكن استعمال احتمال الالتصاق لإنشاء صور تبقى لفترات طويلة من الزمن. تم إنتاج هذه الأنواع من أنابيب التخزين المباشر وغيرها تجارياً للرادار وراسمات الذبذبات بدءاً من منتصف الخمسينات من قِبل شركات بينها RCA وHughes Aircraft وIT&T. واشتملت التطوّرات المهمة الأخرى خلال الخمسينات التي شهدتها تكنولوجيا شاشة CRT للرادار وراسمة الذبذبات على تطوير CRT المسرِّع الأحادي عام 1954 واختراع المسرِّع اللولبي عام 1953، الذي يمكن فيه تعديل تسارع شعاع الإلكترونات بنعومة من خلال تطبيق فولطية يزداد تسارعها تدريجياً. ساعد هذا على إزالة تشوّهات الشعاع التي ابتلت بها شاشات CRT الأخرى وأصبح أحد التطوّرات الرئيسية في تحسين تصميم راسمة الذبذبات.بالنسبة لعامة الناس، كان التلفزيون أحد أبرز "فوائد" الأبحاث العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية، وسارعت شركة RCA وغيرها إلى إجراء إعادة التحويل إلى إنتاج التلفزيونات حالما انتهت الحرب. فتم تطبيق الأساليب التي تطوّرت زمن الحرب في شركة RCA لتصنيع شاشات CRT للرادار، واستخدام خطوط التجميع التلقائية أو نصف التلقائية، على تصنيع التلفزيون المدني بعد الحرب وقد خفَّض هذا كلفة أجهزة التلفزيون بشكل كبير. وارتفع عدد المحطات التلفزيونية بسرعة حال انتهاء الحرب، وأصبح التلفزيون في العام 1951 يبث من الساحل إلى الساحل في الولايات المتحدة لأول مرة. لكن كل هذا استغرق وقتاً أطول بكثير مما كان يأمله المهندسون، وتبيَّن أنه أكثر كلفة بكثير مما ظُنَّ في البدء. تذكّر دايفد سارنوف، رئيس شركة RCA، لاحقاً أن زواريكين توقَّع أن يكون التلفزيون أسهل بكثير، وقد "سألته كم سيكلّف تطوير التلفزيون؟ فأجابني $100,000، لكننا صرفنا 50 مليون دولار قبل أن نربح سنتاً منه". رغم هذا، تطوّر التلفزيون التجاري بسرعة طيلة الخمسينات وأصبح بسرعة جزءاً مهماً من الثقافة الأميركية.يعود أحد أسباب الجاذبية التجارية للتلفزيون في الخمسينات إلى التطوّرات في تكنولوجيا أنبوب أشعة الكاثود. أحد التطوّرات المهمة كان القدرة على جعل شاشات CRT أكبر، ومستطيلة أكثر (لتتناسب من جهة مع الشكل المستطيل للأفلام السينمائية، والتي كانت من قبل مصدراً رئيسياً لمحتوى بث التلفزيون) وصافية أكثر، ومسطّحة أكثر لكي تكون مشاهدة التلفزيون ممتعة أكثر. كانت كل شاشات CRT الأولى للتلفزيون مستديرة وتُخفي جوانب الأنبوب لكي يرى المُشاهد المستطيل المركزي فقط. وفقط عام 1949 حتى بدأ هايترون من نيويورك وآخرون بنفخ الأنابيب في قوالب مستطيلة لمطابقة الصور المعروضة. وبعد فترة قصيرة قدّمت جنرال إلكتريك الأنبوب المستطيل الخاص بها، وفي أوائل الخمسينات حل الأنبوب المستطيل محل الأنبوب المستدير بالكامل. ازداد حجم الأنبوب بسرعة أيضاً: ففي العام 1947 كانت شاشات معظم التلفزيونات بحجم 7 بوصات قطرية أو أصغر، لكن أحجام الشاشة تضاعفت ثلاث مرات في أوائل الخمسينات، وسرعان ما أصبحت الأحجام 20 و21 بوصة قياسية. وتضمّنت الابتكارات الأخرى ظهورَ التدرّجات الرمادية لتحسين تباين الشاشة وانتقالاً من زوايا انحراف 70 درجة إلى زوايا انحراف 90 درجة، وهذا تغييرٌ مهمٌ مع ارتفاع وزن الشاشة وبعد أن أصبح الحجم عاملاً مؤثراً؛ وكلاهما انخفض بهذا الحدّ. كانت شركة وستنغهاوس أول من بدَّل إلى زاوية الانحراف 90 درجة في منتجاتها 21AMP4، ولحقتها شركات عديدة أخرى بسرعة بأحجام مختلفة للشاشة. وأدّت المنافسة إلى انخفاض الأسعار خلال الخمسينات، وهذا بدوره أجبَر الصانعين على تقديم تغييرات في التصميم تخفّض الكلفة من بينها تقديم دارات الفتيل المتدنية التيار (مما سمح بظهور دارة مزوّد طاقة أصغر وأرخص) أو حتى التخلّص من محوِّل الطاقة كلياً من خلال استعمال "أنابيب فتيل السلسلة". لقد تطلّب هذا التدبير، المستعمل من قبل منذ الثلاثينات لأجهزة الراديو للمستهلكين، أن يتم تصميم كامل مجموعة أنابيب التلفزيون سوية. كانت فتائله تُربَط سوية، ويمكن تطبيق كامل فولطية الخط 110 فولط (220 في أوروبا) على الأنابيب مباشرة من دون الحاجة إلى محوِّل لتخفيض الفولطية. رغم أن هذا أدّى من وقت لآخر إلى أعطال مذهلة (أو حرائق) وزاد خطر التكهرب غير المقصود، إلا أنه خفّض الكلفة بشكل كبير وفي أغلب الأحيان وزن جهاز التلفزيون.حصل تحسين رئيسي في تكنولوجيا أنبوب أشعة الكاثود هو تطوير أنبوب قناع الحجب التجاري حوالي العام 1950. في ذلك الوقت، كان الباحثون مُقتنِعين بأنه للحصول على صور متحركة واضحة، يجب تطبيق فوسفور أنبوب أشعة الكاثود كصفيفة "بكسلات" توازي تماماً نفس عدد البكسلات في أنبوب الكاميرا الأصلي، وقد أمضوا وقتاً طويلاً على تحديد عدد البكسلات التي يجب أن تتضمنها الشاشة. لكنهم واجهوا مشكلة في تركيز الشعاع بحيث تضرب الإلكترونات البكسل الملائم فقط. وضع هارولد لُوْ وآخرون في شركة RCA قناعاً معدنياً مثقوباً بالقرب من الشاشة، بينها وبين مدفع الإلكترونات. كانوا يحاولون تغطية المنطقة حول كل بكسل وصدّ الإلكترونات التي ضَلّت طريقها. بقيت فكرة قناع الحجب، التي تمت دراستها بشكل معمّق، تُستعمل في نهاية القرن العشرين.بُذلت أيضاً جهود كبيرة خلال الخمسينات لإتقان شاشة CRT ملوّنة ولتطوير معايير للتلفزيون الملوّن الإلكتروني بالكامل. كان التلفزيون الملوّن قد ظهر لأول مرة عام 1929 في مختبرات بَل، لكن هذا المفهوم الاختباريّ أرسَل فقط 50 سطراً من المعلومات بالمقارنة مع 525 سطراً المعتمد لتلفزيون ما بعد الحرب. استعرضت شركة RCA الأنبوب الملوّن بقناع الحجب "triniscope" أمام اللجنة FCC في العام 1950 كجزء من حملتها لنيل الموافقة على تكنولوجيا تلفزيونها الملوّن. استعمل أنبوب قناع الحجب الملوّن ثلاثة مدافع إلكترونات موجَّهة نحو عناقيد نقاط فوسفور حمراء وخضراء وزرقاء صغيرة جداً موضوعة على السطح الداخلي للشاشة CRT. ومثلما يجري في أنبوب قناع الحجب الأحادي اللون، كان قناع المشبك مُحاذى بالقرب من الشاشة بحيث توجد فجوة صغيرة فوراً خلف كل عنقود نقاط RGB. النظام الذي تم استعراضه عمل بشكل سيئ وكانت المستقبِلات كبيرة جداً، وربما أثّر هذا على رفض لجنة FCC لتلفزيون شركة RCA الملوّن "الإلكتروني بالكامل" لصالح نظام منافس صنع CBS. في نظام CBS، كانت الألوان تُنتَج من خلال استعمال شاشة CRT سوداء وبيضاء مع عجلة ألوان دوّارة كبيرة مع ألواح حمراء وخضراء وزرقاء نصف شفافة. وأدّى استمرار الأثر في العين إلى جعل التسلسل السريع للصور الحمراء والخضراء والزرقاء تندمج في صورة ملوّنة واحدة.عملت شركة RCA وكذلك فيلكو وHazeltine Corporation وجنرال إلكتريك والعديد غيرها بنشاط كبير في العام 1950 لتطوير نظام تلفزيون ملوّن سيكون متوافقاً مع المستقبِلات السوداء والبيضاء الموجودة، معتقدين (وعن حق) أن لجنة FCC ستصرّ على هذا. بحلول 1951، جمّع ممثلون عن تلك الشركات مواردهم وتعاونوا على إنشاء معايير لهذا النظام الملوّن المتوافق. اعتمدت لجنة FCC تلك المعايير في 17 ديسمبر 1953، مما فتح الطريق أمام التلفزيون الملوّن التجاري. لكن المدهش أن مبيعات التلفزيون الملوّن لم ترتفع بسرعة مثلما كان متوقعاً، ولم يتمكن التلفزيون الملوّن من منافسة التلفزيون الأسود والأبيض بالأهمية حتى أواخر 1968. خلال ذلك الوقت، دخلت الشركات اليابانية إلى سوق التلفزيون الأحادي اللون واستولت تدريجياً على زعامة السوق من الشركات الأميركية والأوروبية. طوّر المهندس ماسارو إيبوكا، العامل في شركة سوني، أنبوباً ملوّناً محسّناً يدعى Trinitron (الترينيترون)، وقد قدمّته سوني في العام 1968. قبل ذلك بسنتين، عُرض على سوني ترخيصاً لأحد اختراعات جنرال إلكتريك، وهو أنبوب ملوّن بثلاثة مدافع إلكترونات موضوعة داخلياً وليس في تكوينٍ مثلثٍ. رفضت سوني العرض، لكنها طوّرت الترينيترون عند نفس تلك الخطوط. بالإضافة إلى مدفع الإلكترونات المحسّن، قدَّم الترينيترون صورة أكثر وضوحاً وصفاءً عبر تحسين تركيز الشعاع من خلال عدسة واحدة بفتحة كبيرة، واستعمال "مُصبَّعة فتحات" (aperture grill). ركَّزت تلك المُصبَّعة، التي تتألف من ورقة معدنية بفتحات طويلة ورفيعة بدلاً من الفجوات المستديرة لأنبوب قناع الحجب، الإلكترونات بدقة أكثر على نقاط الفوسفور التي كانت مرتّبة كخطوط عمودية جنباً إلى جنب وليس كعناقيد يتألف كل عنقود منها من ثلاث نقاط. كان الترينيترون على الأرجح آخر تحسين رئيسي شهدته شاشة CRT الملوّنة للتلفزيون، رغم ظهور تطوّرات عديدة تزايدية قبل بدء تراجع إنتاج أنبوب أشعة الكاثود بالنسبة لإنتاج الأنواع الأخرى لأجهزة العرض في أوائل القرن الحادي والعشرين.التصويرحفّز ظهور التلفزيون في أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات أيضاً تطوير أجهزة لتحويل الصور البصرية إلى إشارات كهربائية. كانت كل إرسالات التلفزيون تقريباً "مباشرة" في البدء، باستعمال صور تزوّدها تشكيلة من الأجهزة. أصبح أنبوب كاميرا الأيكونوسكوب الأصلي لفلاديمير زواريكين باطلاً إلى حد كبير عام 1943 عندما طوّر ألبرت روز وبول وايمر وهارولد لُوْ أورثيكون الصورة، الذي أنتَج صوراً عالية الدقة نسبياً وبالتالي نوعية أفضل للصور. كان التطوّر الرئيسي التالي هو أنبوب الفيديكون، الذي قدَّمه بول وايمر وستانلي فورغ وروبرت غوودريخ، العاملون في الشركة RCA، عام 1950. كان الفيديكون أول أنبوب كاميرا يستخدم مبدأ الموصّلية الضوئية بدلاً من الانبعاث الضوئي لتوليد إشارة الفيديو. إنه يستعمل فيلماً حسّاساً للضوء موضوعاً فوق إلكترود إشارة لتشكيل هدف حسّاس للضوء. ثم يقوم شعاع إلكترونات بمسح الفيلم ويزوّد إشارة مباشرة إلى الإخراج. بالنتيجة، كان أصغر بكثير وعملانياً أكثر من الأيكونوسكوب ومن أورثيكون الصورة، مما جعل الاستخدامات كالكاميرات المحمولة عملانية أكثر. وسرعان ما تم تطوير تشكيلة كبيرة من الأنابيب ذات الموصّلية الضوئية باستعمال المبدأ الأساسي للفيديكون الأصلي. لقد تم تطوير وتعريف تلك الأجهزة بأسماء تجارية مختلفة، لكن الفيديكون أصبح الإسم الشائع لكل تلك الأجهزة.كانت الترانزستورات الضوئية والدايودات الضوئية تكنولوجيات أخرى طُوّرت خلال أواخر الأربعينات والخمسينات وستكون لها في نهاية المطاف استخدامات مهمة. في العام 1949، بعد فترة قصيرة من تطوير أول ترانزستور، استعرض جون ن. تشايف من مختبرات بَل أول ترانزستور ضوئي، باستعمال ترانزستور تلامس نقطيّ مصنوع من الجرمانيوم. كان الجهاز في الأساس عبارة عن ترانزستور تلامس نقطيّ من دون باعث. كان الضوء الذي يضرب الجهاز ينفّذ عملية البعث، مما يؤدي إلى تيار صغير يظهر في المجمِّع. تم استعمال الجهاز اختبارياً في جهازٍ صنع شركة بَلْ سيستم يدعى "مترجِم البطاقة" والمستعمل كجزء من نظام الهاتف. كانت المعلومات تُخزَّن فيه على بطاقات ورقية مثقوبة، وكان الترانزستور الضوئي يلتقط الضوء الذي يشعّ من خلال البطاقات. رغم أنه بالكاد يمكن اعتباره جهازاً لتجميع صور معقّدة، إلا أن مفهوم الترانزستور الضوئي سيخرج في نهاية المطاف كتكنولوجيا للتلفزيون ولتصوير الفيديو في السنوات اللاحقة. وأكثر من ذلك، رغم أن هذا الاستخدام المُبكر للترانزستور الضوئي يبقى حدثاً غامضاً في تاريخ التكنولوجيا، إلا أنه كان من الواضح أول استخدام تجاري للترانزستورات في بل سيستم، وعلى الأرجح أول استخدام مدني من أي نوع للترانزستور.تكنولوجيات العرض الأخرىرغم أن أنبوب أشعة الكاثود كان جهاز العرض الأهمّ تجارياً في الخمسينات، تم تطوير أو دراسة أنواع أخرى من التكنولوجيات خلال تلك الفترة، وسيبرهن بعضها أنه مهم جداً في السنوات اللاحقة. إحداها كانت الدايود الباعث للضوء (أو LED). تعود جذور الدايودات الباعثة للضوء إلى اختبارات مهندس يدعى هـ. ج. راوند في العام 1907، حيث حفّز كربيد السيليكون كهربائياً إلى استضاءة كهربائية. لقد صاغ ألبرت آينشتاين عام 1917 مبدأ الانبعاث المحفَّز، وقد ألهَمَ عدداً كبيراً من الاختبارات حول العالم، معظمها موجَّه نحو أجهزة الموجات الصُغرية. في الواقع، رُبِط هذا العمل باختراع الميزر  ولاحقاً الليزر. بمنتصف الخمسينات، كان هناك اهتمام كبير بين المهندسين الكهربائيين بأجهزة شبه موصِّل الوصلة p-n التي يمكنها أن تعمل بتردّدات مرتفعة. في العام 1955، لاحظ ر. براونشتاين أنه يتم إنتاج أشعة تحت الحمراء بحقن موجة حاملة في أشباه موصِّلات زرنيخيد الغاليوم وفوسفيد الإنديوم. لقد اقترح أن هذا كانت نتيجة إعادة دمج أزواج فجوات الإلكترون، وأدرك الباحثون سريعاً أن تشكيلةً من مركَّبات شبه موصِّل مصنوعة من العناصر الموجودة في الأعمدة الثالثة والخامسة من الجدول الدوري قادرة على توليد الضوء. كانت أشباه موصِّلات الوصلة P-N المصنوعة من فوسفيد الغاليوم (GaP) الأكثر وعداً كونه يمكن استعمالها لتوليد الضوء في الجزأين الأحمر والأخضر من الطيف المرئي. في العام 1957، بنى الفيزيائيان البريطانيان ج. و. ألنّ وب. إ. غيبونز أول دايودات LED تلامس نقطيّ من فوسفيد الغاليوم. وأجرى بعد ذلك عددٌ من الباحثين كمية كبيرة من الأبحاث على الأجهزة المشابهة خلال أواخر الخمسينات وأوائل الستينات، مهيئين الطريق لبروز تطويرات مهمى لاحقة في تكنولوجيا الدايود الباعث للضوء.تحسينات الترانزستوربعد الإعلان عن الترانزستور في العام 1948، انتقلت مختبرات بَل إلى تسويقه بسرعة، لكن تعلّم كيفية تصنيع ترانزستورات موثوقة بكميات استغرق بعض الوقت. في غضون ذلك، نشر شوكلي في العام 1950 كتابه المهم Electrons and Holes in Semiconductors الذي يفصّل ما تعلّمه هو وزملاؤه من أكثر من عقد من الأبحاث. أصبح الكتاب مرجعاً قياسياً بشكل فوريّ.تم إحياء العمل على الترانزستور الوصليّ، الذي بقي ضعيفاً خلال معظم العام 1950، في فترة لاحقة من تلك السنة بعد أن أصبح ويليام شوكلي مُقتنِعاً بوجود استخدام عسكري مهم له. وقد تم استعراض ما يسمى مصهر التقارب، وهو رادار منمنَم موضوع داخل الصواريخ أو القنابل لتفجيرها بالقُرب من الهدف بدلاً من أن تنفجر عند الاصطدام به، بنجاح في الحرب العالمية الثانية باستعمال إلكترونيات الأنبوب المفرَّغ. كان بعض تلك المصاهر يوضَع في قذائف المدفعية حيث كانت تتعرّض لضغط شديد عند إطلاقها. اعتقد شوكلي أن الترانزستور الوصليّ القوي سيكون بديلاً متفوقاً للأنبوب المفرَّغ. نجح مورغان سباركس العامل في مختبرات بَل من سحب بلّورات "مُشابة إشابةً مزدوجةً" بطبقات وصلة رفيعة جداً في أوائل العام 1951؛ وقد حدّدت نحافة الطبقات (من بين عوامل أخرى) مميزات التردّد المرتفع للجهاز. كما أن الأجهزة الصغيرة جداً استهلكت طاقة أقل حتى من نسيباتها ذات التلامس النقطيّ، وتسبّبت بـ "ضجة" أقل في الدارة، مما جعلها أفضل للاستعمال كمضخِّمات حسّاسة جداً و منخفضة الطاقة. لا يمكن المبالغة بأهمية الترانزستور الوصليّ في قصة الأجهزة الإلكترونية: رغم أن إنتاج النوع الأصلي لترانزستورات التلامس النقطيّ سيساند مؤقتاً القطاع النامي لشبه الموصِّل، إلا أن مستقبل الترانزستور يكمن مع هكذا بلّورات وليس مع الأجهزة المجمَّعة من أجزاء متفرِّدة. كتب المؤرّخان براون وماكدونالد: "يرجع ترانزستور التلامس النقطيّ بإلكتروداته الموضوعة بعناية إلى صمام الترايود وإلى مقوِّم شارب القطة؛ لقد مهَّد الترانزستور الوصليّ، الذي تجري فيه الأشياء ضمن بدن شبه الموصِّل، الطريق إلى إلكترونيات الجوامد العصرية" (براون وماكدونالد 1978، 43).أدّى نجاح الترانزستور الوصليّ إلى بروز طريقة جديدة لمعالجة بلّورات الجرمانيوم. فبين العامين 1950 و1951، اكتشف الباحث في مختبرات بَل ويليام بفانّ طريقة جديدة مهمة لتحسين نوعية بلّورات الجرمانيوم التي يجري تصنيعها في المختبر. سمّى العملية "تنقية موضعية"، وكانت في الأساس طريقةٌ لتسخين قضيب من الجرمانيوم مؤقتاً بنقل حلقة تسخين خاصة على طوله. مع مرور القضيب في الحلقة، يذوب جزء من البلّور لفترة وجيزة ثم يتبلّر ثانيةً. يؤدي هذا إلى دفع التلوّثات إلى أحد أطراف القضيب، فيمكن عندها رميها. يتسبّب المرور عدة مرات عبر الحلقة إلى الحصول على جرمانيوم نقيّ جداً. بقيت التنقية الموضعية سراً لسنتين، ثم تم الإعلان عنها أخيراً في العام 1952.ندوات الترانزستورقرّرت مختبرات بَل (أو ربما أُجبرت على) اعتماد سياسة نشطة للإفشاء العلني بشأن الأبحاث على الترانزستورات. فقد أرادت وزارة الدفاع أن تُفشي شركة AT&T تفاصيل الجهاز للمقاولين المتعاقدين معها الذين كانوا يتذمّرون للحصول على مزيد من المعلومات. وأكثر من ذلك، رأت إدارة AT&T أن نشر الترانزستور سيؤدي إلى قبوله أكثر كبديل للأنابيب في الاستخدامات المدنية والصناعية والعسكرية، مما سيولّد إيرادات من تراخيص براءة الاختراع. [image "Description: images\electronics_Page_047_Image_0001.tif" file=image-374.jpg] في صورة مثيرة للجدل لكن تُنشر في أغلب الأحيان، ويليام شوكلي يفحص أول ترانزستور، بينما زميلاه والتر براتين وجون باردين ينظران إليه. تم انتقاد شوكلي لاحقاً بأنه يحاول أن "يسرق" الفضل باختراع الجهاز، الذي تبيَّن لاحقاً أنه ثمار جهود الرجلين الآخرين إلى حد كبير. (بإذن من لوسنت تكنولوجيز إنك).بدءاً من سبتمبر 1951، عقدت مختبرات بَل ندوات في منشأتها موراي هيل في نيوجرسي، حيث شرح مهندسوها كيفية صنع ترانزستورات التلامس النقطيّ وكشفوا بعض التقدّم الذي حقّقته الشركة في مجال الترانزستورات الوصليّة. لم تغطِ الندوة الأولى الترانزستورات الوصليّة الجديدة بشكل معمّق، وكانت صامتة بشكل ملحوظ عن عمليات التصنيع وتطبيقاتها على الأنظمة العسكرية. حضر الندوة الأولى أكثر من 300 شخص (معظمهم موظفون عسكريون)، حيث دفع كل واحد منهم رسم دخول قدره $25,000. ألقى جاك مورتون، الذي كان وقتها مديراً لقسم شبه الموصِّل في مختبرات بَل، محاضرة شيّقة عن إمكانيات [image "Description: images\electronics_Page_049_Image_0001.tif" file=image-379.jpg] جاك مورتون (بإذن من لوسنت تكنولوجيز إنك).الترانزستورات وقدّم إدعاءات جريئة عن براعة وسترن إلكتريك في تصنيعها وعن تفوّق مختبرات بَل في تصميمها. ساعد هذا على نشر نتائج أبحاث الترانزستور في مجتمع الهندسة الكهربائية ككل، رغم أن بعض الحاضرين اعترضوا على أنه يجري منعهم من الحصول على معلومات عن التصنيع. كانت بعض الشركات تنوي دخول مجال تصنيع الترانزستور بنفسها بدلاً من شراء ترانزستورات وسترن إلكتريك. اضطرت تلك الشركات في الوقت الحاضر إلى اعتماد مبدأ الهندسية العكسية على عملية التصنيع. كان الموظفون في شركة فيليبس في آيندهوفن، هولندا، قادرون في الواقع على بناء ترانزستور خاص بهم من دون حتى أن يحضروا المؤتمر، فصنعوا الجهاز بالاتكال فقط على الشروح المأخوذة من الصحف الأميركية. ورغم أن AT&T لم تشجّع بالضرورة الآخرين على تصنيع الترانزستورات، إلا أنها لم تحاول منعهم. ثم بعد سبتمبر 1951، بدأت الشركة تمنح تراخيص براءة اختراع غير حصرية لتصنيع الترانزستورات لقاء مبلغ منخفض نسبياً. بعض تلك الشركات الأولى التي أخذت ذلك الترخيص البالغ ثمنه $25,000 لا تزال تعمل حتى هذا اليوم، ومن بينها تكساس انسترومنتس وIBM وهيولت باكارد وموتورولا. دُعي حاملو التراخيص إلى ندوة ثانية في أبريل 1952، حيث كُشفت أسرار تصنيع الترانزستورات أخيراً. حقّق حاملو التراخيص أولئك نجاحاً كبيراً في تصنيع وبيع الترانزستورات في أوائل الخمسينات، وشكّلوا مع عدة شركات أخرى نواة قطاع جديد متنامٍ بسرعة.جاك مورتونانضم جاك مورتون إلى مختبرات بَل عام 1936 كمهندس أنابيب مفرَّغة، وانتقل إلى الإدارة في الأربعينات. بعد اختراع الترانزستور، قسّمت مختبرات بَل فريق أبحاث الترانزستور إلى قسمين، واحد يركّز على فيزياء شبه الموصِّل والآخر على إنتاج الترانزستورات. عُيّن مورتون رئيساً لمجموعة الإنتاج. وأعدّت مختبرات بَل تحت إدارته مصنعاً صغيراً لإنتاج أولى الترانزستورات التجارية (سُمّيت ببساطة "النوع A"). لكن مورتون سعى جاهداً للتخلّي عن النوع الأوليّ لترانزستورات التلامس النقطيّ واعتماد أجهزة الوصلة. في أوائل الخمسينات، كان أيضاً من أنصار فكرة نشر معرفة الترانزستور، وساعد على قيادة ندوات مختبرات بَل الشهيرة عن هذا الموضوع. في منتصف الخمسينات، أصبح أيضاً البطل الصريح للسيليكون كمادة للجهاز، بدلاً من الجرمانيوم المألوفة أكثر. رغم أن الفضل باعتماد تكنولوجيا السيليكون الرائدة يُنسَب في أغلب الأحيان إلى شركات أخرى كتكساس انسترومنتس، إلا أن اهتمامها بها كان جزئياً نتيجة إصرار مورتون.في مقابلة مع مجلة بيزنس ويك عام 1961، صرَّح مورتون أن إلكترونيات الجوامد ستصبح أكبر صناعة في أميركا وستتفوّق حتى على صناعات الفولاذ والسيارات. أصبح مورتون في تلك السنوات أشبه ببطل قومي، بسبب نجاحه في أشباه الموصِّلات ومنصبه المرموق في مختبرات بَل، التي كانت وقتها المختبر الأول في العالم للأبحاث والتطوير الصناعيين. لكنه اكتسب بعض الأعداء في سياق ذلك. فشخصيته القهرية وطبيعته المثابرة أزعجت الكثيرين، ورغم أن إدارة AT&T قدَّرت قدرته على إنجاز الأشياء، إلا أن العديد من زملائه والموظفين التابعين له كرهوه في السر. لكنه توفيّ فجأة في أواخر العام 1971، حيث عُثر عليه ميتاً محترقاً في سيارته بجانب الطريق بالقرب من نيشانيك ستايشن، نيوجرسي. لقد قُتل بعد مشاجرة في إحدى الحانات مع رجل أُدين لاحقاً بالجريمة.الأنواع الجديدة للترانزستورات والطرق الجديدة لتصنيعهابدأت وسترن إلكتريك في تلك الأثناء تصنيع أولى ترانزستورات التلامس النقطيّ للبيع عام 1951. في أبريل 1952، كانت وسترن إلكتريك تصنع حوالي 8,400 من تلك الترانزستورات في الشهر، بينما كانت الشركات الأخرى، مثل ريثيون وRCA وجنرال إلكتريك، تُنتج كميات أقل. كانت وسترن إلكتريك قد بدأت أيضاً بإنتاج الترانزستورات الوصليّة للبيع، رغم أن ذلك حصل ببطء بمعدل أقل من 100 ترانزستور في الشهر. لكن ترانزستورات وسترن إلكتريك كانت بالكاد قيد الإنتاج عندما بدأ المهندسون بالإعلان عن أنواع جديدة من الأجهزة ارتفعت أعدادها خلال السنوات القليلة المقبلة. في العام 1952 مثلاً، أعلنت جنرال إلكتريك أن جون سابي طوَّر طريقةً لسبك كتل الإنديوم بالجهات المتعاكسة لورقة رفيعة من الجرمانيوم لإنتاج ترانزستور "وصليّ مسبوك" جديد. كان الترانزستور الوصليّ المسبوك قادراً على أن يعمل بتردّدات وتيارات أعلى من الترانزستورات الوصليّة السابقة، لكنه تطلّب طبقة رفيعة جداً من الجرمانيوم كان من الصعب تصنيعها بدقة. ومع ذلك فقد كانت شركة RCA قادرة على أخذ الترانزستور الوصليّ المسبوك ووضعه قيد الإنتاج بسرعة، مقدمةً إياه كمنافس للترانزستورات الوصليّة صنع وسترن إلكتريك.تشارلز و. مولر: عن مصاعب المحافظة على النظافةكان تشارلز مولر مهندساً في شركة RCA ساهم في تطوير الترانزستور الوصليّ المسبوك.ذهبنا إلى مصنع الأنابيب في هاريسون (نيوجرسي) لإعداد مجموعة لصنع الترانزستورات. ... حصلنا أخيراً على زاوية في المختبر هناك حيث جهّزنا خط انتاجنا الذي يتألف من عشر فتيات يُنجزن العمل. أردنا أن تكون الأشياء نظيفة جداً، فوافقن على تنظيف المكان لنا. استدعين البوّابين ودخلن في الأنابيب التي كانت كبيرة جداً، قطرها حوالي متر ونصف، ومسحن الغبار عن الجدران. لكن بعدها، بالطبع، لم ينظّفن الأنابيب لشهرين وبقيت تنزح . بعضها كان كبيراً لدرجة أنه كان من الصعب التمييز بينها وبين نقاط الإنديوم. كان إيثل مونان ينظر إلى الشكل، فإذا كان مستديراً تكون النقطة من الإنديوم، وإذا كان بشكل معيّن تكون من الغبار. أخيراً أخرجنا الغبار من هناك. كان المُشرف على المبنى مقيماً على بُعد ثلاثة شوارع عنا وكان يعتبرنا مجرد غرفة أخرى يجب تنظيفها. لقد أردنا حقاً أن تكون الأشياء نظيفة بشكل أفضل. بعد إجراء بعض المفاوضات، قال أنه سيخصّص لنا بوّاباً آخر. لحسن الحظ أنني وصلتُ في أحد الأيام بينما كان ذلك البوّاب يعمل. لقد كنا في إحدى زوايا المختبر وكان يستعمل المكنسة ليجمّع الغبار من المختبر بأكمله في هذه الزاوية. كلما ضرب المكنسة، كانت كميات كبيرة من الغبار تطير في الهواء. ثم كان يرفع الغبار ويرميه في سلة في زاويتنا من الغرفة. لم يقل له أحد في أي اتجاه عليه أن يكنس الغبار أو أي شيء من هذا القبيل. لقد أردناه أن يستعمل المكنسة الكهربائية، لكن الأشخاص المسؤولين عن التنظيف قالوا أن ذلك لا يلائم ميزانيتهم، لذا لا يمكنهم أن يفعلوا أمراً كهذا. اشترينا في نهاية المطاف مكنسة كهربائية على حساب قسم الهندسة.المصدر: تشارلز و. مولر، مهندس كهربائي، حديث شفوي وثّقه في العام 1975 مارك هيير وآل بينسكي، مركز التاريخ التابع للمعهد IEEE، جامعة روتغرز، نيوبرانزويك، نيوجرسي.في السنة التالية، دخلت شركة فيلكو سوق الترانزستور بتصميم خاص بها يدعى نوع الحاجز السطحي، وهو نموذج معدَّل للترانزستور الوصليّ المسبوك. كان هذا النوع من الترانزستورات يُنشأ باستعمال أسلوب يدعى الحفر النفّاث (jet etching) لرشّ إلكتروليتٍ على جهتَي رقاقة جرمانيوم لجعلها رفيعة جداً. ثم كان يتم تطبيق مزيج من كبريتات الإنديوم على الرقاقة لتشكيل الوصلات، ثم كانت توضع نقاط تلامس معدنية في الأماكن الملائمة. ثم كانت تُسخّن نقاط التلامس تلك إلى أن تذوب وتُنشئ وصلات. لسوء الحظ أن ترانزستور الحاجز السطحي كان سريع العطب بسبب نحافة رقاقة الجرمانيوم وبالنتيجة كانت فائدته محدودة.بدأ هربرت كرومر، وهو فيزيائي ألماني يُقيم في الولايات المتحدة، يعمل في الخمسينات على فئة من أجهزة أشباه الموصِّلات تتضمن ما تسمى اليوم بُنيات متباينة. تُعرَّف الوصلة المتباينة، مثلاً، بأنها وصلة بين شبهَي موصِّلات بفجوات حزام متقلبة بشكل واسع. وستؤدي الأبحاث على الوصلة المتباينة، التي حفّزتها [image "Description: images\electronics_Page_053_Image_0001.tif" file=image-407.jpg] أصبح الترانزستور الوصليّ صنع ويليام شوكلي من العام 1948 الأساس تقريباً لكل الجهود اللاحقة في حقل شبه الموصِّل. كان الترانزستور عبارة عن طبقتَي جرمانيوم واحدة من النوع n وواحدة من النوع p. وقد سمحت إشارة صغيرة (مبيّنة رمزياً تحت E) مطبَّقة بين الطبقة "الركيزة" الوسطى (B) وبين طبقة الباعث ذات النوع n (E) بانسياب تيار أكبر في دارة تتألف من بطارية (مرسومة رمزياً تحت وعلى يمين B)، وإخراج (RL؛ مُستبدَل هنا بمقاوِم)، وطبقة الباعث، وطبقة المجمِّع (C). تزوّد البطارية الثانية الأصغر تحت وعلى يسار B تيار "الانحياز"، الذي يحضّر في الواقع ركيزة العمل. براءة الاختراع الأميركية 2569347.منشورات كرومر عن هذا الموضوع في العام 1954، إلى كل أصناف الاتجاهات المختلفة. كرومر نفسه تابَع أبحاثه، ناشراً مقالات نظرية مهمة أثناء عمله في مختبرات شركة RCA في برينستون، نيوجرسي. لاحقاً، في العام 1963 بينما كان يعمل لدى Varian Associates، نشر نتائج أبحاثه عن ليزر شبه موصِّل البنية المتباينة المزدوج الثوري. لكن كان يمكن تسويق القليل من تلك الأفكار في ذلك الوقت. ليزرات الوصلة المتباينة، مثلاً، بدأ استعمالها بشكل كبير بعد أوائل الثمانينات فقط.استمر ظهور ابتكارات سريعة في التصميم وأصبح ذلك إحدى المميزات الرئيسية لقطاع شبه الموصِّل ككل. بحلول العام 1953 كان هناك 60 نوعاً مختلفاً من الترانزستورات يجري تصنيعها. وبحلول العام 1957 قفز هذا الرقم إلى 600 على الأقل. صحيح أن معظم تلك الأنواع كانت عبارة عن تنويعات طفيفة على الفكرة الأساسية، إلا أنها كانت دلالة على الاهتمام الكبير بالترانزستورات، وقابلية تكيّفها مع مختلف الاستعمالات، وتكاثر صانعي الترانزستورات.قطاع الترانزستورات الصاعدفي منتصف الخمسينات، أصبح إنتاج ترانزستورات الجرمانيوم بديلاً كلياً تقريباً لإنتاج ترانزستورات التلامس النقطيّ وشكّل الأساس لقطاعٍ متنامٍ في الولايات المتحدة. في العام 1951، كان يوجد أربع شركات محلية فقط تصنع الترانزستورات تجارياً. وأصبح عدد الشركات 8 في العام 1952، و15 في العام 1953، و20 شركة على الأقل في العام 1956 تُنتج ما تزيد قيمته عن $14 مليون من ترانزستورات الجرمانيوم كل سنة. أشار هذا النمو السريع إلى أكثر من مجرد ظهور قطاع جديد، فقد أشار أيضاً إلى بداية عصر جديد في الإلكترونيات. ومع ازدياد عدد وأنواع الترانزستورات المتوفرة، ومع دفع التطوّرات في تكنولوجيا شبه الموصِّل إلى جعل الترانزستور أكثر من مجرد تكافؤ مع الأنابيب المفرَّغة، بدأت أشباه الموصِّلات تكون أكثر من مجرد بديل فعّال للأنابيب. بدأ المهندسون يصمّمون أجهزة مجهَّزة بترانزستورات تفعل أشياءَ كانت تُعتبر سابقاً غير عملانية أو مستحيلة. تم تصميم بعض تلك الاستخدامات للمستهلك الفردي: تكساس انسترومنتس، مثلاً، صنعت ترانزستورات لأول جهاز راديو جيب ترانزستوريّ في العام 1954.لكن رغم الصخب الذي ولّده راديو الترانزستور، كان النجاح التجاري بطيئاً في الخمسينات. بدلاً من ذلك، كان الجيش الأميركي أهم مستهلك للترانزستورات إلى حد بعيد. فالتطوير المستمر لإلكترونيات الرادار والطائرات وظهور الصواريخ الموجَّهة نبّه الجيش إلى السعي وراء مكوّنات إلكترونية موثوقة ومنخفضة الطاقة ومنمنَمة، وفي أوائل 1952 وقَّعت شركات أخرى مورّدة لأجهزة أشباه الموصِّلات غير مختبرات بَل عقوداً عسكرية تفوق قيمتها 5 ملايين دولار. كانت سلسلة أجهزة الاتصال الرقمي المتخصصة التي سُمّيت A/TSQ هي أحد الاستخدامات العسكرية الأولى لترانزستور التلامس النقطي صنع وسترن إلكتريك. تأخذ تلك "الصناديق السوداء" بيانات تماثلية من الرادارات وتحوّلها إلى النموذج الرقمي ثم ترسلها عبر خطوط الهاتف إلى صندوق أسود آخر، حيث يتم فك تشفيرها وتُرسَل إلى شاشة عرض الرادار. أصبحت تلك الأنظمة جزءاً متمماً لأنظمة صواريخ Nike التي تم تركيبها في أماكن عديدة في الولايات المتحدة. في العام 1954، صنعت مختبرات بَل أول كمبيوتر ترانزستوريّ سُمّي الكمبيوتر الرقمي المجهَّز بترانزستورات (أو TRADIC) لراعِ عسكريِ هو سلاح الجو الأميركي. كانت مختبرات بَل على علاقة وطيدة بالجيش، بعد توقيعها اتفاقية خدمات مشتركة في أوائل 1949 سمحت لها بمباشرة أبحاث محدَّدة مرتبطة بالترانزستورات. تقريباً نصف أموال أبحاث الترانزستور التي قبضتها مختبرات بَل في أوائل الخمسينات جاءت من مصادر عسكرية، وقد كَفَل سلاح الإشارة في الجيش تشييد أو تحسين خطوط إنتاج الترانزستور في شركات وسترن إلكتريك وRCA وريثيون وسيلفانيا. ستستمر العلاقة الوطيدة بين الجيش وقطاع أشباه الموصِّلات في السنوات اللاحقة، وستبرهن أنها مهمة جداً في تطوّر القطاع ككل. وقد صرّح أحد مراقبي القطاع لاحقاً "أجد صعوبة في تذكّر شركة واحدة (في الولايات المتحدة) في الخمسينات لم تتمتع بدعم حكومي كبير لعملياتها المتعلقة بشبه الموصِّل. ... يمكنني أن أؤكّد لك بشكل مُطلق أننا لم نكن لنستمتع أبداً بالنجاح الذي استمتعنا به في تلك الفترة لولا أموال الحكومة" (براون وماكدونالد 1978، 72).ارتفعت قيمة الرعاية العسكرية بمقدار هائل في الخمسينات، لكن ربما لم تكن الأهمية المستقبلية للسوق العسكرية لتطوير شبه الموصِّل جليّة للأشخاص في ذلك الوقت. فمن وجهة نظر أوائل الخمسينات، كان الترانزستور كثير الضجة بالمقارنة مع تكنولوجيا الأنبوب. إذ يمكنه معالجة طاقة أقل من الأنبوب، وكان احتمال تعرّضه لأضرار من تقلّبات الطاقة المفاجئة أكبر، ومميزاته تتغيّر بشكل كبير مع تغيّر الحرارة، وله عرض نطاق ضيق جداً. كيف سيتمكن هذا الجهاز الصغير الضعيف من تلبية متطلبات الطاقة المرتفعة والتردّد فوق العالي للرادار العسكري وأنظمة الاتصال بالموجات الصُغرية؟ بالإضافة إلى ذلك، بسبب عملية التصنيع المرهِقة المطلوبة لصنع ترانزستورات قابلة للاستعمال، كان من الصعب إنتاج جهازين بنفس المميزات تماماً، وكانت الترانزستورات الأولى تميل إلى أن تكون غير موثوقة نوعاً ما. كما كانت مكلفة جداً بالمقارنة مع الأنابيب - $20 للنماذج الأولى، وبقيت حوالي $8 في أواخر 1953 - بينما كانت كلفة الأنبوب المماثل دولاراً واحداً. باختصار، كان الترانزستور بعدة طرق منتَجاً غير جذاب في أوائل الخمسينات. ومع ذلك، بدأ استعمال الترانزستور بالتوسّع، خاصة للاستخدامات التي كان سعره فيها أقل أهمية من حسناته التكنولوجية. كان أول استخدام غير عسكري للترانزستور خارج بَل سيستم في الأجهزة المساعدة على السمع. فقد أعطت AT&T صانعي أجهزة المساعدة على السمع تراخيص مجانية احتراماً لجهود ألكسندر غراهام بَل مع الأشخاص الصمّ. كانت شركة سونوتون، وهي صانع مشهور لأجهزة المساعدة على السمع، أول من قدّم جهازاً مساعداً على السمع مجهّزاً بترانزستور في العام 1952. وذاع صيت الجهاز الصغير جداً، ولقّبت مجلة Fortune العام 1953 "سنة الترانزستور".من الجرمانيوم إلى السيليكونرغم أنه كانت هناك أنواع أخرى من أشباه الموصِّلات معروفة، كان الجرمانيوم أساس كل الترانزستورات المُنتجة من أواخر الأربعينات إلى أوائل الخمسينات. وقد تفاجأ القطاع ككل عندما أعلن غوردون تيل من شركة تكساس انسترومنتس المجهولة تقريباً أنه نجح في تصنيع ترانزستور من السيليكون في العام 1954. كان تيل قد عمل في العام 1951 في مختبرات بَل مع إيرني بوهلر وقد عثرا على طريقة، في المختبر على الأقل، لإنشاء بلّورات السيليكون وتشكيل وصلات p-n فيها. غادر مختبرات بَل في العام 1952 ليعود إلى ولايته الأم تكساس ويرأس قسم تطوير الترانزستور المتنامي في شركة تكساس انسترومنتس، حيث تابَع عمله على السيليكون لأنه أدرك وجود سيئة مهمة في ترانزستور الجرمانيوم؛ فعندما كان [image "Description: images\electronics_Page_056_Image_0001.tif" file=image-419.jpg] غوردون تيل، الذي ساهم عمله في مختبرات بَل على تنقية الجرمانيوم في تحسين الترانزستورات، في صورة من العام 1951 (بإذن من لوسنت تكنولوجيز إنك).يسخن كان يتوقف عن العمل تدريجياً إلى أن تصل حرارته إلى 75 درجة مئوية، حيث يتوقف كلياً. كانت مادة الجرمانيوم جيدة عندما يمكن التحكم بالحرارة، لكن لا يمكن الاعتماد عليها في ساحة القتال، أو بالفعل، في أنواع عديدة من المعدات الإلكترونية.غوردون تيل عن سحب البلّوركان غوردون تيل باحثاً في مختبرات بَل في الأربعينات، حيث ساعد على تطوير طرق لـ "تنمية" بلّورات شبه الموصِّل.التقيتُ جون ليتل قبل موعد الخروج من العمل بقليل، وبدأنا نتكلم عن عملنا. أخبرني كيف أنه بحاجة إلى قضيب جرمانيوم قطره صغير كفاية ليتم قصّه بعجلة صغيرة جداً من أجل تقليل التبذير إلى أقصى حد. أحسستُ أن هناك فرصة لأصنع قضيباً لشخص يحاول إنجاز عمل حقيقي.وبينما كنا نصعد إلى الباص للذهاب إلى سوميت، نيوجرسي، قلتُ له "بالتأكيد يمكنني أن أصنع لك قضيباً بسحب واحد من كتلة من الجرمانيوم الذائب. وسيكون على فكرة بلّوراً فردياً أيضاً". وبدأنا نضع الرسم التمهيدي حالما ركبنا الباص. كل ما كنا نحتاج إليه كان شيئاً سيسحب القضيب بنعومة وسيتحمّل الحرارة. ...انتهينا من رسم المعدات في نهاية النزهة ذات الخمسة كيلومترات إلى سوميت، وبعد يومين، في 1 أكتوبر 1948، أكملنا آلتنا البدائية في مختبر جون في نيويورك. سحبنا هناك أولى بلّورات الجرمانيوم الفردية. وقد فعلنا ذلك من دون الحصول على إذن أو موافقة أي شخص وتصرّفنا انطلاقاً من أفكارنا الشخصية فقط.المصدر: غوردون ك. تيل، حديث شفوي وثّقه في 17-20 ديسمبر 1991 أندرو غولدشتاين، مركز التاريخ التابع لمعهد IEEE، جامعة روتغرز، نيوبرانزويك، نيوجرسي.أنجز تيل وفريقه، بما في ذلك الفيزيائي ويليس أدكوك، عملهم البطولي برفضهم الطرق الأحدث لصناعة الترانزستورات، كأسلوب السبك الخاص بجنرال إلكتريك، وعودتهم إلى طرق سحب البلّورات من أوعية من المواد الذائبة، وهو أسلوب استعمله في مختبرات بَل. لكن لسوء الحظ أن العمل مع مادة السيليكون كان أصعب من العمل مع مادة الجرمانيوم، كون نقطة ذوبانها مرتفعة لدرجة أنها تميل إلى امتصاص كل أصناف التلوّثات من الجو والفرن. تخلّوا أخيراً عن محاولة تصنيع سيليكون خاص بهم واشتروا نوعاً نقياً منه من شركة دوبونت (DuPont). مع مادة البداية هذه وسنتين من الجهد، نجح تيل وفريقه أخيراً في إنشاء ما سمّاه "وصلات ناضجة" (لتفريقها عن الوصلات التي تُصنَع الآن بالسَبك) في بلّور في أوائل 1954. لكن لم تنته مشاكلهم هنا. فالخصائص المادية للسيليكون تعني أيضاً أن الأجهزة يجب أن تكون صغيرة جداً، لكي تكون قريبة جداً من بعضها البعض عند ربط إلكترودات المعدن بالمادة شبه الموصِّلة.بناء ترانزستور بهذا المستوى من الدقة يسبّب مشاكل تصنيع جديدة. لكن أولى ترانزستورات السيليكون التي قدَّمتها شركة تكساس انسترومنتس تستطيع أن تعمل بتردّدات أعلى ودرجات حرارة أعلى من ترانزستورات الجرمانيوم التي كان يجري إنتاجها في ذلك الوقت. سارع تيل إلى إنتاج بضعة نماذج أولية وإلى إيجاد مؤتمر أكاديمي يمكن أن يُعلن فيه عن اكتشافه. في مؤتمر إلكترونيات الطيران الذي رعاه معهد مهندسي الراديو، قدَّم تيل عرضاً مفاجئاً لترانزستور السيليكون الجديد. وفوراً أصبحت تكساس انسترومنتس، ولو لفترة قصيرة فقط، الصانع الوحيد في العالم لأجهزة أشباه موصِّلات عالية الأداء. احتاج الصانعون الآخرون إلى بعض الوقت ليبدّلوا إلى السيليكون، لكن في العام 1956، أصبحت هناك 15 شركة في الولايات المتحدة و6 شركات تقريباً في البلدان الأخرى تصنّع أيضاً دايودات من مزيج السيليكون (تُصنَع بنفس العمليات تقريباً كالترانزستورات).انتشار البخاررغم المستقبل الواعد لمادة السيليكون، أدّت المشاكل الكبيرة إلى منع الآخرين في قطاع أشباه الموصِّلات من اعتماد استعمالها فوراً. فالملوِّثات تسلَّلت من كل المصادر، وحتى أسلوب التنقية الموضعية لم يكن فعّالاً على السيليكون مثلما كان فعّالاً على الجرمانيوم. لكن في أوائل 1947، اكتشف راسلّ أوهل وجاك هـ. سكافّ وهنري س. ثوورر في مختبرات بَل تقنية تُعرَف بانتشار البخار ستصبح مفيدة لحل هذه المشكلة. في انتشار البخار، يتم تعريض المادة شبه الموصِّلة الذائبة للتلوّث المطلوب على هيئة بخار. يميل التلوّث إلى الانتشار في سطح شبه الموصِّل، مما يؤدي إلى وصلة تشبه تلك التي يتم الحصول عليها بطرق التصنيع الأخرى. هذه العملية تُجنّب الحاجة إلى إضافة حُبيبات إشابة يدوياً إلى البوتقة التي تحتوي على السيليكون السائل أو إلى سبكها على السطح. بتعديل مدة هذا الانتشار والحرارة التي يجري عندها، يمكن التحكم بعمق وكثافة اختراق التلوّث في المادة شبه الموصِّلة بدقة كبيرة.ولم تُعلن مختبرات بَل عن أول منتَج لها يرتكز على الانتشار إلا في العام 1954، والمُضحك أنه لم يكن ترانزستوراً أو دايوداً عادياً، بل خليةً شمسيةً. اخترع داريل تشابين وكالفن فولر وجيرالد بيرسون الخلية الشمسية السيليكونية خلال بحثهم عن بديل للبطاريات المستعملة لتشغيل معدات الهاتف في الأماكن الاستوائية. فالخلايا الشمسية المصنوعة من السيلينيوم المتوفرة في الأسواق تحوّل ربما 0.5 بالمئة من طاقة الشمس إلى كهرباء، لكن بيرسون اكتشف أن مقوِّماً سيليكونياً مشوباً بالبورون يحوّل ما يصل إلى عشرة أضعاف ذلك. يتألف هذا الدايود من شرحة سيليكون كبيرة ورفيعة تم تشكيل وصلة عليها من خلال الانتشار. وبسرعة استخدمت AT&T ألواحاً صغيرةً مصنوعة من تلك الخلايا كـ "بطاريات شمسية" لتشغّل معدات الهاتف المُركَّبة في المناطق الريفية في الولايات المتحدة وفي أمكنة أخرى. تم تركيب أول لوح في بلدة أميريكوس الصغيرة في جورجيا في العام 1955.في أواخر 1954، كان يجري أيضاً تصنيع ترانزستورات مرتكزة على الانتشار. نشر تشارلز أ. لي الباحث في مختبرات بَل طبقةً من الزرنيخ إلى شبه موصِّل جرمانيوم من النوع p لتشكيل طبقةٍ ركيزةٍ. ثم سَبَك طبقةً باعثةً من الألومنيوم المجفَّف إلى منطقة الجرمانيوم الركيزة لتشكيل الترانزستور. كان جهاز الجرمانيوم الجديد قادراً على العمل في المختبر بـ 500 ميغاهرتز. وفي مرحلة مُبكرة من السنة التالية، أنتَج موريس تاننباوم في مختبرات بَل أول ترانزستور سيليكون منتشر. نشر تاننباوم الأنتيمون والألومنيوم في الوقت نفسه على رقاقة سيليكون، مما أدّى إلى بنيةٍ n-p-n يمكنها أن تشتغل بتردّد مرتفع حتى 120 ميغاهرتز - وهذا أعلى من أي نوع آخر من الترانزستورات.اعتبر المهندسون في بَل أن انتشار البخار مهم جداً لدرجة أنهم عقدوا سلسلة ندوات ثانية في 1956 لينشروا العملية إلى بقية القطاع. في تلك الفترة دخلت عدة شركات جديدة إلى سوق الترانزستور والدايود، كـ Fairchild Semiconductor وShockley Semiconductor، وهي شركة جديدة أنشأها ويليام شوكلي. لكن الحسنات المحتملة لانتشار البخار أثارت حماسة قليلة في البدء، كون بقية القطاع في تلك الفترة كان يرتكز على تصنيع أشباه موصِّلات من الجرمانيوم. لكن عند استعادتنا الأحداث نرى أن أسباب حماسة بَل كانت جليّة. فالترانزستورات المُنتَجة من خلال انتشار البخار حقّقت أداء تردّدٍ أفضل وكانت موثوقة أكثر من الترانزستورات المُنتَجة من خلال الطرق الأخرى المتوفرة في ذلك الوقت، مما جعلها مرغوبة للاستخدامات العسكرية كمعالجة البيانات التي تطلّبت مستويات عالية من الوثوقية. والأهم من ذلك هو أن انتشار البخار سمح بتنفيذ معالجة جماعية لجزء من عملية التصنيع، مما أشار إلى احتمال إنتاج كميات أكبر. كنتيجة لتلك الحسنات، ومع الدعم الكبير من الجيش، قرّرت مختبرات بَل تركيز جهود أبحاثها على ترانزستورات جرمانيوم البخار المنتشر والسيليكون بدلاً من تركيزها على الترانزستورات الوصليّة الناضجة وترانزستورات التلامس النقطيّ. بنهاية العقد، كانت وسترن إلكتريك قد بدأت بتسويق ترانزستورات جرمانيوم منتشر موثوقة جداً بكميات تجارية وحقّقت تطوّرات كبيرة نحو إنتاج ترانزستورات سيليكون منتشر قابلة للتطبيق تجارياً أيضاً.ليو إيساكي والدايود النفقيّتم اكتشاف الدايود النفقيّ (tunnel diode) لأول مرة عام 1958 من قِبل ليو إيساكي، وهو طالب دكتوراه ياباني لامع يعمل في شركة سوني. كان إيساكي يحقّق في خصائص وصلات p-n الجرمانيوم المَشوبة بشدة لاستعمالها مع الترانزستورات الثنائية القطبية السريعة. اكتشف جهازاً يتوافق مع أحد توقّعات آليات الكمّ، بأن الإلكترونات "ستحفر نفقاً" عبر حواجز الطاقة التي تفرضها الوصلات p-n في بعض الظروف. عندها يصبح الدايود عملياً عبارة عن مضخِّم، رغم أن الفيزيائيين يفضّلون تسمية الظاهرة "المقاوَمة السالبة". تم استعراض تأثير الدايود النفقيّ بعد ذلك في عدة مواد أخرى، من بينها زرنيخيد الغاليوم. أدرك العلماء خارج اليابان بسرعة أهمية الجهاز، وفي يونيو 1958 دُعي إيساكي ليلقي خطاباً عن الدايودات النفقية في المؤتمر الدولي عن فيزياء الجوامد المنعقد في بروكسل. تذكّر إيساكي لاحقاً أنه كان يتوقع مقدمة موجزة فقط من رئيس المؤتمر ويليام شوكلي، لكنه تفاجأ بسماعه شوكلي يمتدح عمله على هذا الجهاز المرتفع التردّد الجديد الواعد. هذا الاهتمام دفع الطالب المتفاجئ ودايوده النفقيّ إلى الشهرة، وفي العام 1973 نال إيساكي جائزة نوبل في الفيزياء. في ذلك الوقت، كانت سوني لا تزال شركة صغيرة نوعاً ما وكان حصول شخص من شركتهم على جائزة نوبل بمثابة إنجاز. بالنظر بذهول إلى الحدث، كتب إيساكي أن "شركةً تضم 500 موظفٍ لا تستطيع أن تتحمّل إنفاق هذا القدر الكبير على قسم الأبحاث والتطوير، لذا أعتقد أنني نلتُ أرخص جائزة نوبل في التاريخ" (إيساكي 2000).المميزات غير الاعتيادية للدايود النفقيّ جعلته مفيداً تجارياً كمُذبذِب موجات صُغرية، كونه يعمل بتردّدات مرتفعة وكان أصغر من الترانزستورات المماثلة. في العام 1959، كانت شركة RCA تُنتج دايودات نفقية 1 غيغاهرتز متوفرة تجارياً، وفي أوائل الستينات بدأت الدايودات النفقية تُستعمل في تشكيلة من الاستخدامات لم تكن الترانزستورات تعمل فيها بنفس الجودة. كانت دايودات إيساكي، مثلاً، شائعة الاستعمال في تطبيقات الـ UHF (التردّد الفائق العلو) والموجات الصُغرية طوال العقد.سرعات التبديل المرتفعة التي تمكّنها الدايودات النفقية دفعت أيضاً العديد من الباحثين إلى الاعتقاد أن الأجهزة ستكون قيّمة في دارات الكمبيوتر. لكن لم يتم تحقيق هذا الوعد. صحيح أنها كانت قادرة على إنجاز سرعات تبديل أعلى من الترانزستورات، إلا أن المهندسين وجدوا أنه من غير الاقتصادي تصنيع الأجهزة وتصميم دارات تبديل للدايودات بدلاً من فعل ذلك للترانزستورات . صرّح تشارلز مولر، وهو أحد الباحثين الرائدين في شركة RCA عمل على دايودات إيساكي، لاحقاً "يمكنك صنع عدة دارات تعمل، في الواقع صنع أشخاصٌ تلفزيونات كاملة باستعمال الدايودات النفقية فقط. جرى الاعتقاد في البدء أن تصنيعها سيكون رخيصاً جداً، لكننا تعلّمنا بسرعة أنها أجهزة صعبة جداً وغير رخيصة أبداً. لم تكن ستقدّم لنا أي حسنات من ناحية السعر، وكان استعمالها في الدارات أصعب في الواقع" (مولر 1975). دخلت الدايودات النفقية طيّ النسيان بعد التطوّرات التي شهدتها الدارات المتكاملة، ولم تعد تُستعمل كثيراً في نهاية القرن العشرين.زينر ودايودات الانهيار الثلجيرغم أن السمة المميِّزة الرئيسية للدايود هي أنه يوصل الكهرباء في اتجاه واحد فقط، إلا أن هناك أنواعاً عديدة من الدايودات مصممة لتوصيل التيار "عكسياً". أول دايود من تلك الدايودات هو دايود زينر، المسمى على إسم كلارنس م. زينر الذي اكتشف التأثير في الثلاثينات عند دراسته خصائص العوازل الكهربائية. حوالي العام 1950، لاحظ ويليام شوكلي التأثير في أجهزة شبه موصِّل الوصلة الأولى في مختبرات بَل وسمّاها دايودات زينر. ففي حين أن الوصلة p-n للدايود ستمرّر الإلكترونات بمقاوَمة ضعيفة في اتجاه واحد فإنها ستصدّ مرور الإلكترونيات كلياً تقريباً في الاتجاه المعاكس. لكن كل دايودات شبه الموصِّل لها خاصية معروفة بفولطية "الإنهيار"، وهي الفولطية التي تسمح، إذا تم تخطيها، بحصول انسياب عكسي عبر الجهاز. في أغلب الأحيان، يتدمَّر الدايود إذا تخطت الفولطية العكسية مستوى الإنهيار. في نماذج الإنتاج لدايود زينر، تُصنَع الوصلة بحيث تكون فولطية الإنهيار مضبوطة بدقة عند مستوى محدّد مسبقاً، وهي عادة فولطية شائعة الاستعمال في الدارات، حوالي 12 فولط مثلاً. يمكن عندها استعمال دايود زينر لتنظيم الفولطية في دارةٍ. يتيح منظِّم زينر للفولطية في الدارة أن ترتفع وصولاً إلى نقطة محدّدة مسبقاً سيبدأ الدايود فوقها بتفريع التيار إلى الأرض. النتيجة هي أن الفولطية في الدارة تعاود الانخفاض، إلى أن تصل إلى المستوى الذي يتوقف عنده الدايود مرة أخرى. بعد سنوات على تسمية شوكلي لها، اكتُشف أن تأثير زينر لم يكن مسؤولاً في الواقع عن تصرّف دايود زينر. وبالتالي، أُعيدت تسمية دايودات شوكلي دايودات "الانهيار الثلجي". لكن تم لاحقاً تصميم دايودات زينر حقيقية. الفرق الرئيسي هو بنية الوصلة، التي تحدّد كيف يحدث الإنهيار وما هي العمليات الفيزيائية التي تسبّبه. التأثير هو نفسه تقريباً، لكن فيزياء الإنهيار مختلفة عند المستوى الذريّ. تُستعمل دايودات زينر عادة في الاستخدامات المنخفضة الفولطية فقط، بينما دايودات الانهيار الثلجي لها نطاق مستويات فولطية مفيدة أكبر.الهضاب والأقنعةتم تطوير عدة أساليب تصنيع أخرى في أواخر الخمسينات ساعدت في جعل السيليكون المادة المفضّلة. وقد سُمّيت ترانزستورات القاعدة المنتشرة الأولى لمختبرات بَل ترانزستورات "هضبيّة"، لأن الرقاقة كانت تتعرّض بعد اكتمال الانتشار لعملية حفر بالحمض لتشكيل هضبة مرفوعة مركزية. لصنع الهضبة، كان وسط الرقاقة يُغطى بالشمع، الذي يحميه من حمّام الحمض الذي يأكل السطح المكشوف. تشكُّل الهضبة المركزية يساعد على تكييف مميزات تشغيل الترانزستور.هناك أسلوب آخر، مهمٌ لعملية صنع الطبقات المنتشرة وللحفر الانتقائي لأسطح الرقاقة، هو تقنيع الأكسيد. تتطلّب أساليب الانتشار تعريض رقاقة السيليكون لدرجات حرارة مرتفعة، وهذا يؤدي إلى نشوء حفرة على سطح الرقاقة. اكتشف الكيميائي كارل فروش في مختبرات بَل أن طبقةً من ثاني أكسيد السيليكون (المرادف التقريبي لـ "الصدأ" على السيليكون) على السطح تحميه من نشوء الحفرة بينما تظل تسمح بانتشار بعض أنواع الذرّات.في 1957، غلّف مهندسو مختبرات بَل رقاقةً مؤكسَدةً ببوليمر (مكوثر) حسّاس للضوء مقاوم للحفر (عُرف لاحقاً بالمقاوم الضوئي، photoresist)، وغطّوا جزءاً من الرقاقة بقناع كامد، وعرّضوا السطح لضوء قوي لتنشيط المقاوم الضوئي. ثم تم "تظهير" المقاوم الضوئي كيميائياً (كصورة فوتوغرافية)، وتم غسل السطح لإزالة المقاوم الضوئي غير المعرَّض على المناطق المقنَّعة، وتم حفر الرقاقة لإنشاء "نوافذ" عبر طبقة الأكسيد إلى المادة تحتها. كان النقش الناتج عن ذلك بسيطاً جداً، وقد اقترح طريقةً لصنع نقوش بتعقيد لا متناهٍ تقريباً. لكن أسلوب التقنيع اعتُبر في ذلك الوقت كطريقة لصنع عدة ترانزستورات على رقاقة واحدة، مما يسرّع عملية الإنتاج. سيتم لاحقاً إبعاد تلك الترانزستورات عن بعضها البعض، وسيتم ربط أطراف السلك بها، وسيتم تلحيمها في مكانها على لوحات الدارات.ترانزستور التأثير الحقليكان التقديم التجاري لترانزستور التأثير الحقلي بأهمية كبيرة أيضاً. فقد كان باحثو مختبرات بَل يعملون على ترانزستور تأثير حقلي مصنوع من الجرمانيوم حتى قبل أن يتعثّروا بترانزستور التلامس النقطيّ، وكان ويليام شوكلي قد نظَّر بأن حقلاً كهربائياً (كالذي ينشأ عن الكهرباء التي تنساب في سلك) سيخترق شبه موصِّلٍ ويعدّل خصائصه الكهربائية مما ينشئ، في الواقع، ترانزستوراً يتحكّم به الحقل مشابهاً للأنبوب المفرَّغ الذي تتحكّم به الشبكة. لسوء الحظ، لم يكن ممكناً استعراض هذا إلى أن تم تطبيق أسلوب التقنيع الوقائي بأكسيد السيليكون. كان جون عطالله وفريقه في مختبرات بَل يحقّقون في الخصائص الفيزيائية للواجهة بين الأكسيد والسيليكون عندما اكتشفوا أن سطح أكسيد نقياً ونظيفاً جداً يجعل السيليكون تحته مستقراً أو "خاملاً". شجَّع هذا على استعمال الأكسيدات في تشييد الترانزستورات العادية، لكن عملهم أدّى أيضاً إلى إحياء الاهتمام بترانزستور التأثير الحقلي. استعرض عطالله، الذي عمل مع داوون كاهنغ، نوعاً جديداً من ترانزستور التأثير الحقلي في العام 1960 سميّاه ترانزستور شبه موصِّل أكسيد المعدن (MOS)، يتم فيه نشر منطقتين منفصلتين من سيليكون النوع p من خلال "نوافذ" في قناع أكسيد الرقاقة. ثم باستعمال أسلوب جديد آخر، كان يتم توصيل أطراف من الألومنيوم عبر النوافذ بترسّب البخار (رشّ معدن ذائب في الواقع). وكان يتم توصيل طرف إضافي، يدعى "البوابة"، بسطح الأكسيد في الناحية بين منطقتَي النوع p. وتؤدي فولطية مطبَّقة على البوابة إلى التأثير على موَصليّة المنطقة الضيقة بين جزيرتَي سيليكون النوع p، فتتصرّف بشكل مشابه للقاعدة في ترانزستور تقليدي.التشييد التقيُّليرغم الحسنات المهمة لترانزستورات السيليكون المسطَّحة، واجه استعمالها الكبير أيضاً عدة مشاكل مهمة، من بينها حقيقة أنه يمكنها معالجة تردّدات منخفضة نسبياً فقط. الجزء الأكبر من سبب هذا كان أن العمل بتردّد مرتفع تحدّده جزئياً سماكة منطقة المجمِّع. وبمرحلة معيّنة، يؤدي جعلها أرفع إلى تعطّل رقائق أكثر خلال المعالجة. لكن مختبرات بَل زوَّدت حلاً جزئياً لهذه المشكلة في العام 1960 بتطويرها الطريقة التقيُّلية (epitaxial) لتصنيع ترانزستورات السيليكون. تتطلّب عملية التصنيع التقيُّلية إيداع طبقة رفيعة من مادة شبه موصِّلة سيليكونية بلّورية على طبقة تحتية سيليكونية بلّورية أسمك. كانت تتم إشابة الطبقتين بشكل مختلف لإعطائهما خصائص كهربائية مختلفة، لذا لم تتدخّل الطبقة التحتية السميكة بعمل الترانزستور. تشير الكلمة "تقيُّلي" (epitaxial) إلى حقيقة أن البنيات البلّورية للطبقة التحتية والطبقة المودعة لهما نفس الاتجاه والبنية الشبكية. يمكن إنشاء مكوّنات ترانزستور ملائمة للأجهزة في طبقة السيليكون التقيُّلية من دون التدخّل بالطبقة التحتية، وبالنتيجة تساهم الطبقة التحتية بالقوة الميكانيكية للترانزستور من دون أن تُنتج أيضاً المميزات المزعجة المقترنة عادة بالقاعدة السميكة. لذا فإن هذه العملية سمحت بإنتاج ترانزستورات سيليكون ملائمة للتردّدات المرتفعة والطاقة المرتفعة. [image "Description: images\electronics_Page_064_Image_0001.tif" file=image-457.jpg] نرى في صدر هذه الصورة لمختبرات بَل من العام 1964 يداً تحمل "ورقة فيريت" 256 بت، وهي أحد تنويعات الذاكرة الجوهرية المغنطيسية. ونرى في الخلفية "مخزناً" 196 كيلوبت مصنوعاً من تلك الأوراق. ستبقى ورقة الفيريت وأجهزة الذاكرة المغنطيسية الأخرى، وهي تكنولوجيا واعدة للكمبيوترات ومعدات تبديل الهاتف، فعّالة أكثر من حيث الكلفة من ذاكرات شبه الموصِّل خلال أوائل السبعينات. (بإذن من لوسنت تكنولوجيز إنك).فيرتشايلد والترانزستور المسطَّحاخترع جان هويرني الموظف في شركة فيرتشايلد سيميكونداكتر (Fairchild Semiconductor)، بشكل مستقل بعض الشيء عن مختبرات بَل، تطبيقاً مهماً لأساليب تقنيع الأكسيد والطباعة الحجرية الضوئية لينشئ الترانزستور المسطَّح. استعمل هويرني وزملاؤه مراحل متعددة من التقنيع والانتشار والحفر الخاصة بالطباعة الحجرية الضوئية لإنشاء بنيات ترانزستور أكثر تعقيداً بين العامي 1958 و1959. كان الترانزستور المسطَّح على الأرجح أهم تطوّر شهدته صناعة أشباه الموصِّلات خلال الخمسينات، كونه سمح بإنتاج كميات كبيرة من الترانزستورات الموثوقة بكلفة رخيصة. ومثلما أشار لاحقاً الرائد في الإلكترونيات الصُغرية (والمؤرّخ لاحقاً) ج. و. أ. دُمِر فإن "العملية المسطَّحة هي المفتاح إلى عمل شبه الموصِّل بأكمله" (مُقتبس في براون وماكدونالد 1978، 74). بالإضافة إلى ذلك، من المهم بمكان أن الأسلوب المسطَّح كان مفيداً فقط لإنتاج ترانزستورات السيليكون لأن الأفلام المعدنية المستعملة في العملية لم تكن متوافقة مع الجرمانيوم. وبالنتيجة، تحوَّل القطاع ككل بسرعة نحو استعمال السيليكون. لا يمكن المبالغة بأهمية هذا التحويل: فقد كانت ترانزستورات السيليكون ملائمة أكثر للسوق، والأسلوب المسطَّح جعل الإنتاج الجماعي لترانزستورات السيليكون الموثوقة أمراً ممكناً. بالنتيجة، بدأت ترانزستورات السيليكون تُغرق السوق في غضون بضع سنوات فقط. رغم أن أجهزة شبه موصِّل الجرمانيوم ستبقى مهمة، إلا أن السيليكون كان مستقبل القطاع.نمو القطاعخلال الفترة من النصف الثاني للخمسينات إلى أوائل الستينات، نما إنتاج أشباه الموصِّلات ليصبح صناعةً رئيسيةً في العالم. أدّت التحسينات التصميمية التي بلغت ذروتها في ترانزستور السيليكون المسطَّح إلى زيادة هائلة في عدد المكوّنات المُنتَجة وإلى انخفاض هائل في السعر. كان معدّل النمو مذهلاً بكل بساطة. فبين 1957 و1965، قفز عدد الشركات التي تُنتج ترانزستورات في الولايات المتحدة من 22 إلى 43، مُنتجةً أكثر من 6,000 نوع مختلف من الترانزستورات. خلال نفس الفترة، ارتفع عدد ترانزستورات الجرمانيوم المصنوعة من حوالي 28 مليون إلى 334 مليون. لكن عدد ترانزستورات السيليكون المصنوعة خلال نفس الفترة قفز من حوالي 1 مليون إلى رقم مذهل هو 275 مليون. رافَق هذا النمو انخفاضٌ كبيرٌ في الأسعار: فقد انخفض السعر الوسطي لترانزستور الجرمانيوم من حوالي $1.85 إلى حوالي 50 سنتاً، بينما هبط سعر ترانزستور السيليكون من حوالي $17.80 إلى حوالي 85 سنتاً. في العام 1960، وصف مقالٌ في مجلة بيزنس ويك أن قطاع أشباه الموصِّلات هو "التجارة الأسرع نمواً في العالم" (سميتس 1985، 71).بدأت تظهر بسرعة أنظمة واستخدامات جديدة تستعمل القدرات الفريدة للترانزستور لدرجة أنه يصبح من المستحيل حتى ذكرها كلها. بقي الجيش المستهلك الرئيسي لأشباه الموصِّلات طيلة العقد، فأخذ يشتريها للطائرات والصواريخ وأنظمة الاتصالات، واستخدامات أخرى. في العام 1955، اشترت القوى المسلّحة للولايات المتحدة حوالي 35 بالمئة من مجموع القيمة المالية لقطاع أشباه الموصِّلات. وازداد هذا إلى حوالي 50 بالمئة في العام 1960، قبل انخفاضه إلى 24 بالمئة فقط في منتصف الستينات عندما أصبحت السوق الاستهلاكية مهمة على نحو متزايد.بالإضافة إلى الحقائق البسيطة بشأن الوفرة والكلفة المنخفضة برزت الحسنات الأساسية لأجهزة شبه موصِّل الجوامد بالمقارنة مع النماذج القديمة للتكنولوجيا الإلكترونية كالأنابيب: المتانة، متطلبات الطاقة المنخفضة، الحجم الصغير، الخ. لكن ذلك لم يعنِ بالطبع أن تكنولوجيا شبه الموصِّل استبدلت تكنولوجيا الأنبوب كلياً. مثلما سيقول أحد المراقبين لاحقاً "من ذلك العقد تقريباً، من 1953 إلى 1963، لم يكن لدينا خيار سوى السير مع الأنابيب المفرَّغة ]في بعض الاستخدامات[ لأنها كانت تؤدي عملاً أفضل، وكانت أرخص حتى ذلك الوقت. يمكنك الحصول على أنبوب مفرَّغ جيد تماماً لقاء حوالي 75 سنتاً" (براون وماكدونالد 1978، 50). في بعض الدارات، بالأخص الدارات العالية الفولطية في التلفزيونات، لم تتمكن الترانزستورات من منافسة الأنابيب إلى أن ظهرت تصاميم خاصة عالية الفولطية في أواخر الخمسينات. حتى بعد ذلك الوقت، وفي مرحلة متقدمة من الستينات، كان العديد من التلفزيونات يُعرَف بالأجهزة "الهجينة" حيث تضم أنابيب وترانزستورات في آن (أشار هذا إلى الدارات الداخلية فقط؛ فكل التلفزيونات التجارية تقريباً استعملت شاشات CRT حتى نهاية القرن العشرين). رغم هذا، أدّت التطوّرات في تكنولوجيا شبه الموصِّل والتكاثر السريع للترانزستورات الناتج جزئياً عن التكنولوجيا المسطَّحة إلى حصر فائدة الأنابيب في نهاية المطاف في استخدامات متخصصة فقط. ومع ازدياد أهمية أشباه الموصِّلات، انخفضت تدريجياً الموارد المكرَّسة لأبحاث وتطوير تكنولوجيا الأنبوب وأصبحت تقتصر شيئاً فشيئاً على نواحي محدّدة كالتصوير والعرض. ومع ذلك استمر إنتاج الأنبوب من أجل دعم الاستخدامات القديمة المصممة قبل الانتقال إلى أشباه الموصِّلات. في أواخر 1974 مثلاً، صنعت وسترن إلكتريك حوالي 1,200,000 أنبوب للمعدات القديمة.هناك عامل مهم آخر أدّى إلى الاستبدال العام لتكنولوجيا الأنبوب بتكنولوجيا شبه الموصِّل كان بكل بساطة الحجم. فالانخفاض في الحجم والوزن واستهلاك الطاقة لأجهزة أشباه الموصِّلات كانت عوامل مهمة جداً دفعت إلى الانتقال من الأنابيب إلى الترانزستورات كونها زادت فائدة ووثوقية التكنولوجيا الإلكترونية بشكل كبير. يمكن إنتاج أجهزة أشباه الموصِّلات بمستوى نمنمة كان بكل بساطة من المستحيل على تكنولوجيا الأنبوب منافسته، ومع تقلّص حجم الترانزستورات، ازداد استخدامها بدلاً من الأنابيب الضخمة أكثر المستعملة سابقاً. ومثلما أشار أحد الباحثين لاحقاً "كان الأشخاص مفتونين بالنمنمة. هنا كان السر: كم يمكنه أن يكون صغيراً" (براون وماكدونالد 1978، 93). هذا التشديد على تقليص الحجم، زائد حقيقة أنه كان ممكناً إنشاء عدة ترانزستورات وعناصر دارة على رقاقة سيليكون واحدة في الوقت نفسه، دفع في نهاية المطاف عدداً من الباحثين إلى اقتراح إمكانية وضع دارة كاملة على رقاقة شبه موصِّل واحدة، وهي فكرة تحقّقت أخيراً باختراع الدارة المتكاملة.الميزرلم تكن الترانزستورات هي الأجهزة الإلكترونية المهمة الوحيدة التي تم تطويرها خلال الخمسينات. هناك فئة رئيسية أخرى من الأجهزة هي الميزر (maser) وخَلَفه الشهير أكثر، الليزر. الميزرات والليزرات أجهزةٌ "كميّةٌ" يمكن استعمالها في استخدامات مختلفة كالاتصالات وأنظمة الأسلحة والجراحة. خلافاً للترانزستور وخَلَفه الدارة المتكاملة، بقيت الميزرات والليزرات تُستعمل في استخدامات محدودة فقط لسنوات عديدة، رغم الاهتمام القوي من قِبل الباحثين والتطوّر التكنولوجي السريع. لكن كل سنوات العمل تلك نفعت، ووجدت الليزرات طريقها إلى الحياة اليومية لملايين الأشخاص حول العالم.تم تطوير الميزر والليزر من اختبارات جارية على الكلايسترونات والمغنترونات والأنابيب الأخرى التي تم تطويرها للرادار. بعد الحرب، استمر الرادار يقود أبحاث أنبوب موجة الملليمتر، مثلما فعل الحقل الجديد نسبياً لعلم الأطياف الجزيئي، الذي استعمل موجات الملليمتر لدراسة بنية الجزيئات. كان الجيش مهتماً جداً في مواصلة تطوير أنظمة الملليمتر وموَّل عدداً من الأبحاث في السنوات بعد الحرب، أحدها كان مختبر الإشعاعات في جامعة كولومبيا (لا تخلط بينه وبين "المختبر Rad Lab" الشهير أكثر في جامعة MIT). أحد الباحثين هناك كان تشارلز هـ. تاونز، الذي جاء إلى الجامعة في العام 1948 بعد مغادرته مختبرات بَل.في 1951، أثناء جلوسه على مقعد في حديقة عامة وتفكيره بمشاكل الأجهزة التقليدية المستعملة لإنتاج الموجات الصُغرية، زعم تاونز أنه توصّل إلى فكرة مهمة: ظاهرة الانبعاث المحفَّز، التي يتم فيها تحفيز جزيئات بمصدر طاقة خارجي وتحريضها على إطلاق طاقة يمكن استعمالها لتوليد أشعة موجات صُغرية (من هنا يأتي إسم الميزر، وهو اختصار microwave amplification by the stimulated emission of radiation، "تضخيم الموجات الصُغرية بالانبعاث المحفَّز للإشعاعات").ترتكز ظاهرة الانبعاث المحفَّز على حقيقة أنه في حين أن الحرارة أو الضوء أو طاقة أخرى تستطيع رفع مستوى طاقة الذرّة، إلا أن إلكتروناتها مُقفلة عند مستويات طاقة متفرِّدة تسمى أحزمة. عندما تقفز من حزام طاقة إلى حزام طاقة آخر، تمتصّ طاقةً إذا انتقلت من حالة متدنية إلى حالة أعلى، أو تُطلق طاقةً إذا انتقلت إلى حالة طاقة متدنية. في أي وقت من الأوقات، أقلية صغيرة من الجزيئات في عيّنة أي مادة ستكون في حالة طاقة مرتفعة، بينما ستكون الأكثرية في حالة طاقة متدنية.شيَّد تاونز حجرة فراغ متقنة ولَّد فيها شعاعاً من جزيئات النشادر. أثناء انتقال الشعاع في الفضاء، قامت "مركِّزات" كهرومغنطيسية فعّالة بسحب الجزيئات المنخفضة الطاقة من الشعاع لكنها سمحت لأقلية الجزيئات المرتفعة الطاقة بالمرور. انتقلت تلك الجزيئات إلى حجرة رنّانة. قامت طاقة الموجات الصُغرية الموجَّهة إلى الحجرة من مُذبذِب خارجي بضرب الجزيئات المحفَّزة، مما أطلق الطاقة وبدأ تفاعلاً متسلسلاً في الحجرة. إذا تم توجيه مستوى منخفض نسبياً من طاقة الموجات الصُغرية إلى الحجرة، سيتم تضخميها بكل بساطة؛ لكن إذا تم تطبيق ما يكفي من الطاقة، سيصبح الجهاز بنفسه مُذبذِباً، مما يؤلّد موجات صُغرية ذات طاقة مرتفعة وتردّد دقيق. وأكثر من ذلك، كانت كل رُزم الطاقة التي انطلقت في الحجرة "متماشية" مع بعضها البعض، مما يؤدي إلى شعاع تكون كل الطاقة فيه بنفس التردّد تماماً. من جهة أخرى، يُنتج مُذبذِب الأنبوب المفرَّغ العادي عادة موجات بنطاق تردّدات متنوّع قليلاً، وإلا فإن التردّدات الأعلى والأدنى غير المرغوب بها يجب أن تُقمَع إلكترونياً.انضم إلى تاونز، العامل في جامعة كولومبيا، باحثٌ ثانٍ يدعى جايمس ب. غوردون. لقد استعرضا أول ميزر عاملٍ في 1953، وأعلنا في 1954 عن اكتشافهما في مقال شهير منشور في Physics Review.تدخّل الجيش بشكل فوري تقريباً، ممولاً برامج أبحاث الميزر في مؤسسات مختلفة بكَرَم كبير لدرجة أن بعض الباحثين أشاروا على سبيل المزاح أن الكلمة ميزر هي اختصار Means of Acquiring Support for Expensive Research (وسائل للحصول على دعم لأبحاث مكلفة). لكن دعم الجيش لأبحاث الميزر تخطى بكثير العامل المالي. ففي العام 1956 مثلاً، ساعد مختبر الهندسة التابع لسلاح الإشارة في الجيش الأميركي على تشجيع إجراء أبحاث على ميزرات النشادر في تشكيلة من الطرق، من بينها تنظيم مؤتمرات، والتصرّف كقسم لتبادل المعلومات، ومساعدة فِرق الأبحاث على شراء المعدات.عانى ميزر النشادر من عدة مشاكل، من بينها عرض نطاق تضخيم ضيق جداً وقابلية توليف محدودة. من أجل الالتفاف على تلك المشاكل، بدأت مجموعة من الباحثين التحقّق من عمل الميزر في مواد أخرى، من بينها "الجوامد" (على عكس الغازات). كان نيكولاس بلومبرجن في هارفرد، مالكولم ستراندبرغ في MIT، وآخرين من بين الباحثين المهتمين بتطوير ميزرات الجوامد بالإضافة إلى تاونز. كشف بلومبرجن في العام 1956 الميزر الثلاثي المستوى، الذي سمح باستعمال نطاق أكبر من المواد ويمكن تشغيله باستمرار، بدلاً من أن ينبض كما في الميزرات السابقة.كان الباحثون الآخرون يستكشفون أفكاراَ مشابهة لتاونز في الوقت نفسه. كان واضحاً أنه تم تصوّر الميزر بشكل مستقل من قِبل جوزيف ويبر في جامعة ميريلاند، وأيضاً ألكسندر م. بروخوروف ونيكولاي ج. باسوف في معهد ليبيديف للفيزياء في موسكو. كانت تجري أبحاث مشابهة أيضاً في نفس الوقت من قِبل جايمس غوردون في مختبرات بَل. وخلال السنوات القليلة التالية، استعرض باحثون مختلفون عمل الميزر في كل أصناف المواد، رغم أن أهمها كان على الأرجح ميزر شيهيرو كيكوتشي في مختبر الأشعة تحت الحمراء في جامعة ميشيغن. في 20 ديسمبر 1957، استعرض كيكوتشي ميزراً ثلاثي الحالة باستعمال قطعة من الياقوت، وهي مادة كانت متوفرة بكثرة ومتينة وسهل تعديلها بقصد التوليف. بدا ميزر الياقوت، خلافاً للتصاميم السابقة، قابلاً للتكيّف بسرعة للاستخدامات العملانية. في نهاية العقد، بدأ يجري نشر ميزرات جوامد تشتغل عند تردّدات الموجات الصُغرية 1 إلى 21 ملليمتر بشكل واسع للاتصالات عبر الفضاء، وعلم الفلك الإشعاعيّ، والاتصالات العسكرية.3 - الرقائق الصُغرية والليزراتالحافز إلى النمنمةبدأ عقد الستينات بأزمة أظهرت كيف أصبحت التكنولوجيا المتضافرة والعلاقات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ففي العام 1960، أسقط السوفيات "طائرة تجسّس" أميركية U2، وهي أعجوبة هندسية تحمل أجهزة مراقبة متطوّرة. جاء الهجوم من شكل آخر من التكنولوجيا المتقدّمة هو نظام صواريخ متطوّر. عندما اتّهم السوفيات وعن حق الولايات المتحدة بالتجسّس وطالبوا باعتذار، رفض الرئيس آيزنهاور مما أدّى إلى توتّرات شديدة بين البلدين. لاحقاً في ذلك العقد، بدأت العلاقات بين الولايات المتحدة والسوفيات تتحسّن بعدما خفّف الطرفان حدّة تصاريحهما العدوانية وتعهّدا بتجنّب اندلاع حرب نووية. وتأكيداً لهذا العهد الجديد من التعاون تم تركيب "خط ساخن" هاتفيّ بين موسكو وواشنطن. في العام 1969، وجدت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي الإرادة السياسية لإجراء المحادثات للحدّ من الأسلحة الاستراتيجية (Strategic Arms Limitation Talks أو SALT). في غضون ذلك، ورغم أن التمويل العسكري تضاءل، استمرت الأبحاث والتطويرات وتدابير التوريد بتواتر سريع. وأصبحت الآن كل الأنظمة العسكرية المتطوّرة تقريباً، من التحكم بالسُفن والدبابات والطائرات والصواريخ، تعتمد بقوة على الإلكترونيات، وعلى نحو متزايد، الكمبيوترات.الإلكترونيات في الحرب الباردةتابَعت الحكومة الأميركية تمويل أبحاث الإلكترونيات لأهداف عسكرية طيلة العقد، لكن توتّرات الحرب الباردة دفعتها إلى دعم هذا الحقل بطرق أخرى أيضاً. إحدى أهم تلك الطرق كانت من خلال إلتزامها بما يسمى السباق إلى الفضاء. فبعد إطلاقه قمره الاصطناعي الأول الناجح في 1957، نجح الاتحاد السوفياتي مرة أخرى في 1961 عندما أصبح رائد الفضاء يوري غاغارين أول رجل يصعد إلى الفضاء. بعد شعور الرئيس كينيدي بالإحراج من هذا التفوّق السوفياتي، طلب الإعداد لبعثة أميركية للصعود إلى القمر في نفس تلك السنة. بسبب عمليات إطلاق الصواريخ والهبوط الدراماتيكية الراسخة في الأذهان، كان استكشاف الفضاء الخارجي أيضاً يعتمد بشدة على الإلكترونيات. في العام 1962، أصبح جون غلنّ أول رجل يدور حول كوكب الأرض، وبدأ القمر الاصطناعي تيلستار يرسل إشارات اتصالات عن بُعد عبر الأطلسي. شكّل هذان الحدثان مَعلَماً في الهندسة الكهربائية. في السنوات القليلة التالية، استحوذت البعثات غير المأهولة معظم انتباه العامة، كالبعثة مارينر 4 في العام 1964. كانت المركبات بدون طيّار، بطرق عديدة، تعتمد حتى أكثر على الإلكترونيات المتطوّرة. فقد زوَّد المسبار مارينر 4 الصغير، المحمَّل بكاميرا تلفزيونية وآلات علمية ومعدات اتصال، أول صور مقرّبة عن كوكب المريخ. وتعمَّد المسبار السوفياتي فينوس 3، المحمَّل بآلات اختبار إلكترونية وتقنيات قياس عن بُعد، الارتطام بكوكب الزُهرة في العام 1966 ليصبح أول جسم من صنع الإنسان يلمس كوكباً آخر. كان السوفيات أول من يُهبط بشكل هادئ مركبةً غير مأهولة على القمر، لكن في نهاية العقد، في نوفمبر 1969، نجحت الولايات المتحدة في إنجاز طلب كينيدي ووضعت رجلاً على سطحه. أدّت هكذا مشاريع عامة مرتفعة الرهان إلى جعل التأثير الحكومي على الهندسة أقوى من أي وقت مضى.تشارلز هـ. تاونز كالدكتور Strangeloveاخترع تشارلز تاونز الميزر ونشر أول وثيقة علمية تفصّل نظرية الليزر.أعتقد أن إحدى نقاط قوة العلوم والتكنولوجيا الأميركية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية كانت اختلاط الأشخاص ببعضهم والتعرّف على بعضهم البعض وحقول عمل بعضهم البعض. وعندما عادوا إلى الجامعات وإلى الصناعة، كانوا يملكون ذلك النوع من الخلفية. أعتقد أن التفاعل كان مهماً جداً، وكذلك التفاعل مع الحكومة.انقطع كل ذلك عند اندلاع حرب فييتنام. فتلك الحرب جعلت طلاب الجامعات يحاولون أن ينفروا من قطاع الأعمال والصناعة وينفروا من الحكومة. كنتُ هنا في بيركلي خلال معظم تلك الفترة، وكان الأشخاص يهاجمونني حقاً لعلاقتي بأي شكل من الأشكال بالصناعة أو بالجيش. مثلاً، عندما دخلتُ إلى مجلس إدارة جنرال موتورز، عرفتُ أنني سأتعرّض لكثير من الانتقاد. اتصلتُ برئيس الجامعة وأبلغته أن رئيس مجلس إدارة جنرال موتورز طلب مني تشكيل لجنة استشارية. ... شعرتُ أنه من المعقول القيام بهكذا أمر. لكنني أدركتُ أن الجامعة قد تنتقدني، وطلبت منه رأيه. هل يظنّ أنني يجب أن أفعل ذلك؟ فقال، "حسناً، أعتقد أننا إذا أخذنا كل شيء بعين الاعتبار، يجب أن تفعل ذلك". لذا فعلتها. لكن بالتأكيد هاجموني في صحيفة الطلاب، لمجرد فكرة أن تكون لي أي علاقة بشركة تجارية كبيرة. فهذه كانت أشبه بخطيئة كبيرة، لكنها مسألة مرحّب بها هذه الأيام. ]ابتسامة[ يريدها الأشخاص لأنهم يعتقدون ربما أن جنرال موتورز تستطيع إعطاءهم بعض المال. لكنها كانت سيئة جداً، وكذلك علاقتي بالحكومة. لقد تمت مقارنتي بالدكتور Strangelove بشتّى الطرق.المصدر: تشارلز هارد تاونز، حديث شفوي وثّقه في 14-15 سبتمبر 1992 فريديريك نيبيكر، مركز التاريخ التابع لمعهد IEEE، جامعة روتغرز، نيوبرانزويك، نيوجرسي.طالَب المهندسون الكهربائيون بصخب بمزيد من الإقرار بدورهم في هكذا انتصارات "للعلوم الكبيرة". لكن بالنسبة لعامة الناس بقيت تلك الأنواع من الأجهزة والأنظمة غامضة ومن الصعب فهمها، وازداد اهتمامهم مؤقتاً فقط خلال مشاركة المهندسين في السباق إلى الفضاء. فما كان واضحاً أكثر لهم هو العدد المتزايد للمنتجات الاستهلاكية التي تستخدم الأجهزة الإلكترونية الجديدة كالترانزستور. في الستينات، كانت تلك الأجهزة تستبدل بسرعة الأنابيب المفرَّغة في أجهزة الراديو للمنازل والسيارات، ومسجِّلات الأشرطة، وأنظمة الأصوات المجسَّمة. لكن أحد المنتجات الأكثر تشويقاً بينها كلها كان التلفزيون الملوّن، الذي كان لا يزال يعتمد بشدة على الأنابيب. ضعُف التلفزيون الملوّن منذ أوائل الخمسينات لكنه أصبح كبيراً في أواخر الستينات لأن التحسينات في تصنيع الأنابيب خفَّضت التكاليف بشكل كبير. لكن بقيت معظم الابتكارات التكنولوجية المهمة الأخرى بعيدة عن عيون عامة الناس خلال الستينات.كان هذا هو العقد الذي أنتَج العديد من ابتكارات الأجهزة الإلكترونية التي ستصبح كلمات شائعة الاستعمال في السنوات اللاحقة لكنها بقيت غامضة في تلك الفترة. أبرز ابتكار في هذا المجال كان الدارة المتكاملة، وهي الجهاز الذي سيصبح لاحقاً أساس المعالج الصُغري ورقاقة الذاكرة. وكما هو الحال مع الكثير من بقية ابتكارات الحرب الباردة، حصلت الدارة المتكاملة على أول استخدام هام لها في أنظمة الأسلحة في الصواريخ Minuteman II في العام 1962، وتلقى المقاولون (بالأخص نورث أميريكان أفيايشن) $24 مليون في عقود دفاع مرتبطة بالدارة المتكاملة خلال السنوات الثلاث التالية. تم نشر حوالي 500 صاروخ Minuteman II خلال العام 1969.القمم والانحداراتفي الولايات المتحدة، كانت أبحاث الأجهزة الإلكترونية تصل إلى مستويات مرتفعة من الإبداع لن تتكرّر مرة أخرى. فمختبرات بَل التابعة لـ AT&T؛ وشركة RCA في برينستون، نيوجرسي؛ ومراكز وستنغهاوس لأبحاث الأجهزة في بيتسبرغ؛ ومراكز أخرى لأبحاث وإنتاج الأجهزة الإلكترونية كانت كلها في قمة إبداعها، مصنّعةً دفقاً سريعاً من الأجهزة المُبتكَرة، لا يزال بعضها قيد الإنتاج هذه الأيام. بناءً على نجاحاته في أوائل الخمسينات، أصبح الترانزستور في أوائل الستينات مستخدَماً بشكل واسع في كل أصناف الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية، وسيصبح في فترة الستينات أساس الدارات المتكاملة المعقّدة على نحو متزايد. وظهرت أنواع جديدة من الترانزستورات تقدّم سرعات تبديل أسرع، أو قدرة أعلى على نقل التيار، أو فعالية أعلى، أو عرض نطاق أعرض، رغم أن العديد من الابتكارات سيتطلب سنوات إضافية من الأبحاث لكي يصبح عملانياً.رغم هذا النجاح، شهدت أواخر الستينات وأوائل السبعينات أيضاً بداية تراجع عام في قدرة الشركات الأميركية على نقل المعرفة من المختبر إلى مصانعها وعلى التنافس في سوق الإلكترونيات المتنامية عالمياً. صحَّ هذا بالأخص في قطاع الإلكترونيات الاستهلاكية. فقد بدأ صانعو الإلكترونيات الأميركيون الواحد تلو الآخر (باستثناء ملحوظ لصانعي التلفزيون الملوّن وراديو السيارة) يُغلقون مصانع إنتاجهم الأميركية تدريجياً، أو بدأوا تجميع معدات تتألف من قِطع مصنوعة في أماكن كاليابان وسنغافورة. وكانت بعض المنتجات في منتصف الستينات، كأجهزة الراديو ومسجِّلات الأشرطة، تُصنّع كلياً تقريباً من قِبل صانعين غير أميركيين. حدَّد هذا أيضاً الاتجاه العام الذي سيأخذه القطاع ككل في السنوات اللاحقة، مع فقدان الولايات المتحدة ريادتها في قطاع أشباه الموصِّلات وزيادة تركيزها بدلاً من ذلك على تجميع القِطع المصنوعة في أماكن أخرى. في حالات عديدة، رحَّبت شركات الإلكترونيات بهذا التحوّل، فنقلت مصانعها إلى بلدان منخفضة الأجور كطريقة لزيادة الأرباح. وتغاضى المستهلك الأميركي، الذي رأى أسعار المنتجات الشعبية تنخفض، عن معارضته الوطنية. في حالات أخرى، أنشأت الشركات الأميركية مصانع في بلدان أخرى، لا سيّما في أوروبا، كطريقة لدخول أسواق شبه الموصِّل هناك بشروط اقتصادية أفضل. انتشرت البراعة في حقل أشباه الموصِّلات بسرعة، مما أفاد الشركات الأميركية على المدى القصير، لكنه أدّى فعلياً إلى تنشيط منافِساتها في البلدان الأخرى.الأنابيب المفرَّغة في الستيناتبدأ استعمال الأنابيب المفرَّغة لأهداف الاستقبال والتضخيم يختفي تدريجياً في الستينات، وتوقّف تطوير معظم أنواع الأنابيب الجديدة. لكن بقيت الأنواع القديمة قيد الإنتاج، ودعمت سوق قِطع غيار مُربِحة لعدة سنوات. استمر تطوير الأنابيب للاتصالات بالموجات الصُغرية والرادار، لأنهما كانا قد أصبحا أساسيين في العمليات العسكرية وفي الأنظمة كالمراقبة الجوية المدنية. فنظام الدرع الصاروخي البالستيّ الدولي المضاد وأنظمة الصواريخ Nike-Zeus في أواخر الخمسينات، ونظام التحذير المُبكر من الصواريخ البالستيّة ومشروع قيادة الدفاع الجوي لأميركا الشمالية (NORAD) في نفس الفترة، ونظام تعقّب المركبات الفضائية المقترن بالمشروع مركوري اتكّلت كلها على مرسِلات بالأنابيب المفرَّغة.إحدى الملاحظات المثيرة للاهتمام في قصة الأنبوب المفرَّغ في الستينات هي تطوير أول أفران المايكروويف (أفران الموجات الصُغرية) التجارية. صمّمت ليتّون كوربوريشن، وهي شركة أميركية ارتبطت بالتكنولوجيات العسكرية بشكل رئيسي، نسخةً منخفضة الكلفة لأنبوب المغنترون لاستعماله في فرن تجاري، وتعاقدت مع الشركة اليابانية كوبه كوغيو لتصنيعه. صحيح أن ليتّون لم تحقّق نجاحاً تجارياً كبيراً، إلا أن الشركة اليابانية هاياكاوا التقطت الفكرة وقدَّمت أول فرن مايكروويف لها في العام 1962.بشكل عام، بعدما ظهر الترانزستور، تم تطوير أنواع جديدة من الأنابيب لتنافسه مباشرة. في أواخر الخمسينات والستينات، تقلّص حجم الأنابيب وتم تفخيمها أحياناً كمتحدّيات لأجهزة الجوامد. مثلاً، قدَّمت شركة RCA النوفستور (Nuvistor) في العام 1961. كان هذا أنبوباً من الفخار، بنفس حجم الترانزستور تقريباً، مصمماً ليُستعمل في تكنولوجيا الرادار. وجد النوفستور سوقاً كبيرة في الإلكترونيات الاستهلاكية، حيث كان يُستعمل في موالِفات التلفزيون والأجهزة الأخرى. كما طوّر مصمّمو الأنبوب نسختهم الخاصة من الدارة المتكاملة. قدَّمت جنرال إلكتريك الكومبكترون (Compactron) في العام 1961، وهو جهاز أنبوبيّ كان في الأساس عدة أنابيب مركّبة داخل غلاف زجاجي واحد. حقّقت تلك الأنابيب المتعدّدة الوحدات شعبيةً كبيرةً أيضاً في الإلكترونيات الاستهلاكية، وصدّت أشباه الموصِّلات في التلفزيونات في أوائل السبعينات.لكن بينما بحَث مصمّمو الأنبوب عن طرق لمنافسة تكنولوجيا شبه الموصِّل، رأى مصممو مكوّنات الجوامد أيضاً تكنولوجيا الأنبوب المفرَّغ كمنطقة يجب اقتحامها، ورفعت تكنولوجيا الجوامد تحدّيها لتكنولوجيا الأنبوب شيئاً فشيئاً حتى في الاستخدامات الأكثر تخصّصاً. مع نضوج الترانزستور في الستينات، تم تطوير بعض أنواع أجهزة الجوامد كبدائل مباشرة للأنابيب. فما يسمى الترانزستور المُغشَّى مثلاً، الذي اخترعته شركة RCA في العام 1964، كان المقصود منه أن يكون بديلاً مباشراً لأجهزة إخراج الأنبوب المفرَّغ المستعملة في معدات الاتصالات العسكرية UHF. أنتَج أحد أوائل الترانزستورات المُغشَّاة، 2N3375، طاقة إخراج جديرة بالملاحظة قوتها 10 واط عند 100 ميغاهرتز أو 4 واط عند 400 ميغاهرتز، مما جعله مشابهاً لأنبوبٍ صغيرٍ مُرسلٍ. كانت اتصالات الموجات الصُغرية ناحيةً أخرى كان مصمّمو الأنبوب واثقين فيها أن الترانزستور سيبرهن عدم جدواه فيعطي عرض النطاق المحدود للأجهزة الأولى. لكن في العام 1963، استعرض ج. ب. غَنّ تذبذبات في أشباه الموصِّلات المركَّبة تحت حقل كهربائي مطبَّق، وبدأت تظهر أولى دايودات غَنّ التجارية حوالي العام 1966. هناك تطوّر مهم آخر لشبه الموصِّل تعدَّى على منطقة الأنبوب كان دايود زمن العبور للتصادم الانهياريّ (IMPAAT)، الذي طوّره ر. ل. جونستون وب. س. ديلوش في مختبرات بَل في العام 1964. مثلما يمكن أن نرى من تطوير ذلك الجهازين، بقيت الابتكارات في أجهزة الجوامد تتحدّى أهمية تكنولوجيا الأنبوب. ويعكس حقل التصوير وأجهزة العرض تلك الميول الأشمل: رغم أنها بقيت أحد أهم الاستخدامات المتخصصة للأنابيب وساعدت في إبقاء قطاع الأنبوب المفرَّغ عائماً، أصبحت أجهزة التصوير والعرض أيضاً ناحية تطوير مهمة لتكنولوجيا الجوامد خلال هذه الفترة.اختراع الدارة المتكاملةربما أهم جهاز إلكتروني جديد خلال الستينات كان الدارة المتكاملة، التي تم اختراعها في العام 1959 وتم تسويقها في العام 1960. الدارة المتكاملة هي جهاز يُصنَّع فيه بعض أو كل المكوّنات المتفرِّدة المختلفة التي تتألف منها، كالترانزستورات والدايودات والمقاوِمات والموصِّلات والمحرِّضات والمكثِّفات، في الوقت نفسه على رقاقة شبه موصِّل واحدة. في النماذج السابقة لتصميم الدارة، كانت الأجهزة "النشطة" كالترانزستورات مجهّزة بأطراف سلكية ويتم توصيلها بواسطة الأسلاك بمقاوِمات ومكثِّفات "هامدة" ومكوّنات أخرى، لكن في الدارة المتكاملة تكون الأجهزة النشطة والهامدة محفورة في السيليكون. حتى أن السيليكون يصبح بديلاً للأسلاك التي كانت تربط الأجهزة ببعضها.كانت الدارة المتكاملة هي الثمرة المباشرة لأساليب تصنيع الترانزستور التي تم اختراعها في الخمسينات. بالأخص، اشتمل الترانزستور المسطَّح على عدة ميزات مهمة جداً سيتم تطبيقها في تصنيع الدارة المتكاملة. كانت الدارة المتكاملة في أساسها ابتكاراً في التصنيع وليس إنجازاً علمياً. كانت العملانية في التصنيع أمراً مهماً جداً، مثلما صرَّح جاك كيلبي، أحد مخترعيها، لاحقاً: "على عكس اختراع الترانزستور، كان هذا اختراعاً له دلالات علمية قليلة نسبياً. ... بالطبع، يمكنك القول على العموم في تلك السنوات أنه ساهم قليلاً جداً بالتفكير العلمي" (براون وماكدونالد 1978، 90).بدلاً من ذلك، يجب النظر إلى الدارة المتكاملة على أنها حل عملاني لمسائل الإنتاج التجاري المرتبطة بشكل متبادل، ولطلب الجيش بإيجاد أنظمة معقّدة أكثر، وللتشديد المتواصل على نمنمة الدارات. كان هناك أيضاً عدم توازن بين قدرات مصممي الدارة وقدرات مصانع الإلكترونيات التي ستفضّل الدارة المتكاملة. تطلّبت الكمبيوترات والأنظمة المعقّدة الأخرى أن يتم تلحيم آلاف الترانزستورات والدايودات والمكوّنات الأخرى ببعضها يدوياً وكان هذا مرهقاً. ومع ازدياد تعقيد هكذا أنظمة وارتفاع عدد المكوّنات المطلوبة لكل استخدامٍ بشكل مماثل، ارتفع الوقت المطلوب لتوصيل كل المكوّنات يدوياً إلى حدود غير معقولة. مثلما تناقش المؤرّخان براون وماكدونالد، كان مجموع عدد ساعات العمل المطلوبة في أواخر الخمسينات من القطاع ككل يفوق مجموع الساعات المتوفرة من قوته العاملة، وواجه القطاع مأزقاً خطيراً (1978). في الوقت نفسه، أصبحت الوثوقية مشكلة خطيرة أيضاً. فبما أنه يجب توصيل كل مكوّن يدوياً، ارتفع احتمال الخطأ البشري إلى جانب عدد المكوّنات المستعملة. بالإضافة إلى ذلك، كلما ازداد عدد المكوّنات المتفرِّدة المطلوب أن يتم توصيلها يدوياً، كلما أصبح النظام النهائي ضخماً، مما أدّى إلى قيود موازية على العملانية في العديد من الأنظمة التي تطلّبت حجماً مضغوطاً. في العام 1962 مثلاً، كانت بعض الكمبيوترات تتضمن ما يصل إلى 200,000 مكوّن فردي. وقد ساعد قليلاً استعمال لوحات الدارات، حيث كانت كل المكوّنات توضَع على لوحة رفيعة وتُلحَّم تلقائياً. لكن الاحتمال بحصول خطأ بشري في مرحلة من المراحل خلال عملية تصنيع تلك الأجهزة الضخمة كان مرتفعاً نوعاً ما.لقد نتَج أيضاً الطلب على أنظمة موثوقة منمنَمة حتى أصغر من تلك المصنوعة بالترانزستور الشديد الصغر عن النجاحات العسكرية الأولى مع الصواريخ الموجَّهة والرغبة الموازية بإنشاء أنظمة إرشاد دقيقة أكثر فأكثر لها. وارتفعت النسبة المئوية للأموال التي صُرفت على تكنولوجيا أنظمة الصواريخ من مجموع الإنفاق العسكري من 5.4 بالمئة إلى 27.4 بالمئة بين العامين 1955 و1960، بينما ارتفع في الوقت نفسه دور الجيش كمستهلك لمنتجات شبه الموصِّل إلى أعلى مستوياته، مع شراء الجيش لما يُقارب 50 بالمئة من مجموع القيمة المالية لإنتاج القطاع في العام 1960. بالإضافة إلى الحافز الذي زوّدته العقود العسكرية، ساعدت الحكومة في إرشاد أبحاث الأجهزة الإلكترونية بشكل مباشر أكثر من خلال رعايتها المؤتمرات، ودعمها المؤسسات الأكاديمية، ورعايتها (غير المباشرة أحياناً) لمجالس الخبراء الرسمية كالمجموعة الاستشارية عن أنابيب الإلكترون ولاحقاً المجموعة الاستشارية عن الأجهزة الإلكترونية.التكامل قبل الدارة المتكاملةلأنه كان هناك الكثير من الباحثين المختلفين يعملون على حل مشاكل النمنمة والوثوقية، ليس مدهشاً أن تكون قد ظهرت تشكيلة متنوعة من الحلول المقترحة. لوحة الدارات المطبوعة، مثلاً، سمحت بتحقيق بعض درجات النمنمة لأنه تم استعمال عملية الطباعة الحجرية لحَفر التوصيلات الكهربائية على ورقة بلاستيكية فينوليّة مكسوة بالنحاس. كان يتم ثقب فجوات على اللوحة للسماح بإدخال أطراف الأجهزة، ثم كان يتم توصيل الأطراف بالرقائق المعدنية الموصِّلة للكهرباء من خلال التلحيم. كان لهذا فائدة مهمة أيضاً هي السماح بأتمتة عملية التجميع. باستعمال الترانزستورات ونمنمة المكوّنات الأخرى، يمكن تصميم لوحات دارات صغيرة جداً لتخزين الدارات على مربع قياسه 2.5 سم مثلاً بينما كانت تتطلّب سابقاً مربعاً قياسه 250 سم أو أكثر. رعت البحرية الأميركية، مثلاً، ما سمّته التكنولوجيا Tinkertoy بدءاً من العام 1950. كانت هذه طريقة لتجميع الترانزستورات والمكوّنات الأخرى على لوحات الدارات المطبوعة وتكديسها في وحدات مضغوطة جداً يمكن إدخالها في "مقابس" بشكل مشابه كثيراً لتلك المستعملة للأنابيب المفرَّغة. استلزم ذلك استعمال أصغر المكوّنات المتفرِّدة العملانية وتطوير آلات أوتوكاتيكية لتجميع وتوصيل الدارات ببعضها.أدّى تطوير أساليب الحجب والحفر لصنع الترانزستورات إلى اقتراح احتمال أنه يمكن بناء دارة بأكملها مباشرة على رقاقة واحدة من مواد شبه موصِّلة. تم اقتراح هذا الاحتمال في أوائل 1952، عندما جادَل جيوفري ويليام أرنولد دُمِر من مؤسسة الرادار الملكية في إنكلترا أنه يمكن تكديس طبقات من مواد عازلة وموصِّلة للكهرباء وتصحيحية وتضخيمية لتشكيل دارةٍ، حيث تتم التوصيلات البينية باقتطاع أقسام ملائمة من الطبقات. لكن دُمِر فشل في تشييد جهاز يعمل. وفي منتصف الخمسينات شيَّدت مختبرات بَل ترانزستوراً أربعة-في-واحد من رقاقة سيليكون واحدة من خلال الطباعة الحجرية الضوئية وعمليات الانتشار. كانت الترانزستورات الأربعة موصولة ببعضها البعض مباشرة لتشكيل دارة خاصة تستعملها إحدى معدات هاتف AT&T. رغم إمكانية نشوء جدال بشأن أول دارة متعددة الترانزستورات كانت "متكاملة" على رقاقة سيليكون واحدة، إلا أنها كانت مختلفة بعض الشيء عن نوع الدارات المتكاملة التي ستصبح مُهيمنة في نهاية المطاف.في العام 1958، بدأ المهندس اليافع جاك كيلبي من تكساس انسترومنتس التفكير، كبقية المهندسين بالطبع، بشأن كيفية تشييد دارة بأكملها من السيليكون. ما ميَّز فكرته عن البقية كان أنه لن يبني فقط عدة ترانزستورات على رقاقة واحدة، بل سيستعمل السيليكون أيضاً لصنع الموصِّلات والمكثِّفات والمقاوِمات للدارة. ومثلما تبيَّن، السيليكون نفسه يمكن استعماله كمقاوِم، بدلاً من المقاوِمات الكربونية المستعملة عادة في دارات الترانزستور. تستطيع وصلة p-n واحدة أن تعمل أيضاً كمكثِّف، فتستبدل مكثِّفات الرقائق المعدنية المتفرِّدة والمكثِّفات الكهرليّة والمكثِّفات الأخرى المستخدَمة عادة. لقد اعتُبر استعمال شبه موصِّل كمقاوِمٍ أنه تبذير "للمساحة" القيّمة على الرقاقة، لكنه سمح بتصنيع الدارة بأكملها تقريباً دفعة واحدة. لكي يوضّح الفكرة، بنى نوعاً بسيطاً قياسياً من الدارات يسمى مُذبذِب الإزاحة المرحلية في عيّنة من الجرمانيوم. قدّمت تكساس انسترومنتس طلب براءة اختراع لـ "الدارات المجسّمة" في فبراير 1959.مثلما جرى في كثير من الحالات في تاريخ التكنولوجيا، كان هناك آخرون يعملون على خطوط مشابهة. في نفس وقت تقديم تكساس انسترومنتس لطلب براءة الاختراع، تصوَّر روبرت نوْيس في شركة فيرتشايلد طريقةً لصنع دارة تتألف من عدة أجهزة أشباه موصِّلات، كلها موصولة بـ "شبكة أسلاك" من الألومنيوم موضوعة على السيليكون من خلال نفس أساليب الحجب والحفر المستعملة لصنع الترانزستورات نفسها. سجَّلت فيرتشايلد براءة اختراع الجهاز، ورغم أن الفكرة كانت تشبه فكرة كيلبي السابقة، كانت دارة نوْيس "الوحدَوية" أول من نال براءة اختراع في العام 1961. وكما هو متوقّع، نشأ نزاع فوريّ بين تكساس انسترومنتس وفيرتشايلد على مَن اخترع فكرة الدارة المتكاملة. تورّطت الشركتان بسرعة في نزاع على براءة الاختراع دام لعدة سنوات. ولكن في العام 1962 كانت الشركتان تُنتجان كميات صغيرة من الدارات المتكاملة للاستخدامات العسكرية والفضائية والتجارية. كانت أولى الدارات المتكاملة "بمنطق الصغائر" لفيرتشايلد، المُباعة في العام 1962، تكلّف $120 وتحتوي على بضعة مكوّنات دارة فقط. في العام 1965، كانت هناك 25 شركة أميركية، في طليعتها فيرتشايلد، تُنتج دارات متكاملة.واجَه القطاع عدة مشاكل مهمة في صنع دارات متكاملة قابلة للتطبيق تجارياً. إحدى تلك المشاكل كانت الإنتاج، الذي بقي شاقاًَ طوال النصف الأول من الستينات. فالرقاقات المستعملة لإنتاج الدارات المتكاملة يجب أن تكون أكبر من تلك المستعملة لصنع المكوّنات المتفرِّدة، وبالنتيجة كان احتمال أن تنكسر أو تنقطع كبيراً، أو أن تتلوّث خلال عملية التصنيع. والأهم من ذلك هو أن تصنيع الدارات المتكاملة، رغم استعماله نفس أساليب الإنتاج، تطلَّب خطوات أكثر من تلك المطلوبة للترانزستورات المسطَّحة لأنه كانت هناك طبقات أكثر من الترانزستورات والدايودات والمكوّنات الهامدة والتوصيلات البينية. بالنتيجة، كان الإنتاج أقل بكثير بسبب تراكم أخطاء التصنيع المحتملة في كل خطوة. في الواقع، كانت طرق الإنتاج الأولى تستطيع أحياناً إنتاج 25 بالمئة (أو أحياناً أسوأ) فقط. لكن في العام 1963، اكتشفت موتورولا أن تخفيض حجم الرقاقة يؤدي إلى زيادة غير متكافئة في الطاقة الإنتاجية لأن العيوب التي تحصل خلال عملية التصنيع لم تكن تتوزَّع عشوائياً على الرقاقة؛ وبالتالي يؤدي تقليص حجم الرقاقة إلى 25 بالمئة من حجمها الأصلي، مثلاً، إلى تحسّن الطاقة الإنتاجية بأكثر من أربعة أضعاف.رغم أن أحجام الرقاقات ستبدأ بالازدياد قريباً، إلا أن هذا الاكتشاف ساعد في الحثّ على البحث عن طرق لجعل مكوّنات الدارة المتكاملة أصغر فأصغر، مما أدّى ليس فقط إلى طاقة إنتاجية أفضل بل أيضاً إلى أجهزة أسرع وأقوى بعد حشر مكوّنات أكثر وأكثر في رقاقة واحدة. كما في حالة إنتاج الترانزستور، مثلاً، كان يتم تجهيز رقاقات السيليكون للحَفر الكيميائي باستعمال نقوش حساسة للضوء. وساعدت مولِّدات النقوش والكاميرات المكرِّرة للخطوة، وقد تم تقديم كليهما في أوائل الستينات، على تقليص حجم الدارات المتكاملة من خلال الدقة التي مكّنتها الأتمتة. تم أيضاً استخدام الطباعة الحجرية بالأشعة فوق البنفسجية بدلاً من الطباعة الحجرية بالضوء العادي، مما ساعد على تقليص حجم الدارات المتكاملة كون الأشعة فوق البنفسجية لها طول موجي أقصر من الضوء المرئي، مما سمح بإنتاج مكوّنات أصغر. ساعد زرع الأيونات أيضاً في تقليص حجم عناصر الدارة، وهي عملية طوّرها لأول مرة راسلّ أوهي وويليام شوكلي في مختبرات بَل في الخمسينات. استعمل زرع الأيونات شعاعَ أيون، بدلاً من انتشار البخار، لإنتاج [image "Description: images\electronics_Page_078_Image_0001.tif" file=image-524.jpg] براءة اختراع روبرت نوْيس للدارة المتكاملة من العام 1959، والتي سمّاها ببساطة "جهاز وبنية أسلاك". على طبقة تحتية من سيليكون النوع p، تُستعمل أساليب خاصة بالطباعة الحجرية الضوئية مع تقنيع الأكسيد والانتشار لإنشاء طبقات محلية من مناطق النوع n والنوع p والمناطق العازلة. يتم توصيل الدايودات والترانزستورات والأجهزة الأخرى المنشأة بهذه الطريقة ببعضها بواسطة الأسلاك الموضوعة على السطح. براءة الاختراع الأميركية 2981877.وصلات من النوع n أو p، مما سمح بوضع مكوّنات الدارة بشكل دقيق جداً. كانت كل تلك الأساليب مهمة في تحسين الطاقة الإنتاجية وسرعة الدارات المتكاملة بجعل الرقاقات أصغر وبزيادة عدد المكوّنات على كل رقاقة. [image "Description: images\electronics_Page_079_Image_0001.tif" file=image-529.jpg] روبرت نوْيس وغوردون مُور وأندرو غروف، مؤسِّسي شركة إنتل. بإذن من شركة إنتل.كانت هناك مشكلة كبيرة أخرى تواجه قطاع أشباه الموصِّلات هي العملية المرهِقة بتوصيل الأسلاك يدوياً من رقاقة شبه الموصِّل بالعالم الخارجي (كأسلاك مزوّد طاقة الدارة، وإدخال وإخراج البيانات). في أوائل الستينات، حلّ مارتن ب. لبسلتر من مختبرات بَل هذه المشكلة بتطويره أسلوباً لتصنيع الدارات المتكاملة [image "Description: images\electronics_Page_080_Image_0001.tif" file=image-534.jpg] تبيّن براءة اختراع جاك كيلبي لـ "الدارات الإلكترونية المنمنَمة" في العام 1959 "متعدد هزّازات" مصيَّراً في شرحة شبه موصِّل واحدة. لقد تألّفت من ترانزستورَين (البنيات الدائرية) تنشئهما الأساليب المسطَّحة وموصولين ببعضهما البعض بأسلاك ودارة خارجية. بشكل مشابه كثيراً في المبدأ لتصميم نوْيس، كان كيلبي قد استعرض مسبقاً دارة متكاملة عاملة في المختبر. براءة الاختراع الأميركية 3138743. [image "Description: images\electronics_Page_080_Image_0002.tif" file=image-538.jpg] الدارة المتكاملة الأولى لجاك كيلبي من العام 1959 والتي تبدو أقل أناقة بكثير من رسوم براءة الاختراع (بإذن من تكساس انسترومنتس).بأسلاك ذهبية كانت موصولة من قبل. كانت تلك الأسلاك الشعاعية الذهبية تُنشأ خلال تصنيع الرقاقة بدلاً من توصيلها في ما بعد، ويمكن توصيل كل الأطراف الحرة بمكوّن جهاز آخر في الوقت نفسه بدلاً من توصيلها الواحد تلو الآخر، مما يوفّر الكثير من الجهد. ساعد هذا الابتكار أيضاً على حل مشكلة الإغلاق المُحكَم المُكلف للدارة داخل علبة صغيرة. من أجل تجنّب التلوّث، كان يجب وضع الدارات المتكاملة في صناديق مُكلفة. لكن في العام 1966، أظهَرَ ج. ف. دالتون أن نتريد السيليكون يعمل كحاجز لهجرة أيونات الصوديوم، وهي الجُسَيمات التي كانت مذنباً رئيسياً في التلوّث وعدم استقرار الجهاز. وبرهَن عدة مهندسين من وسترن إلكتريك بعد ذلك بقليل أنه يمكن استعمال فيلم رفيع من نتريد السيليكون كدرع على الترانزستورات n-p-n المسطَّحة، مع استخدام أساليب كيميائية لفتح نوافذ تلامس عبر الفيلم. تم دمج هذا الابتكار بسرعة بالأسلاك الشعاعية الذهبية لتشكيل تكنولوجيا الوصلة المختومة بالأسلاك الشعاعية (أو BLSJ)، التي استُعملت لاحقاً في تشكيلة كبيرة من الدارات المتكاملة. كانت أجهزة BLSJ أول دارات متكاملة مرتفعة الوثوقية لم تتطلب تغليفاً مختوماً بإحكام. إحدى النتائج المباشرة لتطوير تكنولوجيا BLSJ كانت عائلةً من الدارات تسمّى دارات منطق الترانزستور-ترانزستور (أو TTL)، والتي دمجت التكنولوجيا BLSJ بتكنولوجيا المجمِّع المدفون القياسي (أو SBC).الانقسام التماثلي والرقميبعد بروزها بفترة قصيرة، بدأ يتم تقسيم تصميم الدارة المتكاملة إلى دارات تماثلية ودارات رقمية. اعتبر العديد من المهندسين أن الدارات المتكاملة التماثلية - أي تلك التي تضخّم أو تتلاعب بوسائل أخرى بالإشارات الكهربائية كالموجات الراديوية - أقل تبشيراً بالخير، كونها تتطلّب عادة مكثِّفات كبيرة ومحرِّضات كبيرة ومكوّنات أخرى لا يمكن تصنيعها بسهولة على رقاقة السيليكون نفسها. رغم هذا، اندفع تصميم الدارة المتكاملة التماثلية إلى الأمام خلال الستينات. كان [image "Description: images\electronics_Page_081_Image_0001.tif" file=image-545.jpg] جاك كيلبي، تقريباً في وقت اختراعه الدارة المتكاملة (بإذن من تكساس انسترومنتس).روبرت ويدلار من شركة فيرتشايلد رائداً في هذا المضمار، وهو طوّر أول مضخِّم تشغيليّ (أو "op-amp") عملاني على هيئة الدارة المتكاملة. المُضحك هو أن المضخِّم التشغيليّ شكّل حجر الأساس للكمبيوتر التماثلي، وهو نوعٌ من الأجهزة أبطله الآن تقريباً كلياً الكمبيوتر الرقمي المألوف أكثر. في الكمبيوتر التماثلي، ينفّذ المضخِّم التشغيليّ العمليات الرياضية كالجمع أو الطرح بمقارنته فولطية مرجعية بفولطية إدخال. مثلما عبَّر عنه ج. و. أ. دُمِر لاحقاً، كان تطويرُ ويدلار للمضخِّمات التشغيليّة الشهيرة μA 702 وμA 709ثورياً. فبدلاً من ترجمة تصميمٍ متفرِّدٍ إلى نموذج شمولي، وهو الأسلوب القياسي، لعب ويدلار لعبة الدارة الصُغرية الخطيّة بمجموعة مختلفة من القواعد؛ استعمل ترانزستورات ودايودات - حتى ترانزستورات ودايودات متطابقة - من غير عواقب، لكن استعمل مقاوِمات ومكثِّفات - بالأخص تلك ذات القيمة الكبيرة - حيث يكون ضرورياً فقط. حتى حيث يبدو أن استعمال مقاوِم كبير أمراً محتوماً، وضع ويدلار بدلاً منه ترانزستوراً متحيّزاً للتيار المستمر. لقد استغَل القدرة الطبيعية للقطعة الواحدة من الحجر على إنتاج مقاوِمات متطابقة وافترض قيماً مُطلقة فضفاضة فقط، (مُقتبس في دُمِر 1997، 188)اعتمد القطاع مضخِّمات ويدلار التشغيليّة المتكاملة μA 702 وμA 709 بشكل واسع. لا يزال μA 709 يُنتَج هذه الأيام، كونه يمكن استعماله في بعض الأجهزة، كالمعدات الصوتية، كمضخِّم أولي حسّاس ومنخفض الضجة. طوّرت شركات أخرى، مثل سبراغ إلكتريك وهيتاشي، دارات متكاملة تماثلية استغَلت الأسواق المتخصصة بناءً على الاستخدامات الاستهلاكية. مثلاً، قدَّمت سبراغ دارات متكاملة خطيّة لكي تُستعمل في أجهزة راديو السيارات صنع شركة دلكو، وتلفزيونات شركة زينيث، وكاميرات البولارويد في أواخر الستينات. شكّلت تلك الرقائق التماثلية ذات الهدف الخاص أول تقدّم باهر على الأرجح في السوق الاستهلاكية، ولا تزال الرقائق التماثلية تشكّل صناعةً رئيسيةً، لكن ستتفوَّق عليها قريباً التطوّرات الحاصلة في حقل استخدام الكمبيوتر.مع استمرار تحسّن التكنولوجيا، ازداد التركيز الإجمالي لسوق أشباه الموصِّلات على الدارات المتكاملة الرقمية بدلاً من الدارات المتكاملة التماثلية. السبب الجزئي لهذا كان الأهمية المتزايدة للكمبيوترات في العمليات المهنية والعسكرية وأهمية الحاسبات والاستخدامات المماثلة الأخرى كالمنتجات التجارية. وأهم من ذلك هو أنها شكّلت انتقالاً كبيراً نحو التلاعب بالبيانات الرقمية كأساس لقطاع أشباه الموصِّلات. بمعنى آخر، أصبح التحكم بالبيانات الرقمية وتنظيمها، بدلاً من التحكم بأنواع مختلفة من الإشارات التماثلية وتنظيمها، التركيز الرئيسي لقطاع أشباه الموصِّلات. عكَسَ هذا انقساماً بين التكنولوجيا المتعلقة بالكمبيوتر وبقية الحقل وبين الهيمنة المتزايدة لهذه التكنولوجيا ضمن القطاع ككل.خلال الستينات، كان الفرع الرقمي لتصميم الدارة المتكاملة يركّز على الدارات المنطقية، ثم على أجهزة الذاكرة للكمبيوترات في نهاية العقد. الدارات المنطقية هي حجر الأساس للكمبيوترات، وتُستعمل لاتخاذ "قرارات" بناءً على المعلومات التي تتلقاها على هيئة نبضات كهربائية. تخضع تلك النبضات، التي تمثّل "الآحاد" و"الأصفار" الثنائية، "لعمليات" منطقية في دارات تسمى بوابات. البوابات هي دارات مصممة لتزوّد إخراجاً محدَّداً كلما تلقّت إدخالاً معيّناً. يجب اكتشاف وتضخيم تلك الإدخالات والإخراجات، التي تكون على هيئة نبضات كهربائية، ويجب نقلها في الرقاقة، ويتم هذا باستعمال الترانزستورات كمضخِّمات و/أو بدّالات. لقد استعملت الكمبيوترات والأنظمة المرتبطة بها الأنابيب المفرَّغة في أوائل الخمسينات وقد بدأت باستعمال الترانزستورات في أوائل 1958. من البداية، كانت الدارات المتكاملة تُستخدَم في الدارات المنطقية، واضطر مصممو الدارة إلى استعمال طرق جديدة لبناء دارات من السيليكون يمكنها أن تعمل بفعالية في الاستخدامات المنطقية. شهدت الفترة من أوائل إلى منتصف الستينات مجموعةً من صانعي الدارة المتكاملة يتنافسون مع بعضهم البعض للفوز بدعم لتصاميم دارتهم المنطقية الفريدة. لكل تصميمٍ حسناته وسيئاته من حيث الكلفة، والمصاعب في التصنيع، والأداء في دارات الكمبيوتر.الدارات المنطقية RTL وDTL وTTLفي السنوات اللاحقة، ستصبح هذه الأنواع المختلفة من الدارات المنطقية معروفة بـ "العائلات" المنطقية. قدَّمت فيرتشايلد في 1961 أول دارة منطقية مقاوِم-ترانزستور (resistor-transistor logic أو RTL). نفّذت هذه الدارة العمليات المنطقية باستعمال ترانزستورَين أو أكثر موصولين ببعضهما بواسطة مقاوِمات سيليكونية. لأن تلك الدارات استهلكت كمية كبيرة نسبياً من الطاقة، طوّر آخرون الدارة المنطقية دايود-ترانزستور (أو DTL) التي كانت الوظائف المنطقية الأساسية تُنفَّذ فيها من قِبل دايودات (وهي أجهزة "هامدة" لا تستهلك الطاقة). ثم كان يُرسَل إخراج، الذي كان يضعَف أثناء ذلك، إلى ترانزستورٍ ليتم تضخيمه. لكن بسبب الطريقة التي كانت تُصنَع بها الدارات المتكاملة، كان منطقياً أكثر استعمال الترانزستورات بدلاً من الدايودات في مراحل الإدخال في الدارة. في 1963، قدَّمت سيلفانيا أول دارة منطقية ترانزستور-ترانزستور (أو TTL) تحت العلامة التجارية SUHL (معناها المنطق العالمي العالي المستوى لسيلفانيا). تم هنا استبدال الدايودات في مرحلة الإدخال بترانزستور خاص له عدة باعثات. وكانت هناك حسنة أهم أكثر لـ TTL بالمقارنة مع DTL هي سرعتها العالية؛ فبإمكانها تنفيذ كمية من العمليات المنطقية في الثانية أكثر من منافساتها. نسخة TTL صنع سيلفانيا ليست بنفس شهرة الدارة TTL صنع تكساس انسترومنتس، التي قدّمتها في العام 1965، وتلتها فيرتشايلد في السنة التالية.الدارة المنطقية MOSبعد مرور بعض الوقت، انضمّت الدارة المنطقية MOS إلى الدارة المنطقية للترانزستور الوصليّ أو "الثنائي القطبية". استغرقت المسألة عقداً من الزمن من اختراع ترانزستور الـ MOS إلى تسويق الأنواع القياسية للدارات المتكاملة المنطقية المرتكزة على MOS. في العام 1962، نجح مهندسا الشركة RCA ستيفن ر. هوفشتاين وفريديريك ب. هايمان في بناء أول دارة متكاملة ترتكز على هذه التكنولوجيا. فقد تمكّنا باستعمال العملية المسطَّحة التي تم تطويرها حديثاً من بناء دارة منطقية متعددة الأهداف تتضمن 16 ترانزستور تأثير حقليّ MOS (أو MOSFET، موسفت) على رقاقة سيليكون مربعة حجمها 0.65 سم. استهلك هذا النوع من الدارة المتكاملة MOS طاقةً أقل من الدارات المتكاملة الثنائية القطبية، وكان تصنيعها أسرع وأرخص نظرياً. لكن عانى إنتاجها عملياً من بعض المشاكل، مما دفع الشركات كشركة RCA إلى التخلّي مؤقتاً عن هذه التكنولوجيا لصالح متابعة الاستثمار في الدارات المتكاملة الثنائية القطبية. رغم أن الدارة المنطقية MOS ستصبح أهم بكثير في السنوات اللاحقة، إلا أنها بقيت جانباً خلال الستينات بينما هيمنت رقائق TTL على السوق.الذاكرةفي نهاية الستينات، بدأ الباحثون تطوير رقائق ذاكرة شبه موصِّل بالإضافة إلى الرقائق المنطقية. كانت الذاكرة الإلكترونية هدفاً لمصممي الكمبيوتر منذ أواخر الأربعينات، لكن اضطر المهندسون في الأربعينات والخمسينات إلى تدبير أمورهم بالأسطوانات المغنطيسية، وخطوط التأخير الزئبقية، وأنابيب شعاع الكاثود، والأقراص أو الأشرطة المغنطيسية، ولاحقاً، النوى المغنطيسية من أجل تخزين البيانات. بدأ هذا يتغيّر عندما صنّعت تكساس انسترومنتس في أوائل الستينات أول دارة ذاكرة شبه موصِّل متكاملة. لكن بما أنه كان يمكن وضع ستة ترانزستورات فقط على رقاقة واحدة في ذلك الوقت، كان الجهاز قادراً على تخزين بت واحد من البيانات فقط. كان واضحاً أن هذا لن يكون عمليّاً تجارياً، لذا التزم الكثير من التصاميم بالنوى المغنطيسية في ذلك الوقت. لكن كانت هناك أجهزة ذاكرة بالدارة المتكاملة تم تقديمها في أوقات مختلفة من الستينات. IBM، مثلاً، أنتجت رقاقة ذاكرة 16 بت باستعمال الترانزستورات الثنائية القطبية في العام 1966، وقد تم استعمالها في كمبيوتر IBM/360 المسلَّم إلى وكالة الناسا. ستُنتج الشركة رقاقة ذاكرة بالدارة المتكاملة 64 بت في العام 1968. نجحت IBM مرة أخرى في 1966 عندما صمّم روبرت دينّارد دارةً لتخزين كل بت من المعلومات كمستوى شحن على مكثِّف يتحكَّم به ترانزستور تأثير حقليّ واحد. أصبحت "الخلية" ذات الترانزستور الوحيد، والمستعملة لأول مرة في رقاقة الذاكرة العشوائية الوصول الديناميكية (DRAM) هذه صنع IBM، نوعاً قياسياً لتصميم الذاكرة.الانكماش والنموالتطوّر الحاسم الذي سمح بالتصنيع العملاني لذاكرات شبه الموصِّل كان تكنولوجيا MOS، والتي سمحت بوضع عدد كبير جداً من أجهزة الدارة على رقاقة واحدة لأول مرة. عادت تكنولوجيا MOS إلى الصدارة في أواخر الستينات بسبب تشكيلة كبيرة من التطوّرات التكنولوجية في عدد كبير من الشركات المختلفة. بالنتيجة، من الصعب أن نرى بوضوح الأسلوب الدقيق الذي بدأ به القطاع يتحوّل نحو الدارات المتكاملة MOS. مثلاً، مدَّدت مختبرات بَل استعمال تكنولوجيا ترانزستورها BLSJ إلى تصنيع ترانزستورات الـ MOS في أواخر الستينات، وبدأت في العام 1967 تطوير ما سمّته الدارات المتكاملة MOS العازلة المزدوجة. أدّى هذا في العام 1969 إلى رقاقة واحدة تحتوي على ما يصل إلى 120 مكوّناً للدارة. وظهر بتتابع سريع طيلة العقد عددٌ كبيرٌ من التكنولوجيات الجديدة الأخرى والتحسينات، كرقاقة شبه الموصِّل بأكسيد معدني متمِّم (CMOS، أو سيموس) التي اخترعها فرانك وانلاس من شركة فيرتشايلد في العام 1963 والتي تم تطويرها أيضاً في شركات وستنغهاوس وGTE وRCA وسيلفانيا في العام 1968. في أواخر الستينات، أصبحت الدارات المتكاملة MOS منتَجاً قابلاً للتطبيق تجارياً، وقد وصلت مبيعات الدارة المتكاملة MOS في 1969 في الولايات المتحدة إلى ما بين $30 و$35 مليون.رغم أن ترانزستورات الـ MOS أبطأ من الدارات المتكاملة الثنائية القطبية، إلا أن حجمها أصغر من حجم الترانزستورات الثنائية القطبية، وبما أنها تستعمل طاقة أقل، كانت كل العناصر الأخرى على الرقاقة أصغر أيضاً، مما سمح بوضع عدد أكبر بكثير من المكوّنات على الرقاقة التي لها نفس الحجم. الزيادة الكبيرة في كثافة الدارة التي مكّنها تطوير ترانزستور الـ MOS والتطوير اللاحق للدارات المتكاملة MOS جعلت أخيراً رقائق ذاكرة شبه الموصِّل مُنافسة لأجهزة الذاكرة الموجودة (كذاكرة النواة).الزيادات في كثافة الدارة رافقت الانخفاض في حجم المكوّنات: كان قد تم بناء بضعة مكوّنات فقط في أوائل الدارات المتكاملة، لكن ارتفع هذا الرقم في العام 1971 إلى حوالي 6,000 مكوّناً على كل رقاقة. في الأيام التي كانت فيها بضعة عشرات مكوّنات الدارة على رقاقة واحدة تبدو عدداً كبيراً، كان المهندسون يسمّون الدارات المتكاملة التي تحتوي على ما بين عشرة مكوّنات ومئة مكوّن تقريباً بـ "التكامل الواسع". ومع وصول تكنولوجيا MOS وبعد أن أصبحت كثافة الدارة في نطاق الآلاف وعشرات الآلاف، بدأوا بشكل غريب بعض الشيء يتكلمون عن "التكامل الفائق" (very large-scale integration أو VLSI). لحسن الحظ أنه كان لدى المهندسين الوعي بالتوقف عن إضافة صيغة أفضل التفضيل حتى مع استمرار تزايد كثافة الدارة. يمكن رؤية قوة هذه التركيبة في الأرقام البحتة: ارتفع إنتاج الدارات المتكاملة بسرعة ملفتة للنظر خلال الستينات، فقفز من 4.5 مليون في العام 1963 إلى 635 مليون في العام 1971. والمدهش أكثر أيضاً هو عدد مكوّنات الدارة التي تمثّلها هذه الأرقام: من 108 مليون في العام 1963 إلى 40,653 مليون (أو أكثر من 40 مليار) في العام 1971. من دون الدارة المتكاملة لكان القطاع بكل بساطة غير قادر على استعمال العديد من المكوّنات المتفرِّدة بشكل عملانيّ.غوردون مُور في مجلة Electronics، أبريل 1965أدّى مقال غوردون مُور في مجلة Electronics في العام 1965، المقتَبَس أدناه، إلى "قانون مُور" الشهير. في ذلك الوقت، كان مُور مدير الأبحاث في شركة فيرتشايلد سيميكونداكتر.ستؤدي الدارات المتكاملة إلى حدوث أعاجيب كالكمبيوترات المنزلية (أو على الأقل المحطات الطرفية الموصولة بكمبيوتر مركزي) وأدوات التحكم الذاتي للسيارات، ومعدات الاتصالات الشخصية المحمولة. تحتاج ساعة المعصم الإلكترونية إلى شاشة عرض فقط لتكون عمليّة هذه الأيام. ... لقد ازداد تعقيد تكاليف المكوّنات الدنيا بمعدّل الضُعف تقريباً كل سنة. بالطبع يمكن توقّع استمرار هذا المعدّل على المدى القصير، إن لم يكن سيزداد أيضاً. لكن معدّل الزيادة غير أكيد قليلاً على المدى الطويل، رغم عدم وجود سبب يجعلنا نصدّق أنه لن يبقى ثابتاً تقريباً لعشر سنوات على الأقل. هذا يعني أن عدد المكوّنات في كل دارة متكاملة بالكلفة الدنيا سيكون 65,000 في العام 1975. أعتقد أنه يمكن بناء هكذا دارة كبيرة على رقاقة واحدة.من الأنابيب إلى الجوامد في أجهزة العرض والتصويررغم أن الابتكارات في تكنولوجيا الجوامد ستبرهن أنها مهمة جداً في حقل أجهزة التصوير والعرض في السنوات اللاحقة، استمر تطوير تكنولوجيات الأنبوب القديمة طوال الستينات، وهَيمنت على الحقل في أغلب الأحيان خلال ذلك الوقت. أنبوب أشعة الكاثود مهم جداً فيما يتعلّق بهذا الأمر، وقد تحسّنت تقنياته بسرعة طوال العقد. في أواخر الستينات، مثلاً، طوّرت شركة سيلفانيا تقنية البينيترون (Penetron) لإظهار الصور الملوّنة المرتفعة الدقة. تتألف شاشة البينيترون من طبقات من الفوسفور الملوّن بشكل مختلف وتفصل بينها طبقات رفيعة من حاجز عازل. بتغيير تسارع شعاع الإلكترونات، سيخترق الشعاع إحدى مناطق الفوسفور الثلاث فقط، فينشّط الفوسفور الملوّن بشكل ملائم هناك. كانت حسنة هذا أنه خفّض العنقود الثلاثي الفوسفورات إلى بقعة واحدة وجنَّب استعمال قناع حجب، وكلاهما قيّدا المصمّمين عن استعمال فوسفور أصغر، وبالتالي جعلا دقة صورة الشاشة محدودة. من الستينات إلى الثمانينات، تم استعمال أنابيب أشعة الكاثود المرتفعة الدقة المرتكزة على البينيترون في الطائرات والرادارات الأرضية.تم تطوير تشكيلة كبيرة من أنابيب أشعة الكاثود الأخرى للتلفزيون الملوّن خلال هذا الوقت أيضاً، كالأنبوب Zebra من شركة سيلفانيا الذي طوّرته لأول مرة في العام 1962، والأنبوب 25AP22 من الشركة RCA والذي كان أول أنبوب أشعة كاثود مستطيل ناجح تجارياً للتلفزيون الملوّن. كان للأنبوب 25AP22 شاشةٌ كبيرة 25 بوصة ومسطّحة نسبياً وتعطي تباين ألوان أعلى من أنابيب أشعة الكاثود للتلفزيون الملوّن السابق بسبب درع إلكترونات برقائق الألومنيوم موضوع بين حافة قناع الحجب ومدفع الإلكترونات. هذا يمنع الإلكترونات التائهة من بلوغ الشاشة ومن تخفيض نوعية الصورة. ألحقت الشركة RCA الأنبوب 25AP22 بسلسلة نماذج محسّنة، وبحلول العام 1965 كان كل الصانعين الأميركيين الرئيسيين لأنابيب أشعة الكاثود يُنتجون أنابيب أشعة كاثود مستطيلة للتلفزيون الملوّن. أحد أنابيب أشعة الكاثود الملوّنة المطوَّر خلال هذه الفترة الذي يستحق لفتةً خاصةً هو الترينيترون من شركة سوني، والذي تم تقديمه لأول مرة في العام 1968. يستعمل الترينيترون مدفع إلكترونات واحد لإنتاج ثلاثة أشعة إلكترونات. تمرّر كل الأشعة الثلاثة من خلال عدسة تركيز مشتركة، حيث تقوم بعدها مجموعة من إلكترودات التقارب الالكتروستاتي بجمعها سوية في شعاع واحد يضرب الشاشة. استعملت معظم الأنابيب الملوّنة الأخرى ثلاثة أشعة منفصلة كان عليها أن "تتقارب" على البقعة الصحيحة على الجهة الخلفية للشاشة من أجل إنارة الفوسفور الملائم. وقد أدّى دمج الأشعة الثلاثة في شعاع واحد إلى جعل تعديل التقارب وبقية العمليات الضرورية أسهل إلى حد بعيد مما كانت عليه مع أنابيب قناع الحجب التقليدية، وبالتالي كانت نوعية الصورة أفضل ومدة التصنيع والصيانة أقل بكثير. كانت أوائل الترينيترون عبارة عن أنابيب مستطيلة حجمها 12 بوصة، لكن تم تصنيع نماذج أكبر بسرعة. بالإضافة إلى أنابيب أشعة الكاثود للتلفزيون الملوّن، تم اعتماد الترينيترون بشكل واسع أيضاً للاستعمال في شاشات الكمبيوتر المرتفعة الدقة وفي مراكز مراقبة حركة الملاحة الجوية. وقد أصبحت شعبية جداً بسرعة لدرجة أنها بدأت تُخرِج الصانعين الأميركيين من قطاع تصنيع أنابيب أشعة الكاثود للتلفزيون. [image file=image-579.jpg] أنبوب أشعة الكاثود (CRT) من النوع الذي استُعمل يوماً ما في راسمات الذبذبات. يتم تسريع الإلكترونات المنبعثة من الشمس نحو الهدف المغطى بالفوسفور. يتم التحكم بالشعاع من خلال تغيير الحقل الكهربائي الذي تولّده صفائح الانحراف.اشتملت الابتكارات المهمة الأخرى لأنبوب أشعة الكاثود خلال الستينات تطوير الغلافات الفخارية، وحلّ مشكلة استمرار أثر الفوسفور في تكنولوجيا أنبوب الرادار، وتطوير الأنابيب المسطّحة وخطوط الشبكة الداخلية للاستعمال في راسمات الذبذبات. كانت الأنابيب المسطّحة وخطوط الشبكة الداخلية لراسمات الذبذبات مهمة لأنها أتاحت تحقيق قياسات دقيقة أكثر مباشرة من الشاشة، وهذا كان شيئاً صعباً باستعمال تكنولوجيا أنبوب أشعة الكاثود المنحني القديمة.تطوّرات الجوامدرغم التطوّرات في تكنولوجيا الأنبوب، بدأت أجهزة الجوامد تشقّ طريقها إلى حقل التصوير والعرض خلال الستينات. في مجال التصوير، كانت أجهزة الجوامد الأوليّة هذه ترتكز على الاكتشاف البسيط للضوء وليس على العملية المعقّدة أكثر بإلتقاط صور كاملة. وأدّت الأبحاث في تكنولوجيات الكاشف الضوئي لأهداف الاتصالات عن بُعد إلى تطوير أولى الدايودات الضوئية العمليّة في الجزء الأول من العقد. طوَّر ر. ب. ريزس وآخرون في مختبرات بَل دايودات ضوئية سريعة النتائج في العام 1962، والتي كانت موجَّهة بوضوح نحو الاستعمالات الممكنة في اكتشاف أشعة ضوء الليزر المتغيّرة بسرعة، ثم تم التفكير بها لأهداف الاتصالات. تم تطوير عدد كبير من الدايودات الضوئية المصنوعة من السيليكون والجرمانيوم خلال السنوات القليلة المقبلة.بالإضافة إلى الدايودات الضوئية والترانزستورات الضوئية التي تم تطويرها لأهداف اكتشاف الضوء البسيطة تلك، بدأ العمل في الستينات على ما كان في الأساس بدائل من الجوامد لأنابيب كاميرا التلفزيون التقليدية. في العام 1967، طوَّر يوجين غوردون وزملاؤه في مختبرات بَل جهاز أنبوب مفرَّغ/جوامد هجيناً كان جهاز استشعار الصورة فيه عبارة عن مصفوفة من نصف مليون دايود ضوئي سيليكونيّ مسطَّح صغير جداً موضوعة على رقاقة قطرها حوالي 1.9 سم. كانت الخصائص الكهربائية لعناصر هذه المصفوفة تتغيَّر عندما تصيبها الفوتونات فتصبح، إلى حد ما، كبطاريات مفرَّغة. ثم يمرّ شعاع إلكترونات ماسح فوق كل دايود بشكل متسلسل، ويمكن قياس إلكترونياً (إلكترونياً قياس) كمية التيار الذي يحتاج إليه كل عنصر لاسترداد "شحنة" كاملة لتوليد إشارة الفيديو. رغم حساسيته، كان عمله لا يزال يتطلّب غلافاً زجاجياً ضخماً، مما حدّ فائدته العملانية بعض الشيء. لكنه كان ملائماً جداً للاستخدام المخصّص له، والذي كان نظام الهاتف المجهّز بكاميرا المنحوس، وهو أول محاولة في مجال التراسل الهاتفي الفيديويّ الثنائي الاتجاه.الدايود الباعث للضوءشهد العام 1962 الإعلان المتزامن تقريباً من عدة مجموعات أبحاث مختلفة عن أجهزة أشباه موصِّلات تستطيع بعث ضوءٍ. قدَّم باحثون من شركة RCA ومن مختبرات لينكولن في جامعة MIT (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا) وثائق تكنولوجية عن هذا الموضوع حفّزت اهتماماً كبيراً بين العلماء، وأحدهم كان نيك هولونياك من جنرال إلكتريك. سارَع هولونياك، في منافسةٍ مع روبرت ريديكر من مختبرات لينكولن ومارشال نايثن من IBM وحتى مع زميله روبرت هول من جنرال إلكتريك، إلى تطوير ليزر شبه الموصِّل. فاز هول في ذلك السباق، واستعرض فريق هولونياك ليزره بعد مدة قصيرة. لكنهم اكتشفوا في سياق ذلك نوعاً آخر من الأجهزة هو دايود يبعث ضوءاً ساطعاً لكن "غير متماسك". أي أنه كان أشبه بلمبة شبه موصِّل أكثر مما هو ليزر.تم تصنيع هذا الدايود الباعث للضوء (أو LED)، الذي أُعلن عنه في العام 1962، من مادة مختلفة عن زرنيخيد الغاليوم المستعملة في الليزرات الأولى. كانت مزيجاً مصنوعاً من زرنيخيد الغاليوم والفوسفور (أو ما يسمى GaAsP). رغم أن سعر أولى الدايودات الباعثة للضوء التجارية المصنوعة من الـ GaAsP من قِبل شركة جنرال إلكتريك كان $260 وبالتالي لم تكن منافِسة من حيث الكلفة مع المصابيح العادية، إلا أن الأجهزة GaAsP ستصبح مهمة جداً تجارياً في السنوات اللاحقة. ومع انتقال هولونياك إلى جامعة إيلينوي، استأنفت شركة مونسانتو، وهي كانت مورّداً لرقائق زرنيخيد الغاليوم، أجزاءً من عمله. إحدى نواحي التقدّم المهمة كانت في فعالية التحويل. فانطلاقاً من أعمال هولونياك، اكتشف الباحثون في مختبرات مونسانتو أن إشابة النتروجين تحسّن بشكل كبير فعالية الدايودات الباعثة للضوء الحمراء. في نهاية العقد، حصلت تطوّرات كافية في هذا المجال للسماح لدايفد توماس في مختبرات بَل من إنتاج دايودات باعثة للضوء مصنوعة من فوسفيد الغاليوم (أو GaP) تستطيع أن تبعث ضوءاً أخضر. بعد انتقال هولونياك إلى جامعة إيلينوي، طوَّر تلميذه م. جورج كرافورد دايوداً باعثاً للضوء أصفر في العام 1970. كان هناك تطوّر مهم آخر هو تقنية س. ج. باسّ وب. إ. أوليفر لتنمية طبقات تحتية كبيرة مساحة فريدة البلّور. كانت هذه خطوةٌ كبيرةٌ نحو جعل إنتاج الدايودات الباعثة للضوء قابلاً للتطبيق تجارياً من خلال إنتاج وصلات فعّالة في بلّورات كبيرة. تم الإعلان أيضاً عن الدايودات الباعثة للضوء العضوية (أو OLEDs) في أوائل الستينات. كانت الدايودات الباعثة للضوء العضوية أقل كلفة وأخف وزناً وهشّة أقل من الدايودات الباعثة للضوء المصنوعة من مواد غير عضوية، لكنها كانت تعاني أيضاً من مشاكل في الفعالية المنخفضة وكثافة الضوء المنخفضة. بالنتيجة، لن يتم إدراك فائدتها لسنوات عديدة.رغم أن تلك الدايودات الباعثة للضوء الأولى قدَّمت عدة ميزات مرغوبة بالمقارنة مع تكنولوجيات العرض الأخرى المتوفرة وقتها، من بينها الوثوقية، المتانة، التباين العالي، وقابلية العمل المتبادل السهلة مع الدارات المتكاملة، إلا أن فائدتها في الاستخدامات التجارية كانت محدودة نوعاً ما في البدء بسبب كلفتها وحجمها الصغير ومَيلها نحو ازعاج عيون الناظر. بالنتيجة، ستمرّ سنوات عديدة قبل أن تصبح الدايودات الباعثة للضوء شائعة الاستعمال.البلّورات السائلةهناك ناحية تطوير أخرى خلال الستينات ستكون لها نتائج مستقبلية مهمة على تكنولوجيات العرض هي في حقل البلّورات السائلة. تم اكتشاف البلّورات السائلة لأول مرة في العام 1889 من قِبل عالم النبات النمساوي فريدريخ راينتزر والفيزيائي أوتّو ليمان. لقد وجدا أن بعض المركَّبات العضوية، بالأخص تلك التي لها بُنيات جزيئية قضيبيّة الشكل، تشكّل حالةً بلّورية وسائلة في آن عند بعض درجات الحرارة؛ لكن هذا البلّور السائل يتغيّر عند درجات حرارة أعلى إلى سائل عادي. هذه الظاهرة لفتت انتباهاً متفرّقاً بين الباحثين خلال الأربعينات والخمسينات، لكن البلّورات السائلة كانت تُعتبر عادة ناحية أبحاثٍ ذات قيمة عملانية صغيرة أو أهمية تكنولوجية بسيطة في منتصف الستينات. في العام 1967، مثلاً، كان يستطيع الباحثون أن يكتبوا بثقة أنه "بينما البلّورات السائلة غير شائعة وبلا أهمية عملانية إلا أنها مهمة للضوء الذي تسلّطه على النزاع بين النظام والفوضى" (مُقتبس في غراي 1998، 6).نال أولئك الذين كانوا مهتمين بالاستخدامات العملانية المحتملة للعرض بالبلّور السائل (LCD) استجابةً أقل من حماسية لعملهم من مجتمع الهندسة. تذكّر أحد الروّاد في أبحاث البلّور السائل، جورج و. غراي، لاحقاً أنه "في السنوات 1960 إلى 1968، كان من ... الصعب جذب دعم لأبحاثٍ عاديةٍ كالبلّورات السائلة، التي كانت تُعتبر على ما يبدو بلا أهمية أو قيمة تكنولوجية" (غراي 1998، 6). لكن في العام 1960، استعرض ريتشارد ويليامز من شركة RCA نموذجاً أولياً لجهاز عرض بالبلّور السائل (liquid crystal display أو LCD)، وفي العام 1964 استعرض جورج هايلماير نسخةً محسّنةً عن الجهاز في مركز دايفد سارنوف التابع لشركة RCA في نيوجرسي، مستعملاً ما سمّته شركة RCA تكنولوجيا "صيغة البعثرة الديناميكية" (dynamic scattering mode أو DSM). بعد سنتين، نظَّم غلنّ براون المؤتمر الدولي الأول للبلّور السائل في جامعة كَنت الحكومية. ساعد هذا على تنظيم العدد الصغير للباحثين المهتمين بالبلّورات السائلة، مزوّداً شبكةً لتبادل المعلومات ومحفّزاً الاهتمام بالموضوع. وأدّى مؤتمر ثانٍ في العام 1968 إلى زيادة الاهتمام، وفي العام 1970 بدأ السعي وراء تحقيق استخدامات عملانية للبلّورات السائلة من قِبل عدد كبير من الباحثين، مع بدء تشكيلة متنوعة من الشركات تُبدي اهتمامها بالموضوع. استمرت شركة RCA في لعب دور ريادي في أبحاث العرض بالبلّور السائل خلال نهاية الستينات.استخدَمت تكنولوجيا صيغة البعثرة الديناميكية قدرة جزيئات البلّور السائل على بعثرة الضوء لإظهار الأحرف والأرقام الأساسية. يوضَع فيلم رفيع من مادة البلّور السائل بين طبقتَي مواد جامدة، وتكون الطبقة العليا شفافة والطبقة السفلى ذات سطح عاكس. وتتلامس إلكترودات شفافة موصِّلة للكهرباء بين الأوراق مع طبقة رفيعة من مادة البلّور السائل. يمكن تطبيق فولطية على إلكترود واحد أو أكثر من الإلكترودات لتنشيط منطقة من مادة البلّور السائل. في الحالة غير المنشَّطة، سيكون الضوء المحيط غير قادر على المرور بالبلّور السائل، وبالنتيجة سيظهر داكناً. لكن عند تطبيق حقل كهربائي على البلّور، تتحاذى الجزيئات بشكل متعامد مع الحقل، مما يسبّب حالةً من الاضطراب. هذا الاضطراب، بدوره، يبعثر الضوء المحيط بسبب التنويع الفضائي في قرينة انكسار الضوء. لذا تظهر المناطق غير المنشّطة داكنة، بينما المناطق المنشّطة تبعثر الضوء نحو الناظر وعلى سطح المرآة وتظهر ساطعة، مما يمكّن من تصنيع أجهزة عرض أبجدي رقمي بسيطة. تتطلب هذه العملية طاقة قليلة جداً لأن العرض بالبلّور السائل يعدّل الضوء المحيط بدلاً من توليده ضوءاً خاصاً به، مثلما يفعل الدايود الباعث للضوء. بالنتيجة، قدَّمت البلّورات السائلة أملاً بتكنولوجيا عرض قابلة للاستعمال في الحالات ذات مصادر الطاقة المنخفضة جداً. لكن إحدى السيئات المهمة لتكنولوجيا صيغة البعثرة الديناميكية هي السطح المرآوي الذي تتطلّبه. بما أن الصورة تُرى من خلال الانعكاس على المرآة، يمكن أن يظهر العرض الأبجدي الرقمي باهتاً ويمكن أن يسبّب إجهاداً للبصر.بالنتيجة، لم تكن أجهزة العرض العاملة بصيغة البعثرة الديناميكية سهلة القراءة للأشخاص ولم تصبح شائعة الاستعمال أبداً. بدلاً من ذلك، تم تطوير تشكيلة من صيغ تشغيل أخرى بالبلّور السائل سعت إلى تجنّب هكذا مشاكل، وقد استعملت بلّورات سائلة "خيطيّة" ذات بنيات مفتولة تصبح غير مفتولة عند تطبيق حقل كهربائي. عملية فك الفتل تصدّ الضوء الذي يمرّ عبر التجمّع، مما يجعل تلك البقعة تبدو داكنة. تستطيع مصفوفةٌ من تلك البُقع، كل واحدة منها يعالجها زوج إلكترودات، أن تشكّل تركيبة ضوء وبُقعاً داكنة لتشكيل صورة أكثر تعقيداً، أو يمكن استعمال مصفوفات أبسط لتشكيل الأعداد أو الأحرف. لكن رغم الأمل الكبير الذي قدّمته أجهزة العرض بالبلّور السائل للشركة RCA، إلا أنها لن تصبح التكنولوجيا المسيطرة على السوق. بدلاً من ذلك، ستؤدي صيغ تشغيل جديدة تم تطويرها في السنوات التالية إلى دفع أجهزة العرض بالبلّور السائل إلى لعب دور مركزي في حقل أجهزة العرض.الليزركان الميزر، المناقش سابقاً في هذا الفصل، ثمرة الأبحاث على الموجات الصُغرية، وبالتحديد المسعى لإيجاد أنابيب فعّالة وقوية لتوليد أو لتضخيم الأطوال الموجيّة القصيرة للرادار والاتصالات. لم تكن قفزة فكرية كبيرة للتفكير بالذهاب أبعد في الطيف الكهرومغنطيسي إلى النطاق دون الميلليمتر، بهدف إنتاج أشعة تحت الحمراء أو ربما حتى إشعاع بصري. كان إنجاز ذلك مسألةً مختلفةً كلياً. فقد كان بإمكان الميزرات أن تصل فقط إلى نطاق السنتيمتر في أواخر الخمسينات، لذا كان يُفترض بشكل واسع أنه يلزم سنوات عديدة قبل أن يمكن التفكير بالميزرات دون الميلليمتر.رغم هذا، بدأ مخترع الميزر تشارلز تاونز العمل في صيف 1957 على تطوير ميزر سيولّد موجات في نطاق الأشعة تحت الحمراء. أثناء تفكيره بتردّد التذبذب وعلاقته بالمادة "الميزرية"، أدرك تاونز أن الميزر سيتيح في بعض الظروف إنتاج موجات بأطوال موجيّة أصغر بكثير مما كان ممكناً وقتها. صرَّح تاونز لاحقاً "أدركتُ فجأة أنه يمكن تطبيق تقنيات الميزر على المنطقة المرئية بنفس السهولة تماماً وستكون الموجات المرئية في الواقع أسهل على الأرجح من الأشعة تحت الحمراء البعيدة، لأن المعادلات لنظامٍ متذبذبٍ أظهرَت أن الذرّات أو الجزيئات المُثارة ليست ضرورية لمُذبذِب مرئي أكثر مما هي ضرورية لمُذبذِب أشعة تحت الحمراء بعيدة، وكانت الأساليب في النطاق المرئي مطوّرة جيداً من قبل" (مُقتبس في برومبرغ 1991، 67). إدراك تاونز، بمعنى آخر، قدَّم احتمال العمل الميزريّ في النطاق البصري، مما يسمح للباحثين بالقفز فوق نطاق موجة الملليمتر والذهاب مباشرة إلى الضوء المرئي. بدأ تاونز بسرعة إجراء أبحاث مكثّفة على الموضوع، ونشر مع زميله آرثر شاولو وثيقة مهمة في العام 1958 في مجلة Physical Review عن مفهوم "الليزر"، وكلمة laser هي اختصار light amplification by the stimulated emission of electrons (تضخيم الضوء بالانبعاث المحفَّز للإلكترونات). سينال تاونز وشاولو لاحقاً براءة اختراع فكرة الليزر في العام 1960.لكن تاونز لم يكن قد بنى بعد ليزراً يعمل. في السنوات التي تلت فوراً نشر مقالهما في مجلة Physical Review، حاول تاونز استعراض ليزرٍ مصنوعٍ ببخار البوتاسيوم المحفِّز، بينما قرّر شاولو أن يحقّق في المواد الجامدة واختار الياقوت في البدء بسبب خصائصه البصرية الفريدة وتوافره السهل. اقترح الاثنان استعمال مصدر ضوء ساطع "لضخّ" الليزر وتحفيز انبعاث نبضات ضوء قصيرة.انضم إليهما باحثون آخرون تحرّوا عن مواد أخرى، من بينهم علي جوان الذي استعمل تركيبةً من الهليوم والنيون المحفّزة بحقل كهرومغنطيسي بدلاً من مصباح قويّ لإنتاج شعاع متواصل. وكان هناك أيضاً الباحث جون ساندرز الذي بدأ العمل على الهليوم النقي. في الوقت نفسه، بدأ أيضاً طالب سابق لتاونز يدعى غوردون غُولد العمل على إنجاز الليزر. سيدّعي غُولد لاحقاً أنه طوَّر أفكاره بشكل مستقل عن تاونز، وسيدخل الاثنان في نزاع طويل على براءة اختراع الجهاز. بمعنى آخر، كان هناك شبه سباق في أواخر الخمسينات لتطوير الليزر.يوافق أكثرية الناس أن أول ليزر تم استعراضه كان ليزر الياقوت الذي طوّره في العام 1960 ثيودور هـ. مَيمان من مختبرات أبحاث هيوز (HRL). كان مجتمع الأبحاث قد قرّر مجتمعاً في تلك المرحلة أن الياقوت ليس مادةً عمليّةً لأبحاث الليزر. مثلاً، قرّر شاولو أن ليزر الياقوت سيتطلب طاقة كبيرة جداً ليعمل بشكل متواصل وأوقف جهوده في ذلك الاتجاه. بالإضافة إلى ذلك، قدَّم إروين وايدر وثيقة مؤثِّرة في مؤتمر جادل فيها فكرة أن الياقوت سيكون فعّالاً حوالي 1 بالمئة فقط في جهاز الليزر. لكن وفقاً لجورج ف. سميث، مدير مَيمان السابق في شركة هيوز ريسرش، كان مَيمان غير مقتنع بكل بساطة عما كُتب عن ملاءَمة الياقوت المحدودة لصنع الليزر. رفَضَ الأسلوب التقليدي، الذي ركَّز على استعمال الغازات، ذاكراً أن العمل معها صعبٌ، ويمكن إشابتها بسهولة، وإنها مادة آكلة في أغلب الأحيان. بدت الجوامد واعدة أكثر لمَيمان لأن بإمكانها تحمّل طاقة أكبر وكانت قوية أكثر. كما يمكن تشغيلها ضمن نطاق أعرض من ظروف الحرارة ويمكن استعمالها بشكل معقول لصنع أجهزة حجمها أصغر. في مايو 1960، استعرض مَيمان أول ليزر ياقوت اختباريّ له، وقد بناه من بلّور ياقوت مَشوب بالكروم، وتم ضخّه بواسطة مصباح ومضيّ نبضيّ مرتفع الطاقة، ويعمل في الجزء الأحمر من طيف الضوء عند الطول الموجي 0.6943 ميكرومتر. المدهش أن مَيمان واجَه عقبات كبيرة لينشر اكتشافه، الذي اعتبره محرّرو المجلة المرموقة Physical Review "مجرد وثيقة أخرى عن الميزر". فلجأ بدلاً منهم إلى المجلة الإنكليزية Nature، التي سرّها أن تنشر أول إفشاء عمومي عن الليزر.بعد استعراض ليزر الياقوت، استأنفت تشكيلة كبيرة من الباحثين أبحاث ليزرات الجوامد بسرعة. وتم في العام 1960 استعراض أربعة أنواع مختلفة على الأقل. مثلاً، استعرض علي جوان ود. ر. هيريوت وو. ر. بينيت أول ليزر غازيّ. كان جهاز جوان أيضاً أول ليزر قادر على العمل بشكل متواصل. لقد عمل عند الطول الموجي 1.15 ميكرومتر، ولفت انتباه الباحثين الآخرين بشكل كبير. وسرعان ما تم تأكيد أن العديد من المواد المختلفة، حتى الأورانيوم، ملائمة لصنع الليزر. في العام 1961، بنى الباحثون في مختبرات بَل ليزراً من مادة النيوديميوم جمَعَ تصميم الجوامد مع ميزة العمل عند حرارة الغرفة؛ وتم بعد سنة استعراض أول ليزر جوامد يعمل بشكل متواصل، والذي استعمل مادة غامضة تُعرَف بـ شيليت النيوديميوم (CaWO4:ND) من أجل صنع الليزر. لكن بعد ليزر الياقوت، أهم ليزر جوامد تم تطويره خلال الستينات كان الليزر ND:YAG (إتريوم النيوديميوم-غارنت الألومنيوم) الذي اخترعه ج. إ. غوسيك وهـ. م. ماركوس ول. ج. فان ويترت في العام 1964 في مختبرات بَل. كان يبعث طاقة متواصلة تصل إلى عدة مئات الواطات عند الطول الموجي 1.06 ميكرومتر. كان هذا النوع من الليزر نقطة الانطلاق للأبحاث اللاحقة عن ليزرات شبه الموصِّل، وكانت له أيضاً عدة استخدامات تجارية مهمة. أحد الأخلاف (جمع خَلَف) المهمة لليزر YAG، مثلاً، كان ليزر "YAG الأبجدية" من العام 1966، المسمى هكذا بسبب العدد الكبير من عناصر الإشابة المضافة إلى بلّور الإتريوم-الألومنيوم. [image "Description: images\electronics_Page_095_Image_0001.tif" file=image-603.jpg] ثيودور مَيمان أمام ليزر أوليّ، 1960. © Bettmann/CORBIS.استمر تطوير الليزرات الغازيّة خلال هذا الوقت أيضاً. في العام 1962، مثلاً، استعرض آلان د. وايت وج. داين ريغدن في مختبرات بَل أول ليزر هليوم النيون يعمل باستمرار. في العام 1964، طوَّر كومار باتل، من مختبرات بَل أيضاً، ليزر ثاني أكسيد الكربون (CO2). كان ليزر ثاني أكسيد الكربون أول ليزر عملاني قادر [image "Description: images\electronics_Page_096_Image_0001.tif" file=image-608.jpg] علي جوان وويليام ر. بينيت جونيور ودونالد ر. هيريوت من مختبرات بَل يعدّلون ليزر هليوم النيون، 1961 (بإذن من لوسنت تكنولوجيز إنك).على الطاقة المرتفعة وعلى العمل بشكل متواصل. وأجرى آخرون، مثل إيرل بَل وأرنولد بلوُم من شركة سبيكترا فيزيكس، اختبارات على ليزرات أيونات الزئبق. ساهمت أعمال ويليام بريدجز على ليزرات أيونات الغاز النادر أيضاً في توليد حماسة كبيرة في هذا المجال، وأدّت إلى ليزرات أيونات الكريبتون والزينون والنيون في سنوات قليلة فقط. أهم ليزر بين ليزرات الأيون تلك كان على الأرجح ليزر أيون الأرغون، الذي اكتشفه بريدجز عن غير قصد في العام 1964. كان ليزر أيون الأرغون اكتشافاً رئيسياً لأنه أعطى الأمل بحصول زيادة كبيرة في مستويات إخراج الطاقة. في أكتوبر 1964، حصل الباحثون في ريثيون على إخراج قوته 4 واط باستعمال أيونات الأرغون، وهذا كان زيادةً بحوالي 1,000 بالمقارنة مع الليزرات الغازيّة السابقة. حقّق علماء ريثيون إخراجاً قوته 8 واط في يناير من السنة التالية. وقد اشتمل التقدّم الإضافي في الستينات على العمل الرائد في الليزرات الكيميائية من قِبل ج. ف. كاسبر وجورج س. بايمنتل في جامعة كاليفورنيا، وعلى تطوير الليزرات الصبغية (أو ليزرات الصباغ) من قِبل بيتر سوروكين وجون لانكارد. في الليزر الكيميائي، يحدث ضخّ الليزر من خلال عملية كيميائية وليس من خلال قصف الفوتونات. في الليزرات الصبغية، تغيير تركيز الأصبغة في سائل صنع الليزر يتيح توليف تردّد الإخراج الضوئيّ. في أوائل السبعينات، انضم ليزر الإكسيمر (excimer، من excited dimer ومعناها ثنائي وحدات مُثار، وهو نوع خاص من الجزيئات) وليزر الأشعة السينية وليزر الإلكترونات الحرة إلى تلك الأنواع من الليزرات.ليزرات أشباه الموصِّلاتهناك ناحية مهمة أخرى في الأبحاث كانت في حقل ليزرات أشباه الموصِّلات (أو ليزرات الدايودات). يمكن اعتبار ليزرات الدايودات كنوع من الأجهزة يجمع بعض خصائص ليزر غازيّ أو ليزر جوامد مع دايود باعث للضوء. جرت بعض الأعمال الرائدة في هذا المجال في مختبرات لينكولن في MIT، حيث شيَّد روبرت ريديكر دايود زرنيخيد غاليوم منتشر يستطيع، مثلما اكتشف الباحث، إطلاق ضوء أشعة تحت الحمراء بمستوى مرتفع من فعالية الطاقة. في أوائل 1960، نال الباحثون اليابانيون ياسوشي واتانابي وجونيشي نيشيزاوا براءة اختراع ميزر شبه موصِّل، وفي 1961 اقترح الباحث السوفياتي باسوف استعمال الوصلات p-n في أشباه موصِّلات "منحلّة" مَشوبة بشدة لأهداف الليزر. ستؤدي الأبحاث على أجهزة زرنيخيد الغاليوم إلى عدة ابتكارات مهمة لم تكن كلها ليزرات. في العام 1962، طوَّر ج. ب. غَنّ ما أصبح يسمّى دايود غَنّ، وهو دايود زرنيخيد غاليوم قادر على التذبذب بتردّدات تصل إلى 90 غيغاهرتز، في نطاق الموجات الصُغرية. بقيت دايودات غَنّ تُنتَج بكميات كبيرة في أواخر القرن العشرين لاستعمالها في أشياء كفتح الأبواب تلقائياً. برز استخدام تجاريّ أوليّ آخر لأجهزة زرنيخيد الغاليوم من الأبحاث في IBM على الدايودات الباعثة للأشعة تحت الحمراء. نشر هـ. روبرخت وج. م. وودول وك. كونيرث ود. ج. بوتي نتائج أبحاثهم على تلك الأجهزة، التي توصّلوا إليها بواسطة عملية جديدة تدعى تقيُّل المرحلة السائلة، في العام 1966. كان يتم تصنيع ما يزيد عن 850 مليون من تلك الدايودات سنوياً في منتصف التسعينات لنطاق من الأهداف، بالأخص أجهزة التحكم بالتلفزيون عن بُعد.تبيَّن أن تشييد نماذج عملانية من دايودات شبه الموصِّل الباعثة للضوء أكثر صعوبة، لكن تم تحقيق ذلك بعد وقت قريب. ففي العام 1962، ارتكز روبرت هول في جنرال إلكتريك على نتائج التجارب المخبرية على انبعاث ضوء شبه الموصِّل من دايودات زرنيخيد الغاليوم التي أجرتها مختبرات لينكولن وبدأ يُجري بنفسه أبحاثاً على انبعاث ضوء شبه الموصِّل. طوَّر هول ليزر دايود عاملٍ باستعمال زرنيخيد فوسفيد الغاليوم في ديسمبر 1962، والذي كان قادراً على إطلاق ضوء مرئي. كان الجهاز عبارة عن دايود زرنيخيد غاليوم ذا تشييد عادي، رغم أن أطرافه كانت مصقولة لتشكيل تجويف رنّان ذي حالة من الجوامد لإنشاء عمل الليزر. يُنسَب الفضل عادة لتصميم هول لليزر شبه الموصِّل بأنه أصبح الأكثر تأثيراً في هذا المجال، وهناك أجهزة مشابهة تُستعمل اليوم في أجهزة تشغيل الأقراص الرقمية (DVDs) والعديد من الأنظمة الأخرى.كان الآخرون يعملون على مشاريع مشابهة في الوقت نفسه. مثلاً، أعلنت أيضاً مجموعة في IBM بقيادة مارشال ي. نايثن عن استعراض ليزر دايود في نفس السنة التي استعرض فيها هول جهازه، بينما شيَّد ر. ج. كييس وت. م. كويست في مختبرات لينكولن ونيك هولونياك في جنرال إلكتريك ليزرات أشباه موصِّلات بشكل مستقل في الوقت نفسه تقريباً. ولَّدت ليزرات أشباه الموصِّلات (أو ليزرات الدايودات) حماسة كبيرة بسبب حجمها الصغير جداً - كانت بحجم حبة رمل تقريباً - وفعاليتها المرتفعة، وقد بُذلت جهود كبيرة في السنوات القليلة اللاحقة لتحسين تكنولوجيا ليزر الدايود. ركَّزت الأبحاث على الأجهزة المصنوعة من المركّب الكيميائي GaAs وسبائكه، بالأخص GaAsP، لكن المشاكل التكنولوجية الكبيرة كبحَت حماسة الجميع بسرعة. بعض تلك المشاكل هي الحاجة إلى انسياب تيار مرتفع في الأجهزة مما أدّى إلى سخونة زائدة، والمصاعب الموازية في تصميم جهاز يمكنه تبديد السخونة بفعالية. كانت ليزرات أشباه الموصِّلات الأولى تبقى عاملة لفترات غريبة وكانت تتميّز بفعالية منخفضة في تحويل الطاقة. في العام 1968، تغلّب الباحثون في شركة RCA على تلك المشاكل بتطويرهم ليزر الدايود الفردي ذي الوصلة المتباينة، وهو ليزر جوامد متعدد الطبقات مصنوع بتوزيع على طبقات أفلامٍ رفيعةٍ من مادة شبه موصِّلة ذات طاقات فجوة حزام مختلفة. كان ليزر شركة RCA مصنوعاً من GaAs وزرنيخيد غاليوم الألومنيوم (AlGaAs)، والتي لا تزال المواد الأكثر استعمالاً لصنع ليزرات الدايودات خلال نهاية القرن العشرين. في العام 1970، حقّق زوو هاياشي ومورتون ب. بانيش وس. سومسكي وب. و. فوي اكتشافاً كبيراً بتطويرهم ليزر دايود مزدوج البنية المتباينة ذي فعالية أعلى يعمل بتيار أدنى بكثير وعند نطاق درجات حرارة أعرض من بقية ليزرات الدايودات في ذلك الوقت. في العام 1973، كانت ليزرات الدايودات بدأت بإيجاد استخدامات مرتبطة بالتشفير الحراري ومصابيح الأشعة تحت الحمراء والاتصالات البصرية.هناك دلالة صغيرة على الاهتمام القوي بالليزرات بين الباحثين خلال الستينات هي عدد الوثائق المتعلقة بالليزر المقتبسة في مجلة Physical Abstracts خلال تلك الفترة. كانت هناك 20 وثيقة في العام 1961؛ و120 وثيقة في العام 1962؛ و270 وثيقة في العام 1963. لكن في أواخر الستينات، كان يتم نشر 1,000 وثيقة على الأقل كل سنة. لكن رغم الكمية الكبيرة للأبحاث وسرعة الابتكار السريعة، كانت الاستخدامات التجارية لليزر بطيئة الظهور؛ كان الليزر، في الواقع، يوصف أحياناً بأنه اختراع يبحث عن استخدام. حتى ليزرات الجوامد المشوّقة من جنرال إلكتريك في أوائل الستينات كانت غير جذابة تجارياً، ويعود ذلك جزئياً إلى أن سعر الواحد منها كان $2,600، وبعض أسباب ذلك هو عدم قدرتها على العمل باستمرار عند حرارة الغرفة (فلو استطاعت ذلك لأصبحت ملائمة أكثر للاتصالات أو الاستخدامات الأخرى). لم يكن بإمكانها ببساطة أن تنافس التكنولوجيات الموجودة في الاستخدامات التجارية. في الواقع، انسحبت جنرال إلكتريك من قطاع الليزر بعد ذلك بقليل. بقيت الاستخدامات العسكرية أهم سوق خلال الستينات: مثلاً، استعمل روبرت و. إلزوورث ور. ج. ماك كلانغ من شركة هيوز ليزرات الياقوت ليخترعا التبديل Q، الذي أدّى إلى تطوير ليزر قياس المسافات الذي يمكن استعماله في الدبابات وأنظمة الأسلحة الأخرى.لكن حتى من البداية، كان الليزر يُشبَّه بـ "مدافع الأشعة" من أفلام الخيال العلمي، وكان هذا هو المستقبل بالنسبة للبعض. في العام 1962، تكهّن الجنرال في الجيش الأميركي كورتس ليماي بأن الليزر سيُستعمل كسلاح مضاد للصواريخ. صرف الخبراء النظر عن هذه الفكرة في ذلك الوقت، لكن الجيش الأميركي استمر بتمويل الأبحاث على نُسخ مرتفعة الطاقة لليزرات ثاني أكسيد الكربون خلال أواخر الستينات. وتم تحقيق مستويات طاقة تصل إلى 60 كيلوواط، لكن تم التخلّي عاجلاً أم آجلاً عن معظم مشاريع أسلحة الليزر، بالاستثناء الملحوظ لبرنامج رونالد ريغن "حرب النجوم" لاحقاً في الثمانينات، بسبب المصاعب التكنولوجية.4 - سنوات القمةالأجهزة الإلكترونية في الأوقات الانتقاليةكانت الفترة من أواخر الستينات حتى أوائل الثمانينات فترة انتقالية في حقل الأجهزة الإلكترونية. في سجلات الإنجاز التكنولوجيّ ليست واضحة دائماً حقيقة أن هذه الفترة كانت صعبة في حياة العديد من المهندسين الكهربائيين في أوروبا والولايات المتحدة. شاعت مشاكل التوظيف مع انتقال إنتاج العديد من أنواع أشباه الموصِّلات والأنابيب إلى آسيا. وبالنتيجة، تراجعت بشكل كبير هيمنة الصانعين الأميركيين في سوق أشباه الموصِّلات العالمية. انجرح كبرياء الهندسة بعد ازدياد هيمنة البضائع الأجنبية على أسواق الإلكترونيات الاستهلاكية الأميركية والأوروبية. في الوقت نفسه، واجهت الولايات المتحدة ركوداً كبيراً عُزي سببه إلى النفقات العسكرية خلال حرب فييتنام وإلى أزمة الطاقة في أوائل السبعينات. شكّل تحسّن العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، إلى جانب عوامل أخرى، خبراً جيداً للسلام العالمي لكن خبراً سيئاً للهندسة الكهربائية، لأنه عندما اجتمع التخفيض الحكومي في الإنفاق مع الركود الاقتصادي، كانت النتيجة ارتفاع معدلات البطالة. وفقاً لأحد التقديرات، كان عدد المهندسين الكهربائيين العاطلين عن العمل في بوسطن لوحدها حوالي 5,000 خلال الأوقات الصعبة في أوائل السبعينات.تأتي الفرصة أحياناً مع هذه المحنة. فقد ساهمت أزمة النفط العربي في أوائل السبعينات في ارتفاع الدعم الشعبي لزيادة الأبحاث نحو تطوير مصادر بديلة للطاقة. صُرفت ملايين الدولارات لتحسين الخلايا الشمسية، التي كانت قد شهدت انتباهاً طفيفاً منذ أوائل الستينات. في الولايات المتحدة لوحدها، التزمت الحكومة الفدرالية بدفع $1.2 مليار لتحسين الأجهزة "الكهروضوئية" بدءاً من العام 1978. لكن من وجهة النظر الأشمل، كان هذا الجهد ضئيلاً بالمقارنة مع العمل الذي تحقّق في حقول الإلكترونيات الصُغرية والليزرات.عالم يتغيّرهناك دلالة صغيرة على ازدياد أهمية الصانعين غير الأميركيين في قطاع الأجهزة الإلكترونية كشفها تحوّل طبيعة أعضاء معهد المهندسين الكهربائيين والإلكترونيين (معهد IEEE). تأسّس هذا المجتمع المهني في الولايات المتحدة وكان يتألف تقريباً كلياً من أعضاء أميركيين حتى الستينات. ارتفع عدد أعضاء المعهد إلى 200,000 في العام 1979، لكن كان 40,000 من أولئك الأعضاء يقيمون في بلدان غير الولايات المتحدة (بشكل رئيسي في أوروبا). لسوء الحظ أن ارتفاع عدد الأعضاء غير الأميركيين، بالإضافة إلى المصاعب الاقتصادية في ذلك الوقت، أثار الشعور الوطني بين العديد من الأعضاء الأميركيين، مما أدّى إلى نشوء مؤسسة جديدة تدعى IEEE-USA، وهي مؤسسة ضغط (صفة معهد IEEE بأنه لا يبغي الربح لم تُتح له أن يضغط مباشرة). سعى معهد IEEE-USA إلى حماية مصالح المهندسين الأميركيين والشركات التي يعملون فيها، وهي مهمة بدت في تناقض مباشر مع الدور المُعلن لمعهد IEEE كمؤسسة دولية.كان هذا التوسّع في عدد الأعضاء غير الأميركيين الدلالة المتأخرة على حصول تحوّلات كبيرة في قطاعات الإلكترونيات والأجهزة الإلكترونية. بدأت الشركات في اليابان، ولاحقاً كوريا وتايوان وسنغافورة، وفي أماكن أخرى، بتصنيع الترانزستورات والدارات المتكاملة، وكان لهذا أحياناً نتائج مدمِّرة على منافساتها في الولايات المتحدة. وتلقّى صانعو الأنابيب الأوروبيون، الذين اضطروا إلى قضاء معظم الخمسينات في محاولة اللحاق بالأميركيين وأصبحوا منافسين جديين لهم في الستينات، ضربة قوية مماثلة تماماً من الاستيراد الآسيوي. كانت بعض الشركات الآسيوية الجديدة محلية، لكن تم إنشاء بعضها من قِبل (أو بمساعدة من) شركات مؤسَّسة في الولايات المتحدة تسعى إلى تخفيض تكاليف الإنتاج. رغم أن عامة الناس لم يُدركوا حصول هذا الانتقال في القطاع إلى أن أصبحت مسألة إنتاج ذاكرة الكمبيوتر مسألة وطنية في الثمانينات، إلا أنه تم إخراج الشركات الأميركية والأوروبية تدريجياً من قطاع إنتاج السلع كالترانزستورات العادية خلال السبعينات.رغم أنه من الصعب توثيق هذه النزعة، إلا أنه يمكن اعتبار السبعينات أيضاً فترةً انتقاليةً في أبحاث الأجهزة. فقد تم اختراع العديد من الأجهزة الجديدة، من بينها عدة أجهزة مهمة جداً كليزر الإلكترونات الحرة والمعالج الصُغري، لكن لم يبدُ عدد الاكتشافات كبيراً مثلما كان في العقدَين السابقين. حصل انتقال تكنولوجيّ كبير من شركة إلى أخرى ومن دولة إلى أخرى، لكن بدا أن كمية الأفكار التي خرجت من المختبرات كانت أقل. كانت مؤسسات الأبحاث كمختبرات بَل مثلاً لا تزال إنتاجية جداً، لكنها بالمقارنة مع الماضي كانت في سنوات أُفولها أيضاً. ستتأثر بعض المؤسسات، كمركز أبحاث سارنوف التابع لشركة RCA، سلباً بالتغييرات الإدارية التي شدَّدت على الأبحاث التطبيقية وليس على الأبحاث الأساسية. بالإجمال، ومع استثناءات مهمة جداً، كان العام 1970 على الأرجح بداية فترة جاءت فيها أهم الاكتشافات في مجالات تطوير وتصنيع المنتجات، وليس في مجال اختراع تكنولوجيات جديدة كلياً.أجهزة SAW (الموجات السمعية السطحية)رغم ذلك، كان عالم إلكترونيات أشباه الموصِّلات يتوسّع إلى حدود أبعد من الترانزستورات والدايودات ورقائق الكمبيوتر. بعض تلك الاستخدامات الجديدة تستحق الذكر، لكنها متميزة لدرجة أنه من الصعب شملها في الرواية الشاملة. إحدى تلك الفئات من الأجهزة الإلكترونية، المشابهة مادياً للدارة المتكاملة لكن المختلفة عنها وظائفياً، هي التي تسمى جهاز الموجة السمعية السطحية (surface acoustic wave أو SAW). استكشَف لورد ريليه فيزياء انتشار الموجات الميكانيكية من خلال وسط جامد في وثيقة تعود للعام 1885 عن النشاط الزلزالي على كوكب الأرض. بعد فترة طويلة، تحقَّق مهندسو الإلكترونيات من فكرة استعمال الموجات السمعية المسافرة عبر الجوامد كطريقة للتلاعب بإشارات الرادار. اكتشف باحثو الرادار أن راداراتهم تعمل بشكل أفضل إذا طوَّلوا نبضة الرادار الصادرة. لكن هذا تطلّب أن يؤخّر المستقبِل النبضة المنعكسة الواردة. لتحقيق التأخير، استعملوا مبدِّلاً كهربائياً انضغاطياً، وهو مادة بلّور معدني يهتز عندما يتعرّض لحقل كهربائي أو يولّد حقلاً كهربائياً عندما يتعرّض للاهتزاز. بوجود مبدِّلٍ يرسل اهتزازات عبر الوسط، يستقبلها المبدِّلٍ الآخر ويعيد تحويلها إلى إشارات كهربائية بعد تأخير بسيط. بتصميم الوسط بعناية وإعطائه شكلاً معيّناً، تم تأخير "شرحات" مختلفة من الإشارة بمقادير مختلفة، وقد أدت عندما أُعيد تجميعها إلى إشارة كاملة لكن "مضغوطة". أجرى جون هـ. رووين وإرهارد ك. سيتيغ وريتشارد م. وايت وآخرون بعض الأعمال الأساسية في السنوات قبل 1962.حتى السبعينات، كانت كل أجهزة الموجات السمعية السطحية تقريباً تُستعمل لهكذا استخدامات ضاغطة للنبضة. أدّت الدراسات اللاحقة لانتشار الموجة إلى اكتشاف عدة مواد مختلفة ملائمة للاستعمال في أجهزة الموجات السمعية السطحية الإلكترونية، كنيوبات الليثيوم مثلاً. في الوقت نفسه، بدأ المهندسون بتطوير مصافي جديدة لضغط النبضات، ومصافي تمرير النطاق، ومُذبذِبات، وأجهزة أخرى تستعمل تكنولوجيا الموجات السمعية السطحية. وكان النجاح الكبير على صعيد تسويق أجهزة الموجات السمعية السطحية ناتجاً عن عمل روبرت أدلر من شركة زينيث، الذي طوّر فريقه أجهزة موجات سمعية سطحية للاستعمال كمصافي للتردّد المتوسط (IF) في مستقبِلات التلفزيون. كانت الأنواع السابقة لمصافي التردّد المتوسط للتلفزيون ترتكز على أنبوب مفرَّغ والدارات الكهربائية المرتبطة، لكن مصافي التردّد المتوسط الجديدة كانت صغيرة جداً، وإنتاجها رخيص، ولم تتطلب أي تعديلات في المَصنع. يمكن تصنيعها بكميات كبيرة باستعمال الطباعة الحجرية الضوئية وبقية أساليب الدارة المتكاملة، ووضعها داخل حزمات بلاستيكية رخيصة. بالنتيجة، أصبحت بوقت قصير مكوّناً قياسياً في التلفزيونات. بدأت مصافي الموجات السمعية السطحية تُستعمل أيضاً في معدات الاتصالات الأخرى خلال السبعينات، كمصافي لمعدات بث التلفزيون والاتصال الراديوي الرقمي. شهدت السبعينات أيضاً جهوداً كبيرة لدمج أجهزة الموجات السمعية السطحية بالدارات المتكاملة، وهذا تطوّر طبيعي إذا أخذنا بعين الاعتبار الكمية الكبيرة للإلكترونيات المساعِدة المطلوبة لاستعمال مكوّنات الموجات السمعية السطحية. لكن بقيت هذه التكنولوجيا غير متوفرة في أشكال عملانية في أواخر التسعينات.تطلّعاً لنهاية القرن العشرين، سيتم إنتاج مئات ملايين أجهزة الموجات السمعية السطحية كل سنة لتُستعمل في مجموعة كبيرة من المعدات، من الرادار والراديو إلى مستقبِلات التلفزيون، مسجّلات أشرطة الفيديو، أجهزة البايجر، والهواتف الخليوية. رغم أن جهاز الموجة السمعية السطحية ليس واسع الشهرة بالمقارنة مع أنسبائه المشهورين كالمعالج الصُغري، إلا أنه أصبح بهدوء أحد أنواع الأجهزة الإلكترونية الأكثر استعمالاً.ذاكرات أشباه الموصِّلاتكان التقدّم التجاري الرئيسي في السبعينات هو ذاكرات أشباه الموصِّلات واختراع المعالج الصُغري. كان هذان الابتكاران جاهزين تقريباً في أواخر الستينات وبدأ يتم إنتاجهما بكميات كبيرة في أوائل السبعينات. أشار الاثنان إلى بداية مرحلة انتقالية في مجال الأجهزة من الأبحاث الشديدة الطموح نحو الاستخدامات التجارية المتواضعة. أصبح الكمبيوتر القابل للبرمجة هو المثال الأساسي للقطاع ككل، ولن تكون مبالغة كبيرة أيضاً أن نشير إلى هذه الفترة كبداية لـ "عصر المعلومات".طوَّر قطاع الإلكترونيات نماذج مختلفة لتخزين الذاكرة المغنطيسي في منتصف الخمسينات، من بينها الشريط المغنطيسي والأسطوانات المغنطيسية. كان هناك اهتمام كبير بوحدات ذاكرة الكمبيوتر المصنوعة من شبكات حلقات صغيرة قابلة للمغنطة تسمى "نوى" (cores). يمكن تخزين "الواحد" أو "الصفر" الثنائي في نواةٍ على هيئة حقل مغنطيسي محاذى في اتجاه أو في آخر. كانت تتم مغنطة أو إزالة مغنطة النوى بواسطة أسلاك ممدودة عبر الفجوة الوسطية للنواة، والتي تتقاطع عند زوايا قائمة. ثم بعدما كان "يُكتب" بتٌ في النواة، كان يُستعمل سلك استشعار لاكتشاف حالة تمغنط النواة. كانت كميات كبيرة من النوى تُنسَج في صفيفة أسلاك تشبه القماش المنسوج لإنشاء وحدة ذاكرة. بناءً على التقدّم السريع في الكمبيوترات من الأنابيب المفرَّغة إلى الدارات المتكاملة في الخمسينات والستينات، يبدو مدهشاً أن هكذا نظام كان يُعتبر نوع الذاكرة الأنسب من حيث الكلفة في أواخر السبعينات، لكن هكذا كان الحال فعلياً. جرت محاولات عديدة في الستينات لاستعمال الترانزستورات (إما أجهزة متفرِّدة أو تلك المصنّعة كدارات متكاملة) لذاكرة الكمبيوتر. أعلن بنيامين أغوستا ور. د. مُور وج. ك. 02:40 م ‎28/‎06/‎202002:40 م ‎28/‎06/‎202002:40 م ‎28/‎06/‎202002:41 م ‎28/‎06/‎202002:41 م ‎28/‎06/‎202002:41 م ‎28/‎06/‎202002:41 م ‎28/‎06/‎202002:41 م ‎28/‎06/‎202002:41 م ‎28/‎06/‎202002:41 م ‎28/‎06/‎202002:41 م ‎28/‎06/‎202002:41 م ‎28/‎06/‎202002:41 م ‎28/‎06/‎202002:41 م ‎28/‎06/‎202002:41 م ‎28/‎06/‎202002:41 م ‎28/‎06/‎202002:41 م ‎28/‎06/‎202002:41 م ‎28/‎06/‎202002:41 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:42 م ‎28/‎06/‎202002:43 م ‎28/‎06/‎202002:43 م ‎28/‎06/‎202002:43 م ‎28/‎06/‎202002:43 م ‎28/‎06/‎202002:43 م ‎28/‎06/‎202002:43 م ‎28/‎06/‎202002:43 م ‎28/‎06/‎202002:43 م ‎28/‎06/‎202002:43 م ‎28/‎06/‎202002:43 م ‎28/‎06/‎202002:43 م ‎28/‎06/‎202002:43 م ‎28/‎06/‎202002:43 م ‎28/‎06/‎202002:43 م ‎28/‎06/‎202002:43 م ‎28/‎06/‎202002:43 م ‎28/‎06/‎202002:43 م ‎28/‎06/‎202002:43 م ‎28/‎06/‎2020تو (Tu) عن هكذا رقاقة، باستعمال ترانزستورات ثنائية القطبية، في العام 1969.لكن مع ظهور تكنولوجيا الدارة المتكاملة MOS في أواخر الستينات وكثافة الدارة الأعلى التي أتاحتها، أصبحت ذاكرة شبه الموصِّل العملانية أمراً عمليّاً لأول مرة. بدأت رقائق ذاكرة شبه الموصِّل الأولى تظهر بعد ظهور تكنولوجيا MOS بفترة قصيرة، وأصبحت متوفرة تجارياً في نهاية العقد. احتاجت إلى عدة سنوات إضافية لتحل محل تكنولوجيا النوى الموطَّدة. إحدى أوائل ذاكرات شبه الموصِّل التي استعملت هذه التكنولوجيا الجديدة كانت رقاقة ذاكرة شبه الموصِّل للقراءة-فقط (الذاكرة ROM). يحتوي هذا النوع من الذاكرة على تعليمات ثابتة والبيانات الأخرى المطلوبة لتشغيل الكمبيوتر، ولأنها لا تحتاج إلى تحديث أبداً، تم تصميمها في الدارات الكهربائية للرقاقة، مما جعلها "تُقرأ فقط". صمّمت شركة فيرتشايلد هكذا رقاقة منذ العام 1967، وكانت تتألف من دارة متكاملة MOS سعتها 64 بت. في السنة التالية، قدَّمت فيلكو-فورد رقاقة ذاكرة ROM سعتها 1,024 بت. تم تطوير الذاكرة العشوائية الوصول (الذاكرة RAM)، وهي النوع المستعمل لتخزين البيانات أو البرامج مؤقتاً، على هيئة MOS بالقرب من نهاية العقد أيضاً، وفي العام 1970 قدَّمت فيرتشايلد رقاقة ذاكرة RAM سعتها 256 بت. في نفس تلك السنة، قدَّم روبرت إ. كيروين ودونالد ل. كلاين وجون س. ساراس من مختبرات بَل طريقة جديدة لصنع ترانزستورات الـ MOS ببوابات ذاتية المحاذاة. أدّى هذا إلى تقليص الحجم الأدنى للترانزستورات أكثر فأكثر وأصبحت إحدى العمليات الأساسية المستعملة في تصنيع رقاقة MOS لسنوات عديدة.ظهر اختلاف أساسي بين نوعين من الذاكرة RAM بشكل فوري تقريباً: الذاكرة RAM الديناميكية (أو DRAM) التي تتطلب ترانزستوراً واحداً فقط لكل بت مخزَّن لكنها تستطيع المحافظة على البيانات لفترة زمنية قصيرة فقط قبل أن تحتاج إلى تجديد، والذاكرة RAM الساكنة (أو SRAM) التي تتطلب ستة ترانزستورات لكل بت لكنها تستطيع تخزين البيانات للمدة التي تريدها. اعتُبرت الذاكرة RAM الديناميكية كالمفتاح للتطويرات المستقبلية، لأنها سمحت بتخزين كميات بيانات أكبر على رقاقة واحدة ولأن تصنيعها كان أيضاً أقل تعقيداً وبالتالي أقل كلفة. ازدادت الحماسة حول رقائق الذاكرة RAM بعد الإعلان عن أنواع جديدة من الأجهزة MOS، كالجهاز MOS العالي الأداء ذي الأخدود العمودي (أو VMOS) الذي اخترعه ت. ج. رودجرز في جامعة ستانفورد في العام 1972.ولَّدت الذاكرات الإلكترونية نوع المشاريع الحرة للجميع التي ميَّزت تصنيع الترانزستور قبل عقدَين تقريباً. في العام 1968، استقال غوردون مُور وروبرت نوْيس وأندرو غروف من فيرتشايلد وأسّسوا شركة جديدة تدعى إنتل بهدف إنتاج ذاكرة شبه الموصِّل، وقدّموا في العام 1971 أول رقاقة ذاكرة RAM ديناميكية سعة 1024 بت (1 كيلوبت) ناجحة تجارياً (كانت تتّكل بشدة على أسلوب البوابة الذاتية المحاذاة لمختبرات بَل الذي تم تطويره أكثر في فيرتشايلد). كان هذا هو الجهاز الذي رسّخ حقاً ذاكرة شبه الموصِّل كمنافس جديّ لتكنولوجيا الذاكرة المغنطيسية النواة. وحصل أيضاً ابتكار هام آخر في إنتل خلال نفس الفترة كان تطوير الذاكرة القرائية-فقط القابلة للبرمجة (أو PROM) التي تستطيع تخزين المعلومات التي يزوّدها المستخدم طيلة الفترة التي يريدها المستخدم. كانت رقائق PROM قيّمة لصانعي الأنظمة الكاملة، كالحاسبات أو الكمبيوترات، لأنه يمكن تجهيز البرمجة في رقاقة PROM بعد انتهاء تصنيعها، خلافاً لرقاقة ذاكرة ROM القياسية.ذاكرات أكبرمع ازدياد كثافات الدارات بسرعة نتيجة التطوّرات في تكنولوجيا MOS، ازدادت سعات الذاكرة بشكل مماثل. في العام 1972، كانت هناك شركات عديدة تُنتج رقائق ذاكرة سعة 1 كيلوبت. في العام 1973، ظهرت رقائق الذاكرة RAM سعة 4 كيلوبت. قدَّم الصانعون أول ذاكرة RAM سعة 16 كيلوبت في الفترة 1976-1977، ثم انتقلوا إلى DRAM سعة 64 كيلوبت وSRAM سعة 16 كيلوبت في الفترة 1980-1981. وبموازاة هذه الزيادة في الأداء، انخفضت الأسعار. للاستشهاد بأحد الأمثلة، في العام 1980 كانت كلفة رقاقة الذاكرة RAM الديناميكية سعة 16 كيلوبت حوالي $2.50. بعد ذلك بسنة، بيعت نفس الرقاقة بحوالي 90 سنتاً. كانت هذه الزيادة السريعة في القوة والانخفاض السريع بشكل مساوٍ في الأسعار تعني أنه بدلاً من تصميم رقائق ذاكرة شبه موصِّل لاستخدامات محدَّدة، كانت الاستخدامات تُصمّم بدلاً من ذلك لذاكرة شبه الموصِّل. وأكثر من ذلك، تقبَّل مصمّمو الأنظمة بسرعة فكرة استعمال المزيد والمزيد من الذاكرة. أدّت الذاكرة الرخيصة إلى ظهور كمبيوترات تحتوي على ذاكرة ذات سعات أكبر، وأدّى هذا إلى برامج جديدة نهمة للذاكرة. ورغم أن البرامج كانت تُبرمج في الماضي مع اعتبار الذاكرة شيئاً نفسياً، أصبحت تلك القيود أقل أهمية سنة تلو الأخرى. أدّى هذا إلى ما سمّاه أحد المراقبين "سوق نَهِمة" لأجهزة ذاكرة شبه الموصِّل خلال أواخر السبعينات والثمانينات. [image "Description: images\electronics_Page_106_Image_0001.tif" file=image-645.jpg] براءة اختراع يوليوس ليليانفلد من العام 1930 لجهاز يشبه كثيراً ترانزستور الـ MOS (أو شبه موصِّل أكسيد المعدن). استعمل جهازه صفيحتين أو كتلتين زجاجتين، كل واحدة منها لها أطراف ذهبية أو فضية (11 و12)، وقد وضع بينهما شريطاً رفيعاً من رقائق الألومنيوم (13). ثم رشّ أو غلَّف فيلماً رفيعاً من معدن شبه موصِّل على السطح، وجعله يلامس أطراف وحافة الرقائق. الحقل الالكتروستاتي الذي ولّده تيارٌ مطبَّقٌ على الأطراف أثّر على موَصليّة طبقة شبه الموصِّل، لذا عَمِل الجهاز بشكل مماثل لأنبوب مفرَّغ. براءة الاختراع الأميركية 2994018. [image "Description: images\electronics_Page_107_Image_0001.tif" file=image-649.jpg] كان ترانزستور الـ MOS الأساسي صنع عطالله وكاهنغ يتألف من وصلة شبه موصِّلة وإلكترود (43) مفصولين بطبقة عازلة من أكسيد السيليكون (42). براءة الاختراع الأميركية 3206670.بموازاة التطوّرات في الذاكرة كانت هناك تطوّرات في المنطق. ستظهر أخيراً رقائق ترتكز على تصاميم MOS المتممة (complimentary MOS أو السيموس)، التي تم الإعلان عنها لأول مرة في أوائل الستينات، مما أدّى إلى كمبيوترات أسرع. لكن لم يكن الجميع مُقتنِعاً أن تكنولوجيا MOS هي أفضل سبيل. ومع بدء المهندسين مناقشة التكامل الواسع كالخطوة المنطقية التالية في تصميم الرقائق، درسوا تكنولوجيات جديدة كمنطق الحقن المتكامل (أو IIL)، الذي أُعلن عنه في العام 1972، لتزويد رقائق ذات 1,000 بوابة منطقية أو أكثر. هذا التعديل للإجراءات القياسية المستعملة لصنع الترانزستورات الثنائية القطبية أنتَجَ دارات سريعة بميزات صغيرة جداً حتى حدود 5 ميكرومتر. ورغم استمرار إنتاج الرقائق المنطقية، توقّف نموها كلياً بعد ظهور جهاز جديد جدير بالملاحظة يدعى المعالج الصُغري.المعالج الصُغريالتطوّر الحاسم الثاني في قطاع أشباه الموصِّلات خلال هذه الفترة كان اختراع المعالج الصُغري (microprocessor) في العام 1971. في العام 1969، اتصلت شركة الآلات الحاسبة اليابانية بيزيكوم بشركة إنتل وطلبت منها تصنيع مجموعة من الدارات المتكاملة لاستعمالها في خط جديد من الحاسبات المكتبية. كانت كل حاسبة تتميّز بميزات مختلفة بعض الشيء، وستتطلب افتراضياً أن يتم تصميم مجموعة مختلفة من تعليمات التشغيل في رقائقها. أدرك أحد الموظفين في إنتل، تد هوف، أنه بدلاً من تصميم مجموعة مختلفة من الرقائق لكل حاسبة من الحاسبات المختلفة التي تنوي بيزيكوم إنتاجها، يمكنه تصميم مجموعة رقائق واحدة قابلة للبرمجة يمكن استعمالها فيها كلها. قبل هذا، كانت رقائق الحاسبات تُصمَّم دائماً للتلاعب بالبيانات ببعض الطرق المحدَّدة من أجل إنتاج الإخراج المطلوب. كان يجب تحديد الوظائف المفصّلة للآلة النهائية مسبقاً لكي يمكن تصميم الرقاقة وفقاً لذلك. يصحّ نفس الشيء على الدارات المنطقية بشكل عام: كان يتم تصميم كل دارة منطقية للتلاعب بالبيانات ببعض الطرق المحدَّدة بناءً على البرنامج الذي ستُستعمل فيه. بالنتيجة ومع ازدياد تعقيد البرامج أكثر وأكثر وحاجتها إلى كمية أكبر وأكبر من الدارات المنطقية، طال الوقت الذي صُرف على تصميم الرقائق. واجه القطاع مشكلة اختناق خطيرة بسبب نجاحه الخاص.ساعد اختراع المعالج الصُغري على حل هذه المشكلة. فمع المعالج الصُغري، هناك عدد كبير جداً من الدروب التي يمكن أن تسلكها البيانات مبيّتة في الجهاز، لكن مجموعة من التعليمات الملقَّمة إلى الرقاقة تحدّد مؤقتاً الطريقة التي سيتم بها التلاعب بالبيانات. بمعنى آخر، في حين أن النوع السابق لرقاقة الحاسبة احتوى على عدد محدود من دروب البيانات ملحومة تلحيماً ثابتاً فيها ويستطيع المستخدم أن يختار منها، احتوى المعالج الصُغري على عدد كبير جداً من الدروب الممكنة تحدّد برمجة الجهاز مجموعةً فرعيةً ضمنها. سيكون هكذا معالجٌ قابلٌ للبرمجة معقّداً [image "Description: images\electronics_Page_109_Image_0001.tif" file=image-657.jpg] صورة مجهرية للمعالج الصُغري إنتل 4004، مقترحةً الأبعاد المِجهرية للأجهزة والتوصيلات البينية. (بموافقة شركة إنتل).أكثر من الرقاقة ذات الهدف الخاص، وسيتطلب وجود برنامج إضافي للتحكم به، لكن يمكن تكييف ذلك البرنامج مثلما تدعو الحاجة للأنظمة المختلفة، مما يعطي الرقاقة درجةً عاليةً من المرونة. بمعنى آخر، كان تشبيهاً لنظام الكمبيوتر نفسه الذي يمكن برمجته للقيام بنطاق كبير من المهام. كانت قوة فكرة هوف أنها سمحت باستعمال تصميم رقاقة واحد في تشكيلة كبيرة جداً من الأجهزة تتراوح من الحاسبات إلى الكمبيوترات الصغيرة إلى متحكمات العمليات الصناعية، بناءً على احتياجات الزبون. بالنتيجة، لم تكن هناك حاجة أبداً لتصميم دارات منطقية منفصلة - يمكن بدلاً من ذلك استعمال دارة منطقية واحدة عالمية.غاري بُون عن اختراع المتحكم الصُغريكان غاري بُون مهندساً في شركة تكساس انسترومنتس عندما صمّم أول متحكم صُغري "كمبيوتر على رقاقة".كانت قاعدة تكساس التي طُبِّقت هي "شغب واحد، شرطي واحد". أي، رقاقة واحدة، مهندس واحد. لذا تستطيع تكساس انسترومنتس، بعشرين مهندساً ربما، أن تنشر ثلاثة أو ربما أربعة من فِرق المشاريع تلك في أي وقت كان. يلزم ستة أشهر على الأرجح لصنع واحدة، ولذا هذه هي قدرة هذه المهنة. إنها عدد المهندسين مقسوماً على عدد الرقائق كل ستة أشهر. كما أنها كلها تبدو متشابهة كثيراً، مثلما قال أحد المهندسين المشاركين في تلك الفِرق. اختلفت المتطلبات الفردية بالتفاصيل، لكنها كانت متماثلة تقريباً في المبدأ وفي الوظيفة الإجمالية. لذا، ما يمرّ في ذهنك هو "لقد ضجرتُ من هذا. إنني أعمل لساعات طويلة. عائلتي ليست سعيدة. يجب أن أجد طريقة أفضل لفعل هذا". ينتهي بك المطاف إلى التفكير بلائحة طويلة من متطلبات الزبون بإحدى الطرق وبالكتل أو القُطع الوظائفية للدارات الكهربائية بطريقة أخرى، وتعرّف القواسم المشتركة وتقول لنفسك "حسناً، إذا كانت لديّ الآن هذه الكمية من البايتات لتخزين البيانات، ولديّ هذه الكمية من البايتات لتخزين البرامج، ولديّ هذه الكمية من بتات مسح واجهة لوحة المفاتيح، فسيغطي ذلك كل المواصفات التي أعرف عنها، ربما...". إذاً هذا هو أصل رقاقة المتحكم الصُغري TMS 100: جاءت من الضجر، الطلب الكبير، ورؤية للقواسم المشتركة التي كانت تُلبى بشكل غير فعّال بنشر تلك الفِرق الضخمة مع كثير من الرقائق.المصدر: غاري بُون، حديث شفوي وثّقه دايفد مورتون في 22 يونيو 1996، مركز التاريخ التابع لمعهد IEEE، جامعة روتغرز، نيوبرانزويك، نيوجرسي.إنتل 4004أعلنت إنتل عن أول معالج صُغري في العالم، 4004، في 15 نوفمبر 1971 والذي صمّمه المهندس فيديريكو فاغّين. كان قادراً على معالجة المعلومات بالطول 4 بت (4 أعداد ثنائية)، وينفّذ حوالي 60,000 عملية ثنائية في الثانية، ويستعمل حوالي 2,300 ترانزستوراً، وهذا أكثر من ضُعف الرقم الشائع لرقائق الحاسبات في ذلك الوقت. لم يتم تقديم 4004 كمنتَج مستقل، بل بيع كجزء من مجموعة رقائق شكّلت الأساس لنظام كمبيوتر صُغري كامل هو MCS-4. كان هذا النظام يتألف من رقاقة ذاكرة ROM سعتها 256 بايت (البايت هو سلسلة بتات، عادة 8 بتات، تمثّل رقماً واحداً أو حرفاً واحداً) ونوعها 4001؛ ومن رقاقة ذاكرة RAM سعتها 32 بت ونوعها 4002؛ ومن رقاقة مسجِّل إزاحة سعتها 10 بت ونوعها 3003؛ ومن المعالج الصُغري 4004. كانت سرعة الساعة في وحدة المعالجة المركزية، وهي دلالة عامة عن السرعة التي تنفّذ بها الرقاقة واجباتها، 108 كيلوهرتز وكان السعر الأولي $200. في السنة التالية، انتقلت إنتل لتضع كمية أكبر من وظائف هذا النظام في رقاقة واحدة، بدلاً من تقديمها مجموعة رقائق. كانت النتيجة أول معالج صُغري 8 بت تجاري، المعالج الصُغري 8008، الذي تم تقديمه لأول مرة في أبريل 1972. كان يستعمل 3,500 ترانزستوراً، ويستطيع تنفيذ 60,000 عملية في الثانية، ويعمل بسرعة ساعة قدرها 200كيلوهرتز، ويستطيع استخدام 16 كيلوبايت من الذاكرة. في العام 1973، قدَّمت إنتل المعالج الصُغري 8080، وهو نسخة معدَّلة عن 8008.كان تطوير الرقائق 8008 و8080 سعة 8 بت مهماً جزئياً لأنه سمح بتنفيذ مزيد من العمليات الحسابية الأبجدية الرقمية المعقّدة، وهو شيء غير عملاني مع نظامٍ 4 بت. لقد شكّل مثالاً يُحتذى لبقية القطاع، وولّد بسرعة عدداً من الصانعين المنافسين كـ ناشونال سيميكونداكتر وAMI وموتورولا وفيرتشايلد. في منتصف السبعينات كان هناك حوالي 40 معالجاً صُغرياً في الأسواق، مصنوعة من كل شركات أشباه الموصِّلات الرئيسية تقريباً. مثلاً، قدَّمت موتورولا رقاقتها 6800 في العام 1974، وهي معالج صُغري 8 بت مصمّم ليُستعمل في الكمبيوترات الصُغرية والمتحكمات الصناعية وكمبيوترات إدارة محرّكات السيارات التي كانت قد ظهرت مؤخراً في الأسواق. في الوقت نفسه تقريباً، قدَّمت تشكيلة من الشركات أول جيل من معالجات 16 بت. إنتل، مثلاً، قدَّمت رقاقتها 8086 في العام 1978، وهي معالج صُغري 16 بت ذي هدف عام احتوى على أكثر من 29,000 ترانزستوراً.الكمبيوتر الشخصيأكثر نتيجة لا تُنسى لهذه الفترة السريعة من الابتكارات كانت ظهور الكمبيوتر الشخصي. طُرحت فكرة الكمبيوترات الشخصية منذ أوائل الخمسينات على الأقل، وقد نشرت مجلة Radio Electronics في الواقع سلسلة مقالات عن بناء كمبيوتر منزلي في العامين 1950 و1951. قدَّمت شركة هيثكت، وهي صانعة معدات يجمّعها الهواة ليحصلوا على أجهزة لاسلكية وعالية الأمانة، كمبيوتراً تماثلياً بسيطاً في العام 1959. وقدَّمت شركة ديجيتال إكويبمنت نسخة "مكتبية" عن كمبيوترها الشعبي PDP-8 في العام 1968، ورغم أنه كان مُكلفاً جداً للمستهلك العادي وجاء معه عدد قليل من البرامج أو لا برامج على الإطلاق، إلا أنه ألهَمَ عدة أشخاص حول العالم لتشكيل نوادي مكرَّسة لاستعمال الكمبيوترات. بعدما تزعَّم PDP-8 وغيره الميدان باستعمال دارات متكاملة رخيصة، ظهر في أوائل السبعينات عددٌ من الكمبيوترات الصغيرة الأخرى أو المنزلية الصنع أو المكتبية. في الواقع، من المستحيل على الأرجح تحديد أي واحد من تلك الكمبيوترات هو أول كمبيوتر شخصي. لكن بالنسبة للعديد من الأشخاص، يشكّل الكمبيوتر "مارك 8" مَعلَماً. تم الإعلان عن هذا الكمبيوتر الصغير، الذي ليست له لوحة مفاتيح أو شاشة ويُبرمَج كلياً بتقليب مجموعة من البدّالات الأمامية في تسلسل معيّن، في مجلة Popular Electronics في العام 1974. لقد أثار اهتماماً كبيراً لدى الهواة ازداد أكثر فأكثر في السنة التالية، عندما نشرت Popular Electronics مقالاً "تعليمياً" عن كمبيوتر شخصي ثانٍ يدعى Altair (النسر الطائر). في العام 1976، عندما تم تقديم أول كمبيوتر أبل II للعموم، نالت هواية استخدام الكمبيوتر الشخصي زخماً كبيراً. بتتابع سريع في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، قدَّمت IBM وكومودور بزنس ماشينز وراديو شاك وأتاري كوربوريشن وغيرها كمبيوترات صغيرة ورخيصة للاستعمال في المنزل والمكتب. استمرت التطوّرات في القوة البحتة مثلما هو متوقّع: تم مثلاً تقديم أول معالج صُغري 32 بت في العام 1981. لقد كان يستعمل أكثر من 200,000 ترانزستوراً وتم بناؤه على ثلاث رقائق.من المعالجات الصُغرية إلى المتحكماتكانت الزيادة المذهلة في تعقيد المعالجات الصُغرية الحديثة جزءاً من الرواية فقط. فقد استمرت المعالجات الصُغرية 4 بت الأقل تطوّراً تُباع بكميات أكبر من الأجهزة الأقوى منها خلال هذه الفترة بأكملها، بسبب استخدام المصممين لها في تشكيلة كبيرة من الاستخدامات التي لم تتطلّب مستويات مرتفعة من الأداء. كانت هناك سوق ضخمة محتملة تتخطى الأنظمة المُباعة سنوياً ببضعة آلاف فقط للجيش والشركات الكبيرة والجامعات. إحدى تلك الأسواق كانت القطاع الصناعي، حيث أصبح الإنتاج الآلي سائداً منذ أوائل الخمسينات. وقد توسّلت فئةٌ من الأنظمة تسمى متحكمات صناعية، وهي "صناديق سوداء" بسيطة قابلة للبرمجة تُستعمل للتحكم بأنواع مختلفة من العمليات الصناعية، أن يُعاد تصميمها كأنظمة ترتكز على المعالج الصُغري. كان أول متحكم صُغري، وهو نوعٌ من المعالجات الصُغرية تم تطويره لهذه السوق، من تصميم غاري بُون ومايكل كوشران من شركة تكساس انسترومنتس في العام 1971. كان الفرق بين المعالج الصُغري وأول متحكم صُغري هو أن المعالج الصُغري اقتصر في أغلب الأحيان عند معالجة المعلومات المزوَّدة إليه من مصادر خارجية، كرقائق الذاكرة مثلاً، بينما اشتمل المتحكم الصُغري على العديد من الوظائف الملحقة للكمبيوتر على نفس رقاقة المعالج، بما في ذلك قدرات الإدخال والإخراج. إذاً، كان المتحكم الصُغري إلى حد ما هو "الكمبيوتر على رقاقة" الحقيقي.في العام 1972، أصدرت تكساس انسترومنتس رقاقة "الكمبيوتر الصُغري" (المتحكم الصُغري) TMS 1000 ذات سعة 4 بت، وبحلول العام 1979 كان يُباع أكثر من 26 مليون من تلك الأجهزة سنوياً. كانت هذه الشعبية الكبيرة، التي تفوَّقت على مبيعات المعالجات الصُغرية، ناتجة عن حقيقة أنه يمكن دمج المتحكم الصُغري ذي الرقاقة الواحدة بأنواع مختلفة من الأنظمة بسهولة أكبر من المعالجات الصُغرية. وبالنتيجة، سرعان ما بدأت تظهر تشكيلة كبيرة جداً من التكنولوجيات التي استعملت تلك الكمبيوترات ذات الرقاقة الواحدة، من بينها أنظمة إدارة محرّك السيارة، الأجهزة الصناعية، الحاسبات العلمية، الأدوات المنزلية، وحتى الألعاب. بالطبع، ليس ممكناً دائماً إيجاد تمييز دقيق بين المعالج الصُغري والمتحكم الصُغري، لأن العديد من المعالجات الصُغرية تحتوي أيضاً على مكوّنات تقدّم وظائف "ملحقة"، ولأنه يمكن استعمال المعالج الصُغري في العديد من نفس الاستخدامات كالمتحكم الصُغري، لكن التعريف يبقى مفيداً، ولا يزال في الواقع يُذكَر في قانون براءات الاختراع. لقد أصبحت الكمبيوترات الصُغرية الرباعية البت، سواء كانت ترتكز على "معالجات صُغرية" أو "متحكمات صُغرية"، مكوّنات حاسمة في عدد شاسع من الاستخدامات التجارية والعسكرية والعلمية. يقدّر غاري بُون أنه يتم استهلاك حوالي 2 مليار هذه الأيام كل سنة، وهذا رقم مدهش حقاً.روبرت ريديكر عن أسماء الأشياءروبرت ريديكر هو أحد مخترعي الليزر GaAs.كان تأثير غَنّ طريقةً لإرسال الإلكترونات من وادي حزام توصيلٍ إلى واحد آخر. لقد عمِل كمُذبذِب مضخِّم. اخترعه السيد غَنّ في IBM. يُخبر الجميع نكتة أن سر نجاحه هو "إذا قلتَ في البداية أنه لا يمكن شرحه بأي طريقة أخرى، سيُسمّى على إسمك". مثلما يمكن تسمية دايود إيساكي دايوداً نفقيّاً، يمكن تسمية تأثير غَنّ مضخِّمَ إلكترونات منقولة، لكنه سُمِّي دائماً "تأثير غَنّ". لقد سُمّيت بعض التأثيرات المهمة في الفيزياء على أسماء الأشخاص لأن أحداً لم يفهم ما هي حقاً. هذا مضحك. لقد قال لي أشخاصٌ يمزحون كثيراً أن العامل الرئيسي في تسمية التأثيرات على إسمهم كان "لأنه كان لديّ صديق".المصدر: روبرت ريديكر، دايفد مورتون في 27 يوليو 2000، مركز التاريخ التابع لمعهد IEEE، جامعة روتغرز، نيوبرانزويك، نيوجرسي.تحوّل أجهزة التصوير والعرضبينما كان النجاح التجاري للمعالج الصُغري يهيمن على حقل الدارات المتكاملة، والذي مال إلى تضييق نطاق رقائق الكمبيوتر المتخصصة، ازداد عدد الأجهزة الجديدة في حقل التصوير والعرض. في أوائل 1972، كتب أحد المراقبينبأن انتقاء جهاز عرض صغير رقمي أو أبجدي رقمي، حتى سنوات قليلة ماضية، كان مهمةً سهلةً نسبياً. فالخيارات المتوفرة كانت محدودة جداً. أما الآن فقد تغيَّر الوضع. فتكاثر تكنولوجيات العرض سبَّب إحراجاً للثروة. (IEEE Spectrum، 1972)اشتملت هذه الزيادة في أجهزة العرض المتوفرة تجارياً على نطاق كبير من الأجهزة العاملة بالتفريغ الغازيّ والدايودات الباعثة للضوء وأجهزة العرض بالبلّور السائل، بالإضافة إلى تكنولوجيات جديدة كالفيلم الباعث للضوء وأجهزة العرض الرَّحَلانية الكهربائية (مبدأ الرّحلان: الانفصال بتطبيق الكهرباء). رغم الافتراض أن تلك الأنواع من التكنولوجيات الأحدث ستستبدل أنابيب أشعة الكاثود في المدى القصير، لم تتهدَّد مكانة أنبوب أشعة الكاثود في السوق جدياً بعد تطوير إما الدايودات الباعثة للضوء أو أجهزة العرض بالبلّور السائل خلال السبعينات. في الواقع، استمرّت التحسينات في دقة وتباين وقوة أنبوب أشعة الكاثود طيلة العقد، وبقيت أنابيب أشعة الكاثود شكلاً شعبياً جداً من تكنولوجيا عرض المعلومات، خاصة للتلفزيون وراسمات الذبذبات والرادار. في الواقع، كان أنبوب أشعة الكاثود على وشك أن يجدّد شبابه مع قدوم الكمبيوتر الشخصي.لكن كانت استخدامات العرض الحديثة تميل إلى استعمال أجهزة العرض الرفيعة اللوح التي طوّرتها المتسجدات الحاصلة في التكنولوجيات الحديثة، وفي نهاية المطاف الاستخدام المتزايد لأساليب معالجة المعلومات الرقمية. بالنتيجة، أصبحت الدايودات الباعثة للضوء وأجهزة العرض بالبلّور السائل وألواح التفريغ الغازيّ تكنولوجياتٍ قياسيةٍ للاستعمال في لائحة استخدامات متنامية بسرعة خلال السبعينات تتطلّب أجهزة عرض صغيرة وبسيطة، كالساعات والحاسبات ومعدات الاختبار المحمولة باليد.كانت أجهزة العرض العاملة بالتفريغ الغازيّ الجديدة التي قدَّمتها عدة شركات خلال السبعينات، من بينها بوروس وأوينز-إيلينوي ونيبون إلكتريك. كما تكنولوجيا الإضاءة الفلورية السابقة، اعتمدت الأجهزة العاملة بالتفريغ الغازيّ على حقيقة أن بعض الغازات تتوهّج عندما يحفّزها حقل كهربائي. كان بوروس بانابلكس نموذجياً لتلك الأنواع الجديدة من أجهزة العرض، فقد كان "سندويشاً" يحتوي على إلكترودات ذات أفلام سميكة تعمل ككاثودات، وعلى إطار فاصل، وعلى غطاء زجاجي أمامي يحتوي على أنودات شفافة. كانت أجهزة العرض العاملة بالتفريغ الغازيّ شائعة الاستعمال في العام 1975، وأغلب ذلك كان في استخدامات كالتدوين الرقمي في الحاسبات المكتبية. لقد قدّمت كلفة إنتاج منخفضة ووثوقية مرتفعة، وكانت متوفرة بأحجام أكبر من تلك الممكنة مع أجهزة العرض العاملة بالدايود الباعث للضوء أو بالبلّور السائل. في العام 1978، كان يجري استخدام أعداد كبيرة من أجهزة التفريغ الغازيّ بدلاً من أنابيب أشعة الكاثود في أنواع عديدة من الأجهزة، من بينها شاشات الكمبيوتر، ولم تعد، على حدّ قول أحد المراقبين، "حشرية في المختبرات، بل بديلاً قابلاً للتطبيق لأنبوب أشعة الكاثود في استخدامات عديدة" (تورّيرو 1978، 78). لكن إحدى المشاكل الحقيقية مع أجهزة العرض العاملة بالتفريغ الغازيّ كانت أنها تحتاج إلى فولطية مرتفعة نوعاً ما تبلغ حوالي 170 فولط لكي تعمل، ولذا تتطلّب مزوّدات طاقة كبيرة ومُكلفة نسبياً تشبه تلك المستعملة في معدات الأنبوب المفرَّغ. هذا أيضاً جعلها غير عملانية للمعدات المحمولة أو العاملة على بطاريات إلا إذا تم تجهيزها بمحوِّلات فولطية مُكلفة. بالإضافة إلى ذلك، كانت الفولطية المرتفعة الضرورية تميل إلى التشويش على أعمال الدارات المتكاملة القريبة، مما سبّب مشاكل لأولئك الذين يصمّمون الكمبيوترات والمعدات الحسّاسة الأخرى. وبعد أن أصبحت أجهزة العرض العاملة بالدايود الباعث للضوء وبالبلّور السائل أرخص وأكبر وفعّالة أكثر، بدت الفولطية المرتفعة التي تتطلّبها أجهزة العرض العاملة بالتفريغ الغازيّ عاملاً مانعاً على نحو متزايد. [image file=image-697.jpg] دايود باعث للضوء (LED) نموذجي يبيّن بنية دايود شبه الموصِّل مركّباً في كوب عاكس (مبيّن في معاينة جانبية). يبعث الضوء عند الوصلة ويغيّر العاكس وجهته.الدايودات الباعثة للضوء المحسَّنةفي العام 1972، قدَّمت شركة سوني طريقة جديدة لإنتاج دايودات باعثة للضوء مصنوعة من فوسفيد الغاليوم (GaP) تسمى انتشار مُذاب التركيب (synthesis solute diffusion أو SSD). يؤدي هذا إلى معدلات فعالية أعلى وتكاليف إنتاج أدنى. في طريقة SSD، تتم تنمية بلّورات فوسفيد الغاليوم تحت ضغط بخار الفوسفور البالغ حوالي ضغط جوي واحد وعند درجات حرارة تبلغ حوالي 650 درجة مئوية. يمكن إنتاج بلّورات كبيرة يبلغ قطرها 47 ملليمتراً ووزنها 170 غراماً باستعمال هذه الطريقة، مع نشوء وصلات مرتفعة الفعالية من خلال عملية تقيُّل سائل جديدة. يمكن إنتاج دايودات باعثة للضوء خضراء وحمراء بأسعار رخيصة وبشكل موثوق باستعمال طريقة SSD. في نفس السنة، اخترع م. جورج كرافورد من شركة مونسانتو دايوداً باعثاً للضوء أصفر، ورغم أن تسويقه سيستغرق بعض الوقت إلا أنه كان إضافةً مهمةً إلى عائلة الدايودات الباعثة للضوء. تم في منتصف السبعينات أيضاً تطوير إشابة زرنيخ فوسفيد الغاليوم (GaAsP) بالنتروجين في المرحلة البخارية، مما أدّى إلى إنتاج دايودات باعثة للضوء بألوان مختلفة وذات مستويات إخراج مرتفعة الكثافة. وقد أدّت تنمية الدايودات الباعثة للضوء المصنوعة من فوسفيد الغاليوم (GaP) في المرحلة السائلة، التي تم تطويرها في مختبرات بَل، إلى إنتاج دايودات باعثة للضوء خضراء فعّالة أكثر وصافية أكثر، وفي العام 1977 أصبحت الدايودات الباعثة للضوء الفعّالة الحمراء والبرتقالية والصفراء والخضراء متوفرة تجارياً للاستعمال في تشكيلة كبيرة من الاستخدامات، من بينها الآلات والحاسبات والساعات.أجهزة العرض بالبلّور السائلازدادت أهمية أجهزة العرض بالبلّور السائل أيضاً خلال السبعينات بعد اختراع العرض بالبلّور السائل المفتول الخيطيّ (TN) من قِبل الباحثَين وولفغانغ هلفريخ ومارتن شادت، العاملَين في الشركة السويسرية روش (Roche)، وفي الوقت نفسه تقريباً من قِبل جايمس فرغاسون من جامعة كَنت الحكومية. أنشأ عدة موظفين سابقين في شركة RCA شركةً جديدةً تدعى Optel بدأت بسرعة بتسويق جهاز عرض بالبلّور السائل بصيغة البعثرة الديناميكية (DSM) يرتكز على نسخة شركة RCA لهذه التكنولوجيا. لكن أجهزة العرض بالبلّور السائل المفتولة الخيطيّة أصبحت بسرعة المعيار القياسي للاستعمال في استخداماتٍ كالساعات والحاسبات وبقية الأجهزة العاملة على بطاريات، مستبدلةً الدايود الباعث للضوء الأقل فعالية من حيث الطاقة. أصبحت شركة شارب (Sharp) في اليابان أول صانع إلكترونيات رئيسي يقدّم حاسبةً ذات جهاز عرض بالبلّور السائل في العام 1970. كانت فترة الاشتغال الطويلة والوثوقية فوائد أخرى لتكنولوجيا البلّور السائل، وارتفع متوسط فترة اشتغال العرض بالبلّور السائل بين العامين 1975 و1977 من حوالي 15,000-20,000 ساعة إلى 50,000 ساعة. رغم تلك التحسينات، بقيت أجهزة العرض بالبلّور السائل ملائمة فقط للعروض الصغيرة والبسيطة والساكنة نسبياً طيلة فترة السبعينات، لأن وقت الاستجابة (الوقت المطلوب لتتغيّر الصورة) بالأحجام الأكبر كان طويلاً جداً في الاستخدامات كالتلفزيون مثلاً. وأكثر من ذلك، كان من الصعب تشييد جهاز عرض مشابه لشاشة التلفزيون، بآلاف البكسلات المعنونة فردياً، لأنه كان يجب توصيل كل بكسل بموصِّلات تؤدي كلها إلى الحافات الخارجية لجهاز العرض. حصل تقدّم في محاولات تخطي تلك المحدوديات، لكن كان الطريق أمام المهندسين طويلاً. في العام 1978، مثلاً، اعتُبر جهاز عرض حجمه 2 بوصة مربّعة صنع شركة هيوز إلكترونيكس (بتعليق البلّور السائل مباشرة فوق الدارة السيليكونية المستعملة لتنشيط البكسلات، مما يسرّعها) إنجازاً كبيراً، بينما كانت شاشات CRT بحجم 30 بوصة قطرياً أو أكبر تُنتَج منذ بعض الوقت.أجهزة العرض بالترانزستور الرفيع الفيلمالترانزستور الرفيع الفيلم (أو TFT) هو طريقة بديلة لتشييد أنواع مختلفة من الترانزستورات والدايودات باستعمال أفلام رفيعة من المواد موضوعة على طبقة تحتية بدلاً من أن تكون محفورة كما هو الحال مع الأجهزة الأخرى. قام المهندس في شركة RCA بول وايمر وفريقه باستعراض العملية في العام 1960، عندما شيّدوا ترانزستورات تأثير حقلي مبنية من طبقات معدن ومادة شبه موصِّلة كسيلينيد الكادميوم. لم يكن الأداء بنفس جودة أداء الترانزستور السيليكونيّ، لكنه كان قريباً. في العام 1963، كان وايمر يعمل على كاميرا جوامد ترتكز على الترانزستور الرفيع الفيلم، الذي كان سبيلاً طبيعياً لتلاحقه شركة RCA الرائدة في صناعة التلفزيونات. تابَع ت. بيتر برودي، العامل في شركة وستنغهاوس، عمل وايمر واكتشف نطاقاً كبيراً من المواد التي يمكن استعمالها لصنع الترانزستورات الرفيعة الفيلم - حتى قطع من الورق. اعتقد برودي أن الترانزستور الرفيع الفيلم سيؤدي إلى استخدامات مهمة في حقل أجهزة العرض. وركّز على تحسين أجهزة عرض وستنغهاوس المستضاءة كهربائياً، مستعملاً مجموعات من الترانزستور الرفيع الفيلم لصنع صفيفة ترانزستورات رفيعة ومرنة وغير مرئية تقريباً للتحكم بكل بكسل في جهاز عرض كبير. عندما ظهرت أجهزة العرض بالبلّور السائل، نقل إليها نفس فكرة "الصفيفة النشطة" هذه. لكن لسوء الحظ، كانت تكنولوجيا العرض تتحوّل نحو السيليكون، وتوقفت معظم أبحاث الترانزستور الرفيع الفيلم في الثمانينات. لكنها شهدت عودةً كبيرةً في التسعينات بعدما أصبحت أجهزة عرض الكمبيوتر المسطَّحة اللوح شائعة وعندما كان الصانعون يبحثون عن طرق لتحسين الشاشات والتلفزيونات. أدرك المهندسون في مرحلة مُبكرة من تاريخ العرض بالبلّور السائل أن مصفوفة بسيطة من عناصر البلّور السائل لا يمكنها تزويد صورة متحركة "مرتفعة الحركة" بتباين ملائم لتلبية متطلبات التلفزيون. ما كان مطلوباً هو جهاز نشط كترانزستور مثلاً في كل بكسل ليتصرف كوسيلة تحكم سريعة. بعد إيقاف شركة وستنغهاوس لأبحاث الترانزستور الرفيع الفيلم في الثمانينات، استلمت شركات يابانية عديدة زمام المبادرة نحو تحسين أجهزة العرض بالبلّور السائل-الترانزستور الرفيع الفيلم، بدءاً من تلفزيون البلّور السائل صنع سايكو بشاشة حجمها 1 بوصة في العام 1990. منذ ذلك الوقت، أصبح جهاز العرض بالبلّور السائل ذو الصفيفة النشطة ميزةً قياسيةً للكمبيوترات الشخصية والتلفزيونات الصغيرة.الساعات والحاسباتتم استعمال بعض أجهزة العرض العاملة بالدايود الباعث للضوء وبالبلّور السائل في المعدات العلمية في البدء، لكنها حقّقت نجاحها الكبير خلال السبعينات في الاستخدامات الاستهلاكية. أحد الاستخدامات المهمة المذكورة من قبل كان الحاسبة الإلكترونية، التي استخدَمت عدة تكنولوجيات على مر السنوات من بينها أجهزة العرض بالتفريغ الغازيّ وبالدايود الباعث للضوء وبالبلّور السائل. كانت أول ساعة رقمية إلكترونية، التي قدَّمتها شركة هاميلتون واتش حوالي العام 1970 وتدعى Pulsar (النابض)، موضوعة داخل إطار ذهبي ولها حزام ذهبي وسعرها حوالي $2,000. لقد استعملت دارةً متكاملةً لتسيير الوقت ومصفوفة دايودات باعثة للضوء حمراء لإظهار الساعة والدقيقة. بدأت أسعار الساعات الإلكترونية تنخفض بشكل كبير بعد ذلك فوراً، وقدَّمت شركة تايم كمبيوتر بعد فترة قصيرة طرازاً من الفولاذ الذي لا يصدأ بسعر رخيص نسبياً هو $275. لكن الأسعار لم تتوقف عن الانخفاض هناك. فبحلول العام 1975 كان هناك حوالي 45 صانعاً مختلفاً للساعات الإلكترونية، وفي العام 1976 قدَّمت تكساس انسترومنتس طرازاً بيع بـ $19.95 فقط. في العام 1976 أيضاً، قدَّمت تكساس انسترومنتس أول ساعة إلكترونية تستخدم شاشة عرض بالبلّور السائل، ورغم أن تلك الساعة كانت أغلى (تراوح سعرها بين $275 و$325)، انخفضت الأسعار بسرعة مرة أخرى. في الثمانينات، انخفض سعر الساعات الإلكترونية الأساسية إلى أقل من سعر أرخص الساعات الميكانيكية، وكانت تُعطى مجاناً بشكل دوري في صناديق حبوب الفطور، وتُباع في آلات بيع العلكة، أو تُقدَّم لقاء بضعة دولارات في المتاجر والمخازن الواسعة الانتشار. لا يمكن ذكر ترويج عام أكثر لتأثيرات الإنتاج بالجملة، إلا إذا نظرنا على الأرجح إلى الحاسبة الإلكترونية.كما الساعات، احتوت الحاسبات على أكثر بكثير من مجرد أجهزة عرض. فقد كانت مثلاً أولى المنتجات المنزلية في الأسواق التي تحتوي على معالجات صُغرية. لكن أجهزة العرض المستعملة في الحاسبات كانت تشكّل جزءاً كبيراً من كلفتها، وهذا شيءٌ تأثّر كثيراً بالتغييرات الحاصلة في التكنولوجيا. فأجهزة العرض بالدايود الباعث للضوء وبالبلّور السائل كانت تسبقها أجهزة عرض صغيرة بالتفريغ الغازيّ، رغم أن هذه الأخيرة كانت أغلى وتستهلك قسماً كبيراً من طاقة البطاريات. في العام 1972، قدَّمت شركات مونسانتو وسيرز وهيولت باكارد حاسبات "جيب" صغيرة تستعمل شاشة عرض بالدايود الباعث للضوء وكان سعرها أقل من $100 بقليل. كانت الحاسبة بهذا السعر رخيصة كفاية للشركات التي تزاول أعمالها من المنزل وكذلك للطلاب والمحاسبين. في نفس السنة، قدَّمت شركة هيث حاسبة مكتبية تستعمل جهاز العرض Sperry العامل بالتفريغ الغازيّ، وقدَّمت تكساس انسترومنتس حاسبات تستعمل أجهزة عرض تعمل بالدايود الباعث للضوء وبالتفريغ الغازيّ أيضاً. ارتفع عدد الحاسبات المتوفرة في الأسواق بسرعة وانخفضت الأسعار طيلة العقد. بدأت الحاسبات الأكثر قوة تتفوّق على المسطرة الحاسبة المنزلقة، التي كانت فخر عالم الهندسة، رغم أن الحاسبات "العلمية" المتقدمة أكثر بقيت غير متوفرة أو مُكلفة جداً لبعض السنوات القادمة.استعُملت أجهزة العرض بالدايودات الباعثة للضوء وبالبلّور السائل في استخدامات تجارية أخرى أيضاً. مثلاً، طوّرت جنرال إلكتريك مجموعة من الآلات الإلكترونية بالكامل لقياس متغيّرات المحرّك النفاث فحلّت محل الآلات الكهربائية الميكانيكية السابقة. وأصبحت الدايودات الباعثة للضوء الفردية هي التكنولوجيا المفضّلة بسرعة في نطاق ضخم من الأنظمة التي نحتاج فيها إلى مؤشرات بسيطة (كـ "الطاقة موصولة" مثلاً). وأصبح من الشائع رؤية صف من الدايودات الباعثة للضوء تُستعمل عندما يكون كافياً وجود أجهزة عرض رسومية بسيطة جداً. لكن رغم هكذا استخدامات، كانت الساعات والحاسبات الإلكترونية من أكثر الأجهزة استعمالاً لمصفوفات الدايودات الباعثة للضوء الأبجدية الرقمية الأكثر تعقيداً، وكانت كل أجهزة العرض بالبلّور السائل تقريباً إما أبجدية رقمية أو قادرة على إظهار رسوم منخفضة الدقة.أبعد من العرض بالدايود الباعث للضوء وبالبلّور السائلبالإضافة إلى أجهزة العرض العاملة بالتفريغ الغازيّ وبالدايودات الباعثة للضوء وبالبلّور السائل، شهدت السبعينات أيضاً ظهور تشكيلة تكنولوجيات عرض إلكتروني أخرى. مثلاً، طوّرت الشركة اليابانية ماسوشيتا إلكتريك أجهزة عرض صور رَّحَلانية كهربائية (أو EPIDs) في أوائل السبعينات. تستخدم تلك الأجهزة مبدأ الرَّحَلان الكهربائي (الانفصال بتطبيق الكهرباء) لجُسَيمات صباغ أبيض معلَّقة في سائل داكن. يوضَع هذا المزيج بين زوج أفلام إلكترود أحدهما شفّاف. يؤدي تطبيق تيارٍ إلى جعل الإلكترود الشفّاف يصبح مشحوناً إما إيجابياً أو سلبياً، وهذا بدوره إما يسحب الجُسَيمات نحوه أو يدفعها بعيداً عنه. هذا يجعل العرض يظهر أسود أو أبيض. يمكن استعمال مصفوفة إلكترودات لإنشاء صورة أكثر تعقيداً.في أوائل السبعينات أيضاً، طوّرت شركة سيغماترون تكنولوجيا الفيلم الباعث للضوء (أو LEF). تستعمل هذه التكنولوجيا حقيقة أن بعض الفوسفور المتعدّد البلّورات يبعث ضوءاً عند تطبيق حقل كهربائي عليه. باستعمال أساليب تشييد الدارة المتكاملة، توضَع طبقات رفيعة من كبريتيد الزنك المَشوبة بالمنغنيز (ZnS:Mn) مباشرة على طبقة تحتية تمتصّ الضوء. يولّد أنودٌ نبضات كهربائية تنشّط الفوسفور فيظهر ساطعاً على الخلفية الداكنة الماصّة للضوء. بعد اكتمال النبضة، يستمر الفوسفور بالتوهّج لكنه يعتم ببطء، مثلما يحصل في أنبوب أشعة الكاثود. كان إنتاجها رخيصاً نسبياً، وكانت متوفرة في العام 1972 بأقل من $0.75 لكل رقم. ازدادت شعبية التكنولوجيتين LEF وEPID طيلة السبعينات وكانت تُستعملان في تشكيلة من الاستخدامات التجارية. رغم هذا، لم تتمكنا من موازاة الأهمية التجارية لأجهزة العرض العاملة بالدايودات الباعثة للضوء أو بالبلّور السائل، ولم تلفتا انتباه الناس كثيراً.كان هناك تطوّر آخر ملحوظ هو العمل على صنع أجهزة عرض مسطَّحة اللوح ترتكز على تكنولوجيا الفيلم الرفيع وعلى أجهزة العرض بالبلّور السائل وأساليب العرض الأخرى. كان باحثو شركة RCA قد حاولوا ذلك سابقاً لكنهم توقفوا، وقد استأنفت شركة وستنغهاوس تلك الجهود في أواخر الستينات، حيث فاز باحثوها بتوقيع اتفاقية عسكرية لتطوير جهاز عرض مستضاء كهربائياً حجمه 6 بوصات باستعمال تكنولوجيا الفيلم الرفيع، وفازوا بجائزة عسكرية أخرى لتطوير جهاز عرض بالبلّور السائل جديد. في أوائل السبعينات، استعرض مهندسو وستنغهاوس، ومن بينهم بيتر برودي، لوح عرض مستضاء كهربائياً يستعمل تكنولوجيا الفيلم الرفيع. لكن وستنغهاوس أوقفت تلك الأبحاث بعد بضع سنوات، تاركةً مهمة متابعة تطوير أجهزة العرض ذات الصفيفة النشطة على عاتق شركات أخرى. تم تحسين صفيفات العرض المستضاءة كهربائياً الرفيعة الفيلم من قِبل شركة سيماترون القصيرة العمر في ولاية كاليفورنيا، وقد قدَّمتها تجارياً شركة شارب في العام 1978. عادت شركات أخرى لتخوض في هذا المضمار، ومن بينها تكترونيكس، مما أدّى إلى التطوير التجاري لأجهزة العرض ذات الصفيفة النشطة المحسّنة في الثمانينات. كانت أجهزة العرض تلك وشبيهاتها موجَّهة بشكل واضح نحو سوق شاشة الكمبيوتر وجهاز التلفزيون، لكن ستمرّ سنوات عديدة أخرى قبل أن يفقد أنبوب أشعة الكاثود سيطرته هناك.الجهاز التسلسلي الشحن: جهاز استشعار جديد للصوراستمر تطوير تكنولوجيات استشعار الصور والضوء خلال السبعينات، وأُنجز خلالها كمية كبيرة من العمل في مجال الدايودات الضوئية. في العام 1970، مثلاً، طوَّر تشارلز أ. بُورُّوس وو. م. شاربلس أولى الدايودات الضوئية المسطَّحة المصنوعة من الجرمانيوم، وفي العام 1979 طوَّر بُورُّوس وأ. ج. دنتاي وت. ب. لي دايوداً ضوئياً بوصلة p-i-n مُضاءة خلفياً (وهو دايود بطبقة سيليكون "جوهرية" أو غير مَشوبة بين طبقاته ذات النوع p والنوع n) من InGaAsP (زرنيخيد فوسفيد الغاليوم والإنديوم) تدخل الإنارة فيها إلى الطبقة التحتية InP للوصلة n.لكن أهم حدث في مجال تكنولوجيا استشعار الصور خلال أوائل السبعينات كان تطوير الجهاز التسلسلي الشحن (أو CCD). إنه نوعٌ من أجهزة أشباه الموصِّلات تم تصميمه في الأصل ليكون نوعاً من رقائق ذاكرة الكمبيوتر يسمى "مسجّل إزاحة". كانت هذه فكرة ويلارد س. بويْل وجورج إ. سميث من مختبرات بَل في مناقشة دامت لساعة عام 1969.تشييد رقاقة ذاكرة نوعها CCD استلزم أساليب MOS، لكن آلاف الأجهزة الشبيهة بـ MOS على الرقاقة لم تنفّذ نفس الوظيفة كالترانزستورات على رقاقة ذاكرة عادية. بدلاً من ذلك، تم تشييد الجهاز كمصفوفة مكثِّفات سيليكونية. كانت المكثِّفات تُشحَن بإلكترودات سطحية وتكتشفها مجموعة أخرى من الإلكترودات. يستطيع كل جهاز صغير أيضاً أن يرسل شحنته إلى جاره بسرعة عالية، مما يمكّن من نقل كميات كبيرة من البيانات إلى الرقاقة ومنها بسرعة. لكن لم يكن مصير الـ CCD أبداً أن تصبح رقاقة ذاكرة للكمبيوتر. فالتحسينات المتواصلة على تكنولوجيا الذاكرة MOS أبطلت حسنات CCD الطفيفة على التصاميم الرائجة في ذلك الوقت.عرف المخترعون أن "حاقن" الشحنة يمكن أن يكون على هيئة إلكترودات مبيّتة في الرقاقة، لكن إذا وُضع الـ CCD في علبة بلاستيكية شفافة، يمكن الحصول على الحقنة من الفوتونات التي تضرب السطح. في هذه الحالة، تتجاوب الأجهزة الصغيرة جداً الشبيهة بـ MOS مع الضوء بطريقة مشابهة للخلية الشمسية. أدرك المخترعون بشكل فوري تقريباً أن بين أيديهم نوعاً جديداً من أجهزة استشعار الصور. في الواقع، يمكن اعتبار الـ CCD كأول منافس حقيقي للأنابيب المفرَّغة في التلفزيون وكاميرا الفيديو، رغم أنه ستمرّ سنوات عديدة قبل أن يصبح تأثيرها في هذه الناحية واضحاً.في منتصف السبعينات، بدأ يُستعمل الـ CCD في تشكيلة من الاستخدامات التجارية، من بينها أنظمة كاميرا التلفزيون، والمصافي التماثلية، وأجهزة التعرّف على الأنماط. في العام 1974، أنتجت فيرتشايلد إلكترونيكس أول جهاز تصوير CCD تجاري، بمصفوفة حجمها 100×100 بكسل، واستُعملت في العام 1975 أول كاميرا تلفزيون CCD في البث التجاري. يقدّم استعمال تكنولوجيا CCD فوائد عديدة بالمقارنة مع تكنولوجيا الأنبوب في الاستخدامات التجارية لاستشعار الصور، من بينها زيادة المتانة والحساسية للضوء، حجم أصغر، واحتمال الحصول على صور أدقّ بكثير. في العام 1976 مثلاً، أعلنت فيرتشايلد عن كاميرا دقّتها 244 خط وحسّاسة للضوء عند مستويات منخفضة تصل إلى نور شمعة حجمها 0.000125 قدم، وكانت مصممة للاستخدامات العسكرية والصناعية وتُباع بحوالي $4,500. كانت المشاريع العلمية مهمة أيضاً في استمرار تطوير تكنولوجيا CCD. في العام 1979 مثلاً، طوّرت شركة RCA جهازاً CCD حسّاساً حجمه 320×512 بكسل، يُبرَّد بالنتروجين السائل لتحسين أدائه، ليُستعمل في تلسكوب في مرصد Kitt الوطني. في السنوات اللاحقة، بقي تطوير وتمويل تكنولوجيا الفضاء محفّزاً مهماً لتطوّر الـ CCD. فالبعثات إلى الفضاء التي انطلقت في منتصف السبعينات، كبعثات فوياجر، استعملت أنابيب التلفزيون التقليدية. لكن منذ العام 1974، استثمرت وكالة الناسا كثيراً في التكنولوجيا CCD، في محاولة لزيادة حجم مصفوفات الـ CCD ولتخفيض مستويات ضجة شاشاتها. بحلول العام 1978، تم إنتاج مصفوفات CCD حجمها 500×500 بكسل بمستويات ضجة مخفَّضة كثيراً. استمرت الناسا تستثمر في التكنولوجيا CCD في السنوات التالية، وأنجزت مصفوفات ضخمة 800×800 و1024×1024 في العقد التالي استُعملت في بعثة غاليليو (1989) وتلسكوب هابل الفضائي (1990). [image "Description: images\electronics_Page_122_Image_0001.tif" file=image-721.jpg] معاينتان للجهاز التسلسلي الشحن الأصلي تبيّنان تشييد مناطقه السَعَوية. براءة الاختراع الأميركية 3858232. [image "Description: images\electronics_Page_123_Image_0001.tif" file=image-726.jpg] مخترعا الـ CCD، ويلارد بويْل وجورج إ. سميث، مع كاميرا مرتكزة على الـ CCD (بإذن من لوسنت تكنولوجيز إنك). [image "Description: images\electronics_Page_123_Image_0002.tif" file=image-730.jpg] جهاز تصوير CCD صنع مختبرات بَل، 1975 (بإذن من لوسنت تكنولوجيز إنك).الليزر في السبعيناتلقد ازدادت تشكيلة الأنواع المختلفة من الليزرات في السبعينات مثلما فعلت في الستينات، لكن ربما ليس بنفس المقدار الكبير. تم التوصّل إلى أحد التطوّرات المهمة، وهو ليزر الإلكترونات الحرة، من قِبل جون مايدي في جامعة ستانفورد. لقد بدأ عمله النظري على الموضوع في العام 1971 بتحليل الإشعاع المنبعث عن شعاع إلكترونات يسير عبر حقل مغنطيسي، واكتشف أن إلكترونات الشعاع تجاوبت مع الحالة الكميّة للحقل المغنطيسي كسلسلة من الفوتونات ذات الطول الموجي الطويل ببعثرة الحقل إلى رشقة من الفوتونات الحقيقية ذات الطول الموجي القصير. بتمرير شعاع الإلكترونات عبر مصفوفة مغنطيسات ذات قطبيات متناوبة (وهو نظام يُسمى "المُمَوِّج" أو "المُرجرِج")، يمكن تحريض الشعاع ليُطلق دفقاً إشعاعياً. في العام 1972، بدأ مايدي وزملاؤه بناء ليزر يرتكز على هذا الاكتشاف، وبعد عدة نكسات بين العامين 1976 و1977، نجحوا أخيراً في استعراض تضخيم الإشعاع عند طول موجي هو 10.6 ميكرومتر - بقي الضوء غير مرئي لكنهم أصبحوا أقرب إلى الهدف. ثم استعرضوا في السنة التالية عمل ليزر حقيقي باستعمال هذا الأسلوب، محقّقين مستوى طاقة 7 كيلوواط عند الطول الموجي الأقصر بكثير 3.4 ميكرومتر. كانت قيمة هذا الليزر الجديد أنه "قابل للتوليف" خلافاً لليزرات العادية. بمعنى آخر، يستطيع أن يبعث ضوءاً في نطاق تردّدات يحدّده تصميم المعدات. أدّت مناعته وقوته العالية إلى استخدامه بشكل واسع في الأبحاث العلمية والطب (حيث يمكن استعماله لحرق الأورام وصنع شقوق).تم تطوير ليزرات الإكسيمر خلال السبعينات أيضاً. الإكسيمر هو تقنياً جُزيء مؤلَف من ذرّتين متماثلتين يكون مستقراً بينما يبقى في حالة الإثارة. إذا تم فصل الذرّات عن بعضها البعض، تتحرّر طاقةٌ. هناك جُزيء مشابه يتألف من ذرّتين مختلفتين، ككلوريد الزينون، يدعى تقنياً "إكسيبلكس"، لكن بالنسبة لتكنولوجيا الليزر سرعان ما أصبح الاختلاف بين الاثنين ضبابياً، ويُشار إلى الليزرات التي تستعمل نوعَي الجزيئات لإنتاج إشعاع بالمصطلح "إكسيمر". استعرض فريقٌ من العلماء الروس بقيادة نيكولاي باسوف أول ليزر إكسيمر في العام 1970. وصل الاهتمام إلى الولايات المتحدة، حيث أنتَج دون سَتْسر من جامعة كنساس الحكومية في العام 1974 انبعاث ليزر في فلوريد الزينون. في العام 1975، استعرض ستيوارت سيرلز من مختبر الأبحاث البحرية أول ليزر إكسيمر من الغاز النادر مستعملاً بروميد الزينون، وبعد بضعة أسابيع نجح جايمس إيوينغ وتشارلز براو في استعراض ليزر يعمل باستعمال فلوريد الكريبتون عند الطول الموجي 354 نانومتر. مرَّر إيوينغ وبراو شحنة كهربائية عبر مزيج من غازات الكريبتون والفلور مما أدّى إلى إثارة أيونات الكريبتون وإلى إنتاج أيونات الهالوجين. ثم اندمج هذان النوعان من الأيونات كيميائياً لتشكيل جزيئات هالوجين/كريبتون مُثارة إلكترونياً لكن غير مستقرة. ثم ستنقسم تلك الجزيئات وستُطلق في سياق ذلك الفوتونات التي تتصرّف كالأساس لليزر. الاستعراض الناجح لليزر الإكسيمر هذا ولَّد حماسة كبيرة وحفَّز عدداً كبيراً من الأبحاث في السنوات القادمة. استُعملت ليزرات الإكسيمر المرتفعة الطاقة، القادرة على إنتاج ضوء بأطوال موجيّة مختلفة، لأول مرة من قِبل شركة IBM وغيرها لقص المواد المستعملة في صناعة الدارات المتكاملة. وستُستعمل بكثرة لاحقاً في العمليات الجراحية لحرق أو قص الجسم انتقائياً.في الولايات المتحدة، كان جزء كبير من أبحاث الليزر التي جرت خلال السبعينات برعاية وزارة الدفاع وركّزت على تطوير الاستخدامات العسكرية. لكن بدءاً من أواخر الستينات، أخذ تركيز قطاع الليزر يميل بعيداً عن الأبحاث الدفاعية وتراجعت أهمية دور الجيش تدريجياً في هذا الحقل ككل طوال السبعينات. فمن جهة، ازدادت أهمية السوق التجارية بعد بدء استعمال الليزرات في تشكيلة من الاستخدامات الصناعية. مثلاً، أعلنت وسترن إلكتريك عن أول نظام ليزر صناعي في العام 1965 مصمّم ليثقب فجوات في قوالب الصوغ الإلماسية المستعملة لصنع الأسلاك، وتم تطوير مجموعة من الاستخدامات الصناعية الأخرى في السنوات العشر التالية. ومثلما صرّح أحد المراقبين في العام 1972، "برهن الليزر أنه أداة فعّالة في عدة استخدامات صناعية أخرى، وبدأت تزداد أعداد المهندسين الذين يصادفون هذه التكنولوجيا الجديدة في عملهم. يجري استخدام الليزرات في الصناعة لقياس متغيّرات العمليات ولنقش وحَفر وتبخير وتلحيم تشكيلة كبيرة من المواد في تشكيلة كبيرة من الاستخدامات" (شارشان 1972، vii). تضمّنت تلك الاستخدامات معدات محسّنة بالليزر للاستعمال في تحليل المواد، وعمليات القياس والتسوية في معدات التشييد، وأنظمة التحكم المصممة لضبط أماكن الأدوات الآلية بدقة، وأنظمة مسح الأراضي.لحسن الحظ أن الاستخدامات التجارية ظهرت قبل أن يبدأ التمويل الفدرالي للأبحاث بالجفاف. استمر الإنفاق العسكري على استخدامات الليزر بالازدياد في السبعينات، لكن بسرعة أبطأ من قبل، وأدّى إقرار تعديل مانسفيلد في العام 1969 إلى منع وكالات الدفاع الأميركية من دعم الأبحاث الأساسية غير المتعلقة بمهامها مباشرة. بالنتيجة، انخفض الإنفاق الدفاعي كنسبة مئوية من القيمة المالية التي صُرفت على الليزرات من 63.4 بالمئة في العام 1969 إلى 55 بالمئة في العام 1971. في الوقت نفسه، معارضة الرأي العام للحرب في فييتنام أجبرت العديد من العلماء والمهندسين في هذا المجال على التفكير جدياً بعواقب عملهم. يتذكّر أحد الباحثين الجامعيين أنه "أُجبرنا على شرح أسباب ]أبحاثنا[. 'لماذا قمتم بها؟ لماذا اخترتم تلك الخيارات؟' كان من المستحيل المرور بتلك الحقبة من دون التفكير ملياً بما كنا نفعله" (مُقتبس في برومبرغ 1991، 209). كنتيجة لتلك التغييرات، تراجع الاهتمام بالأبحاث الأساسية والاستخدامات العسكرية وتركّزت الجهود أكثر فأكثر على المشاريع التجارية والمدنية التي تعِد بإعطاء نتائج قصيرة الأجل أو بتوفير فوائد كبيرة لعموم الناس.ومثلما ذكرت جوان ليزا برومبرغ في كتابها "الليزر في أميركا" (1991) فإن تطوير تكنولوجيا الليزر للاستعمال في فصل نظائر الأورانيوم من قِبل AVCO Everett Research Laboratories (أو AERL) هو توضيح مفيد لهذا التحوّل. تم تطوير فصل الليزر لنظائر الأورانيوم لأول مرة في العام 1963 من قِبل الباحثَين الفرنسيَين جان روبيو وجان-ميشال أوكلير. استعمل روبيو وأوكلير ليزر أشعة تحت الحمراء ليفصلا سُداسي فلوريد الأورانيوم إلى نظيرَين، U235F6 وU238F6. ومع تطوير ليزرات متطوّرة أكثر في النصف الثاني من الستينات، اقترح الباحثون تشكيلة كبيرة من الطرق لفصل النظائر، وفي العام 1969 بدأت AERL جهداً كبيراً لتطوير عملية لتخصيب الأورانيوم بناءً على تلك الأفكار. كانت AERL ضالعة بشدة في الأبحاث الدفاعية منذ تأسيسها في العام 1955، لكنها بدأت استكشاف المشاريع المدنية في أواخر الستينات. يتذكّر آرثر كانتروفيتز مدير AERL: "رأينا ميزانية أبحاث وزارة الدفاع تنخفض، أو على الأقل لا ترتفع، وقد سئمنا نوعاً ما، نحن ومجتمع العلماء أجمعين على ما أظن، من الأعمال الدفاعية. ... ]كان[ الجو العام لأواخر الستينات، حرب فييتنام ... بحثنا جاهدين حقاً عن مشاريع غير عسكرية" (مُقتبس في برومبرغ 1991، 211). بدا تخصيب الأورانيوم من خلال فصل النظراء مغامرةً مدنيةً واعدةً تجارياً: ففي العام 1970 مثلاً، توقّعت لجنة الطاقة الفدرالية أن نسبة الكهرباء الأميركية المولَّدة من الطاقة النووية سترتفع في العام 1990 من 1.4 بالمئة إلى 49.3 بالمئة، مع زيادة موازية في الطلب على الأورانيوم المخصَّب. في العام 1971، استعرضت AERL تخصيب الأورانيوم بناءً على الليزر لأول مرة، وفي العام 1976، بالتعاون مع إكسون، استعرضت AERL عمليةً لتخصيب الأورانيوم ملائمةً لإنتاج كميات كبيرة. وكانت قد بدأت في أوائل السبعينات أيضاً برامج كبيرة أخرى لتخصيب الأورانيوم بالليزر، من بينها المشاريع المموّلة من الحكومة في مختبر لورنس ليفرمور الوطني وفي مختبر لوس ألاموس الوطني. لكن السوق التجارية للأورانيوم المخصَّب انهارت في أواخر السبعينات، وأحد أسباب ذلك هو القلق البيئي من استعمال الطاقة النووية. المُضحك هو أن تطوير الأورانيوم المخصَّب بقي يلعب دوراً مهماً في تطوّر التكنولوجيا النووية لوزارة الدفاع.الليزر في الاتصالاتتم تصوّر الليزر في الأساس في سياق أجهزة الاتصال، لذا لم يكن مدهشاً رؤية هكذا استخدامات تظهر بين الحين والآخر. لكن الليزر كجهاز اتصال اندثر في فترة الستينات. التطوير الأولي لليزر أفرَح الباحثين بأمل عثورهم على تكنولوجيا اتصال جديدة. قال أحد المعلِّقين، بالعودة إلى نقطة الأفضلية للعام 1968، أنه "عندما تم استعراض أول ليزر، تحمّست له قلّة من الأشخاص أكثر من العلماء والمهندسين العاملين في حقل الاتصالات" (براون 1968، 65). الجاذبية الأولية لليزر كانت طوله الموجي القصير وتركيزه المشدود وسرعته العالية. وتم سريعاً تصميم وصلات اتصالات قصيرة المدى على خط الرؤية باستعمال ليزرات زرنيخيد الغاليوم، وتم اختبار تلك الأنظمة في فييتنام في العام 1969. لكن سرعان ما اكتُشف أن العناصر في الغلاف الجوي، بما في ذلك بخار الماء والأكسجين والنتروجين، تمتص بعض الأطوال الموجيّة للإشعاع الكهرومغنطيسي. كان هذا يعني أن أحزمة أطوال موجيّة بأكملها غير قادرة على السفر لمسافات طويلة في الغلاف الجوي. بالإضافة إلى ذلك، كانت الجُسَيمات في الغلاف الجوي تميل إلى بعثرة ضوء الليزر، والاضطراب الجوي يسبّب تغييرات لا يمكن توقّعها في قرينة انكسار الليزر. بالنتيجة، تبيَّن للباحثين أن إرسال المعلومات بالليزر من خلال الغلاف الجوي لمسافات أطول من بضعة كيلومترات هو هدف غير عمليّ. عند دمج ذلك بالمشاكل التقنية والمالية الجدية للاقتراحات البديلة، كالأنابيب المُغلقة المليئة بعدسات زجاجية لا تُعدّ ولا تُحصى، بدأ يتضاءل أمل اختراع أنظمة اتصال رئيسية ترتكز على تكنولوجيا الليزر شيئاً فشيئاً في فترة الستينات. في العام 1964 مثلاً، ذكر أحد الباحثين أن الليزرات "لا تبدو أنها تقدّم أي حسنات جليّة" للاستعمال في أنظمة الاتصال الأرضية (برومبرغ 1991، 195).لكن في نهاية العقد، قفزت الليزرات فجأة إلى طليعة أبحاث الاتصالات بسبب اكتشافَين. كان الأول في تكنولوجيا الألياف الضوئية. في العام 1970، طوَّر روبرت د. مورر وزملاؤه في Corning Glass Work نظام ألياف زجاجية يستطيع إرسال الضوء. لم يكن هذا بحد ذاته ملفتاً للنظر، لأن مختبرات بَل كانت قد صمّمت هكذا نظام من قبل. لكن نظام بَل كان يفقد أكثر من 400 ديسيبل (decibel) كل كيلومتر، مما جعله غير عملاني للاستعمال في الاتصالات الهاتفية. أما نظام مورر فكان يفقد 20 ديسيبل فقط كل كيلومتر، وهذا تحسينٌ ملفتٌ للنظر حقاً. في الوقت نفسه تقريباً، أدّى تطوير ليزرات دايودات الوصلة المتباينة المزدوجة إلى تخفيض كثافة التيار المطلوبة لإيصال عتبة صنع الليزر إلى النطاق 1,000-3,000 أمبير في السنتيمتر المربّع. هذا يعني بكلام عملانيّ أنه لأول مرة يستطيع ليزر شبه موصِّل فعّال أن يعمل باستمرار عند حرارة الغرفة. كان هذا مهماً في جعل نظام الألياف الضوئية عملانياً تجارياً. كان تأثير تلك التطويرات المتزامنة في حقل تكنولوجيا الاتصال، إذا جاز التعبير، كهربائياً: مثلما أشارت مؤخراً إحدى المراجعات العامة للموضوع، "أدّى التوافر المتزامن لمصدر بصري مضغوط وألياف بصرية منخفضة الخسارة إلى مسعى عالمي لتطوير أنظمة اتصال بالألياف الضوئية" (أغراول 1992، 4). بدأت أولى أنظمة الاتصال بالألياف الضوئية التجارية في العام 1976، وكانت ترسل إشارات صوتية مرقمَنة بسرعة 45 ميغابت بالثانية على دروب اختباريّة طولها بضعة كيلومترات. استمرّت التطوّرات التكنولوجية طوال العقد، مما جعل الألياف الضوئية جذابة على نحو متزايد. تمّ في العام 1976 استعراض ألياف سيليكون فقدت 0.5 ديسيبل في الكيلومتر فقط، وبدأ في العام 1980 بناء أنظمة ألياف ضوئية تجارية تستعمل ليزرات دايودات InGaAsP تعمل بالسرعة 565 ميغابت بالثانية على طول عشرات الكيلومترات. في أواخر الثمانينات، تم تخفيض عتبة صنع الليزر إلى 200 أمبير فقط في كل سنتيمتر مربّع وارتفعت سرعات الإرسال إلى 1.3 غيغابت بالثانية.الكهروضوئياتكانت الكهروضوئيات أو الخلايا الشمسية هي أحد المصادر الأكثر وعداً لتوليد الطاقة الكهربائية في السبعينات. فقد اكتشف العالِم الفرنسي إدمون بيكيريل لأول مرة في العام 1839 أن بعض المواد تُنتج تياراً كهربائياً عند تعريضها للضوء. بقي التأثير مجرد حشرية في زمن بيكيريل، بينما اكتشف آخرون مواداً كهرضوئية إضافية. في العام 1873 مثلاً، اكتشف ويلوباي سميث الموصّلية الضوئية للسيلينيوم شبه الموصِّل، وبعد أربع سنوات تم صنع أولى خلايا ضوئية من السيلينيوم. لم يكن السيلينيوم طريقةً فعّالةً لاستخدام طاقة الشمس، لكن خلايا السيلينيوم كانت شائعة الاستعمال لاستخداماتٍ كفتح الأبواب تلقائياً في أوائل القرن العشرين. كانت فعالية الخلية الشمسية صنع مختبرات بَل في العام 1954 (المناقشة واردة في الفصل 1) حوالي 6 بالمئة، وكان هذا أكثر بحوالي 15 مرة من أفضل محوِّل طاقة شمسية سابق ومرتفع كفاية ليقترح جدوى الكهروضوئيات لتوليد الطاقة.في العام 1955، تم تكليف سلاح الإشارة الأميركي بمهمة توفير مزوّدات طاقة لأولى الأقمار الاصطناعية الأميركية. بدت الخلايا الكهروضوئية كمصدر الطاقة المثالي لتكنولوجيا الفضاء بسبب افتقارها للقطع المتحركة ووزنها الخفيف. في العام 1958، تم إطلاق أول قمر اصطناعي يعمل بالتأثير الكهروضوئي إلى مدار الأرض: كان فانغارد I يحتوي على نظام طاقة كهروضوئية صغير يُستعمل لتشغيل مُرسِل احتياطي. بقي يعمل لثماني سنوات، وأدّى نجاحه إلى استعمال التكنولوجيا الكهروضوئية في مختلف الأقمار الاصطناعية والسفن الفضائية طوال الخمسينات والستينات. في الوقت نفسه، استمرت الأبحاث أيضاً في القطاع الخاص: ففي العام 1959 مثلاً، بدأت هوفمان إلكترونيكس تصنع خلايا شمسية فعاليتها 10 بالمئة. وبعد سنة، قفز معدّل الفعالية هذا إلى 14 بالمئة، لكن لم يحصل تقدّم كبير لسنوات عديدة.أدّت أزمة النفط في الفترة 1973-1974 إلى زيادة أبحاث التكنولوجيا الكهروضوئية بشكل كبير. وفي العام 1978، حقّقت خليةٌ مصنوعةٌ في مختبرات بَل فعالية 23 بالمئة، لكن وجب الانتظار حتى عام 1985 قبل أن يتمكن فريق من الباحثين في استراليا من تكرار نجاحهم. ومع ذلك، كان يتم تصنيع خلايا فعاليتها 10 بالمئة بكميات كبيرة في أواخر السبعينات، وقد بيع حوالي 10,000 متر مربّع من تلك الخلايا في العام 1978. لكن مع النهاية المؤقتة لأزمة الطاقة، تقلّص تمويل هكذا أبحاث.محوِّلات الطاقة الكهرحراريةكان يوجد في السبعينات ناحية أبحاث رئيسية ثانية عن "الطاقة البديلة" على هيئة محوِّلات طاقة كهرحرارية (أو ثرميونية، أو أيونية حرارية) - وهي أجهزة تحوّل الحرارة إلى كهرباء باستعمال الحرارة لتحرير الإلكترونات من باعث ساخن ثم تجميعها كتيار إلكترونات على إلكترود أكثر برودة. يكون الإلكترود الساخن، أو الباعث، مفصولاً عن الإلكترود الأبرد منه، أو المجمِّع، بواسطة عازل. تكون الإلكترودات محصورة ضمن حاوية مختومة بإحكام، معبأة عادة بغاز متأيِّن كبخار السيزيوم. يرتكز التحويل الكهرحراري للطاقة على اكتشاف توماس إديسون بأن تياراً يتولَّد عفوياً عندما يوضَع الإلكترودان في اللمبة عند درجات حرارة مختلفة. في العام 1915، رأى و. شليختر أن هذه طريقة لتحويل الحرارة إلى كهرباء، وفي أوائل الثلاثينات طوَّر الكيميائي الأميركي إرفينغ لانغموير الإدراك النظري للتحويل الكهرحراري. استمرّ الاهتمام بشكل متشتّت في الأربعينات، بشكل رئيسي في الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وفي الخمسينات حقّقت عدة مجموعات مستقلة معدّلات فعالية تحويل مشجِّعة من 5 بالمئة إلى 10 بالمئة. شيَّد جورج ن. هاتسوبولوس وجوزيف كاي من MIT أحد أفضل المحوِّلات المعروفة في العام 1958، وكان العمل جارياً أيضاً في ألمانيا والسويد وفرنسا وهولندا في الستينات.جاءت ذروة الكهرحراريات بعد أزمة النفط العربي. فجأة أصبحت مصادر الطاقة البديلة أمراً رائجاً، وضخَّت الحكومات حول العالم أموالاً على الأبحاث لتحسينها. ما يثير الاهتمام هو أن برامج الفضاء الأميركية والسوفياتية كانت قد درست مسبقاً الكهرحراريات والعديد من أنظمة الطاقة البديلة الأخرى الأكثر وعداً بما في ذلك الكهروضوئيات، لأن السفن الفضائية احتاجت إلى طرق لتولّد كهرباءً خاصة بها. في العام 1977، استعرض الاتحاد السوفياتي جدوى المحوِّلات الكهرحرارية في تكنولوجيا الفضاء من خلال برنامجه توباز (TOPAZ، أو الطاقة الكهرحرارية من المنطقة النشطة). كانت فكرتهم استعمال مواد مُشعّة لتوليد حرارة سيتم تحويلها إلى كهرباء مباشرة لتشغيل السفينة الفضائية. كانت الولايات المتحدة قد اعتمدت استراتيجية مشابهة أيضاً، لكنها أوقفت البرنامج في العام 1973 لتركّز على خلايا الوقود والألواح الشمسية. لكن عاودت الحكومة الأميركية تمويل الأبحاث الكهرحرارية في أوائل الثمانينات كجزء من برنامج مبادرة الدفاع الاستراتيجية ("حرب النجوم"). لكن مع زوال ذلك البرنامج، فقدت الحكومة اهتمامها قبل أن يتم التوصّل إلى أي محوِّل كهرحراري عملاني في الولايات المتحدة. أطلق الاتحاد السوفياتي سفينة فضائية في الثمانينات ليختبر مولِّده الكهرحراري النووي ذي قوة 5 كيلوواط، لكن توقفت تلك الأبحاث عند تفكّك الاتحاد السوفياتي.5 - انتصار الإلكترونيات الصُغريةنهاية الحرب الباردةبعد نهاية حرب فييتنام وتوقيع اتفاقيات الحدّ من الصواريخ SALT في السبعينات، بدأت ضغوط الحرب الباردة تخفّ، ومعها الحاجة إلى أنظمة أسلحة بعيدة المدى أفضل وأسرع ومتخفِّية أكثر التي ساندت معظم أبحاث الأجهزة الإلكترونية. لكن الحروب الصغيرة التي اندلعت في افريقيا وأميركا الوسطى والجنوبية وآسيا والشرق الأوسط ستُحيي توتّرات الحرب الباردة من وقت لآخر. إلى جانب تلك العوامل السياسية كانت هناك مبادرات تكنولوجية ساهمت، عن قصد أو عن غير قصد، بإحياء الحرب الباردة في الثمانينات. المسألة الرئيسية بين تلك المسائل التكنولوجية كانت "تكاثر" الأسلحة النووية وأنظمة الصواريخ المطلوبة لإطلاقها. وقد دفعت التحسينات في الصواريخ السوفياتية والصينية العابرة للقارات الرئيس رونالد ريغن (المنتخَب في العام 1980) إلى إعلان خطة طموحة ببناء درع صاروخي في الفضاء. لن يكون نظام حرب النجوم هذا مجرد شبكة أقمار اصطناعية تُعطي التحذيرات الأولى بل سيتضمن أيضاً أسلحة ليزر فعّالة ستهاجم الصواريخ في الجو. زاد ريغن تمويل أبحاث الأنظمة الإلكترونية الضرورية لتحقيق تلك الأهداف، مما أدّى إلى تحسّن كبير في التوظيف الهندسيّ. ثم انتهت فجأة فترة الانتعاش التي أحدثتها حرب النجوم للمهندسين في أواخر الثمانينات عندما تفتّت الاتحاد السوفياتي. أعلن الغرب بتبجّح أنه انتصر في الحرب الباردة، رغم أن إرث حوالي نصف قرن من التنافس السوفياتي-الأميركي لم يختف بين ليلة وضواحيها. سعى صانعو الأنظمة الدفاعية إلى متابعة دعم أبحاث الإلكترونيات المتقدمة، محوّلين من الأنظمة المصممة لمواجهة عدو أحادي إلى أنظمة مصممة للعمليات العسكرية التي تشبه أعمال شرطة دولية. بدأ تركيز التكنولوجيا العسكرية ينتقل من الأسلحة النووية ذات القوة التدميرية الكبيرة جداً وأنظمة اكتشاف الصاروخ، المكيّفة بشكل رئيسي لاحتياجات الردع، إلى أسلحة تقليدية بالغة الدقة مدعومة بشبكات مراقبة إلكترونية عالمية مُتقنة أكثر. قدَّم هذا العصر الجديد في التكنولوجيا العسكرية فرصاً جديدة للأبحاث والتطوير.بلوغ إلكترونيات الفضاء سن الرشدبعد إنهائها أخيراً برنامجها الفضائي المأهول "أبولو" في أوائل السبعينات، لجأت الناسا بدلاً من ذلك إلى محطة فضائية، ومكوك فضائي قابل للاستعمال من جديد، وعدة مسبارات فضائية للسفر بين الكواكب أو في الفضاء الفسيح.أول مهمة مأهولة لنظام النقل الفضائي (أو STS)، وهو الإسم الرسمي للمكوك الفضائي، كانت إطلاق "كولومبيا" في 12 أبريل 1981. دلَّ مشروع المكّوك على حصول تغيير كبير في تركيز الناسا، كونها انتقلت من تشغيل عدد صغير من البعثات العلمية البحتة إلى عدد كبير من عمليات الإطلاق الروتينية أكثر، وكان ذلك في أغلب الأحيان لزبائن دفعوا الرسوم. العديد من الحمولات التي سلَّمها المكّوك منذ تصنيعه كانت أقماراً اصطناعية عسكرية، لكن كان العديد من البعثات يتألف من عمليات إطلاق مدنية أو اختبارات علمية في مدار الأرض.لكن الاحتكار الأميركي/السوفياتي للفضاء ستكسره قريباً وكالة الفضاء الأوروبية، التي أطلقت أول صاروخ غير مأهول لها يدعى أريان في يونيو 1981. كانت أريان، التي صُمِّمت من دون غرور منافسيها للتسابق إلى الفضاء ، مركبة صغيرة غير مأهولة خفيفة نسبياً لتسليم الحمولات إلى مدار الأرض. أصبحت أنظمة الاتصال عبر الأقمار الاصطناعية تركيزاً هندسياً رئيسياً في الثمانينات كون المكّوك وأريان خفّضا كلفة عمليات الإطلاق. الاتصال عبر الأقمار الاصطناعية، الذي تواجد بطريقة محدودة جداً منذ الخمسينات، حوَّل شبكات الاتصال الإلكتروني بشكل تام، خاصة في البلدان التي جارت الشبكات الأرضية المبنية في الولايات المتحدة وأوروبا. تستطيع تلك البلدان تخطي مرحلة التطوير الأرضي كلياً فتستعمل الأقمار الاصطناعية للتراسل الهاتفي والراديو والتلفزيون وتشبيك الكمبيوترات.قاد استكشاف الفضاء، بالأخص البعثات غير المأهولة إلى أعماق الفضاء، أيضاً تكنولوجيات تصوير الفضاء والاتصالات إلى مجالات متقّدمة أكثر في الثمانينات. في العام 1983، أرسلت المركبة السوفياتية Venera 15 إلى كوكب الأرض أولى الصور العالية الدقة للمنطقة القطبية على كوكب الزُهرة، ووضعت خريطة حرارية لمعظم مناطق نصف الكرة الشمالي. في نفس تلك السنة، عثر IRAS (ومعناه القمر الاصطناعي الفلكي العامل بالأشعة تحت الحمراء) على العديد من المذنّبات والكويكبات والمجرّات الجديدة وعلى حلقة من الغبار حول النجمة فيغا. في العام 1984، أرسل الفريق السوفياتي-الدولي المسبارات فيغا 1 و2 إلى الغلاف الجوي لكوكب الزُهرة قبل متابعتها الرحلة إلى مذنّب هالي.تماماً مثلما أن البراعة بتصنيع الأجهزة كانت تتحوّل إلى أوروبا والشرق معاً، كان أيضاً تطبيق الأنظمة الإلكترونية المتقدمة في الفضاء. كانت إحدى دلالات ذلك التطوّر هي إطلاق معهد علوم الفضاء والطيران الياباني للمسبار Sakigake في العام 1985، الذي تلاقى مع مذنّب هالي. أصبحت اليابان وإنكلترا وفرنسا وألمانيا قادرة الآن على بلوغ الفضاء.في حقل تصوير الفضاء، بدأت المسبارات تزوّد بيانات بصرية لم يسبق لها مثيل وبيانات أخرى عن الأشياء الفلكية. مثلاً، أرسلت بعثة غاليليو في العام 1989 صوراً بالأشعة تحت الحمراء لكوكب الزُهرة وصوراً بصرية للكويكب Ida قبل متابعتها إلى كوكب المشتري.لم تحقّق أنظمة الإلكترونيات الفضائية نجاحات دائماً. ففي يناير 1986، انفجر المكوك الفضائي تشالنجر بعد إقلاعه بفترة قصيرة. عُزي سبب العطل إلى وصلة حلقة O فيها عيوب وإلى "الإدارة السيئة" في الناسا. سيستمر برنامج المكّوكات بالعمل من دون حوادث رئيسية لمدة 17 سنة أخرى إلى أن عانى المكّوك كولومبيا من عطل ميكانيكي وتحطَّم في 1 فبراير 2003. أصبحت الأقمار الاصطناعية أيضاً مشهورة بأعطال مختلفة الأنواع ما بعد الإطلاق، رغم أن برنامج المكّوكات سمح بإصلاح بعضها في الفضاء. أشهر عملية إصلاح في الفضاء جاءت بعد إطلاق تلسكوب إدوين ب. هابل الفضائي. فبعد أن أصبح التلسكوب في الفضاء اكتشف المهندسون عيباً في تصميمه. قام طاقم المكّوك بتصحيح المشكلة لاحقاً بتركيب كاميرا CCD جديدة مصممة لتصحيح العدسات المُعيب لمرآة هابل الكبيرة.ميراث ابتكارات الحرب الباردةشهدت الثمانينات والتسعينات تحوّل العديد من الابتكارات التي ظهرت خلال العقود الثلاثة السابقة لتصبح موطَّدة في الحياة اليومية. الرادار، مثلاً، أصبح مفيداً جداً في الاقتصاد لدرجة أن إضراباً لمراقبي الحركة الجوية في الولايات المتحدة في العام 1981 حفَّز على صدور قرار رئاسي مباشر لتجنّب توقف مُفجع لحركة الملاحة التجارية. كانت الاختراعات السابقة تنتشر أيضاً إلى أبعد من أسواقها الأولية، فتتبع أحياناً تطوّر وسائل إنتاج المكوّنات الإلكترونية الرئيسية بكميات كبيرة كالليزرات وأنابيب الموجات الصُغرية. كان تطبيق تكنولوجيا الموجات الصُغرية مثلاً يقتصر بشكل كليّ تقريباً على الرادار والاتصالات عبر الفضاء والتراسل الهاتفي البعيد المدى حتى الثمانينات. وهناك تطبيق متخصص له على هيئة رادار للشرطة تعود جذوره إلى الستينات وأصبح مألوفاً في السبعينات قبل ظهور نظير له هام تجارياً هو مكتشِف الرادار في الثمانينات. ظهرت أفران المايكروويف للاستعمال في المطابخ في الستينات، لكنها أصبحت فجأة أداة أساسية في المطبخ فقط في الثمانينات. بدأ التراسل الهاتفي الخليوي، وهو نظام يرتكز أيضاً على تكنولوجيا الموجات الصُغرية، بدايةً قويةً في أوروبا واليابان ثم غزا السوق الأميركي الشمالي في أواخر الثمانينات. بأسلوب مشابه، انتشرت الاستخدامات التجارية لليزرات بعد حوالي العام 1980 لتشمل ليس فقط الأنظمة العسكرية بل أيضاً نطاقاً كبيراً من الاستخدامات الطبية، والمنتجات الاستهلاكية كأجهزة تشغيل كاسيتات الفيديو والأقراص المضغوطة السمعية، وحتى أشياء دنيوية في نهاية المطاف كأقلام التأشير الليزرية.الصناعةكانت هناك تغييرات كثيرة جارية في قطاعات تصنيع الكهربائيات والإلكترونيات. كانت قطاعات الإلكترونيات الاستهلاكية الأميركية ميتة تقريباً في العام 1980. فقد بدا صانعو التلفزيون وراديو السيارة القلائل المتبقين، كصانع التلفزيونات كورتس مايثس وصانعي الراديو ومعدات الاتصال الفخورين في الماضي دلكو وموتورولا، يتجّهون نحو النسيان. بدأت شركات الأجهزة الآسيوية تُهلِك منافساتها الأميركية في الثمانينات عندما بدأت بتصنيع رقائق ذاكرة الكمبيوتر لأول مرة، وهي استراتيجية ساعدت أيضاً في تأخير ظهور صناعة قوية للرقائق في أوروبا.وحطَّت موجة قوية من "تحرير القيود القانونية" على قطاعات الاتصالات في الثمانينات. الحدث الرئيسي في الولايات المتحدة كان قرار شركة الهاتف والتلغراف الأميركي (أو AT&T) في أوائل العام 1982 بتسوية ما أصبح دعوى قضائية طويلة لمكافحة الاحتكار رفعتها وزارة العدل قبل سنوات. فقد وافقت AT&T، بعد أن كانت تشكّل احتكاراً لمدة طويلة، على أن تجرِّد نفسها من حق شركاتها بَل سيستم البالغ عددها 22 التي تدير شبكات الهاتف المحلية في مناطق مختلفة من البلاد. كان سيتم تقسيم بَل سيستم إلى سبع شركات "بَل أطفال"، بينما ستحافظ AT&T على أعمالها التصنيعية والمكالمات البعيدة المسافة. كان للتفكيك تأثيرات كبيرة. فقد حافظت شركات بَل الأطفال على احتكار وهمي على الخدمة المحلية، لكن برز فوراً العديد من مزوّدي الخدمة البعيدة المسافة لينافسوا AT&T. فقد غزت شركات من كل أنحاء العالم فجأة أسواق معدات الهاتف من مجوعات التبديل إلى مجموعات الهاتف المنزليّ. وكانت MCI الرائدة في حقل الخدمة البعيدة المسافة، وهي شركة كانت في الواقع منافس صغير لـ AT&T في الخدمة البعيدة المسافة قبل الثمانينات. باستعمالها أبراج الموجات الصُغرية، شيَّدت MCI (وكانت في أحد الأيام اختصاراً لـ Microwave Communication Incorporated، شركة الاتصالات بالموجات الصُغرية) خط "جذع" عالي الحجم بين شيكاغو وسانت لويس، ميزوري. انطلاقاً من هذا العمود الفقري، بَنَت الشركة شبكتها بسرعة لتربط معظم المدن الرئيسية في الولايات المتحدة.بعد إتمام تحرير القيود القانونية، بدأت شركات أخرى بإنشاء شبكات خاصة بها باستعمال تكنولوجيا الموجات الصُغرية أو الألياف الضوئية. في العام 1982 مثلاً، بيع نظام التلغراف المُسنّ لشركة سكك الحديد لجنوبي الهادئ، والمسمى شركة اتصالات جنوبي الهادئ، للشركة GTE. بَنَت GTE شبكةً جديدةً على حق المرور الشامل في جنوبي الهادئ، فنشأت الشبكة التي ستصبح لاحقاً أساس شركة سبرينت.نفس القرار الذي أدّى إلى تفكيك AT&T إلى عدة شركات منفصلة أدّى أيضاً إلى استقلالية مختبرات بَل التي كانت مُلكاً لـ AT&T في الأصل، وأصبحت شركة لوسنت. بقيت وسترن إلكتريك جزءاً من AT&T، لكنها وجدت أن سوق معدات الهاتف قد تغيَّرت. فمن وجهة نظر المستهلك، أبرز فرق كان أن النمط القديم لهواتف المكتب والمنزل القوية البسيطة الثقيلة جداً اختفى في غضون بضع سنوات، وحلت محله أجهزة أرخص ذات نوعية رديئة أكثر يجب استبدالها كل بضع سنوات بدلاً من استعمالها لعقود.شهدت تلك السنوات نهضة ثانية في العديد من شركات الإلكترونيات الأميركية القديمة، كجنرال إلكتريك وموتورولا وهيولت باكارد. أصبح جاك ولش في العام 1981 المدير العام لجنرال إلكتريك، وهي شركة مُسنّة تعود إلى أيام اختراع إديسون للمبة. أصبح ولش رمزاً "للاقتصاد الجديد" في التسعينات، خاصة بعد كتاب المؤلف روبرت سلاتر في العام 1998 "جاك ولش وأسلوب جنرال إلكتريك". ازدادت إيرادات الشركة من $25 مليار إلى $90 مليار في العام 1998 وأعاد إحياء صورة جنرال إلكتريك كشركة مبتكِرة.الكمبيوترات والشبكاتحصل تطوّر رئيسي منذ حوالي العام 1980 كان تكاثر الكمبيوترات في المنازل والمكاتب وكل مكان آخر تقريباً. فقد ألهَمَ الكمبيوتر الصُغري المرتكز على الدارة المتكاملة اختراع أدوات صناعية واستخدامات كمبيوتر مضمَّنة لا تُعد ولا تُحصى. كان المهندسون الكهربائيون من بين أوائل مَن اختبر هذا الانتقال بعد أن أعاد الصانعون تصميم آلات اختبارهم "المعيارية" لتشتمل على رقائق كمبيوتر. في غضون ذلك ورغم أن عدداً قليلاً من المستهلكين كانوا يُدركون ذلك، كان يجري استبدال كل الأنظمة الميكانيكية والإلكترونية من حولهم بمرادفات مرتكزة على معالج صُغري أو متحكم صُغري، من بينها آلات تسجيل النقود، الصرّافات الآلية، أنظمة إدارة محرّكات السيارات، مسجّلات الفيديو، ومضخّات الوقود.الذاكرات الفقاعيةبالنسبة لحقل الأجهزة، إحدى نقاط التحوّل التي حدثت في فترة بضع سنوات على طرفَي العام 1980 كانت الانتصار الكامل لذاكرات أشباه الموصِّلات. من بين التكنولوجيات العديدة المُفخَّمة كبدائل لذاكرة النواة، ربما كانت الأكثر مغالاة هي ما يسمى الذاكرة الفقاعية. كان جهاز الذاكرة الفقاعية المغنطيسية لمختبرات بَل أحد الأجهزة الإلكترونية الاختباريّة الأكثر تداولاً في أحاديث الناس خلال الستينات والسبعينات - وأحد أكبر خيبات الأمل للمهندسين الذين عملوا عليه. عمِل باحثو مختبرات بَل لسنوات مع أجهزة تخزين البيانات المغنطيسية أو الكهرومغنطيسية من مختلف الأنواع لأهداف تتعلق ببدّالات الهاتف والكمبيوتر. لقد حقّقوا نجاحاً كبيراً، مثلاً، في تصميم وتصنيع الذاكرات المغنطيسية النواة في الخمسينات والستينات. لكن تلك الذاكرات تطلّبت دارات "قيادة" بأنبوب مفرَّغ خارجي (أو لاحقاً ترانزستور)، وكان الباحثون يبحثون باستمرار عن طرق لجعلها أصغر وأرخص.طوَّر علماء المواد، بعضهم مرتبط بمختبرات بَل، أنواعاً معيّنة من المواد المغنطيسية يمكن فيها تحريك رُزم فردية أو ميادين من المغنطيسية تحت تأثير حقول كهربائية مطبَّقة. أُعيد رائد الترانزستورات ويليام شوكلي إلى مختبرات بَل بدوام جزئي في العام 1965 وطوَّر اهتماماً في "أجهزة الميدان-الجدار" تلك، حيث بدأ المشروع يلقى اهتماماً أكبر. وأدّى التقدّم المستمر في المختبر إلى دفع المتهوِّر جاك مورتون من مختبرات بَل إلى الإعلان في العام 1969 عن أن ذاكرات فقاعية مغنطيسية (مثلما أصبحت تُعرف الآن) ذات سعات تبلغ ملايين البتات ستكون ممكنة قريباً.وحصل تقدّمٌ حاسمٌ كان اكتشاف أندرو هـ. بوبيك أن الميادين المغنطيسية المتشكّلة في بعض أنواع بلّورات الغارنت كانت مستديرة ويمكن تحريكها في البلّور بسهولة. كان باحثو مختبرات بَل يُدركون مدى التقدّم في حقل ذاكرات الدارة المتكاملة وقرّروا أن الذاكرة الفقاعية ستكون منافساً للأقراص والأسطوانات المغنطيسية الجاري استعمالها في الكمبيوترات والاستخدامات المشابهة. حوّلوا انتباههم إلى هذا الحقل، وطوّروا عدداً من أنظمة التخزين التسلسلي (التي تنقل كميات كبيرة من المعلومات إلى الذاكرة ومنها ضمن دفقٍ). لكن مصمّمي أجهزة التخزين المغنطيسي لم يستسلموا بسهولة، ومع ارتفاع كثافة تخزين الأقراص المغنطيسية وانخفاض التكاليف، بدأت الذاكرة الفقاعية تبدو كعبء ثقيل لا طائل منه.بذلت AT&T جهداً لتسويق الذاكرة الفقاعية ضمن نظام بَل. وتم الإعلان عن أول منتَج يستعمل الجهاز الجديد في العام 1976، وهو كان مذيع رسائل صوتية بنصف ميغابت من الذاكرة الفقاعية يخزّن 24 ثانية من الأصوات المسجَّلة مسبقاً. كان هذا المنتَج ملائماً لقطاع الهاتف، حيث كانت الإعلانات المسجَّلة مسبقاً تصبح شائعة أكثر فأكثر، وحيث حلّ جهاز الذاكرة محل الأنظمة المرتكزة على الشريط المغنطيسي غير الموثوق. كانت الذاكرات الفقاعية أيضاً موثوقة أكثر على الأرجح من ذاكرات الشريط أو القرص المستعملة في الأنظمة العسكرية القاسية البيئة. كانت الدعاية التي قامت بها AT&T لهذا المنتَج الجديد كبيرة، وقد بدا لبعض الوقت في أواخر السبعينات كما لو أن الذاكرة الفقاعية ستخدم الأسواق المتخصصة إلى جانب تكنولوجيات الذاكرة السيليكونية التي كان يجري تطويرها وقتها.لكن تلك السوق انهارت بعد ذلك بقليل. وعزا أندرو بوبيك، أحد قادة مشروع الذاكرة الفقاعية في AT&T، سبب ذلك إلى المشاكل التقنية والاقتصادية، ذاكراً أن زيادة كثافة التخزين في الأجهزة أدّت إلى مشاكل التلوّث في المواد وأدّت إلى إجراءات مراقبة النوعية الطويلة التي جعلت الذاكرات أغلى. مع تراجع الحماسة ضمن المؤسسة التي كانت داعمها الرئيسي، كان من غير المحتمل أن يستمر التطوير في مختبرات بَل، وبالفعل اختفت الذاكرة الفقاعية في الثمانينات.آخر خبر عن بيل شوكليفي منتصف الخمسينات، ترك ويليام شوكلي مختبرات بَل ليؤسس شركة ترانزستورات خاصة به وأحضر معه عدداً من أفضل وأبرز المهندسين في هذا المجال. في العام 1956، نال جائزة نوبل للفيزياء مع جون باردين وويليام براتين، وكانت شعبيته عالية. لكن الموظفين لديه بدأوا ينزعجون أكثر فأكثر من شخصيته المتقّلبة، التي سبّبت له مشاكل أيضاً في مختبرات بَل. كانت تنتابه ثورات من الغطرسة والغضب، وبالتالي نادراً ما كان شخصاً يسهل العمل معه. كانت وقاحته واضحة لكل الموظفين الجدد منذ أول لحظة تقريباً يُجري فيها مقابلة معهم (كان مشهوراً بإخضاع الأشخاص لاختبارات "ذكاء" خاصة خلال المقابلة)، لكن الإغراء بالعمل لدى بيل شوكلي الشهير كان قوياً.لكنه من الواضح لم يكن قوياً كفاية لأنه بعد سنة فقط من بدء عمل الشركة، كان معظم أفضل الباحثين في شوكلي سيميكونداكتر جاهزين للاستقالة. وبالفعل استقال ثمانية منهم في سبتمبر 1957، وقد أسماهم شوكلي "الثمانية الخونة"، وأسّسوا قسم أشباه الموصِّلات في شركة فيرتشايلد سيميكونداكتر، التي نمت لتصبح إحدى أهم شركات أشباه الموصِّلات في الستينات.في غضون ذلك، قبِل شوكلي دعوةً ليصبح أستاذاً في جامعة ستانفورد في العام 1963. وبينما تابَع أبحاثه على أشباه الموصِّلات، بدأ أيضاً يطوّر نظريات عن الذكاء والنسل. في العام 1965، كَتَب مقالاً في مجلة U.S. News & World Report عنوانه "هل تتراجع نوعية السكان الأميركيين؟". ادّعى المقال، من بين أشياء أخرى، أن برامج التأمينات الاجتماعية كانت تؤثر على المَيل الطبيعي للتخلّص من الضعفاء والحمقى بين السكان من خلال الأمراض أو الموت غير المقصود. لقد صنَّف السكان الأميركيين من أصل أفريقي بأنهم أقل ذكاءً من البيض، وحذَّر من أن أعدادهم تزداد أسرع من ازدياد البيض. كانت كل إدعاءات شوكلي متوقّعة بسبب علم تحسين النسل من القرن التاسع عشر الذي كان له تأثير رئيسي على النظريات العنصريّة في القرن العشرين. لم تؤثّر القوة المتزايدة لحركة الحقوق المدنية بشيء على آراء شوكلي، وبدأ أصدقاؤه وزملاؤه في جامعة ستانفورد يتجنّبونه. تشبّث شوكلي بآرائه غير الشعبية حتى النهاية، وتوفّي من سرطان البروستات في العام 1989. قامت دار نشر خاصة بتحرير ونشر كتاباته ومقابلاته عن موضوع التركيب الوراثي في العام 1991 تحت عنوان "شوكلي عن علم تحسين النسل والعِرق".الكمبيوترات الشخصية والانترنتشهدت أوائل الثمانينات زيادة ملفتة للنظر في مبيعات الكمبيوترات الشخصية للأشخاص العاديين. فقد أدّت الجهود المتضافرة لمهندسي الأجهزة ومصممي البرامج إلى جعل الكمبيوتر أصغر وأرخص ومفيداً أكثر. بدأ ملايين الأشخاص بشراء كمبيوترات منزلية صنع كومودور وأوزبورن وكومباك وأميغا وتكساس انسترومنتس وأبل. وهناك لحظة لا تُنسى في تاريخ الكمبيوتر الصُغري كانت تقديم شركة IBM للكمبيوتر الشخصي، أو PC، في أوائل العام 1981 وقد تلاه في العام 1984 الجيل الثاني لكمبيوتر أبل المروَّج له أكثر بكثير والذي يدعى ماكنتوش. وقد أدّت البرامج الجديدة الملائمة ليستعملها العمال أو المستهلكون العاديون إلى تحويل الكمبيوتر إلى أداة متعددة الأهداف لمسك الدفاتر والنشر والترفيه. ورغم أن تحوّل الكمبيوتر الشخصي كان شيئاً غير محتمل، إلا أنه يصبح باهتاً بالمقارنة مع تحوّل الانترنت إلى وسيلة اتصالات شعبية. فقد نشأت الشبكة التي أصبحت الانترنت في ما بعد كأداة للأبحاث وقد استعملها في سنواتها الأولى مبرمجو الكمبيوتر والمهندسون بشكل حصري تقريباً، ثم انتشرت بسرعة في الثمانينات عندما تمكّن مستخدمو الكمبيوتر الشخصي من الوصول إليها، وبدأ يكون لها تأثير اجتماعي كبير في التسعينات. شكَّل تصميم وتصنيع واستعمال الكمبيوترات ومعدات التشبيك لحظات رخاء للمهندسين لم يكن يمكن أن تأتي في توقيت أفضل، إذا أخذنا بعين الاعتبار التخفيضات العديدة في الأبحاث العسكرية ما بعد الحرب الباردة. كانت البدايات المتواضعة لشركاتٍ مثل أبل كمبيوتر أسطورية في التسعينات، عندما بلغت الموجة الثانية لتكنولوجيا الكمبيوتر أوجها. وبرزت شركات جديدة لتزويد "أجهزة ملحقة" أو برامج أو خدمات جديدة مُبتكَرة للكمبيوتر. أُنشئت إحدى أكبر تلك الشركات في العام 1982 تحت إسم كونترول فيديو كوربوريشن، وهي شركة ألعاب فيديو إلكترونية. وأصبحت تدعى لاحقاً كوانتوم كمبيوتر سرفيزس وقد زوَّدت خدمة اتصال إلكترونية خصوصية لمجتمعات أبل وIBM. أدّى نجاح تزويد خدمات إلكترونية لمستخدمي الكمبيوتر الشخصي إلى نمو سريع وتغيير الإسم مرة أخرى: أصبحت كوانتوم كمبيوتر تدعى أميركا أونلاين (أو AOL) الشهيرة في العام 1989، وقد هيمنت على سوق مزوّدي خدمة الانترنت (أو ISP، المزوّد) في الولايات المتحدة في التسعينات.أدّت الكلفة المخفَّضة والنمنمة المتواصلة للإلكترونيات إلى ظهور كل أصناف النتائج الأخرى غير المتوقعة، ولم تكن كلها جيدة بالضرورة. رخّص رونالد ريغن لوكالة المخابرات المركزية (CIA) بإجراء نشاطات مراقبة ضمن الولايات المتحدة في العام 1981، وهذا حدثٌ بدا كأنه تحضيراً لوصول "مجتمع مراقب". كانت الكاميرات تظهر في كل مكان في الأماكن العامة والخصوصية، وقد مكّنتها ظهور تكنولوجيات الإلكترونيات الجديدة كمسجّلة الفيديو وكاميرات CCD المنخفضة الكلفة. وبعد انتشار الانترنت في أواخر الثمانينات، وخاصة بعد بناء الوورلد وايد وب (شبكة الوب العالمية) في التسعينات، أخذ التجسّس الإلكتروني شكلاً جديداً بعد أن بدأت الصور من كاميرات المراقبة تُرسل عبر الوب. وبحلول القرن الحادي والعشرين، وفقاً لأحد المصادر، كان هناك أكثر من 1,200 كاميرا مراقبة في كل ميل مربّع في مانهاتن، حيث كان يتم تصوير وجوه العديد من المقيمين بالكاميرات مئات المرات في اليوم. لم يكن واضحاً إلى أين تأخذ مجتمعنا تطوّرات الإلكترونيات الصُغرية تلك وغيرها من العقدَين الأخيرين من القرن، كما لم يكن واضحاً مَن الذي يتحكم بها، لكنه كان واضحاً أن الحياة في العقود الأخيرة من القرن العشرين أصبحت مشبَّعة بالإلكترونيات.الاستعمال المستمر للأنابيب المفرَّغةحقّقت تكنولوجيا الأنبوب المفرَّغ الموقَّرة شبه عودة في الثمانينات وما بعدها، بعد أن بدت أنها تتجّه إلى الزوال في الخمسينات. فقد حافظ بعض أنواع الأنابيب المفرَّغة على قابلية تطبيقها التجارية في الستينات والسبعينات، بالأخص أنابيب الموجات الصُغرية المرتفعة الطاقة المستعملة في التراسل الهاتفي والاتصالات العسكرية والاتصالات عبر الفضاء. في بعض الحالات، كنظام هاتف الموجات الصُغرية البعيد المسافة لـ AT&T، بقيت مضخِّمات الأنبوب المفرَّغ تُستعمل لمجرد أن إعادة تصميم النظام أو استبداله بواحد آخر كان مكلفاً أكثر من متابعة استعمال الأنابيب. بقيت مضخِّمات أنبوب الموجات الصُغرية تُستعمل في شبكة مُرحِّل الراديو الهاتف العابرة للقارات التابعة لشركة AT&T حتى العام 1982، عندما تم استبدالها بمضخِّمات تستعمل ترانزستورات.المغنترونات والكلايستروناتهناك أنبوبان تم اختراعهما في الثلاثينات لا يزالان يشهدان تحسينات ويُستعملان كمولِّدات موجات صُغرية بعد نصف قرن. بدءاً من الثمانينات، ظهرت مغنترونات منمنَمة ذات أداء أفضل واستقرار محسّن، وأدّت التصاميم الأفضل، بما في ذلك استعمال مغنطيسات كوبلت الساماريوم، إلى تحسين كثافة قوتها (مصطلح يُستعمل لوصف التيار الأقصى الذي يمكن أن ينساب عبر الجهاز) بأكثر من عشرين ضعفاً بالمقارنة مع المغنترونات المماثلة من السبعينات. أدّت الوثوقية والحجم المضغوط والكلفة المنخفضة نسبياً للمغنترون إلى مواصلة استعماله في فرن المايكروويف المنزلي، والتي ارتفعت مبيعاته بمقدار هائل في الثمانينات. في نهاية القرن العشرين، كانت تُباع عشرات ملايين المغنترونات لأفران المايكروويف كل سنة. وقد شهدت الكلايسترونات المستعملة كمضخِّمات فعّالة عالية الكسب بعض التحسينات، وكانت لا تزال شائعة الاستعمال في استخدامات كمرسِلات التلفزيون UHF وأنظمة الاتصال الأخرى. لأنه يمكنها معالجة مستويات مرتفعة جداً من الطاقة، كانت تُستعمل الكلايسترونات في الاستخدامات العلمية أيضاً كمسرِّعات الجُسَيمات، حيث هناك حاجة إلى موجات صُغرية تصل قوتها إلى مئات ملايين الواطات.لكن في نهاية القرن، بدأ يبدو كما لو أن أيام الأنبوب في استخدامات الموجات الصُغرية أصبحت معدودة. فقد كانت أجهزة أشباه الموصِّلات تفترس الاستخدامات المتبقية الواحدة تلو الأخرى. وأكثر من ذلك، كانت تظهر استخدامات جديدة لأجهزة الموجات الصُغرية لم تكن الأنابيب المفرَّغة بكل بساطة قادرة على المنافسة فيها. في العام 1960، شيَّد كارفر ميد (مهندس مشهور أكثر لمساهماته اللاحقة في تصميم رقائق التكامل الفائق، VLSI) ما كان واضحاً أنه أول ترانزستور حقليّ بشبه موصِّل ومعدن زرنيخيد الغاليوم (GaAs) (أو معدن-شوتكي) (MESFET). سمح هذا الجهاز، وهو أحد تنويعات الموسفت (MOSFET)، بالعمل عند تردّدات أعلى من الموسفت التقليدي، وأعطى الأمل بدارات موجات صُغرية متكاملة جداً ورخيصة. لكن تصنيعه كان أصعب من الموسفت الاعتيادي، وبقي في المختبرات لأكثر من عقد. ثم عاود الظهور في أواخر الثمانينات، عندما بدأ يزداد الاهتمام بأجهزة موجات صُغرية رخيصة. في ذلك الوقت، لم تعد الاتصالات بالموجات الصُغرية محصورة بالأقمار الاصطناعية والتراسل الهاتفي البعيد المسافة. فقد أصبحت أجهزة الموجات الصُغرية تُستعمل بشكل كبير في الهواتف الخليوية وبقية الأجهزة الاستهلاكية.الأجهزة الجيروسكوبية وليزر الإلكترونات الحرةكان هناك مَيل مهم آخر هو تسويق المُذبذِب/المضخِّم الجيروسكوبي وليزر الإلكترونات الحرة (أو FEL، وهو نوعٌ من الليزرات يعتمد على تكنولوجيا الأنبوب المفرَّغ)، وقد تم اختراع كليهما في الستينات. أدّت التحسينات في الأجهزة الجيروسكوبية إلى الاستخدام العملاني للآلات العلمية باستعمال الأطوال الموجيّة 1-10 ملليمتر. كانت الرغبة باستعمال التسخين بالموجات الصُغرية في الأبحاث المتقدمة عن الانصهار النووي هي أحد المحفّزات الرئيسية لتلك التحسينات. كما كان هكذا تسخين "بالبلازما" هو القوة الدافعة خلف تحسينات ليزر الإلكترونات الحرة. تولّد ليزرات الإلكترونات الحرة هذه الأيام طاقةً عند أطوال موجيّة دون الميلليمتر في نطاق الأشعة تحت الحمراء، ويُتوقَع أن يصبح بالإمكان تمديد نطاق تلك الأجهزة القابلة للتوليف إلى حزام الأشعة السينية.أنابيب الموجات المسافرةحقّقت أنابيب الموجات المسافرة (أو TWT) خطوات هامة في الثمانينات من خلال تغييرات في التصميم. مثلاً، ازدادت فترة حياة إحدى فئات أنابيب الموجات المسافرة من حوالي 9.5 إلى 15.8 سنة بينما ازداد إخراج طاقتها القصوى من 20 إلى 110 واط، وانفخض وزنها من حوالي 1.2 إلى 0.86 كيلوغرام بينما انخفضت أسعار تلك الأنابيب بشكل كبير. ظهرت مؤخراً وحدات طاقة هجينة ذات موجات صُغرية نوعها فراغ-شبه موصِّل، وهذه تضمّ أفضل ميزات أنابيب الموجات المسافرة وإلكترونيات شبه الموصِّل.هَيمنت أربع شركات على تصنيع تلك المكوّنات في التسعينات: Hughes Electron Dynamics Division في الولايات المتحدة وThompson Tubes Electroniques في فرنسا وAEG Microelectronics في ألمانيا وTMD Technologies Limited في المملكة المتحدة. بقيت فرنسا وروسيا والولايات المتحدة هي مركز أبحاث أنابيب الموجات المسافرة.بالكاد سيتمكن أي شخص معتاد على تكنولوجيا الخمسينات فقط من أن يعتبر العديد من تلك الأنابيب المرسلة والمستقبِلة للموجات الصُغرية كأنابيب مفرَّغة، لكنها حافظت على الأساس التقني لأنبوب الأوديون الأصلي. وأكثر من ذلك، يعود معظم نجاحها المستمر إلى تكاثر أنظمة الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية بدءاً من الثمانينات. مثلاً، تم إطلاق خدمة البث التلفزيوني المباشر عبر الأقمار الاصطناعية في العام 1983، مما أعطى أنابيب الموجات الصُغرية الفضائية (دون أن نذكر أنظمة إلكترونيات الفضاء الأخرى) دفعاً جديداً. ووقّعت شركة Satellite Television، وهي شركة تابعة لـ Comsat Corp.، اتفاقية لبناء قمر اصطناعي لهذا النظام باستعمال مضخِّم أنابيب موجات مسافرة قوته 200 واط.الأنابيب للأصواتفي نهاية السبعينات، كان لا يزال هناك بضعة صانعين للمعدات الصوتية المرتكزة على الأنابيب المفرَّغة يصنّعون مضخِّمات مكلفة جداً لسوق "محبّي السمعيات". لقد اعتمدوا بشدة على المخزون القديم للأنابيب التي بدأت تزداد صعوبة إيجادها في الثمانينات شيئاً فشيئاً. في الولايات المتحدة واليابان وأوروبا، توقّف تصنيع الأنابيب الملائمة للأصوات تقريباً كلياً في العام 1988، عندما توقف إنتاج ترايود وسترن إلكتريك الأخير ذي النوع 300B، وهو تصميم تم تقديمه لأول مرة في العام 1938. كان أحد الزبائن الرئيسيين للأنبوب في ذلك الوقت هو شركة إلكترونيات استهلاكية يابانية تدعى ليزر كانت تصنع كميات قليلة من المضخِّمات. في العام 1990، باع مصنع وسترن إلكتريك في مدينة كنساس آخر محتويات مخزونه.ومع ذلك، حقّق مضخِّم الأنبوب المفرَّغ للأصوات المنزلية عودةً جزئيةً إلى الأسواق في ذلك الوقت، وبدأت عشرات الشركات الصغيرة تقدّم تصاميم يعود العديد منها إلى دارة المضخِّم العالي الدقة لويليامسون الشهير من الأربعينات. وارتفعت الأسعار ارتفاعاً كبيراً بعد أن أصبحت الأنابيب الأميركية والأوروبية الصنع نادرة الوجود. لكن فجأة ظهر مصدر جديد للأنابيب. فمع تفكّك الاتحاد السوفياتي في أواخر الثمانينات، وصل الخبر إلى محبّي السمعيات الغربيين بوجود صانعين في الجمهوريات السوفياتية السابقة والصين لا يزالون يصنعون العديد من أنواع الأنابيب القديمة. كان لا يزال هناك طلب على الأنابيب في تلك البلدان لأن المعدات العسكرية القديمة الأنبوبية النوع وأجهزة الراديو الاستهلاكية كانت لا تزال تُستعمل بكثرة هناك. في الواقع، توسّع استخدام الأنابيب المفرَّغة في أجهزة السمعيات الاستهلاكية خلال العقد الأخير من القرن العشرين، بسبب قيام بعض الصانعين بشملها في تصاميم الأنواع الجديدة من المعدات كقارئات الأقراص المضغوطة.الدايود الباعث للضوء كتكنولوجيا للعرضدفعت التكنولوجيات الأخرى الدايود الباعث للضوء جانباً في العديد من الاستخدامات في العام 1980 بعدما كان الأساس لتكنولوجيا عرض إلكتروني تتطوّر. أهم تغيير في حقل الدايود الباعث للضوء كان تطوير تكنولوجيا تصنيع بتقيُّل في المرحلة السائلة في أوائل الثمانينات، مما سمح بتصنيع الدايودات الباعثة للضوء من زرنيخيد ألومنيوم الغاليوم (GaAlAs) وليس من السيليكون أو زرنيخيد الغاليوم (GaAs). تم الإعلان عن هذه التكنلوجيا ( التكنولوجيا ) من قِبل ناشونال سيميكونداكتر أوبتوإلكترونيكس (سابقاً Xciton) في العام 1982. زوَّد زرنيخيد ألومنيوم الغاليوم أداءً متفوقاً بشكل كبير على التكنولوجيا الأقدم للدايود الباعث للضوء، بسطوع أقوى عشر مرات بسبب الفعالية المتزايدة. كانت تلك الدايودات الباعثة للضوء الجديدة أكثر سطوعاً بثلاث مرات إلى عشرين مرة من المصابيح المتوهجة المماثلة، وبدأت في أواخر الثمانينات عناقيد من الدايودات الباعثة للضوء تستبدل اللمبات المتوهجة في الاستخدامات الخارجية كأضواء فرامل السيارات والشاحنات، إشارات المرور، أضواء مدارج المطارات، واللوحات الإعلانية. تتطلّب الدايودات الباعثة للضوء المصنوعة من زرنيخيد ألومنيوم الغاليوم فولطية منخفضة لكي تعمل، مما يجعلها فعّالة أكثر من حيث الكلفة من اللمبات المتوهجة في استخدامات عديدة. وسرعان ما تم تصميمها في أنظمة كماسحات الباركود (barcode)، أنظمة الألياف الضوئية، المعدات الطبية، واستخدامات أخرى. وأصبحت باعثات الأشعة تحت الحمراء مثلاً، التي مكّنتها الدايودات الباعثة للضوء المصنوعة من زرنيخيد ألومنيوم الغاليوم، شائعةً في أزرار التلفزيون، ساعات التوقيت لمحرّكات الأقراص، مؤشرات نهاية الشريط، والمفاتيح البصرية.لسوء الحظ، ظلت الدايودات الباعثة للضوء الجديدة تواجه عائقَين خطيرَين. أولاً، يمكن استعمال زرنيخيد ألومنيوم الغاليوم لإنتاج دايودات باعثة للضوء حمراء فقط. وقد شهدت الدايودات الباعثة للضوء الصفراء والخضراء والبرتقالية تحسينات طفيفة فقط خلال هذا الوقت ناتجة عن التطويرات في تكنولوجيا العدسات وأساليب تنمية البلّور. ثانياً، يميل الضوء الصادر عن الدايودات الباعثة للضوء المصنوعة من زرنيخيد ألومنيوم الغاليوم إلى الانخفاض بمقدار يصل إلى 50 بالمئة بعد 50,000-70,000 ساعة فقط من العمل. كانت هذه مشكلة كبيرة في البيئات الحارة والرطبة. حاول مصممو الدايود الباعث للضوء حل تلك المشاكل بعدة طرق، أهمها كان استعمال تكنولوجيا ليزر الدايود لتطوير دايودات باعثة للضوء مصنوعة من فوسفيد ألومنيوم غاليوم الإنديوم (InGaAlP). تتميّز الدايودات الباعثة للضوء المصنوعة من InGaAlP، التي تم تقديمها في البدء للوحات المضاءة وبقية الاستخدامات الخارجية الأخرى حوالي العام 1990، بالسطوع المرتفع جداً والوثوقية. لأن بعض نواحي تصميم دايود باعث للضوء مصنوع من InGaAlP تسمح بتعديل لون الضوء الصادر فإن هذا النوع من الدايودات الباعثة للضوء يعطي مرونة أكبر من الأنواع الأخرى. بالنتيجة، يمكن إنتاج دايودات باعثة للضوء حمراء وصفراء وبرتقالية وخضراء باستعمال نفس التكنولوجيا الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، تم تحسين انخفاض الضوء الصادر بشكل كبير بالمقارنة مع الدايودات الباعثة للضوء المصنوعة من زرنيخيد ألومنيوم الغاليوم، حتى في البيئات الحارة والرطبة.في نهاية الثمانينات، بدأ تطوير دايودات باعثة للضوء عضوية (أو OLEDs) عمليّة تجارياً يبدو كهدف ممكن تحقيقه. هناك بعض المواد العضوية التي تسمى بوليمرات مترافقة تتصرف كأشباه موصِّلات بعض الشيء ويمكن جعلها تصبح دايودات. كانت استخداماتها الأولى تشتمل على استعمالها في آلات النسخ، حيث تلعب دوراً في اكتشاف الصور وإعادة إنتاجها على الورق. لاحقاً، عثر تشينغ تانغ وستيف فان سلايك من كوداك على طريقة لاستعمالها كباعثات للضوء. بسبب سطوعها وسهولة تصنيعها، توقَّع الكثيرون أن تحل الدايودات الباعثة للضوء العضوية محل الدايودات الباعثة للضوء شبه الموصِّلة العادية. كما أن المواد العضوية سهّلت نسبياً تشييد مصفوفات مرتفعة الكثافة من الدايودات الباعثة للضوء العضوية، مما أدّى إلى تقديم شركة بايونير أول شاشة كمبيوتر تعمل بالدايودات الباعثة للضوء العضوية.أجهزة العرض بالبلّور السائلأجهزة العرض بالبلّور السائل (LCDs)، التي تم تسويقها كمنافسات لأجهزة العرض الرقمي بالدايود الباعث للضوء البسيط في السبعينات، ستُستعمل لاحقاً في الثمانينات لأهداف الفيديو وشاشات الكمبيوتر أيضاً. هذا هو الاستخدام التجاري الذي جعل تكنولوجيا العرض بالبلّور السائل والتكنولوجيات المرتبطة تتفوّق في حقل العرض. كانت توشيبا أول من قدّم جهاز عرض بالبلّور السائل كبيراً نسبياً في منتَج كمبيوتريّ في العام 1982، عندما ضمَّنت واحداً في معالج نصوصها المستقل.بما أن جهاز العرض بالبلّور السائل العادي يعكس الضوء لكن لا يولّده، يجب أن تكون أجهزة العرض بالبلّور السائل العملانية مُضاءة من الخلف عادة، وهذا صعّب تصميم أجهزة عاملة على البطاريات. واستفادت أجهزة العرض بالبلّور السائل، التي كانت لا تزال في أوائل الثمانينات قادرة على العرض بالأسود والأبيض فقط، من تطوير ما يسمى تكنولوجيا الصفيفة النشطة، التي تعمل فيها دارات ترانزستورات رفيعة الفيلم مضافة إلى صفيفة العرض بالبلّور السائل كمعدِّلات دقة لعملية فك بنية البلّور السائل. الآن، بدلاً من وجود بكسل يكون إما "مشتغلاً" أو "غير مشتغل"، أصبح ممكناً إعطاء الصورة تنويعات دقيقة لتدرّج الرمادي، كتلك المتوفرة في شاشة التلفزيون الأبيض والأسود. كما أن تصميم الصفيفة النشطة يمكّن أيضاً من مخاطبة كل بكسل فردياً بدلاً من مسحها الواحد تلو الآخر، وهذا يساعد في تنفيذ تغييرات سريعة على الصورة (مثلما يجري في التلفزيون أو الألعاب أو الصور المتحركة الأخرى). أدّى تطوير تكنولوجيا الصفيفة النشطة إلى تطوير مصفوفات عرض بالبلّور السائل كبيرة نسبياً، مما جعل الاستخدامات كالعروض المسطَّحة اللوح للكمبيوترات والتلفزيونات ممكنة. بالطبع، الكلمة "كبيرة" نسبية - فأولى تلفزيونات العرض بالبلّور السائل التي قدَّمتها سوني وسايكو في العامين 1983 و1984 كانت لها شاشات بمسافة قطرية تبلغ بضع بوصات فقط، وازدادت تلك المسافة إلى 6-10 بوصات في العام 1985.تم تقديم أجهزة العرض بالبلّور السائل الملوّنة للكمبيوتر والتلفزيون لأول مرة في العام 1988 من قِبل شركة شارب. ينقسم كل بكسل في هكذا أجهزة عرض ملوّنة إلى ثلاثة بكسلات فرعية تتم رؤيتها من خلال مصفاة حمراء أو خضراء أو زرقاء. قدّمت شركات عديدة أجهزة عرض بالبلّور السائل ملوّنة بالترانزستور الرفيع الفيلم لها شاشة بمسافة قطرية تصل إلى 14 بوصة. صحيح أن هذه الزيادة كانت سريعة، يجب أن نتذكّر أن التلفزيونات قياس 14 بوصة (باستعمال أنابيب أشعة الكاثود) كانت قد أصبحت متوفرة قبل العام 1950. ورغم محافظة أنبوب أشعة الكاثود على مكانته في التلفزيونات في الوقت الحاضر، إلا أن أجهزة العرض بالبلّور السائل هيمنت بسرعة على سوق الكمبيوترات المحمولة.حصلت تحسينات عديدة على تكنولوجيا العرض بالبلّور السائل الأساسية في السنوات اللاحقة، وبدأت أجهزة العرض توضَع في الهواتف الخليوية والكمبيوترات المحمولة باليد والألعاب والأجهزة الأخرى. في العام 1995، تم إنتاج حوالي 10 ملايين مصفوفة عرض بالبلّور السائل للكمبيوترات الشخصية، بشكل رئيسي للنوع "كمبيوتر المفكرة" المحمول. تضاعف هذا الرقم في العام 2000.بلوغ الـ CCD سن الرشدتخيَّل مخترعو الـ CCD في مختبرات بَل أن أفضل استخدام للجهاز قد يكون كجهاز ذاكرة سريعة أو كمسجّل إزاحة، ليتنافس مع منتَج آخر صنع AT&T هو الذاكرة الفقاعية. مثلما تبيَّن، تم تجاوز قدرات الذاكرة الفقاعية وذاكرة الـ CCD بشكل غير متوقع بفعل التطوّرات الجارية في ذاكرات أشباه الموصِّلات. تم نفي الاثنين إلى صندوق القمامة، لكن المرونة المتأصلة للـ CCD أعطت المهندسين فرصاً لتطبيقها في مكان آخر. حقّقت الـ CCD بعض النجاح التجاري كرقاقة للكمبيوتر، لكن كان لها تأثير دراماتيكي أكثر كبديل للفيلم الفوتوغرافي ولأنابيب كاميرا الفيديو.مثَّل ظهور الـ CCD تغييراً رئيسياً في حقل أنظمة التصوير الفضائي. بدأ استعمال مصفوفات الـ CCD الخطيّة المرتفعة الكثافة في الثمانينات لمعاينة شرحة من مساحة سطح (كسطح كوكب الأرض)، وكان يتم توصيل إخراج تلك الشرحات إلكترونياً لتشكيل صورة أكبر. أول نظام يستعمل هكذا مسح "عرضيّ" (pushbroom) كان قمراً اصطناعياً ألمانيَ التصميم. واستعملت أجهزة التصوير CCD اللاحقة، كتلسكوب هابل الشهير، مصفوفات أكبر لالتقاط صور أكبر فورياً. كانت تكنولوجيات التصوير CCD حسّاسة أكثر بكثير من الأنظمة الفوتوغرافية أو الفيديكون (الأنبوب المفرَّغ) المماثلة، وبالتالي ارتفعت بسرعة كبيرة الدقة المتوفرة من الكاميرات الفضائية. أطلق الجيش أقمار التصوير الاصطناعية CCD الأكثر تطوّراً، القادرة على تصوير الأشياء الصغيرة على الأرض حتى مسافة متر أو مترين، وأخذ يستعملها لأعمال التجسّس المثيرة للجدل. أدّى إنتاج الـ CCD بكميات ضخمة في نهاية المطاف إلى شمله في كاميرات الفيديو وكاميرات الصور الثابتة. أصبح الـ CCD في التسعينات هو النموذج المسيطر تجارياً لجهاز التصوير الإلكتروني.أجهزة استشعار الجوامد: قدوم الأنظمة الكهربائية الميكانيكية الصُغرية (MEMS)حصل تطوّر هام في الثمانينات كان ظهور عدة أنواع جديدة من أجهزة استشعار الجوامد لاكتشاف الضوء أو الضغط أو الحرارة أو الموضع الميكانيكي أو ميزات أخرى للـ "العالم الحقيقي". كان الكثير من التكنولوجيات الجديدة تصبح رقمية لدرجة أن المهندسين كانوا يبحثون عن طرق لدمج أجهزة الاستشعار التماثلية التقليدية بالمعدات الرقمية بشكل أفضل. كان بعض أجهزة استشعار الجوامد، كتلك التي ترتكز على الأجهزة الكهربائية الانضغاطية، يتواجد منذ عقود لكن عددها كان قليلاً. ومع تزايد استخدامات الإلكترونيات الرقمية، وخاصة بعد أن بدأت تشمل البنود الاستهلاكية، ازدادت الحاجة إلى تكنولوجيا استشعار رخيصة. الأمثلة الأولى للجيل الجديد للتكنولوجيا كانت مبدِّلات ضغط الجوامد صنع موتورولا وهانيوَلّ لأنظمة التحكم بمحرّكات السيارات التي تم تقديمها في العام 1980. كانت تعطي إخراجَ فولطية مباشراً يتنوّع رداً على الضغط، وكانت تُصنَع باستعمال الأساليب الموجودة لتصنيع الدارة المتكاملة.كانت هناك فئة جديدة من الدارات المتكاملة، تُستعمل كجهاز استشعار في أغلب الأحيان، هي الأنظمة الكهربائية الميكانيكية الصُغرية (أو MEMS) التي تم اقتراحها لأول مرة في الستينات لكن لم يتم تسويقها بشكل واسع حتى الثمانينات. كانت الفكرة وراء أجهزة الـ MEMS هي استعمال أساليب تصنيع الدارة المتكاملة لصنع أجهزة ميكانيكية صغيرة جداً، بعضها بأجزاء متحركة، يمكن ربطها بالإلكترونيات الموجودة على نفس الرقاقة. كان أحد الاستخدامات العملانية الأولى هو تجمّع الفوهات المجهريّة المستعملة في خراطيش الطابعات النافثة للحبر. في العام 1982، أُعيد تقديم أنظمة الوسادة الهوائية في السيارات (التي تم اقتراحها في الخمسينات) باستعمال أجهزة استشعار MEMS لاكتشاف وجود حادث. درسَت شركة Analog Devices Corporation هذه الفكرة وأنتجَت "مقياس التسارع" لأنظمة الوسادة الهوائية في العام 1991، حيث تم دمج الأجزاء الميكانيكية والإلكترونية على نفس الرقاقة. قدَّمت الشركة لاحقاً جيروسكوباً على رقاقة كان قادراً مثلاً على العمل مع نظام التموضع العالمي (GPS) في السيارة لإنشاء خرائط واتجاهات دقيقة أكثر للسائقين. لأن أجهزة الـ MEMS كانت صغيرة جداً، فقد بدأت تُستعمل داخل الجسم البشري أيضاً لتحقيق تشكيلة من الأهداف في التسعينات. اشتملت الاستخدامات المقترحة على مراقبة صمّامات القلب المعطّلة، وعمل مضخّات الأنسولين الصغيرة جداً، واستعمالات عديدة أخرى.الدارات المتكاملة في كل مكانبدأ تقارب الدارة المتكاملة والكمبيوتر مع تكنولوجيات الاتصالات، الجاري من قبل في العقود السابقة، يحوّل تقريباً كل قسم من المجتمع بدءاّ من العام 1980. وركّز عدد كبير من الأبحاث على عمليات الإنتاج للتكنولوجيات الموجودة، أو تنفيذ تحسينات (جذرية نوعاً ما أحياناً) على تصميم البنود التي أصبحت قياسية الآن كرقائق ذاكرة الكمبيوتر ورقائق المعالج الصُغري. بدأت الشركات الآسيوية والأوروبية اللحاق بمؤسسات الأبحاث الأميركية الرائدة وتفوّقت عليها أحياناً، بالأخص في تقديم أجهزة جديدة في الأسواق. وأدّت أزمة في إنتاج رقائق الذاكرة الأميركية إلى إجراء مراجعة مشدّدة لقطاع الرقائق بأكمله، بينما أدّى الانهيار اللاحق للاتحاد السوفياتي إلى تراجع شامل لأبحاث الأجهزة هناك. بقي التمويل الدفاعي يدعم عدداً كبيراً من أبحاث الأجهزة الجديدة، لكن نهاية الحرب الباردة كانت تعني أن جهود الأبحاث ستسير في اتجاهات جديدة.التكامل الفائق (VLSI)ظهر مصطلح طنان جديد في عالم الدارات المتكاملة في أواخر السبعينات هو التكامل الفائق (VLSI، اختصار very large-scale integration). فبعدما أُخذ المهندسون والمسوِّقون بالزيادة السريعة في عدد العناصر التي يمكن دمجها في الدارات المتكاملة للذاكرة، سعوا إلى إيجاد طريقة جديدة لوصف الارتفاع الكبير في عدد العناصر الفردية التي يمكن حشرها على رقاقة واحدة. بدا "التكامل الواسع" كافياً لبعض الوقت، لكن التطوّرات اليومية تقريباً في التكنولوجيا أدّت إلى زواله السريع. في السبعينات، كان المصطلح "التكامل الواسع" يشير إلى رقائق تتضمن 1,000 عنصر نشط على الأقل، بينما التكامل الفائق يشير إلى رقائق تتضمن عشرات آلاف العناصر النشطة. عندما ظهرت أولى رقائق التكامل الفائق في أوائل الثمانينات، كان المصطلح قد أصبح مسبقاً جزءاً من لغة الهندسة.في الثمانينات، زاد المهندسون أداء الرقائق MOS باستبدالهم بوابات الألومنيوم في الترانزستورات على تلك الرقائق بالبوليسيليكون. مكّنت بوابات البوليسيليكون من استخدام ترانزستورات الـ MOS ذات القناة n والقناة p معاً على نفس الدارة المتكاملة - وبالتالي يستطيع المرء تصميمَ رقاقةٍ MOS متممةٍ (أو سيموس). كانت الحسنة الرئيسية للسيموس استهلاكها المنخفض للطاقة، وأدّى استعمال بوابات البوليسيليكون في الواقع إلى تبسيط التصنيع وسمح بأحجام أصغر للأجهزة. النوع سيموس للرقائق هو الذي هَيمن على حقل التكامل الفائق في العام 2000.قدَّمت تكساس انسترومنتس رقاقة ذاكرة RAM سعتها 64 كيلوبايت في العام 1979 أعتُبرت من البشائر الأساسية لموجة التكامل الفائق. موَّل الجيش قسماً من أبحاث تطوير الرقاقة، لكنه لم يكن واضحاً ما إذا كانت هناك أسواق أخرى لهكذا دارات متكاملة مرتفعة الكثافة. لكن الاندفاع إلى التكامل استمرّ، وانفتحت الأسواق مع انخفاض الأسعار. شهد العام 1981 ظهور رقائق ذاكرة سعتها 64 كيلوبايت من ثلاثة صانعين على الأقل.في غضون ذلك، كانت تكنولوجيا التكامل الواسع القديمة تُستعمل لإنشاء مجموعات رقائق للكمبيوترات الإيوانية والكمبيوترات العملاقة الجديدة، كالكمبيوتر الإيواني الثلاثي الرقائق الذي قدَّمته إنتل في العام 1982 أو الكمبيوترات العملاقة على الرقائق التي قدّمتها كونترول داتا وبوروس. كانت مختبرات بَل أيضاً تُنجز الكثير بموارد قليلة وتبيّن كيف يمكن استعمال الدارات المتكاملة للأنظمة المعقّدة غير الكمبيوترات فقط؛ كانت أكبر رقاقاتها عبارة عن فارز زمني لنظام خط الإرسال الرقمي T-l فتوزّع أي دفق من دفوق الإشارات الواردة الأربعة والعشرين إلى أحد الخطوط الصادرة الـ 256.في العام 1983، كانت عدة شركات قد قدَّمت من قبل رقائق ذاكرة RAM ديناميكية سعتها 256 كيلوبايت، لكن إنتاجها كان قد بدأ للتو عندما أعلنت IBM عن رقائق ذاكرتها RAM سعة 512 كيلوبايت في السنة التالية. في ذلك الوقت، كان يجري استبدال أسلوب التشييد NMOS الراسخ بالسيموس للعديد من رقائق الذاكرة الجديدة، وكانت إنتل في سياق تصميم معالجات صُغرية سيموس جديدة أيضاً. بحوالي العام 1990، كانت الدارات المتكاملة لمصفوفة بوابات السيموس تتضمن عادة أكثر من 200,000 بوابة، رغم أن الرقائق التي تتضمن حوالي 100,000 بوابة كانت لا تزال شائعة أكثر. كان التقدّم في تصنيع رقاقة الذاكرة (وهبوط أسعار الذاكرة) واضحاً لدرجة أن شركات عديدة قدَّمت بين العامين 1986 و1987 تنويعات للرقائق EPROM بقصد استبدال تكنولوجيا التخزين المسيطرة في عالم الكمبيوتر الشخصي - محرّك الأقراص المغنطيسي. كانت أولى تلك "البطاقات الصلبة" تشمل تلك التي قدَّمتها توشيبا في العام 1987. شكَّل هذا الحدث دلالةً على بروز رقائق الذاكرة "الوامضة" غير المتطايرة، وهي أجهزة قادرة على المحافظة على المعلومات حتى ولو تم قطع الكهرباء (مثلما يجري عندما تُخرَج البطاقة من الكمبيوتر). برهنت تلك الرقائق أنها مفيدة ليس فقط في الأجهزة كالبطاقات الصلبة، بل أيضاً في الأدوات المكتبية والمنزلية (كآلات التصوير طبق الأصل) وحتى بطاقات الإئتمان. كانت توشيبا قد اقترحت الذاكرات الوامضة غير المتطايرة في العام 1985 وقد ظهرت بعد بضع سنوات. مثلاً، أصدَرت تكساس انسترومنتس رقاقةً EEPROM (معناها الذاكرة ROM القابلة للمحو القابلة للبرمجة كهربائياً) وامضةً سعتها 256 كيلوبت في العام 1989. يمكن إعادة برمجة الرقاقة EEPROM إذا لزم الأمر من دون الحاجة إلى ضوء أشعة فوق بنفسجية أو إلى إزالة الرقاقة. توقَّع الكثيرون أن القرص المغنطيسي سيختفي قريباً، لكن كان لدى الصانعين بعض الابتكارات الإضافية، وبدأوا يحسّنون أداء الأقراص الصلبة الصغيرة. أدّت جهودهم إلى جعل الأقراص منافسة للتخزين المرتكز على رقائق حتى نهاية القرن.غوردون مُور عن قانون مُور، 1997غوردون مُور هو مؤسِّس شركة إنتل.راقبتُ أولاً مضاعفة كثافة الترانزستور على قالب مصنوع كل سنة في العام 1965، وذلك بعد أربع سنوات فقط من اكتشاف أول دارة متكاملة مسطَّحة. سمّت الصحافة هذا "قانون مُور" وأصبح الإسم رائجاً. بصراحة، لم أتوقع أن يظل هذا القانون حقيقياً بعد حوالي ثلاثين سنة، لكنني واثق الآن أنه سيبقى حقيقياً لعشرين سنة أخرى. في السنة 2012، يجب أن تكون قد أصبحت إنتل قادرة على دمج مليار ترانزستور في قالب إنتاج سيشتغل بسرعة 10 غيغاهرتز. يمكن أن يؤدي هذا إلى أداء قدره 100,000 مليون تعليمة في الثانية، وهذا يشكّل نفس الزيادة على المعالج المتطوّر حالياً بنتيوم II مشابهة للزيادة التي شكّلها بنتيوم II على المعالج 386! لا نرى حواجز أساسية في مسارنا إلى مايكرو 2012، ولن نرى قبل السنة 2017 الوصول إلى المحدوديات الفيزيائية لتكنولوجيا تصنيع الرقاقة.المصدر: الدكتور غوردون إ. مُور، رئيس متقاعد، شركة إنتل، "متابعة نمو تكنولوجيا السيليكون داخل منصة الكمبيوتر"، http://www.intel.com/update/archive/psn/psn10975.pdfالتصنيعيمكن عزو جزء كبير من التطوير المتواصل للتكامل الفائق إلى التطوّرات في التصنيع وليس إلى الاكتشافات في عالم الأجهزة الجديدة. لم يصبح زرع الأيونات، الذي تم تطويره في المختبر في منتصف السبعينات، شائع الاستعمال حتى الثمانينات. وبدأ أسلوب آخر تم اختراعه في السبعينات، حَفر البلازما، يتحدّى الحفر الكيميائي "الرطب" في معالجة الرقائق في الثمانينات. كانت هناك أساليب إنتاج مهمة أخرى أيضاً، كقدوم الحَفر العشوائي (الفعّال) للأيونات (أو RIE).بدت عملية الطباعة الحجرية الضوئية، التي أصبحت عالمية في تصنيع الدارات المتكاملة منذ بداياتها، أنها بلغت حدودها المادية في أوائل الثمانينات، عندما اعتقد المهندسون أن الخطوط الأضيق من 1.0 μm ستكون مستحيلة. انخفض عرض الخط، وهو المصطلح المستعمل لوصف أصغر الميزات الممكنة التي يمكن تصنيعها على الرقاقة، من حدّ أدنى قدره حوالي 5 μm في الستينات إلى حوالي 1 μm في أواخر السبعينات. اعتقد بضعة مراقِبين في العام 1980 أن الطباعة الحجرية البصرية ستستمر إلى ما بعد أواخر الثمانينات بكثير، إذا استمر هكذا انخفاض في الحجم. في الواقع، كان مقدَّراً للأساليب البصرية أن تهيمن على الإنتاج حتى نهاية القرن. طَبَع الباحثون ميزات صغيرة لدرجة 0.8 μm في أوائل الثمانينات، وتمّ هذا في بيئة إنتاج بعد بضع سنوات. أصغر الخطوط الممكنة كانت 0.5 μm في أوائل التسعينات، وتقلّصت في العام 2000 إلى 0.35 μm فقط. يعود جزءٌ من ذلك التحسين إلى استعمال الانكشاف ذي الطول الموجي الواحد عند الأطوال الموجيّة 436 نانومتر (المعروف بالخط G)، أو 405 نانومتر (الخط H)، أو لاحقاً 365 نانومتر (الخط I) أو 248 نانومتر (deep-UV، أو الأشعة فوق البنفسجية العميقة). برهَن الانكشاف بالخط I، الذي يعتمد على تطوير عدسات كوارتز محسّنة، أنه التقنية الأوسع انتشاراً في التسعينات.أشعة الإلكترونات والأشعة السينيةكانت هناك جهود كثيفة لتحسين النماذج الأخرى للطباعة الحجرية. تم تقديم أسلوب الطباعة الحجرية بشعاع الإلكترونات، الذي كان يَعدُ بإنتاج ميزات الرقاقة الصغيرة بتفاصيل دقيقة، بنموذجٍ تجاريٍ من قِبل شركات كـ ليبترون (Leptron) من موراي هيلز، نيوجرسي. تستطيع ليبترون EBES4 كتابة ما يصل إلى خمس رقاقات قياس 8 بوصة في الساعة بميزات حجمها أصغر من 0.4 ميكرومتر. لسوء الحظ أن هذه كانت بطيئة جداً لتكون منافِسة من حيث الكلفة مع الطباعة الحجرية البصرية، لكن تم استعمال أساليب شعاع الإلكترونات لإنشاء الأقنعة المستعملة لصنع الرقائق في أواخر التسعينات. تابَعت مختبرات بَل تحسين أساليب الطباعة الحجرية بالأشعة السينية التي أُعلن عنها لأول مرة في الستينات، لكن بقيت هذه العملية في المرحلة الاختباريّة خلال أوائل التسعينات، عندما بدأت IBM أخيراً بتصنيع رقائق أولية باستعمال آلة طباعة حجرية بالأشعة السينية ضخمة مرتكزة على مسرِّع تزامني. أحد أسباب بقاء الطباعة الحجرية البصرية حيوية كان بكل بساطة القُصور الذاتي والعادة، لكن أيضاً التحسينات المتزايدة في أدائها. في نهاية القرن، كان المهندسون يتكلمون مرة أخرى عن الحدود المادية الأساسية وعن الحاجة إلى طريقة جديدة جذرياً لصنع الدارات المتكاملة (أو ربما لصنع نوع جديد كلياً من الأجهزة).المعالجات الصُغريةما أخرَج أخيراً الدارة المتكاملة من الغموض النسبي ولفتَ انتباه عامة الناس إليها في الثمانينات كان المعالج الصُغري، وهو ذلك الكمبيوتر على رقاقة الذي شكَّل قلب العديد من الأنظمة المؤتمتة وأجهزة التحكم المضمَّنة. بعد ظهور إنتل 4004، قدَّمت الشركة رقائقها الأكثر قوة 8008 و8080. وكانت تكساس انسترومنتس وموتورولا وزيلوغ (Zilog، وهي شركة جديدة شارَك في تأسيسها مصمِّم إنتل السابق فيديريكو فاغّين) قد دخلت إلى السوق أيضاً.عندما ظهر كمبيوتر أبل كان يستعمل أحد تنويعات المعالج الصُغري ذي النوع 6502 الذي صمّمته MOS Technology، وهي شركة جديدة أنشأها موظفون سابقون في موتورولا. ستجد الرقائق المرتكزة على 6502 مكاناً لها في كمبيوترات أبل اللاحقة وكذلك في الكمبيوتر الشخصي كومودور. لكن في العام 1981، اختارت IBM المعالج إنتل 8088 (المقدَّم في العام 1978) لكمبيوترها الشخصي الجديد. ساهم التكاثر السريع لكمبيوترات IBM و"استنساخاتها" في تأجيج الجهود للتحسين في إنتل، مما أدّى إلى ظهور الأجهزة اللاحقة 80286 (العام 1982) و80306 (العام 1985) و80486 (العام 1989). واشتملت المنتجات المتنافِسة المقدَّمة في الثمانينات تلك المصنوعة من قِبل IBM، زيلوغ، موتورولا، ديجيتال، صن، هيولت باكارد، وعشرات الشركات الأخرى (من بينها تصاميم سوفياتية وأوروبية غربية). البارز وقتها كان استعمال كمبيوتر الماكنتوش المقدَّم في العام 1984 للمعالج الصُغري ذي السلسلة موتورولا 68000 (وهو نوعٌ تم تقديمه لأول مرة في العام 1979)، وأدّت السوق القوية لتلك الكمبيوترات في الثمانينات وأوائل التسعينات إلى بروز سلسلة نماذج محسّنة، من بينها 68020 (العام 1984) و68030 (العام 1987) و68040 (العام 1990).حتى ذلك الوقت تقريباً، لم يكن "المعالج الصُغري" قد دخل إلى المعجم بالكامل بعد. ثم في العام 1991، أطلقت إنتل حملتها الإعلانية Intel Inside (بداخله إنتل). بالتعاون مع صانعي الكمبيوترات الشخصية، شارَكت إنتل "في دمغ" الكمبيوترات لكي يعرف المستهلكون أنها تستعمل معالجات إنتل الصُغرية. وبعدما كان الاهتمام بالمحتويات الداخلية للكمبيوتر نادراً في الماضي لدى معظم المستهلكين، فجأة أصبح صنف المعالج الصُغري بنفس أهمية، مثلاً، صنف راديو السيارة بعد شرائها. حقّقت الحملة الترويجية "بداخله إنتل" نجاحاً كبيراً وخاصة عندما تبعها إطلاق إنتل للمعالج الصُغري "بنتيوم" في العام 1993. لم يتمكن أي معالج صُغري من تحقيق نفس شهرة بنتيوم حتى نهاية القرن.حصل تباعد رئيسي في تصميم المعالجات الصُغرية هو تقديم الرقائق RISC (ومعناها، كمبيوتر مجموعة التعليمات المختزلة) في الثمانينات. حتى ذلك الوقت، كانت الكمبيوترات الشخصية تستعمل ما كان يُعتبر أنه مجموعات تعليمات "معقّدة". بتقليل عدد تعليمات لغة الآلة، يمكن التخلّص من الكثير من تعقيد الرقاقة، مما يؤدي إلى عمل فعّال أكثر. لذا كُتبَت العمليات الأكثر تعقيداً لكن المستعملة بشكل نادر في برامج بدلاً من تصميمها ضمن الرقاقة. أبرز مثال أوليّ عن الرقائق RISC كانت رقاقة موتورولا PowerPC المقدَّمة في العام 1993.ASICsشهدت أوائل الثمانينات أيضاً مزيداً من المهندسين يصمّمون أنظمة معقّدة باستعمال تركيبة من الرقائق الموحَّدة (كالمعالجات الصُغرية والذاكرة) المُكمَّلة بالدارات المتكاملة المصنوعة حسب الطلب. تضمّ تلك الدارات المتكاملة الخاصة ببرامج محدَّدة (أو ASICs)، المكيّفة لنظام معيّن، وظائف عدد من الرقائق القياسية في جهاز واحد، مما يقلّل العدد الإجمالي للدارات المتكاملة المطلوبة للنظام. لطالما تم صنع رقائق خاصة ببرامج محدَّدة، لكنه أصبح شائعاً أكثر في السبعينات أن يروّج الصانعون لرقائق موحَّدة تُباع بكميات كبيرة بالمقارنة مع الرقائق المخصصة المصنوعة للكمبيوترات المتطوّرة أو للآلات المتخصصة أو للجيش أحياناً. بعد بدء الشركات بالبحث عن طرق فعّالة أكثر لتصنع رقائقها المخصصة، بدأت تروّج لبعض الأساليب الموحَّدة لتصميمها. كان ظهور تكنولوجيا التصميم بمساعدة الكمبيوتر، أو CAD، قبل بضع سنوات هو أحد المكوّنات الأساسية في الرواية. بتقليص عملية التصميم إلى مجموعة من القواعد، تستطيع الكمبيوترات أن تساعد مصمّمي الرقائق وأن تخفّض كثيراً الوقت اللازم لتخطيط أقنعة الرقائق. مثلاً، خفّضت مختبرات بَل كلفة التكنولوجيا التي تستعملها لإلغاء الصدى على خطوط الهاتف من دارةٍ كلفتها $10,000 إلى دارةٍ ASIC رخيصة، لكن لم يكن بالإمكان فعل ذلك بنفس مقدار التوفير من دون مساعدة الـ CAD. وأكثر من ذلك، بدأ الصانعون إنتاج رقائق نصف مُنجَزة عليها عناقيد دارات موحَّدة، كمصفوفات البوابات مثلاً، يمكن ربطها ببعضها البعص لتشكيل دارات متكاملة كاملة حسب مواصفات الزبون بإكمال عملية التصنيع. كانت سوق تلك الرقائق تنمو بمعدّل 25 بالمئة في السنة بحلول العام 1980، وبدت النهاية بعيدة في الأفق. شكّل هذا تطوّراً مهماً لصانعي الرقائق الأميركيين والأوروبيين، المحاصَرين بالمنافسة الآسيوية في حقل الذاكرة.بعد نضوج تصميم ASIC، لجأ معظم المصممين إلى تجميع كتل دارات مصممة مسبقاً، مما سرَّع عملية التصميم. لذا، مثلاً، تابَعت معظم التصاميم استعمال معالجات صُغرية ورقائق ذاكرة PROM وDRAM وSRAM جاهزة عن الرفّ، لكنها استعملت رقائق مصممة حسب الطلب لاستخدامات كمعالجة الأصوات، أو للواجهة بين المعالج الصُغري والذاكرة، أو للمنتجات التي تُنتَج بكميات قليلة جداً. مثلاً، استخدَم كمبيوتر SPARCstation 1 الشعبي من شركة صن مايكروسيستمز، المقدَّم في أوائل العام 1989، دارات ASIC بشكل مكثّف ليحقّق أداءً أفضل بكلفة أقل من منافسيه وليقلّص الحجم وليحسّن الوثوقية. كانت دارات ASIC المستعملة نموذجية لتلك التي تم تطويرها لمشاريع مشابهة، وتحتوي على وحدة الأرقام الصحيحة (IU)، ومتحكم مخبأ الوحدة العائمة النقطة (FPU)، ووحدة إدارة الذاكرة (MMU)، ودارئ البيانات، ومتحكم الوصول المباشر إلى الذاكرة (DMA)، ومتحكم الفيديو/دارئ البيانات، ومتحكم الذاكرة RAM، ومولِّد الساعة. أصبح تصميم دارة ASIC حقلاً راسخاً في التسعينات، وأخذت الأجهزة تسيطر في أغلب الأحيان على الوظائف التي تتطلّب رقائق DRAM و/أو رقائق PROM، أو رقائق EPROM، أو رقائق EEPROM، كدارات الإدخال/الإخراج، دارات التوقيت، وأي عدد من الوظائف الخاصة الأخرى.معالجة الإشارات الرقميةفي حقل معالجة الإشارات الرقمية (أو DSP)، اكتَسَبت رقائق ASIC شهرة كبيرة خلال الثمانينات لدرجة أنها تستحقّ تخصيص مناقشة منفصلة لها. ظهرت بعض أوائل رقائق معالجة الإشارات الرقمية في أواخر السبعينات من صانعين كـ AMI وإنتل وNEC وتكساس انسترومنتس. مثلما استعرَض المؤرّخ فريديريك نيبيكر من معهد IEEE، تطوّرت رقائق معالجة الإشارات الرقمية إلى جانب الخوارزميات المتطوّرة المطلوبة للتلاعب بالفيديو والأصوات الرقمية والبيانات الأخرى. تمّ استعمال معالجة الإشارات لتوليد أصوات أو صور اصطناعياً، ولتقليل "الضجة" والتشوّهات الأخرى غير المرغوب بها، ولتحسين نوعية الأصوات أو الصور، وخاصة لضغط الأصوات أو تسجيلات الفيديو المرقمَنة من أجل إرسالها بفعالية أكبر. بعد بروزها من الاتصالات المتقدّمة تكنولوجياً والاستخدامات الفضائية والعسكرية للستينات والسبعينات، تمكّنت نُسخ الدارة المتكاملة لمعالجة الإشارات من أن تشقّ طريقها بسرعة إلى تكنولوجيات المستهلك. إحدى أوائل تلك التكنولوجيات كانت لعبة للأطفال تدعى Speak & Spell من فيشر برايس احتوت على رقاقة تركيب صوت بشري مُبتكَرة صنع تكساس انسترومنتس. بعد سنتين، تحوّلت لعبة كانت مفضَّلة منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى حالة الجوامد، عندما قدَّمت فيشر برايس أول دمية ناطقة تحتوي على معالجة الإشارات الرقمية. كانت الرقاقة صنع شركة Precision Monolithics, Inc. من سانتا كلارا، كاليفورنيا. تمّ استخدام تلك الرقائق بسرعة في أنظمة الرادار، آلات الفاكس، الكاميرات المحمولة، معدات أشرطة الفيديو، أنظمة التصوير بالأقمار الاصطناعية، الإلكترونيات الطبية، وعشرات التكنولوجيات الصاعدة الأخرى. أُعيد في الثمانينات إحياء الاهتمام (الذي تراجَع في الستينات والسبعينات) بما يُسمى الشبكات العصبية (وهي أنظمة إلكترونية قادرة على التعلّم البسيط) عندما بدأت تُطبَّق في عمليات معالجة الصور، التعرّف على الكلام، البصر الآلي، والاستخدامات الأخرى، وأصبحت شركات عديدة رائدة في تصنيع رقائق الشبكة العصبية الفائقة التكامل. إلى جانب هذا، جاءت الرغبة بالـ "التوازي" في معالجة الإشارات، بمعنى آخر، تقسيم مهمة كمبيوتر معقّدة إلى مهمتين أو أكثر واستعمال عدة معالجات لتنفيذها. قدَّمت تكساس انسترومنتس أول رقاقة معالجة إشارات رقمية مصممة للمعالجة المتوازية في العام 1991، مع ستة منافذ للاتصال المباشر بين المعالجات، وضاغط بستة أقنية، وباصات (أنابيب سير البيانات بين الرقائق) خارجية مزدوجة، ومعالجة سرعتها 275 مليون عملية بالثانية. ظَهَر محفّزٌ رئيسيٌ لسوق معالجة الإشارات الرقمية بعد أن طَغَت آلات الفاكس الرقمية على أسلافها التماثلية، ومع بدء الكمبيوترات الشخصية وألعاب الفيديو تتضمّن قدرات رسوم ملوّنة متطوّرة أكثر بكثير، ومع انتشار استعمال مودمات (modems) خلال وبعد منتصف الثمانينات.شهدت هذه الفترة زيادةً كبيرةً في قيمة رقائق معالجة الإشارات الرقمية في السوق فارتفعت من حوالي $50 مليون إلى $2.2 مليار بين العامين 1985 و1995. كان العديد من تلك الرقائق يُسمى دارات متكاملة محوِّلة (أي، رقائق لتحويل البيانات الرقمية إلى تماثلية أو العكس بالعكس)، وهي مهمة جداً لاستخدامات الاستشعار، الإرشاد والتحكم، الملاحة، والأنظمة الطبية. بقيت الولايات المتحدة واليابان قادة العالم، بينما خسرت روسيا (التي كانت قائدة خلال الحقبة السوفياتية في المعالجة العسكرية للإشارات الرقمية) قدرتها على إجراء أبحاث متقدّمة.التأثير المستمر للجيششهدت فترة العشرين سنة بين 1980 و2000 تغييرات في العلاقات بين الجيش وقطاع الإلكترونيات الصُغرية. في الولايات المتحدة، كانت وزارة الدفاع مصدر دعم مهم للأبحاث وزبوناً رئيسياً للعديد من التكنولوجيات الجديدة، من الأنابيب المفرَّغة المنمنَمة في الأربعينات إلى الترانزستور بعد العام 1947 والمعالج الصُغري في السبعينات. كما أن وفرة أموال الأبحاث سرَّعت تطوير رقائق التكامل الفائق في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات. مثلاً، موَّلت وزارة الدفاع الأميركية جزئياً تطوير تكساس انسترومنتس لرقاقة ذاكرة ديناميكية سعتها 64 كيلوبايت تم تقديمها في العام 1979.في الوقت نفسه تقريباً، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن دفع كبير لما سمّته الدارات المتكاملة السريعة جداً، وكان يُتوقَّع أن يصل التمويل السنوي للمشروع إلى $200 مليون  (200 مليون $ ) خلال السنوات القليلة المقبلة. موَّلت وزارة الدفاع تطوير هذه التكنولوجيا وغيرها من تكنولوجيات أشباه الموصِّلات التي كانت تُعتبر مُكلفة جداً للسوق غير العسكرية، بما في ذلك رقائق زرنيخيد الغاليوم. كانت ترانزستورات ورقائق زرنيخيد الغاليوم، التي تم اختراعها في الستينات، قيد التطوير في شركات روكْوَل ومختبرات بَل وRCA وهيوز إلكترونيكس ووستنغهاوس وTRW وفوجيتسو وNEC وتوشيبا، وكذلك في العديد من الجامعات والمختبرات العسكرية. اعتقد الكثيرون أن زرنيخيد الغاليوم يحمل الأمل بعملٍ ذي تردّدٍ مرتفعٍ جداً، والذي سيكون مفيداً للدارات المتكاملة ذات الموجات الصُغرية وللكمبيوترات العملاقة.في العام 1982، كان يجري اختبار الدارات المتكاملة بالموجات الصُغرية الشمولية (أو MMICs) في الأنظمة العسكرية. كان يتم استعمال طاقة زرنيخيد الغاليوم الشمولي والمضخِّمات المنخفضة الضجة في الرادار ذي المصفوفة المرحليّة، حيث حلّت مصفوفة مبدَّلة من هوائيات الرادار الصغيرة المسطّحة محل هوائي كبير قابل للتسيير ميكانيكياً. كانت تُستخدَم رقائق زرنيخيد الغاليوم العسكرية اختبارياً أيضاً لأهداف الحرب الإلكترونية من أجل التشويش على الاتصالات. كان يتم تطوير الـ MMIC في أوروبا أيضاً، حيث كانوا يعتقدون بوجود سوق غير عسكرية في الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية. في غضون بضع سنوات، كانت تلك الرقائق تدخل إلى القطاع التجاري كأساس للمستقبِلات في النظام التلفزيوني الجديد للبث الجديد عبر الأقمار الاصطناعية.دشَّنت وزارة الدفاع ووكالة داربا (DARPA، وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة) أيضاً في أوائل الثمانينات برنامجاً مهماً لترقية الإلكترونيات العسكرية وتحسين الوثوقية والصيانة. واجه الجيش مشكلة الحصول على قطع غيار للأنظمة الإلكترونية التي كان يصل عمرها في بعض الحالات إلى عشرين سنة. حاولت فروع مختلفة من الخدمات حل هذه المشكلة بأن ترعى تشييد مصانع خاصة قادرة على أن تُنتِج بسرعة دُفعات صغيرة نسبياً من الدارات المتكاملة المخصصة وأجهزة الاستشعار وأجهزة الموجات الصُغرية. كانت داربا أيضاً، المشهورة لدورها في إنشاء الانترنت، ضالعة بشكل كبير في انتقال تكنولوجيا دارة زرنيخيد الغاليوم المتكاملة من المختبر إلى خط الإنتاج. رعت الوكالة تشييد خط تصنيع دارات متكاملة من زرنيخيد الغاليوم في العام 1983 كجزء من برنامج ترقية الإلكترونيات العسكرية من أجل تصنيع رقائق لتُستعمل في الأقمار الاصطناعية لمعالجة الإشارات داخلياً. بدأت ثمار برنامج الجيش للدارات المتكاملة السريعة جداً، الذي اتّكل على تكنولوجيا زرنيخيد الغاليوم، تظهر في العام 1983، عندما أعلنت TRW وهيوز إركرافت وIBM عن أول منتَج دارة متكاملة هو بدّالة صفيفة، وأعلنت عن تصاميم لاحقة لاستخدامات متخصصة بمعالجة الإشارات. رعاية الجيش لتكنولوجيا زرنيخيد الغاليوم باكراً في تاريخها ساعد في إحضار التكنولوجيا إلى الأسواق غير العسكرية أيضاً. وصلت مبيعات الدارات المتكاملة المصنوعة من زرنيخيد الغاليوم بحلول العام 1990 إلى رُبع مليار دولار في السنة، وقد انتشرت من الأنظمة العسكرية إلى الكمبيوترات التجارية السريعة والاتصالات العالية التردّد. من الواضح أن هذا كان مثالاً ناجحاً لربح عسكري مفاجئ من منتَج كان يُعتقَد أنه مُكلف جداً للسوق التجارية. رغم أن رقائق زرنيخيد الغاليوم لم تحقّق أبداً التوقّعات التي سبّبتها في الستينات، إلا أنها شائعة الاستعمال اليوم في أنواع عديدة من أنظمة الاتصالات، من بينها التراسل الهاتفي الخليوي.الانتشاررغم أنه بدا أن الدارة المتكاملة حقّقت مقداراً كبيراً من النجاح في السبعينات، إلا أنه كان ينتظرها المزيد خلال العقدَين التاليَين. صَحَّ هذا ليس فقط على العدد الهائل من الأجهزة الإلكترونية الجديدة التي أصبحت متوفرة، من الكاميرات الرقمية والهواتف الخليوية إلى الكمبيوترات المحمولة باليد، بل أيضاً على المنتجات التي كانت في الماضي غير إلكترونية أو حتى غير كهربائية. كان نوعاً من عمليات الانتشار، حيث كان كل شيء يبدو متّجهاً لكي "يصبح رقمياً".إحدى النواحي البعيدة عن عالم الكمبيوتر التي بدأ المعالج الصُغري يؤثّر فيها كانت علم القياس بالآلات. غالباً ما كانت أجهزة الاختبار والقياس تلك، الغالية جداً على قلوب المهندسين الكهربائيين والمبرمجين، أحواض اختبار للأجهزة الرقمية التي ستظهر لاحقاً في المنتجات الاستهلاكية. كانت الآلات في العام 1980 تتّكل مسبقاً على المعالجات الصُغرية لإجراء الاختبارات الذاتية والاختبارات التشخيصية وميزات المعايرة التلقائية. كانت راسمة ذبذبات فيليبس المصنوعة في أوائل الثمانينات أحد أوائل المنتجات التي تستعمل أجهزة نقل الشحنات (تشبه الـ CCD) في محوِّل داخلي من التماثلي إلى الرقمي. قدَّمت تكترونكس وهيولت باكارد، وهما اثنان من روّاد صانعي الآلات الأميركيين، راسمات ذبذبات بتخزين رقمي قادرة على تخزين أشكال الموجات لكي يمكن عرضها على الشاشة إلى ما لا نهاية. حتى الآلات البسيطة كالمقياسات المتعددة (وهي أجهزة محمولة باليد لفحص الفولطية/التيار/ المقاوَمة) بدأت تصبح رقمية، فأصبحت مجهّزة بشاشات عرض بالبلّور السائل وإلكترونيات ترتكز على معالج صُغري. وتساءل البعض ما إذا كانت تلك الآلات الرقمية تتحوّل في الواقع إلى أحد نماذج الكمبيوتر الشخصي. ذكرت مجلة IEEE Spectrum أن راسمة ذبذبات من منتجات تكترونكس للعام 1986 تحتوي على ثلاثة معالجات صُغرية، واجهة رسومية بقوائم منبثقة، شاشة حسّاسة للمس، لوحة مفاتيح، وبرامج متطوّرة مبيّتة. حتى أن إحدى راسمات الذبذبات المتطوّرة صنع هيولت باكارد من نفس السنة كانت ذات شاشة ملوّنة. كانت هذه الملاحظة صائبة، لأنه أصبح بالإمكان في التسعينات إضافة لوحات دارات كمبيوترية إلى الكمبيوتر المكتبي لإعطائه وظائف قياس متطوّرة، رغم أن الآلات المستقلة بقيت أيضاً متوفرة في الأسواق في القرن الحادي والعشرين.أحد أسباب الظهور المُبكر للكثير من الابتكارات في الآلات هو أن تلك الآلات هي مرادف المعدّات الآلية في مهنة صنع الأدوات المعدنية: أي أنها آلات لصنع الآلات. لهذا السبب، اضطر صانعو الآلات إلى تصميم أنظمة تستطيع تجاوز دقة الأجهزة التي كانوا يختبرونها، وبالتالي كان عليهم أن يتّكلوا على نُسخ متخصصة من بعض نفس التكنولوجيات التي يجري نشرها في الكمبيوترات ومعدات الاتصال والآلات الأخرى. أحد الأمثلة عن هذا كان تكنولوجيا الألياف الضوئية المستخدَمة منذ العام 1986 في أجهزة قياس الطاقة، وموهِنات المتغيّرات (variable attenuators)، والأجهزة المستعملة في اختبار معدات الاتصال ذات الألياف الضوئية.حقّقت الإلكترونيات أيضاً مكاسب غير متوقعة في تكنولوجيات المواصلات في تاريخ مُبكر. من أجهزة راديو السيارات ذات الأنبوب المفرَّغ في الثلاثينات إلى أنظمة الإشعال المجهَّزة بترانزستورات في الستينات، بقيت السيارة تُراكم ببطء مزيداً من الإلكترونيات، حتى قبل قدوم الأجهزة الرقمية. خلال السبعينات، بالأخص في الرد الأميركي على معايير انبعاثات العادم، كانت محرّكات السيارة تُجهَّز أكثر فأكثر بتكنولوجيا معالج صُغري للتحكم والمراقبة. كان أول نظام مماثل على الأرجح هو المعالج الصُغري لموتورولا المستعمل في سيارات جنرال موتورز في العام 1975. ومع فرض متطلبات صارمة أكثر على الانبعاثات، ووقوع أزمة طاقة رئيسية ثانية، واشتداد القلق بشأن أمان السيارات في الثمانينات، بدأ صانعو السيارات ينشرون معالجات صُغرية أكثر في تصاميم سياراتهم الجديدة لإدارة وظائف المحرّك، التحكم بأجهزة التعليق، نشر أكياس الهواء، والتحكم بالأنظمة الأخرى. استعملت التصاميم الأولى وحدات إدارة للمحرّك ترتكز على المعالج الصُغري للتحكم بعدد هائل من أدوات نظام الإشعال والوقود التماثلي المسيَّر بالفراغ أو بالملف اللولبي، مما أدّى إلى حُجَيرات محرّك كانت عبارة عن كتلة ضخمة من الخراطيم والأسلاك. القبول العالمي لأنظمة حقن الوقود المتحكَّم بها إلكترونياً أصابت عصفورين بحجر واحد، فبسّطت مهام تصنيع وصيانة محرّكات السيارات بتقليل عدد المكوّنات وتحسين أداء وفعالية محرّك الاحتراق الداخلي، وفي الوقت نفسه بسّطت مهمة إدارة المحرّك.لم يتوقف دخول الإلكترونيات إلى عالم المواصلات هناك. ففي منتصف الثمانينات، كان المهندسون قد طوَّروا كل أصناف أنظمة السيارات المرتكزة على معالج صُغري التي تتراوح من منع انغلاق الفرامل وأدوات النقل التلقائي المحسّنة إلى أجهزة التعليق "النشطة" التي كيَّفت قيادة السيارة حسب أحوال الطريق. كانت كل تلك الميزات أهدافاً منذ فترة طويلة لمهندسي السيارات، وكان قد تم تطبيقها كلها سابقاً بالوسائل الميكانيكية مع تحقيق نجاح محدود. في العام 1990، قدَّمت شركة Analog Devices أول مقياس تسارع بدارة متكاملة أحادية الرقائق للتحكم بالوسادة الهوائية في السيارات، وكانت هذه بداية لسلسلة من ابتكارات الرقاقة ساعدت في جعل أنظمة الوسادة الهوائية رخيصة.بالإضافة إلى ذلك، لم تكن السيارات نموذج المواصلات الوحيد الذي توضَع أدوات رقمية في تصاميمه الموجودة. فالطائرة تعتمد على الإلكترونيات بشدّة للاتصالات والإرشاد منذ زمن طويل، وقريباً ستصبح طائرات "التحكم السلكيّ" التي تستخدم شبكات إلكترونية لأدوات الطيران الميكانيكية أو الهيدروليكية في كل مكان. في سان فرانسيسكو، استخدَم المهندسون أيضاً أدوات إلكترونية في نظام عبور منطقة الخليج (أو BART)، وهو نظام جرّ كهربائي جديد مثير للجدل لكن ناجحاً في نهاية المطاف. أدّى تحديثٌ للنظام BART في العام 1984 إلى وضع ثلاثة معالجات صُغرية متكررة في كل سيارة. وكانت الإلكترونيات قد سيطرت على أدوات قطار الشحن منذ منتصف الثمانينات، وتلك أيضاً حلّت محلها المعالجات الصُغرية.أُضيفت ميزات جديدة الآن إلى الإلكترونيات الاستهلاكية، حيث كانت أجهزة الراديو والتلفزيونات قد بدأت تتضمن دارات متكاملة تماثلية في أوائل السبعينات كتدبير لتخفيض الكلفة عادة، من خلال احتوائها على معالجات صُغرية. مثلاً، قدَّمت شركة RCA تلفزيوناً حجمه 19 بوصة فيه المعالج الصُغري NMOS في خط منتجاتها 1979-1980، مما سمح للمستخدم ببرمجته لمدة أسبوع مسبقة. كانت الغاية منه أن يُستعمل مع مسجّلة فيديو، لكنه لم يحقّق نجاحاً تجارياً كبيراً. كانت المتحكمات الصُغرية المستعملة في مسجّلات الفيديو (المقدَّمة في العام 1975) ناجحة أكثر؛ فقد نفّذت العديد من وظائف التحكم، من بينها جعل الساعة تومض. شهدت أوائل الثمانينات نجاح شركة فيليبس إلكترونيكس في جعل نظام اتصال بيانات بسلكَين بسيط ورخيص (يدعى الباص I2C) قياسياً للسماح للمعالجات الصُغرية في الأدوات المنزلية بالاتصال بالرقائق الأخرى في نفس النظام. وبسرعة أصبح المعالج الصُغري متواجداً في كل شيء، من مضخّات الوقود إلى الغسّالات، وأدوات التحكم عن بُعد، و"البطاقات الذكية" لتزويد تحكّم أفضل. في ذلك الوقت أيضاً، ظهر حقل أتمتة المنزل الذي كان لا يزال يتطوّر، عندما قدَّمت جنرال إلكتريك نظامها Homeminder (هوم مايندر) في العام 1984. يتحكّم هوم مايندر بالإضاءة وبالأدوات المنزلية باستعماله واجهةً ترتكز على جهاز تلفزيون وأداة معالج صُغري. سواء تم استخدام تلك الأجهزة الإلكترونية الصُغرية لتوفير المال أو تحسين الفعالية أو فقط لإضافة "ميزات غير أساسية"، لا شكّ أن الإلكترونيات دخلت بعمق إلى كل أشكال التكنولوجيا اليومية تقريباً منذ العام 2000.كان الطب ناحية أخرى انتقلت فيها الأجهزة الإلكترونية من لعب دور محدود جداً إلى لعب دور مركزي. ظهرت أجهزة التصوير بالرنين المغنطيسي (أو MRI) في الثمانينات على هيئة آلات من صنع Technicare وDiasonics وFonar وPicker International. كانت الإشارات التي تكتشفها تلك الآلات تُعالَج بنظام يتضمن معالجاً صُغرياً وكمية كبيرة من الدارات الكهربائية المعالِجة للإشارات. كان يوجد من قبل 140 آلة مماثلة حول العالم في العام 1984، وأصبح استعمالها مألوفاً تقريباً. كان الأطباء يمانعون أحياناً بقبول نظرية وجود أنظمة توفّر "التطبيب بالأسلاك" بسبب عدم اقتناعهم بوثوقية معدات وشبكات الاتصال الإلكترونية، لكنه كان يصبح واضحاً بنهاية القرن أن الرعاية الصحية تشهد ثورةً رقميةً خاصةً بها.التكنولوجيات الصاعدةشهدت التسعينات تجديد الاهتمام بأشباه الموصِّلات المركَّبة والترانزستورات الثنائية القطبية المتباينة الوصلة (ترانزستورات مصنوعة من شبه موصِّلين مختلفين أو أكثر)، باستعمال السيليكون-الجرمانيوم وكذلك مواد كزرنيخيد غاليوم الألومنيوم وزرنيخيد الغاليوم. نتَجت تلك الأجهزة عن بعض نفس الأبحاث التي أدّت سابقاً إلى ليزرات أشباه الموصِّلات. كانت ليزرات أشباه الموصِّلات والدايودات الباعثة للضوء التي أُعلن عنها في أوائل الستينات غير فعّالة وغالباً ما تتطلّب درجات حرارة منخفضة جداً لكي تعمل. اقترح باحثان يعملان بشكل مستقل، هما زوريس ي. ألفيروف وهربرت كرومر، استعمال ما سمّياه "البنيات المتباينة" لتحسينها. كانت الوصلات المنشأة باستعمال شبه موصِّلين مختلفين (بدلاً من "بنية أحادية" بنوع واحد من أشباه الموصِّلات مع مناطق مَشوبة بشكل مختلف) تعطي تأثيراً مختلفاً وتسمح (نظرياً) للمصممين بالتحكم بحالات طاقة الإلكترونات والفجوات. في ترانزستور الوصلة المتباينة، مثلاً، يمكن تشكيل فجوات الحزام وبقية خصائص الباعث والقاعدة والمجمِّع فردياً، وحتى أنه يمكن تنويع المميزات ضمن تلك البنيات (كموَصليّتها مثلاً) في أجزاء مختلفة من المادة.رغم أن النظرية الأساسية لتلك الأجهزة ظهرت في أوائل الستينات، مرّت سنوات عديدة قبل أن تظهر الأجهزة العملانية. في غضون ذلك، وجد الفيزيائيون طرقاً لتحسين أشباه الموصِّلات العادية لإنشاء دايودات باعثة ضوء وليزرات تجارية. تبيَّن أنه صعب جداً إنشاء وصلات بين المواد غير المتشابهة الخالية من العيوب في شبكيات البلّور. طوَّر الاتحاد السوفياتي خلايا شمسية متباينة الوصلة باستعمال هذا المبدأ، لكن كان على الاستخدامات الأخرى أن تنتظر حتى أواخر الثمانينات والتسعينات. كان أحد أسباب طول المدة قبل اختراع أنواع أخرى من الأجهزة يتعلّق بكلفة وتعقيد البنيات المتباينة. لقد أضافوا مزيداً من الخطوات إلى عملية الإنتاج ووضعوا قيوداً على كيفية معالجة الرقاقات.كافحت IBM لسنوات عديدة حتى تُتقن هكذا أجهزة، ثم لتصنّعها على رقائق التكامل الواسع بطاقة إنتاجية مقبولة. نجح الباحثون أخيراً باستعمال تقنيات ترسّب البخار الكيميائي بالفراغ العالي جداً التي طوَّرها المهندس برنارد مايرسون من IBM. سمحَت خصائص تلك الأجهزة بالاستعمال الفعّال عند تردّدات قوتها بالغيغاهرتز لمعالجة الإشارات التماثلية والرقمية، الاتصالات البصرية، الرادار، والاستخدامات الأخرى. مثلاً، كانت الأبحاث على الدارات المتكاملة بالموجة الملليمترية تركّز على إنتاج أجهزة ستُستعمل في نظام تثبيت السرعة الذكي في المركبات. في منتصف التسعينات، تم الإعلان أيضاً عن أولى الدارات المتكاملة التجارية التي تستخدم ثنائيات قطبية متباينة الوصلة من السيليكون-الجرمانيوم، وبقيت هذه الفئة من الأجهزة إحدى نقاط الاهتمام القوي العديدة بين مهندسي الأجهزة الإلكترونية.كان هناك حقل صاعد آخر في التسعينات هو أشباه الموصِّلات المغنطيسية، المعروف بـ spintronics (الإلكترونيات الدوّارة)، تم تطويره في مختبر الأرغون الوطني؛ موتورولا؛ IBM؛ جامعة العلوم التكنولوجية لولاية كاليفورنيا (أو Cal Tech)؛ جامعة كاليفورنيا، سان دييغو؛ مختبر الأبحاث البحرية الأميركي؛ وفي أمكنة أخرى. بالعودة إلى أيام الذاكرات الفقاعية، كان أحد الأجهزة الإلكترونية الدوّارة المقترحة يستعمل طبقات مغنطيسية حديدية موضوعة بين مباعِدات وعوازل لإنشاء نموذج جديد من الذاكرة المغنطيسية (MRAM) المرتفعة الكثافة غير المتطايرة. كان الحقل يعِدُ بأجهزة أصغر بمئة مرة مما يُصنَع هذه الأيام، وقد تلقّى باحثو الإلكترونيات الدوّارة في الولايات المتحدة في السنوات القليلة الماضية أكثر من 50 مليون دولار من الوكالة داربا على أمل أن يؤدي ذلك إلى بدائل لرقائق الذاكرة الوامضة. لكن العائق الرئيسي هو الحاجة إلى درجات حرارة قريبة من الصفر المُطلق عند تشغيل تلك الأجهزة.بالتطلع إلى الأمام، توقَّع الجيش الأميركي أنه في غضون 10 سنوات إلى 15 سنة سيحصل انتقال كبير إلى الدارات الإلكترونية الدوّارة أو "الإلكترونية النانوية" الأخرى بأحجام عناصر أقل من 100 نانومتر. كما توقَّع ظهور مَيل نحو تكامل بين الإلكترونيات والإلكترونيات البصرية والأنظمة الكهروميكانيكية الصُغرية (أو MEMS) على رقائق واحدة. أشارت تكنولوجيا النانو (أو تكنولوجيا الصغائر)، وهي كلمة رنّانة أخرى خلال العقد الأخير للقرن العشرين، إلى جهود تقليص مقياس الرقائق أكثر مما كان ممكناً مع الطباعة الحجرية الضوئية. لا تتكل تلك الأجهزة على الحركة الجماعية للإلكترونات، مثلما يجري في الترانزستور العادي. في جهازٍ إلكتروني نانوي، تعمل الأجهزة عند المستوى الذريّ أو الجزيئي، وتستفيد مما يسمى التأثيرات الكميّة. في العام 2000، بدت الإلكترونيات الصُغرية واقفة على حافة عصر آخر من التقدّم التكنولوجيّ السريع، لكن لم يظهر أن هناك أي منافسين جديين للدارة المتكاملة في الوقت الحاضر.ظهور أشباه الموصِّلات الأوروبيةطوّرت الحكومات الأوروبية، وشركات كـسيمنز وفيليبس، مصانع أشباه موصِّلات ومراكز أبحاث خاصة بها في الخمسينات، وقد كمّلتها مصانع أجنبية (كمصانع الترانزستورات العديدة التي افتتحتها تكساس انسترومنتس في الستينات). كانت تكساس انسترومنتس، مثلاً، أكبر صانع للترانزستورات في بريطانيا العُظمى وفرنسا في العام 1968. بشكل مماثل، بدأت موتورولا تُشغّل مصانع ترانزستورات في فرنسا. سوّقت بريطانيا العُظمى وألمانيا الغربية في أواخر الستينات وأوائل السبعينات ترانزستوراتها في البلدان الأوروبية الأخرى بقوّة، فاستحوذت على نسبة كبيرة من السوق. في التسعينات، برزت عدة شركات أوروبية بسبب ظهور منتجات جديدة من جهة وبسبب الدعم الحكومي للدارات المتكاملة المحلية وقبضت على أسواق الرقائق المتخصصة والأجهزة المتفرِّدة. روسيا والجمهورية التشيكية والمجر وبلغاريا كلها امتلكت خبرة كبيرة في مجال الدارات المتكاملة عندما انهار الاتحاد السوفياتي في الثمانينات، رغم اعتراف المهندسين في بلدان أوروبا الشرقية أن العديد من تصميماتهم كانت استنساخاً دقيقاً عن التصاميم الغربية. في التسعينات، تمّ نشر دلائل عديدة تشير إلى التقاطع بين الرقائق من العصر السوفياتي وبين الرقائق الغربية.صانعو أشباه الموصِّلات الآسيويونلقد ذكرنا الشركات الآسيوية بشكل رئيسي في كل أرجاء هذا الكتاب، وهذا يعكس مدى تشديدنا على أحدث التكنولوجيا واختراع أنواع جديدة من الأجهزة وأساليب إنتاج جديدة بدلاً من الإنتاج فقط. من الخمسينات، عندما أصبحت سوني أول شركة يابانية تحمل ترخيصاً بالترانزستور، وحتى نهاية السبعينات، كان العديد من مساهمات الصناعة اليابانية في مجال الإنتاج. لقد كان التفوّق الياباني في التصنيع هو ما سمح لهم بابتلاع معظم سوق الإلكترونيات الاستهلاكية في الستينات. ظهور تكنولوجيا الدارة المتكاملة حاز إعجاب روّاد الصناعة اليابانيين وحثّهم على سدّ الفجوة التكنولوجية بينهم وبين نظرائهم في الولايات المتحدة لناحية تصنيع أشباه الموصِّلات. رداً على ذلك، تفاوَضت الشركات اليابانية لتوقيع اتفاقيات مع الشركات الأميركية من أجل اكتساب وصول إلى تكنولوجيا الدارة المتكاملة. توشيبا، مثلاً، بَنَت علاقة مع جنرال إلكتريك، ميتسوبيشي مع TRW، وهيتاشي مع RCA. لاحقاً، أشعَلت الحاسبات صنع بيزيكوم، التي ترتكز على المعالج الصُغري من تصميم إنتل، ما أصبح يُعرَف بـ "حروب الحاسبة"، حيث تنافَست مجموعة من الشركات اليابانية بضراوة في حقل حاسبات الجيب. في العام 1978، كانت تقريباً كل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم المشارِكة في حروب الحاسبة قد أفلست، بينما نقلت الشركات الكبيرة كهيتاشي وتوشيبا وميتسوبيشي وNEC جهودها إلى إنتاج رقائق الذاكرة والدارات المنطقية المستعملة في صنع الحاسبات الأولى ثم الكمبيوترات. فقط كاسيو وشارب استمرتا في تصنيع الحاسبات.في غضون ذلك، تفاوَضت شركة سوني مع تكساس انسترومنتس من العام 1963 إلى العام 1968 قبل توصّلهما إلى اتفاقية لم تُعطِ فقط سوني وصولاً إلى تكنولوجيا الدارة المتكاملة المسجَّلة براءة اختراعها لتكساس انسترومنتس، بل أعطت ذلك الوصول أيضاً إلى أي صانع ياباني مهتمّ بالمسألة. فبدأت الشركات اليابانية الرئيسية الخمس في مجال الدارات المتكاملة في الثمانينات بتصنيع كمبيوترات خاصة بها و"ملاحق" للكمبيوترات المتوافقة مع كمبيوتر IBM. بدءاً من العام 1975، رعت الحكومة اليابانية عدة برامج منفّذة على عجل جمعَت الصانعين ببعض ليتعاونوا على تطوير أساليب الطباعة الحجرية الضوئية، أشباه الموصِّلات البصرية، ورقائق ذاكرة فائقة التكامل سريعة. كان حقل رقائق الذاكرة هو أول مجال تترك فيه الشركات الآسيوية بصمتها. وفي حين كانت الحصة اليابانية من سوق رقاقات الذاكرة في العالم حوالي 5 بالمئة في أوائل السبعينات، وصلت مبيعات رقائق DRAM سعة 16 كيلوبايت اليابانية الصنع في العام 1979 إلى 48 بالمئة. وفي العام 1982، أصبحت الولايات المتحدة مستورِداً خالصاً لمنتجات أشباه الموصِّلات، وتراجعت حصتها من السوق العالمية إلى حوالي 55 بالمئة. بين ذلك الوقت وبين العام 1985 تقريباً، طغت الشركات اليابانية على منافساتها الأميركية والأوروبية بالكامل في تصنيع الجيل التالي من الرقائق سعة 64 و256 كيلوبايت، فسيطرت على 90 بالمئة من سوق تلك المنتجات. كانت الكلفة أحد أسباب ذلك. فالمنافسة خفّضت سعر رقائق الذاكرة سعة 64 كيلوبايت إلى 25 سنتاً، وكانت رقائق الذاكرة سعة 256 كيلوبايت تُباع بأقل من $4.00 في العام 1985.إحدى النواحي البعيدة عن رقائق الكمبيوتر التي امتازت فيها الشركات الآسيوية كانت حقل أجهزة العرض المسطَّحة اللوح. فبعد التقديم المُبكر لشركة شارب لأول حاسبة بشاشة عرض بالبلّور السائل في العام 1975، انتقلت الشركة إلى تصنيع شاشات عرض بالبلّور السائل (LCD) أكبر فأكبر للكمبيوترات الشخصية ومعالجات نصوص مستقلة في الثمانينات، وتصنيع تلفزيون LCD قياس 14 بوصة في العام 1988، ثم (إلى جانب شركة أخرى هي سايكو) تصنيع أول جيل من آلات تسليط ضوء تعمل بالبلّور السائل بدءاً من العام 1989. كانت هناك ناحية ثانية هي في حقل الخلايا الشمسية. فانطلاقاً من التكنولوجيا المرخَّصة من شركة RCA في السبعينات، حسّنت سانيو عمليات دمج الخلايا الشمسية باستعمال أساليب إنتاج الدارة المتكاملة. وتبيَّن أن البطاريات الشمسية من السيليكون غير المتبلور صنع سانيو، التي أُعلن عنها في الثمانينات، فعّالة أكثر من الخلايا الشمسية العادية تحت الإضاءة الفلورية، مما فتح الباب إلى سوق مُربِحة لتزويد بطاريات شمسية للأجهزة الصغيرة كالحاسبات المُزمَع استعمالها في البيت. حقّقت شركة كانون أيضاً بعض النجاح في استعمال أجهزة السيليكون غير المتبلور كالمستقبِلات الضوئية (جزء من عملية النسخ) في خط آلاتها للنسخ الفوتوغرافي بدءاً من أواخر الثمانينات. وكان هناك حقل ثالث وربما أكثر أهمية هو أجهزة العرض المسطَّحة اللوح. في التسعينات، أصبحت الشركة رائدة في كاميرات الفيديو المزوَّدة بشاشة LCD ملوّنة صغيرة.لاحقاً في التسعينات، أصبحت الشركات اليابانية في المقدمة في نواحي أخرى من الإلكترونيات الصُغرية، خاصة الاتصالات اللاسلكية والأجهزة الهجينة وتكنولوجيات المحوِّل. مثلاً، اخترع تاكاشي ميمورا من شركة فوجيتسو ترانزستور الحركة مرتفع الإلكترونات (أو HEMT) في أواخر 1979. كانت بنية الـ HEMT تشبه بنية الـ MOSFET أو MESFET العادي، وقد تم فيه استبدال القناة المَشوبة بـ n العادية بوصلة تتألف من مادتين ذات فجوات حزام متقلبة بشكل واسع. ينشئ هذا النوع من الوصلات منطقةً رفيعةً تكون فيها طاقة الإلكترونات فوق حزام التوصيل، مما ينشئ حالةً مماثلةً للقناة العادية. يمكن عندها تعديل موَصليّة القناة بواسطة فولطية البوابة بالطريقة العادية. وجد ميمورا أن الترانزستور الجديد يستطيع أن يعمل كمضخِّم موجات صُغرية بمستوى حساسية مرتفع جداً. بدأت فوجيتسو تقديم تلك الترانزستورات تجارياً في العام 1985. وقد تم استعمالها في البدء للمضخِّمات الحسّاسة جداً مع تلسكوبات الراديو، لكن عُثر لها في التسعينات على استخدامٍ تجاريٍ رئيسيٍ كجزء من مستقبِلات التلفزيون للبث المباشر عبر الأقمار الاصطناعية (أو DBS). كان قطر أطباق التلفزيون السابقة للأقمار الاصطناعية يزيد عن 180 سنتيمتر، مما جعلها ملائمة للتركيب في الأرياف أو الضواحي فقط. بدمج نوعٍ جديدٍ من الأقمار الاصطناعية مع مضخِّماتٍ HEMT، أصبح ممكناً رؤية طبق قطره حوالي 30 سم.الحماية الجمركية الأميركيةدخول الشركات اليابانية كمُنتجٍ رئيسيٍ لرقائق الذاكرة أشعَل أيضاً أول حالة لما أصبحت لاحقاً دورات ازدهار-ركود دورية في عالم الرقائق. في 1975-1977، موَّلت NTT مشروع تكامل فائق شاركت فيه NEC وهيتاشي وفوجيتسو وأدّى إلى تطوير أول رقاقة ذاكرة DRAM سعتها 64 كيلوبايت في العام 1977. ساعد مهندسو NTT الشركات اليابانية لتتغلّب على الحواجز التكنولوجية في تسويق هذا المنتَج، وبحلول العام 1981 أصبحت الشركات اليابانية تسيطر على 70 بالمئة من السوق العالمية للذاكرات سعة 64 كيلوبايت. بعد ذلك، طوَّر مهندسو NTT رقائق ذاكرة DRAM سعتها 256 كيلوبايت ونقلوا تلك التكنولوجيا إلى أربع شركات يابانية، مجاناً على ما يبدو. في منتصف الثمانينات، سيطرت الشركات اليابانية على 90 بالمئة من السوق العالمية لرقائق الذاكرة DRAM سعة 256 كيلوبايت.أحد أسباب تحقيق الشركات اليابانية لهذه الحصة الملفتة للأنظار من سوق التكنولوجيا DRAM كان توسيعها سعة إنتاجها بشكل أسرع بكثير من معدّل النمو التي تستطيع السوق استيعابه. في الفترة 1981-1982، أغرَق العديد من الصانعين اليابانيين السوق العالمية برقائق DRAM سعة 64 كيلوبايت تُباع بأسعار من الواضح أنها كانت دون كلفة الإنتاج. حصل هذا خلال فترة من النمو السريع في قطاع الذاكرة حول العالم ككل، وازدادت مبيعات أشباه الموصِّلات الأميركية لوحدها من 8 مليار إلى 14 مليار دولار بين العامين 1981 و1984. لكن الطلب على رقائق الذاكرة انخفض فجأة في العام 1984 وبدأ مشترو رقائق الذاكرة يقلّلون من مشترياتهم. لسوء الحظ أن هذا حصل في اللحظة التي بدأ فيها الصانعون الأميركيون يزيدون مستويات إنتاجهم بينما كان المُنتجون اليابانيون يرمون كميات كبيرة من منتجاتهم. كانت نتيجة هذه التركيبة مشؤومة على المُنتجين الأميركيين. ففي الفترة 1985-1986، عانى قطاع أشباه الموصِّلات الأميركي من خسائر تراوحت بين مليار ومليارَي دولار، وفَقَد 20 بالمئة من حصته في السوق العالمية، وسرَّح أكثر من 27,000 عامل. كانت الشركات اليابانية قادرة على مقاومة الأزمة، واستغلتها في الواقع لتزيد حصتها من السوق، رغم انخفاض سعر الرقاقة DRAM اليابانية سعة 64 كيلوبايت من $3.53 في سبتمبر 1984 إلى 82 سنتاً في سبتمبر 1985.كان الرد في الولايات المتحدة على ارتفاع تصنيع أشباه الموصِّلات الآسيوية أشبه بموجة من الرعب. نشر مجلس علوم الدفاع التابع لوزارة الدفاع الأميركية وثيقةً عنوانها "تقرير عن اعتمادية الدفاع على أشباه الموصِّلات" أشارت إلى وجود أسباب مرتبطة بالدفاع لحماية قطاع أشباه الموصِّلات في الولايات المتحدة. أقنعَت الحكومة الفدرالية اليابان في العام 1986 بكبح الشركات من الإغراق المزعوم لرقائق الذاكرة بأسعار أقل من الكلفة. ضعُف جو عدم التدخّل بالقطاع أكثر فأكثر عندما فرضت الحكومة في أبريل 1987 عقوبات تجارية على الاستيراد الياباني. وبعد فترة قصيرة من ذلك، ناقش الكونغرس إنفاق 500 مليون دولار خلال خمس سنوات لتمويل جمعية صناعية جديدة ستُدعى سيماتك (SEMATECH ومعناها تكنولوجيا تصنيع أشباه الموصِّلات) تهدف إلى التعاون على تطوير تكنولوجيات تصنيع جديدة لأشباه الموصِّلات. وأكثر من ذلك، كانت هناك اتهامات شائعة "بقرصنة" شبه الموصِّل تشير إلى عادَةْ نسخ تصاميم الرقاقة الناجحة من خلال الهندسة العكسية. اشتدّ الشعور الحمائي، وذهب الرئيس رونالد ريغن بعيداً بتوقيعه قانوناً يمنع قرصنة أشباه الموصِّلات في العام 1984.كان الضغط قوياً على الصانعين الأميركيين بعد أن كان العديد منهم رائداً في هذا الحقل. واضطر العديد منهم، كـ MOSTEK (موستك) في العام 1985، إلى الإغلاق والخروج من مهنة رقائق الذاكرة كلياً. توقفت إنتل عن تصنيع رقائق الذاكرة RAM لتركّز على منتجات أخرى كالمعالجات الصُغرية. ونقَل العديد من الصانعين الآخرين تركيزهم نحو تصنيع دارات ASIC، التي كانت سوقها تنمو. وأصبح الصانعون، الذين أضعفتهم هذه المنافسة، أهدافاً للاستيلاء، وتدخّلت الحكومة الأميركية أكثر من مرة لتمنع ما اعتبرته تملُّكاً غير مرغوب به. فوجيتسو، مثلاً، مُنعَت بالضغط الفدرالي من شراء فيرتشايلد سيميكونداكتر في العام 1987.شارَك العديد من المهندسين البارزين في حقل الدارات المتكاملة في مؤتمر عن الحماية الجمركية عقده المعهد IEEE نيابة عن الكونغرس الأميركي في أكتوبر 1985. قدَّم غوردون مُور، الذي أطلَق "قانون مُور" الشهير، دليلاً بأن الشركات اليابانية كانت تُغرق الولايات المتحدة بالرقائق بإيعاز من حكومتها. نكَر ميتشيوكي أونوهارا من NEC هذا وأضاف أن اليابانيين يقومون بما يُعتبر منذ زمن طويل ممارسةً تجاريةً جيدةً في الولايات المتحدة: تقديم منتجات جيدة بأسعار لا تستطيع المنافسة تقديمها.مع احتمال صدور قوانين تأديبية، تراجَعت الشركات اليابانية قليلاً عن موقفها التنافسي السابق في العام 1987. في الوقت نفسه، بدأت عجلات التعاون بين الحكومة والقطاع تدور، مما أدّى إلى التأسيس الرسمي لسيماتك. قد يكون ذلك قد اعتُبر في أوقات سابقة مخالفةً لقوانين مكافحة الاحتكار، لكن الأزمة الملحوظة في تصنيع رقائق الذاكرة والإدارة الرئاسية المحبّة للشركات الكبيرة ساعدت في تخطي تلك المعارضة. لاحقاً في مايو 1994، أنشأت الحكومة الفدرالية جمعية العرض الأميركية على غرار سيماتك، مركزها الرئيسي في سان خوسيه، كاليفورنيا. تم تمويلها بمليار دولار من أموال وكالة داربا. في نهاية القرن، حقّقت تلك المبادرات الحكومية بعض النجاحات، رغم أنه بدا للبعض أن المنتجات الجديدة كالانترنت وانتشار التراسل الهاتفي الخليوي ساهم أكثر في إعادة الوعي إلى قطاع تصنيع أشباه الموصِّلات الأميركية. وأكثر من ذلك، بعد فترة من الازدهار في الثمانينات، حصل ركود عام في الاقتصاد الياباني أدّى، مع عوامل أخرى، إلى ضُعف متواصل في التسعينات. نقلت العديد من الشركات اليابانية إنتاجها إلى المناطق المنخفضة الأجور في سنغافورة وماليزيا وتايلندا، وركّزت على نقاط القوة بدلاً من محاولة الوصول إلى أسواق غير مُختبَرة.إلكترونيات الطاقةبينما كانت الأنابيب المفرَّغة تُستعمل بشكل حصري تقريباً لمقوِّمات الطاقة واستخدامات الإرسال بقوة تبلغ بضع واطات خلال الستينات، واجهت تلك الاستخدامات تحدياً بعد تحسّن أساليب تشييد أجهزة طاقة أشباه الموصِّلات. منذ الخمسينات في بعض الاستخدامات، حلّت دايودات شبه الموصِّل الكبيرة نسبياً محل مقوِّمات الأنبوب المفرَّغ. أصبحت الدايودات المرتفعة الطاقة مُكمَّلة بدءاً من 1956 باختراع جون مول، ترانزستور PNPN، الذي يدعى عادة اليوم مقوِّم محكوم سيليكونيّ (أو SCR). كان هذا الجهاز، الذي تم اختراعه في مختبرات بَل لكن سوّقته جنرال إلكتريك كالثايرستور (أو المقداح) السيليكونيّ بعد بضع سنوات، نموذجاً متخصصاً من الترانزستورات يستطيع أن يتصرّف كأداة تحكم متغيّرة بالطاقة. كان للمقوِّم المحكوم السيليكونيّ ولجهازٍ مرتبطٍ هو الترياك (Triac) تطبيقات كثيرة في مزوّدات الطاقة لأنواع مختلفة من المعدات، رغم أن الكلفة المرتفعة كانت لا تزال تحدّهما.أصبح ترانزستور MOSFET (الموسفت)، المقدَّم كبدّالة سريعة منخفضة التيار، الأساس في الاختبارات للأجهزة المرتفعة الطاقة في السبعينات. كانت الموسفتات المرتفعة الطاقة المقدَّمة تجارياً في العام 1981 تشمل جهازاً من جنرال إلكتريك يستطيع توصيل 60 أمبيراً من الكهرباء وله فولطية منع قيمتها 600 فولط. كان سيُستعمل كمقوِّم متزامن منخفض الخسارة في مزوّد طاقة مرتفع التردّدات فعّال. كانت رقائق التبديل والتحكم قوة 200 فولط متوفرة في العام 1983، وكان يُعتقَد أنها ستواجه تحدياً قريباً من رقائق قوتها 400 فولط. بإمكان التزانزستورات الحقلية الوصليّة (أو JFETs) صنع جنرال إلكتريك، باستعمال بنية بوابة غائرة، أن تصدّ ما يصل إلى 400 فولط، مع عرض نطاق يصل إلى 500 ميغاهرتز. يمكن توصيل تلك الأجهزة الجديدة بمآخذ الطاقة مباشرة أو في أدوات موصولة مباشرة بمأخذ جداريّ. إنها تضمّ المنطق مع وظائف الترحيل أو التبديل وغالباً ما تدمج أجهزةً MOS وأجهزةً ثنائية القطبية على نفس الرقاقة. جرى تطوير تلك الأجهزة بقيادة مختبرات بَل، فوجيتسو، هاريس، هيتاشي، موتورولا، نيبون إلكتريك، NTT، أوكي إلكتريك إنداستري، شارب إلكترونيكس، سبراغ إلكتريك، تكساس انسترومنتس، تومسون، وزيروكس.في العام 1984، تم الإعلان عن مزيد من الرقائق تتضمن دارات طاقة ودارات منطق على نفس الرقاقة لتزويد وسائل تحكّم للاستخدامات الصناعية كمحوِّلات التيار المستمر-المستمر، مضخِّمات الصوت، أدوات للمحرّكات ذات التيار المستمر، أدوات الضوء الفلوري، أدوات الطاقة، أنظمة الإنذار، والأدوات المنزلية. لذا بدأت أشباه الموصِّلات تحلّ محل المحوِّل في العديد من الأجهزة الكهربائية، بالأخص الكمبيوترات والإلكترونيات الاستهلاكية، في أواخر الثمانينات.بدأ استعمال الأنابيب الإلكترونية منذ مدة طويلة في أنظمة التوزيع الكهربائي والإرسال أو في استخدامات أخرى ذات طاقة مرتفعة جداً للتبديل والتصحيح. ومرّت عقود قبل أن تستطيع أجهزة أشباه الموصِّلات أن تقترب من أداء الأنبوب المفرَّغ، وبقيت بعض أنواع الأنابيب تُستعمل حتى في العام 2000. في العام 1992، مثلاً، كانت الأنابيب المفرَّغة لتبديل الطاقة قادرة على معالجة 8,500 فولط عند 3,500 أمبير بجهاز واحد. تم تطوير أنبوب "magnicon" قوته 2.6 مليون واط وبفعالية تحويل 73 بالمئة عند 1 غيغاهرتز. ثم جرى إنتاج أنابيب جيروترون تستطيع معالجة ما يصل إلى 500 كيلوواط بتردّدات تصل إلى 110 غيغاهرتز. تلك التردّدات فاقت بكثير احتياجات أنظمة الطاقة الكهربائية، لذا بحث المهندسون عن استخدامات بديلة. كان هناك اقتراح واحد على الأقل لاستعمال هكذا أنابيب لتقليل نصف حياة المخلّفات الإشعاعية بتمريرها عبر شعاع موجات صُغرية قويّ. باختصار، كانت أجهزة أشباه الموصِّلات المرتفعة الطاقة قد سيطرت في الثمانينات على استخدامات عديدة كانت الأنابيب المفرَّغة أو المحوِّلات تُستعمل فيها من قبل. من مزوّدات الطاقة والأدوات المنزلية إلى التحكّم بخطوط الإرسال العالية الفولطية، كانت إلكترونيات الطاقة تُحرز تقدّماً كبيراً بهدوء، لكن التكنولوجيا لم تصبح مشهورة لعامة الناس.ليزر شبه الموصِّل في الإنتاجوجد أخيراً ليزر شبه الموصِّل، الذي أُعلن عنه في سنوات المختبر سابقاً لكن لم يتم تصنيعه على نطاق واسع، سوقاً ضخمة في نظام أصوات القرص المضغوط (CD). كان القرص المضغوط يرتكز على عدة أنظمة كاسيت فيديو ليزرية سابقة تم تقديمها بين أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، وكلها تستعمل أنواعاً أغلى من ليزرات الغاز. سعت شركة فيليبس، الراعية لأول نظام مماثل، إلى إنقاذ استثمارها في القرص البصري التماثلي "DiscoVision" الفاشل بتشكيل شراكة مع سوني لإنتاج قرص سمعيّ رقميّ. كانت العقبة الرئيسية إيجاد ليزر شبه موصِّل موثوق سيعمل عند الطول الموجي 780 نانومتر الذي اختاره المصمّمون. لذا، تعاونت سوني مع شارب إلكترونيكس التي كانت قد طوَّرت ليزراً ملائماً في العام 1981. كانت عيّنات من تلك الليزرات تكلّف $800، لكن تم تخفيض السعر إلى $18 في وقت شحن ذلك النظام.بعد تقديم نظام القرص المضغوط لأول مرة في العام 1983، كانت مبيعاته بطيئة أيضاً بشكل مخيّب للآمال خلال السنوات القليلة الأولى. انخفضت أسعار أجهزة القراءة من سعرها الأولي البالغ حوالي $2,000 إلى ما دون $350، واعتمدت عدة شركات تسجيل رئيسية تخزين أجزاء كبيرة من كتالوغاتها على الوسط الجديد. توقَعت سوني، المروِّج الرئيسي للنظام حول العالم، أن تحقّق أجهزة القراءة المحمولة والمخصّصة للسيارات أفضل المراتب في المبيعات، وأعادت تصميم تجمّع عدسات ليزرها الأساسي لإنشاء نموذج بثُلث حجمه للسيارة. كانت دارات التكامل الفائق تعالج تشكيلة من الوظائف في التجمّع الجديد، بما في ذلك التحكم بسرعة المحرّك، مزامنة الأطر واكتشاف الأخطاء، تصحيح الأخطاء، والاستقراء الداخلي للبيانات. بدأت مبيعات أنظمة القرص المضغوط ترتفع في أواخر الثمانينات، وستتفوّق في نهاية المطاف على التكنولوجيا التماثلية الرائدة (والتي كانت في ذلك الوقت عبارة عن الكاسيتات المسجَّلة مسبقاً) في التسعينات. أثناء ذلك، وحتى في الثمانينات، لاحظ الصانعون أن رفضاً رئيسياً للقرص المضغوط كان افتقاره لإمكانية التسجيل. فأول نظام قرص مضغوط قابل للتسجيل قدَّمته شركة Nakamichi USA كانت كلفته $80,000 ومن الواضح أنه لم يكن مخصصاً للسوق الاستهلاكية. ومع ذلك، سيُعاد تقديم منتجات القرص المضغوط القابل للتسجيل مرات عديدة قبل نهاية القرن، وكانت المبيعات ترتفع في أواخر التسعينات. الدعم الذي حصل عليه الليزر من أنظمة القرص المضغوط وكاسيت الفيديو (الذي عاد إلى أضواء الشهرة على هيئة قرص رقمي في أواخر التسعينات) كمَّلته أجهزة القرص المضغوط للكمبيوترات وآلات النسخ الفوتوغرافي والطابعات الليزرية وغيرها من الأنظمة المماثلة. بحلول العام 1995، وصلت السوق العالمية لدايودات شبه الموصِّل إلى 100 مليون جهاز يُباع في السنة.كان بعض هذا النمو في التسعينات يأتي من حقل الاتصالات عن بُعد، حيث أصبحت الألياف البصرية قطاعاً كبيراً جداً. غالباً ما كانت البدّالات البصرية والأنواع الأخرى من المعدات تستعمل ليزرات مصنوعة بعملية طوّرتها شركة روكْوَل إنترناشونال في أواخر الستينات، حيث استعرض موظفوها راسلّ دوبْوِي وهارولد ماناسيفيت وبول دابكوس عمليةً جديدةً مهمةً تدعى ترسّب البخار الكيميائي العضوي المعدني (أو MOCVD) في العام 1968. بحلول العام 1978، كان دوبوي ودابكوس ونيك هولونياك قادرين على استعمال العملية لصنع ليزرات دايودات وأجهزة أخرى بطبقات رفيعة جداً من مادة أحادية البلّور - رفيعة جداً في الواقع لدرجة أن طبقات سماكتها ذرّة واحدة فقط بدت ممكنة (وكانت ممكنة لاحقاً). في نهاية القرن العشرين، كانت عملية MOCVD هي العملية الأكثر استعمالاً لصنع الدايودات الباعثة للضوء. يمكن استعمالها أيضاً لصنع خلايا شمسية وليزرات، وستصبح ليزرات عملية MOCVD مهمة تجارياً في شبكات الاتصال البصرية.الليزرات الأخرىالأسواق العسكرية والعلمية والطبية الحيوية لليزرات التي ساندت الأبحاث في الستينات والسبعينات بقيت قوية في العقود اللاحقة. نظام الدرع الصاروخي لحرب النجوم الذي تصوّره رونالد ريغن كان أحد تلك المشاريع العسكرية التي كان لها تأثير حاسم في حقل الليزرات. ففي حين أن الكثيرين اعتقدوا أنه لا يمكن استعمال تكنولوجيا الليزر بفعالية ضد الصواريخ، دفع ريغن لإجراء مزيد من الأبحاث في هذا المجال. ظهرت فكرة السلاح الشعاعيّ في أدب الخيال العلمي منذ العام 1898 على الأقل، عندما كَتَب عنه هـ. ج. ويلز في روايته War of the Worlds (حرب العوالم). أعلَن المخترع نيكولا تسلا، بالإضافة إلى آخرين، عن هكذا أسلحة قبل الحرب العالمية الأولى بقليل، لكن لم يتم تصنيع أيّ منها في الواقع وانسحبت الفكرة بعد ذلك إلى الكتب الهزلية والأفلام السينمائية. لكن منذ الإعلان الأول لليزر والمهندسون يفكّرون جدياً باحتمال استعمالها لإنجاز هذا الحلم الذي يراودهم منذ فترة طويلة. في العام 1985، استعرض الباحثون في مختبرات لورنس ليفرمور ليزر أشعة سينية مُضَخّ بقنبلة نووية واختبروا نظام ليزر مرتفع الطاقة آخر في وايت ساندز، نيو مكسيكو، وبرهنوا فكرتهم، حيث قام ليزرٌ من فلوريد الديوتريوم طوله الموجي 3.8 ميكرومتر بإنتاج شعاع قوته 2.2 مليون واط. وفي حين أن مجلة IEEE Spectrum نشرت في عدد يناير 1986 أنه "تم الإقرار أن نظام الدفاع الاستراتيجي سيحتاج إلى ليزرات ساطعة أكثر بكثير"، تمكّن الليزر في هذه التجربة (من مسافة بقيت سرية) من تمزيق غطاء صاروخ Titan I قديم استُعمل كهدف.نيكولاس بلومبرجن: عن سياسة حرب النجوماخترع نيكولاس بلومبرجن ميزر الجوامد الثلاثي المستوى وهو رائدٌ في حقل العدسات غير الخطيّة.بسبب اهتمامي بالليزرات، طُلب مني أن أترأس دراسة عن أسلحة الطاقة الموجَّهة، وقد فعلتُ ذلك مع كومار باتل، حيث تعاونّا على رئاسة تلك الدراسة، التي لفتت الكثير من الانتباه، خاصة في واشنطن، لأن الحرب الباردة كانت لا تزال جارية، وكان هذا جزءاً من مبادرة الدفاع الاستراتيجية لريغن. حتى خلال الحرب الباردة بناءً على دراستنا تراجعوا عن خططهم لنشر الأسلحة الكبيرة في الفضاء. ...أعرف أن لجنتنا كانت تضمّ بعض الأشخاص المؤيِّدين وبعض الأشخاص المعارضين، لكننا أصدرنا تقريراً بالإجماع. لم يكن هناك رأي معارض أبداً. أجرينا مناقشات طويلة في أغلب الأحيان، ثم قلتُ "اسمعوا، كلنا هنا مهندسون وعلماء. لماذا لا نستطيع أن نتفق على الحقائق؟". كان أحد أمرين لا غير. كانت الأسئلة في بعض الحالات سياسية بكل معنى الكلمة، وكنا عندها نقول "لا يجب أن يُذكَر هذا في تقريرنا. لم نأت إلى هنا لهذا". وفي حالات أخرى، كانت الخلافات على مسائل تكنولوجية. لم تكن الصياغة التي استُعملت في المسودة محايدة. لذا كنا نناقشها بعناية كبيرة ونعيد صياغتها بحيث توصّلنا إلى إجماع على تقرير مع أشخاص لديهم آراء سياسية متباعدة جداً. ... ربما كان مفيداً بأن ساعد على إفلاس الاتحاد السوفياتي]لكن[ ذلك كان سؤالاً نموذجياً لن نرد عليه. ما كنا متجمعين لأجله هناك كان تحديد ما إذا كان عمليّاً تصميم نظام دفاع استراتيجي بنشر أسلحة طاقة موجَّهة في الفضاء.المصدر: نيكولاس بلومبرجن، حديث شفوي وثّقه أندرو غولدشتاين في 15 مايو 1995، مركز التاريخ التابع لمعهد IEEE، جامعة روتغرز، نيوبرانزويك، نيوجرسي.تفكّك الاتحاد السوفياتي الذي بدأ في أواخر الثمانينات أضعَف جدياً الرغبة بالمحافظة على المستويات المرتفعة للإنفاق على الأبحاث الدفاعية الذي شهده الجزء الأول من العقد. إحدى أولى ضحايا تخفيض الإنفاق كان برنامج حرب النجوم المفضّل لدى ريغن. انتهى برنامج الليزر المُضَخّ بالأشعة السينية في العام 1992 من دون التوصّل إلى بناء سلاح ناجح، رغم أنه بُذلت جهود في فترة لاحقة من العقد لإعادة إحياء أجزاء منه.حقّقت الليزرات نجاحاً أكبر بعض الشيء في الطب. تمت الموافقة على أول ليزرات غارنت ألومنيوم إتريوم النيوديميوم (YaG) في الولايات المتحدة في العام 1985 لأهداف طبية. بلغت كلفة أول جهاز مماثل $80,000، لكن الأسعار انخفضت لاحقاً إلى مستوى أصبحت عنده المؤسسات الصغيرة أو حتى العيادات الخاصة تستطيع تحمّلها. مثلاً، تمت الموافقة على ليزرات الإكسيمر لتصحيح البصر في العام 1992 وأصبحت أحد أشهر أشكال العمليات المرتكزة على الليزر. أصبحت الجراحة التجميلية وإزالة الوشوم وأنواع عديدة أخرى من العمليات ممكنة باستعمال الليزرات في السنوات اللاحقة.حياة جديدة للدايود الباعث للضوءاقتصرت وظيفة الدايود الباعث للضوء في أجهزة العرض منذ زمن طويل على أن يكون مؤشر "اشتغال-عدم اشتغال" بسيطاً وغيرها من المهام الوضيعة في العام 1990، لكن ذلك سيتغيّر قريباً. فبعد اختراع الدايودات الباعثة للضوء الحمراء والصفراء والخضراء، توقَّف التقدّم. والدايودات الباعثة للضوء الزرقاء الفعّالة، التي ستجعل (من خلال تركيبة ألوان) من الممكن تصنيع دايود باعث للضوء أبيض، لم تخرج إلى العلن حتى العام 1994، عندما أعلن س. ناكامورا من مصانع نيشيا الكيميائية في اليابان عن أول دايود باعث للضوء أزرق عملاني. ارتفعت أهمية الدايود الباعث للضوء كمصدر للضوء بشكل فوري تقريباً، لأنه لأول مرة يستطيع مصدر ضوء شبه موصِّل أن ينافس لمبة توماس إديسون البالغ عمرها قرناً من الزمن. إلى جانب التطوّرات التزايدية في سطوع الدايودات الباعثة للضوء، بدأت الأجهزة تستبدل اللمبات المتوهجة في استخداماتٍ كإشارات المرور والأضواء الخلفية للسيارات في نهاية القرن.الإلكترونيات البصرية وثورة الأليافأحد أهم استخدامات الليزر والدايود الباعث للضوء في الثمانينات والتسعينات كان حقلاً من حقول الهندسة يسمى الإلكترونيات البصرية. تم اقتراح أنابيب ألياف الزجاج للضوء المتماسك (الليزر) لأول مرة في العام 1966 وبدأ إنتاجها بعد أربع سنوات. كانت المعلومات تُرسَل على تلك الألياف البصرية على هيئة نبضات ضوء تمثّل البيانات الرقمية. بعد سنوات عديدة من التطوير، أصبحت خطوط إرسال الألياف البصرية جاهزة للتسويق. في أوائل العام 1980، طلبت AT&T إذناً من لجنة الاتصالات الفدرالية للموافقة على نظام بصري شمالي شرقي يمتدّ من بوسطن إلى واشنطن، وبدأ المهندسون البريطانيون يعملون على كبل ألياف ضوئية تحت الماء.بدأت AT&T وغيرها استخدام هكذا خطوط إرسال رقمي بالألياف الضوئية للاتصالات الهاتفية القصيرة المسافة فقط لأن الألياف ذات القطر الكبير نسبياً التي استعملتها كانت غير اقتصادية للإرسال الطويل النطاق. في محاولةٍ لزيادة النطاق، طوَّر باحثو مختبرات بَل ليزرات دايود من فوسفيد إنديوم زرنيخيد الغاليوم (GaAsInP) تعمل عند 1.3 ميكرومتر. في غضون ذلك، تواصلت الخطط لصنع كبلات متوسطة الطول وحتى خدمة الألياف الضوئية إلى المنازل: أجرت شركة الهاتف الكندية اختباراً في أواخر 1981 لتشغيل كبلات ألياف ضوئية إلى المنازل في إيلي، مانيتوبا. رغم أن الوورلد وايد وب كانت لا تزال بعيدة بسنوات، إلا أن شركات خدمة الهاتف كانت تفكّر بالتراسل الهاتفي الرقمي بالكامل.في أواخر 1982، وإيذاناً بالأشياء التي ستحصل لاحقاً، استأجرت MCI حق تمديد خط ألياف من نيويورك إلى واشنطن العاصمة وبدأت تشييده، لكن AT&T فازت بالسباق مفتتحةً أول كبل بصري بين نيويورك وواشنطن العاصمة في فبراير 1983. استعمل هذا الخط البالغ طوله 595 كلم ليزر زرنيخيد غاليوم الألومنيوم (AlGaAs) الأقل فعالية بعض الشيء وكانت هناك مكرِّرات موضوعة متباعدة عن بعضها مسافة 7 كلم. كان تمديد عدة كبلات ألياف ضوئية أرضية وبحرية جارياً على قدم وساق في العام 1985 عندما بدأ تشغيل أول نظام ألياف ضوئية عبر الأطلسي في ديسمبر 1988.في نهاية كل كبل اتصالات ألياف ضوئية، يقوم ليزر شبه موصِّل بتوليد الضوء ويكتشفه دايود شبه موصِّل. لكن بالإضافة إلى تطلّبها تحسينات ملائمة بالألياف والليزر والدايود الضوئي، كانت الخطوط الجديدة تحتاج أيضاً إلى طرق فعّالة أكثر لنقل كميات ضخمة من البيانات. وما سعت إليه AT&T والآخرون كان تكنولوجيات "تبديل" أسرع (الأجهزة الكمبيوترية التي توجّه المكالمات عبر الشبكة)، ومن المفضّل أن تكون بدّالات لا تتطلّب التحويل ذهاباً وإياباً بين الإشارات البصرية والإشارات الإلكترونية. تستطيع الدارات المتكاملة المصنوعة من زرنيخيد الغاليوم أو مركَّبات أخرى من المجموعة التي تُسمّى III-V (أي، العناصر من الأعمدة الثالثة والخامسة في المخطط الدوري) أن تشتغل بصرياً أو إلكترونياً، وكانت أولى البدّالات التجارية التي تستخدم هذه التكنولوجيا خياراً طبيعياً للتبديل البصري. بدأ استخدام رقائق زرنيخيد الغاليوم، التي اعتُبرت قبل بضع سنوات مكلفة جداً لأي جهة ما عدا السوق العسكرية والتي موَّلها الجيش بقوة في مرحلة التطوير، في الاتصالات البصرية في العام 1985. كانت تلك الدارات السريعة تُستخدَم للمِعقابات (وهي دارات "لركوب" إشارتين أو أكثر على ألياف واحدة)، المِصواعات (demultiplexers)، المكرِّرات، والدارات الأخرى. في العام 1987، تمّ الإعلان عن زرنيخيد الغاليوم على السيليكون، وهي تركيبة هجينة من تكنولوجيا شبه موصِّل زرنيخيد الغاليوم والسيليكون العادي فتحت الطريق أمام مكوّنات إلكترونية وبصرية مندمجة على رقاقة واحدة.في أوائل التسعينات، كان ممكناً إرسال البيانات الرقمية اقتصادياً لحوالي 217 كلم من دون الحاجة إلى إعادة توليد النبضات إلكترونياً. هكذا تحسينات في النطاق مهَّدت الطريق لبنية تحتية للاتصالات موسّعة بشكل كبير ترتكز على الألياف الضوئية جاءت في الوقت المناسب لتتزامن مع ظهور الانترنت كشبكة بيانات عالمية ضخمة وسريعة. في السنوات الأخيرة، برزت الإلكترونيات البصرية التي تم تطويرها للاستعمال مع أنظمة الألياف الضوئية كحلِ محتملِ لمشكلة بناء كمبيوترات أسرع، لأن بإمكان تلك الرقائق أن تحل محل التوصيلات البينية الكهربائية بين الرقائق.الموصِّلات الفائقةبعض أحدث المواد وأكثرها وعداً للجيل القادم من الأجهزة الإلكترونية هي الموصِّلات الفائقة (superconductors). تمّ اكتشاف ظاهرة الموصّلية الفائقة في أوائل القرن العشرين، ونال رائد الترانزستورات جون باردين جائزته نوبل الثانية بتطويره نظرية الموصّلية الفائقة، لكن بقي الاهتمام التجاري بهذه التكنولوجيا خفيفاً حتى نهاية القرن العشرين تقريباً.وصلات جوزيفسنطبَّق براين جوزيفسن نظرية الموصِّل الفائق في العام 1962 ليقترح احتمال صنع جهاز يتألف من موصِّلَين فائقَين يتم وصلهما بحاجز مادة غير فائقة التوصيل. يمكن استعمال الجهاز كبدّالة سريعة جداً أو دايود. أدّى هذا إلى التطوير الاختباريّ لأجهزة مختلفة باستخدام ما يُسمى وصلات جوزيفسن. لكن يمكن استعمال عدد قليل من تلك الوصلات في إعدادات عملانية لأن درجات الحرارة المطلوبة لإنجاز الموصّلية الفائقة كانت منخفضة جداً. تعود جذور الجهاز إلى اكتشاف والتر ميسنر وروبرت أوشنفلد في العام 1933 بأن الجزء الداخلي لعيّنة معدن مبرَّد إلى درجات حرارة التوصيل الفائق يستثني كل الحقول المغنطيسية. برهَن هذا الاكتشاف أن الموصّلية الفائقة تنطوي على أكثر من مجرد مقاوَمة كهربائية قيمتها صفر. تحصل أيضاً تغييرات مهمة أخرى في الخصائص الكهربائية خلال حالة الموصّلية الفائقة، أحدها هي ظاهرة جوزيفسن. وفقاً للنظرية، تَنتج الموصّلية الفائقة عن حركة إلكترونَين متلازمَين، يسمّيان أزواج كُوبر، في المادة الجامدة الفائقة التوصيل. وَجَد جوزيفسن أن أزواج كُوبر تلك تنتقل من موصِّل فائق إلى الآخر عبر الحاجز العازل في بعض الظروف التي يمكن التلاعب بها بتطبيق حقول مغنطيسية. يمكن استعمال هذه الظاهرة لتغيير الحالة الكهربائية للموصِّلات الفائقة المتصلة ببعضها، مما يسمح بتعديل الكهرباء. كانت وصلات جوزيفسن مصنوعة أصلاً من خليط الرصاص، لكن تم استبدال الرصاص بالنيوبيوم في العام 1983 لأنه لم يكن مستقراً.ظاهرة جوزيفسن حسّاسة جداً للحقول الكهرومغنطيسية، وبالنتيجة، لها عدة استخدامات عملانية مهمة تتضمن قياس التيارات الكهربائية الصغيرة جداً واكتشاف الحقول المغنطيسية الضعيفة. أدّى أيضاً استعمال الموصِّلات الفائقة في تكنولوجيا الإلكترونيات الذي مكَّنته وصلات جوزيفسن إلى نتائج مشوّقة منذ اعتماد النيوبيوم في العام 1983، بما في ذلك تطوير مكتشِفات موجات صُغرية حسّاسة جداً ومصادر فولطية مستقرة. استعمل المهندسون الأجهزة في الإلكترونيات الرقمية أيضاً، حيث تم استعراض أوقات تبديل مقدارها 9 بيكوثانية (واحد على تريليون من الثانية) وتأخيرات منطق مقدارها 13 بيكوثانية. لذا فهي تقدّم بالنتيجة احتمال دارات صُغرية فائقة السرعة وكمبيوترات سريعة. تَعِدُ هكذا كمبيوترات بأن تكون لها سرعة عمل وسعة تخزين أكبر بكثير مما تتيحه التكنولوجيا الحالية. بالإضافة إلى ذلك، بما أن الفولطية على وصلة جوزيفسن معروفة نظرياً أنها ترتكز على قيم بعض الثوابت، تُستعمل وصلات جوزيفسن أيضاً لتزويد معايير لقياس فولطية التيار المستمر. تتعلق الاستخدامات الأخرى لوصلات جوزيفسن بعلم قياس الإشارات السريعة وبتطوير أجهزة التشويش الكميّة الفائقة التوصيل (SQUIDs)، المصنوعة من عدة وصلات جوزيفسن موصولة ببعضها لتشكيل حلقات فائقة التوصيل.اكتشف تشينغ-وو تشو من جامعة هيوستن وماو-كيون وو من جامعة ألاباما في مدينة أنواعاً جديدةً من الخزفيات الفائقة التوصيل "المرتفعة الحرارة" في العام 1987 مما دفع الكثيرين إلى تخمين أنه بإمكانها أن تشكّل أساس المنتجات التجارية. باستعمال أكسيد نحاس باريوم الإتريوم، حقّق أولئك الباحثون موصّلية فائقة عند حرارة مرتفعة نسبياً تبلغ 95 درجة كلفن (178- درجة مئوية)، وهي كانت مرتفعة كفاية لكي يمكن إبقاء الأجهزة المصنوعة من هكذا موصِّلاتٍ فائقةٍ باردةً باستعمال النتروجين السائل الرخيص. كان هذا اكتشافاً رئيسياً في حقل الموصّلية الفائقة، مما فتح الباب أمام كل الاحتمالات. في غضون بضع سنوات، تم العثور على موصِّلات فائقة لها درجات حرارة تشغيل أعلى حتى، مما حفِّز مناقشات أكثر عن احتمالاتها في خطوط الإرسال أو المحرّكات أو حتى الدارات المتكاملة.كانت شركة Conductus Incorporated في كاليفورنيا إحدى أولى الشركات التي قدَّمت أجهزة وصلة جوزيفسن فائقة التوصيل تجارية في العام 1991. يستخدم مقياس مغنطيسيتها SQUID (وهو جهاز لقياس الحقول المغنطيسية الضعيفة جداً) موصِّلاً فائقاً مرتفع الحرارة مصنوعاً من أكسيد نحاس باريوم الإتريوم. كما قدَّمت شركة Hypres Incorporated من نيويورك جهاز منطق فائق التوصيل هو عبارة عن مسجِّل إزاحة 4 بت يعمل عند 9.6 غيغاهرتز ويبدِّد 40 ميكروواط فقط. كان يعمل في الهليوم السائل عند حرارة 4.2 درجة كلفن (269- درجة مئوية)، ويحتوي على عشر طبقات فيلم رفيع و32 وصلة جوزيفسن من النيوبيوم على طبقة تحتية من السيليكون أو زرنيخيد الغاليوم. بحلول العام 1992، كانت أجهزة الـ SQUID تُستعمل كمعايير مخبرية للفولط وأوم (ohm)، وكانت شركة International and Superconductor Technologies تصنع مصافي إلكترونية فائقة التوصيل عالية الأداء لمحطات الهاتف الخليوي الذي كان شائع الاستعمال في أواخر التسعينات. لا شكّ أن القرن الحادي والعشرين سيشهد مزيداً من الاستخدامات الواسعة الانتشار للموصِّلات الفائقة في تكنولوجيا الأجهزة.6 - الاستنتاجاتقد ينظر آلاف المهندسين الذين ساهموا بحقل الأجهزة الإلكترونية منذ العام 1950 إلى إنجازاتهم بفخر، لكن السنوات القادمة تخبئ احتمالات مذهلة. أكثر ناحية يتوضّح فيها هذا هي حقل الدارات المتكاملة، حيث تلك الرقائق الصغيرة جداً التي تتألف من آلاف أو ملايين المكوّنات الفردية تدمج نفسها، إلى حد ما، في كل شيء يمكن تخيّله تقريباً، وصولاً إلى الجسم البشري بحدّ ذاته.التكامل والنمنمةيعود تاريخ الأجهزة الإلكترونية هذا إلى بعض الأفكار بشكل متكرر. إحداها كانت العملية المتصلّبة بتحويل الأنظمة المصنوعة من أجهزة متفرِّدة إلى دارات متكاملة. مغزى ذلك المَيل هو أنه بعد تطوير الدارة المتكاملة، أصبحت معظم الأنواع الجديدة من الترانزستورات هامة حقاً فقط عندما يمكن تصنيعها كجزء من الدارات المتكاملة. سيبقى الوضع على هذا النحو في المستقبل الفوري على الأرجح.النمنمة رافقت التكامل، وبالتالي بدأت الاكتشافات التي تُعتبر هامة بحقّ هي التي تميل إلى تقديم أحجام أصغر للأجهزة. بالطبع هناك استثناءات مهمة. فالأجهزة التي يكلّف تصنيعها أقل من المنافسين حجمها ليس أصغر دائماً، وقد يفوق أداء الجهاز في حالات خاصة إما كلفته أو حجمه. وأكثر من ذلك، قد لا تكون النمنمة مهمة جداً في بعض حقول الهندسة، كإلكترونيات الطاقة أو أجهزة عرض الصور. ومع ذلك، من الواضح أن النمنمة عاملٌ مهمٌ يستحق انتباهاً خاصاً.جاك كيلبي عن الدارة المتكاملةأصبح جاك كيلبي، العامل في تكساس انسترومنتس، أحد مخترعي الدارة المتكاملة.أعتقد أنني اعتبرتُ أنها ستكون مهمة للإلكترونيات مثلما كنا نعرفها وقتها، لكن الأمور كانت أبسط بكثير وكانت الإلكترونيات في الأغلب عبارة عن الراديو والتلفزيون والكمبيوترات الأولى. ما لم نقدّره كان المقدار الذي سيساهم به تدنّي التكاليف في توسيع حقل الإلكترونيات إلى استخدامات مختلفة كلياً لا أعرف أنها خطرت على بال أي شخص في ذلك الوقت. ... كانت القصة الحقيقية في تخفيض الكلفة، الذي كان أكثر بكثير من توقّعات أي شخص. وقد وسَّع حقل الإلكترونيات كثيراً. في العام 1958، بيع ترانزستوراً سيليكونيّاً لم يكن جيداً جداً بحوالي $10. اليوم، سيشتري لك مبلغ $10 أكثر من حوالي 20 مليون ترانزستوراً، وعدداً مساوياً من المكوّنات الهامدة، وكل التوصيلات البينية لجعلها رقاقة ذاكرة مفيدةً. لذا فإن انخفاض الكلفة شكَّل عامل قوة بمقدار ملايين على واحد. وأنا أكيد أن لا أحد كان يتوقّع ذلك.المصدر: "مقابلة مع جاك كيلبي"، http://www.ti.com/corp/docs/ kilbyctr/interview2.shtmlمن المهم تذكّر أن النمنمة ظاهرةٌ لها بداية يمكن تحديدها ومسار تاريخي. لقد برزت من ظروف تاريخية محدَّدة ولم تكن نتيجةً ضروريةً لاختراع الترانزستور أو أي جهاز آخر. في أوائل القرن الحادي والعشرين، بدا أن الناس (أو على الأقل الصحافة) يعاملون النمنمة كأمر حتميّ. في الواقع، تقدّم إحدى الدراسات الحديثة عن قانون مُور مخططاً يدّعي أنه يُثبت أن "أجهزة" (ومن بينها أسلاك التلغراف) القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين أظهَرَت أيضاً مَيلاً نحو النمنمة يتماشى مع قانون مُور. هكذا تحليل هو تشويه فادح في أنه ينكر الجذور التاريخية لنمنمة الإلكترونيات التي تكمن في أحداث محدَّدة كالمتطلبات العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة. في نهاية القرن العشرين، زال أو تغيَّر العديد من تلك الظروف الأولية، ومع ذلك بقي مستقبل النمنمة مؤكّداً دون أدنى شك. اعتُبرت صلاحية قانون مُور، الذي تم تعديله بكثرة في السنوات اللاحقة ليناسب احتياجات مناصريه، منتهية مرات عديدة لكن أُعيد إحياؤه بشكل متكرر. لقد بدا واضحاً أن نمنمة الدارات المتكاملة ستصطدم في مرحلة من المراحل بالحدود الفيزيائية أو الاقتصادية، لكن قلّة من الأشخاص توقّعوا أن النمنمة ستتباطأ أو تتوقف قبل بلوغ تلك الحدود. إذا كان تاريخ التكنولوجيا يعطينا أي دروس فهي أنه لا يتم أبداً بلوغ الشكل "المُطلق" لأي تكنولوجيا، وأن الحدود الفيزيائية ليست سبب توقّف الابتكارات.التأثير الحكوميكما النمنمة، كان لتأثير المؤسسات الحكومية والعسكرية في تاريخ الأجهزة الإلكترونية أهمية مركزية. أصرَّت النظريات الاقتصادية القديمة عن التطوّر التكنولوجيّ أن كل الاختراعات نشأت من الاحتياجات البشرية الأساسية، وأن التغيّر التكنولوجيّ كان دليلاً على نظرية "بقاء الأصلح". وتم تطبيق ذلك الجزء من نظرية داروين حتى على عمل "سوق" مجرَّدة، حيث تتنافس الابتكارات. أظهَرَ المؤرّخون أن هكذا نظريات غير ملائمة بالكامل لشرح تطوّر التكنولوجيا العصرية. فالأنظمة الاجتماعية المعقّدة التي يحافظ عليها البشر، وليس القوانين الطبيعية، تحثّنا على تطوير أو استعمال تكنولوجيات لها صلة بسيطة بالاحتياجات الأساسية. وأكثر من ذلك فإن السوق الحرة مجرّد خرافة كبيرة. في حالة تاريخ الأجهزة الإلكترونية، من الواضح أن المؤسسات القوية، كالوكالات الحكومية، ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر بكثير من الابتكارات بنفس النسبة التي ساهمت بها قوى السوق البسيطة. منذ ولادة الترانزستور، شكَّل الجيش والمؤسسات الحكومية الأخرى سوقاً مهمةً لتكنولوجيات الجهاز الجديد. بالإضافة إلى ذلك، احتياجات الجيش، وليس المنافسة في السوق، هي التي أدّت إلى تطويرات الأجهزة العديدة التي لم تكن لتبرز لولا ذلك. حتى أن بعض تلك الأجهزة أصبح جزءاً من أنظمة (كخط الرادار DEW والصواريخ البالستيّة العابرة للقارات) تم تصميمها وبناؤها لكن لم تُستعمل أبداً لأهدافها المقصودة. من الواضح أن "الحاجة إلى" هكذا تكنولوجيات لم يرتكز على فائدتها الفعلية بل على إمكانياتها المحتملة.ومع ذلك لم تكن العلاقة بين الصناعة والجيش من أيام الحرب الباردة هدراً للوقت والجهد. فقد حفّزت أبحاث الأجهزة إلى درجة محمومة وأوجَدت اكتشافات تكنولوجية أساسية لا تزال مهمة اليوم. الترانزستور والدارة المتكاملة والليزر والعديد من التكنولوجيات الأخرى كلها تَدين بالكثير لهذا التدخّل الحكومي.جون سابي عن مختبرات الأبحاثكان جون سابي رائد الترانزستور الوصليّ في جنرال إلكتريك في العام 1952.كنتُ في مختبر الإلكترونيات ]في جنرال إلكتريك في الخمسينات[. كان مختبراً تابعاً لأحد الأقسام وكانت وظيفتنا ما بين الأبحاث والتطوير. ما كنا نسمّيه قسماً يسمّونه الآن مجموعة (group) أو مجموعة مهنية استراتيجية. بالنسبة للعديد من الأشخاص في مختبر الأبحاث بالذات، كلما سرت صعوداً في الهرمية هناك، كلما سّموا كل شخص آخر في الشركة حاجباً. لكن عند مستوى العمل في مجموعات الأبحاث هناك وأشخاص الأبحاث عندنا، يمكنهم أن يسيروا ذهاباً وإياباً بشكل جيد. كان لدينا بعض المقدار من الحرية لنلاحق أفكارنا. ... لكن ذلك زال لاحقاً بسبب تغيير الإدارة. كانت تلك فترةٌ من التاريخ من المفيد فيها أن تكون مرناً. لستُ متأكدٌ أن الحال هكذا الآن؛ ربما. في أوائل أوقات الترانزستور، كان مفيداً أن تكون مرناً. لكنه منطقي دائماً أن تطرح أسئلة الطبيعة الأم، التي تكون أجوبتها مفيدة. عرَّف أحدهم الأبحاث البحتة أنها أشبه بأنك لا تعرف ما الذي تفعله بالضبط ولا تعرف لماذا تفعله. الهندسة هي أنك تعرف ما الذي تفعله وتعرف لماذا تفعله. تقع الأبحاث التطبيقية في مكان ما في الوسط: لا زلتَ تُجري أبحاثاً، وتعرف لماذا تفعلها، لكنك قد لا تفهم ما تفعله بالكامل. إنك تبحث عن حقائق عن الطبيعة، لكنك تعرف لماذا تفعل ذلك. إنك تعمل في ذلك الحقل لأن لديك بعض الإيمان أن النتائج في ذلك الحقل ستكون مفيدة لناحية معيّنة في الشركة. تدّعي مختبرات الأبحاث أنها لا تفرض ذلك القيد إذا كانت تتكلم مع زملاء الأبحاث في الجامعات، لكن إذا كنتَ تتكلم مع أشخاص في الأقسام، سيدّعون بالطبع فرضه بشدّة.المصدر: جون سابي، حديث شفوي وثّقه دايفد مورتون في 10 أبريل 2000، مركز التاريخ التابع لمعهد IEEE، جامعة روتغرز، نيوبرانزويك، نيوجرسي.الأبحاث التي حفّزتها الاحتياجات العسكرية تراجعت وتضاءلت، لكن التمويل الإجمالي لأبحاث الأجهزة انخفض في العقود الأخيرة من القرن العشرين. لا يمكننا أن نعزو سبب كل ذلك الانخفاض إلى الجيش. فهناك عوامل أخرى، كتحرير القيود القانونية لقطاعات الهاتف والبث، مما أضعَف بالطبع الاحتكارات التي ساندت جهود الأبحاث الأساسية، على الأقل في الولايات المتحدة. من غير الأكيد ما إذا كان العالم سيرى مرة أخرى مستويات من الأبحاث الأساسية يمكنها أن توازي تلك التي جرت خلال الفترة من العام 1950 إلى السبعينات، ولهذا السبب من غير الواضح مَن الذي سيكتشف الابتكار التالي المشابه للترانزستور أو الليزر.التدويلكان هناك نوع مختلف بعض الشيء من التأثير الحكومي له تأثير مهم في مجال الأجهزة هو الدعم البرمجي لتصنيع الأجهزة الإلكترونية. بدءاً من الستينات، سعت الحكومة اليابانية إلى تدعيم الصناعات الوطنية لأشباه الموصِّلات من أجل زيادة التصدير إلى الولايات المتحدة وأوروبا. سلكت الشركات الأوروبية نفس الطريق تقريباً، لكن أحد أسباب فعلها ذلك كان استرداد سيطرتها على أسواقها المحلية. المُضحك هو أن الاقتصاد الياباني تعرّض لأزمات في التسعينات، مما دفع الشركات اليابانية إلى نقل الإنتاج إلى المناطق المنخفضة الأجور في آسيا ككوريا. حذت الشركات الأميركية والأوروبية حذوها، وبالنتيجة أصبح القسم الأكبر من الإنتاج العالمي للأجهزة الإلكترونية بحلول العام 2000 يجري في مناطق لم يسمع بها على الأرجح أغلب الشعب الغربي. لكن الصناعة الغربية ورؤسات الحكومات اعترضوا بقوة على هذه "العولمة" لقطاع الإلكترونيات. فمن جهة، أصبحت الحكومة الأميركية قلقة جداً من هذا لدرجة أنها أسّست جمعية للشركات الخاصة معروفة بـ Sematech (سيماتك) في أواخر الثمانينات لتنشيط تصنيع أشباه الموصِّلات في الولايات المتحدة. ومن جهة أخرى، نقلت الشركات الأميركية والأوروبية وحتى اليابانية الإنتاج إلى بلدان أخرى طوعياً وبقصد الربح، وهذه حقيقة لا يمكن تفسيرها كاعتراض على الاعتماد على الصناعة الأجنبية. أحد الأشياء الأكيدة هو أنه منذ الثمانينات، تراجَعت القبضة المسيطرة للولايات المتحدة في تكنولوجيا الأجهزة المتقدمة، وأصبحت دول عديدة الآن تمتلك قدرات قوية في أبحاث الأجهزة وتصنيعها.ستيوارد فلاخن عن الابتكار في الإلكترونيات الصُغريةكان ستيوارد فلاخن رائداً في قطاع الإلكترونيات الصُغرية في مختبرات بَل، وأسّس لاحقاً شركة TranSwitch (ترانسويتش).لقد تغيَّرت الأشياء كلياً في أميركا التجارية. فلم تعد هناك مختبرات أبحاث في أميركا التجارية، والجميع تقريباً يعتمدون الآن مبدأ الأبحاث المركَّزة، والتي لا يمكنك تسميتها أبحاثاً أساسية. ... الآن بوجود الأبحاث المركَّزة أكثر والتطوير المتقدم أكثر، أصبحت تتأثر كثيراً بهاجس الأرباح والخسائر. هناك إيجابيات وسلبيات لهذا. الإيجابيات تتضمن أنك قد تتمكن من إدخال الابتكارات في منتجاتك بشكل أسرع. والسلبيات هي أنك لن تكشف الظاهرة الجديدة التي تؤدي إلى أسواق جديدة بعد عشر إلى خمسة عشر سنة لاحقاً. فهذا الجزء من العملية قد زال. أعتقد أنه انتقل إلى عالم الكيمياء الحيوية. أعتقد أن أبحاث الحمض النووي هي مثال جميل عن قوة الأبحاث الأساسية التي تؤدي إلى أسواق جديدة كلياً بعد خمسة عشر سنة من انتهاء العمل الأساسي. لا أرى ذلك يحصل في الإلكترونيات بعد اليوم، بينما يحصل الآن في الكيمياء الحيوية والفيزياء الحيوية.المصدر: ستيوارد فلاخن، حديث شفوي وثّقه فريديريك نيبيكر في 6 يونيو 1996، مركز التاريخ التابع لمعهد IEEE، جامعة روتغرز، نيوبرانزويك، نيوجرسي.المجهولبين الأشياء المجهولة عن استدامة قانون مُور، وتدهوُر الأبحاث والتطوير الصناعيين، والتهديد الاقتصادي الناتج من العولمة، كانت هناك أشياء مجهولة أخرى تحيط الإلكترونيات في بداية القرن الحادي والعشرين. منذ الحرب العالمية الثانية، أصبح عامة الناس واعين للأجهزة الإلكترونية أكثر من أي وقت مضى. رغم أن الأشخاص العاديين اختبروا تلك الأجهزة ضمن بعض الأنظمة، كالتلفزيونات ومسجِّلات أشرطة الفيديو والهواتف الخلوية والكمبيوترات، إلا أنهم بدأوا يُدركون أكثر حقيقة أن النمنمة جعلت تلك الأنظمة منتشرة على نحو متزايد. ومع ذلك الانتشار جاءت زيادة القلق العام. فوسط الإقرار العريض للرقاقة الصُغرية بأنها قلب الأنظمة المفيدة كالكمبيوترات الشخصية، كان هناك الاعتقاد العام بأن الشركات أو الحكومات تستطيع (أو ستكون قادرة قريباً على) أن تزرع رقائق في الجسم البشري لتتحكم بالدماغ. احتضَن ملايين الأميركيين الهواتف الخليوية ليس فقط للاتصال الروتيني بل أيضاً كميزة أمان في سياراتهم لطلب النجدة في حال وقوع حادث أو تعطّلت السيارة. ولكنها كانت على نحو متزايد أيضاً سبب حوادث سير أو ربما سرطان الدماغ. بطريقة مشابهة، تم الترحيب بالكمبيوترات والانترنت بسبب قدرتها غير المحدودة على الإبلاغ والترفيه وتحسين الاتصالات. ولكنها أصبحت بحلول العام 2000 مصدر القلق الرئيسي أيضاً لانتشار الأشياء الإباحية، ولارتكاب نوع جديد من جرائم الانترنت هو "سرقة الهوية". ومع تكاثر الهواتف والكمبيوترات والألعاب وأجهزة الترفيه العاملة على بطاريات، أصبح التخلّص من بطارياتها المليئة بالسموم همّاً بيئياً رئيسياً، وكذلك التأثيرات البيئية للتخلّص من ملايين الكمبيوترات البائدة كل سنة. التكنولوجيات، كالكاميرات الإلكترونية، التي كانت تبدو واعدة جداً في وقت من الأوقات تبدو الآن خطيرة على نحو متزايد، كون الحياة الخاصة للأفراد تُسجَّل بالتفاصيل في الكمبيوترات أو تُبَثّ على الانترنت من كاميرات مخفية في الجدران، أو متنكّرة كأشياء مألوفة، أو مضمَّنة داخل الهواتف الخليوية.كمعظم التكنولوجيات في التاريخ، ساعدت الأجهزة الإلكترونية في إعطاء الأشخاص سيطرةً أكبر على الأشياء المجهولة في أجسامهم وحياتهم. ومع ذلك فإن الأنظمة التي كانت الأجهزة مضمَّنة فيها جاءت أحياناً بكلفة مرتفعة على الخصوصية أو الاختيار. أحد الأمثلة الشهيرة كان ما يسمى الرقاقة V. اعتمد هذا الجهاز على الأساليب المعتمَدة للدارة المتكاملة، لكنه أصبح التصميم الأكثر إثارة للجدل للدارة المتكاملة. لقد ظهر في الولايات المتحدة بعد صدور قانون الاتصالات عن بُعد في العام 1996، الذي ألزَم أن يطوّر مُنتجو برامج التلفزيون نظام تصنيف وأن يزوّد صانعو أجهزة الاستقبال طريقةً لكي يراقب الأهل ما يشاهده أولادهم. تمّ اقتراح النظام الفعلي لتطبيق هذا من قِبل المهندس الكندي تيموثي كولّينغز. ورغم أنه تطلّب إجراء تغييرات تكنولوجية في مراكز البث، إلا أن "رقاقة المُشاهِد" المضافة إلى دارة جهاز الاستقبال هي التي لفتت انتباه الناس. تعرَّضت الرقاقة للهجوم من أولئك الذين اعتبروها شكلاً من أشكال الرقابة الحكومية، بسبب احتمال إساءة استعمال التصنيفات. ومع ذلك، أصبح استعمالها إلزامياً في كل الأجهزة المُباعة في الولايات المتحدة بعد 1 يناير 2000. صحيح أن تأثير الرقاقة V لا يزال غير واضح في وقت كتابة هذا الكلام، إلا أنها دليلٌ تقشعرّ له الأبدان للطريقة التي تستطيع بها الوكالات القوية اتخاذ قرارات على مستوى عالٍ بشأن مستقبل التكنولوجيا، بغض النظر عن السوق أو العمليات الديموقراطية.مشكلة العام 2000انتهى القرن العشرين بتوقّع مروّع أن ملايين الكمبيوترات والأنظمة التي يتم التحكّم بها بواسطة الكمبيوتر قد تتوقف فجأة عن العمل نهائياً. كانت المشكلة ترتكز على حقيقة أن العديد من الكمبيوترات تعتمد على رموز التاريخ والسنة التي تولّدها البرامج، وقد اعتاد المبرمجون على تصغير خانة السنة إلى عددَين فقط. عندما تتحوّل السنة 99 إلى 00، كان يُتوقَّع أن تفشل الكمبيوترات لأن بيانات العام 2000 سيُعتبَر أن لها تاريخ يسبق بيانات العام 1999. ظهر أول اقتراح لوجود المشكلة في الصحافة التقنية في أواخر السبعينات، وبين حوالي 1993 و2000، اختبرت الحكومات والمؤسسات العسكرية حول العالم أنظمتها وأجرت العديد من التغييرات المُكلفة عليها. وَجَد مشغّلو مصانع توليد الطاقة وأنظمة الصواريخ وكمبيوترات قسم المحاسبة وآخرون حول العالم أن "مشكلة العام 2000" ستتسبّب في الواقع بوقوع أعطال كثيرة. لكن عدد تلك الأنظمة كان كبيراً جداً لدرجة أنه لا يمكن اختبارها كلها، ولم تكن هناك دائماً طرقٌ لاختبار الأنظمة المضمَّنة. مع ارتقاء المسألة إلى مستوى الوعي الشعبي في العامين 1998 و1999، صبّت الصحافة الزيت على النار، مما دفع الكثيرين إلى الاستعداد لأعطال كارثية في الأدوات، المؤن الغذائية، المراقبة الجوية، وكل شيء آخر تقريباً. ورغم قدوم سنة 2000 وذهابها من دون أي كارثة مروعة، بدا أن مشكلة العام 2000 زادت الشعور بأن هناك تهديد وشيك من التكنولوجيا الجديدة. لم يكن لدى المهندسين الذين أنشأوا تلك الأنظمة والأجهزة التي تشغّلها الكثير ليقولونه، ما عدا الانتقاص من النقّاد ووصفهم بالرجعيين والمتشائمين. لكن ما فشل بتقديره العديد من المهندسين كان أن مصدر هكذا انتقادات هو مسألة ثقة عامة الناس؛ فالمهندسون في أواخر القرن العشرين فقدوا مكانتهم الماضية كحلاّلين لمشاكل المجتمع وفشلوا في استرجاعها. استمرّت الانتقادات التي وُجّهت في فترة حرب فييتنام للمهندسين الكهربائيين بأنهم تكنوقراط (خبراء فنيين) في خدمة المؤسسة، وأعداء البيئة، ومتخلِّفين اجتماعياً، وتعزّزت في السنوات بعد العام 2000 بسبب فشلهم في إعلان الانتصار على مشكلة العام 2000، أو حتى توضيحهم أنها كانت إنذار خاطئ. بدأ العديد من أولئك الأشخاص يشعرون بالذعر من ظاهرة مشكلة العام 2000، وانتشر جو عام من الارتياب من التكنولوجيات الجديدة ومن الذين يبتكرونها. كان نموذجياً في أوائل القرن الحادي والعشرين أن تكون تكنولوجيات الحياة اليومية قد أصبحت غامضة تماماً، وأن ينتشر خوف منها في نهاية المطاف، مثلما يحصل مع كل الأشياء غير المفهومة جيداً.معجمMOS.  اختصار metal-oxide semiconductor (شبه موصِّل أكسيد المعدن). إنه نوعٌ من الترانزستورات الحقليّة يتألف من عيّنة شبه موصِّلة متعددة الطبقات مغلّفة بطبقة رفيعة من التأكسد على سطح واحد أو أكثر، ومطبَّق عليها إلكترود معدني (أو مادة أخرى).أجهزة التلامس النقطي (point-contact devices).  دايودات أو ترانزستورات مشيَّدة بلمس سلكين رفيعين أو أكثر بعيّنة بلّور شبه موصِّل.أجهزة الوصلة المتباينة (heterojunction devices).  دايودات أو ترانزستورات أو أجهزة أخرى تستخدم عيّنتين أو أكثر من أنواع مختلفة من البلّور شبه الموصِّل مَشوبتين بشكل مختلف.إشابة (doping).  عملية إضافة ملوّثات مطلوبة إلى عيّنة مادة شبه موصِّلة. يمكن إنجاز هذه الخطوة الأساسية في إنشاء الوصلات p-n في تشكيلة كبيرة من الطرق.إلكترود (electrode).  في سياق الأنابيب المفرَّغة، موصِّل معدنيّ أو طرف مُدرج عبر الغلاف الزجاجي عند تصنيعه. ينشأ ختم بين الزجاج والمعدن، ويمكن تزويد الكهرباء إلى المكوّنات داخل المفرَّغ الأنبوب من مصدر خارجي.إلكتروني (electronic).  مصطلح يُستعمل منذ 1930 على الأقل لوصف حقل الأنابيب المفرَّغة. منذ أواخر الأربعينات، أصبح المصطلح يشتمل أيضاً على حقل الترانزستورات والأجهزة ذات الصلة.أنبوب أشعة الكاثود (cathode ray tube).  أنبوب مفرَّغ يتألف من مدفع إلكترونات وشاشة هدف فوسفورية. الإلكترونات التي تضرب أي جزء من الشاشة تسبّب توهّجاً محلياً. يُستعمل كجهاز لعرض المعلومات.أنبوب الإلكترونات (electron tube).  راجع أنبوب مفرَّغ.أنبوب مفرَّغ (vacuum tube).  الإسم العام المعطى لفئة من الأجهزة الإلكترونية تتألف من طرفَين كهربائيين أو أكثر يخترقان جدران حاوية زجاجية أو معدنية مفرَّغة. الأنبوب المفرَّغ المألوف أكثر من غيره هو الترايود. راجع ترايود.أوديون (audion).  الإسم التجاري لأول أنبوب ترايود مفرَّغ. راجع أنبوب مفرَّغ.أورثيكون (orthicon).  نوع خاص من الأنابيب المفرَّغة يخدم ككاميرا للتلفزيون.تبديل (switching).  في سياق الأجهزة الإلكترونية، البدّالة الإلكترونية مشابهة مباشرة للبدّالة الميكانيكية، كمفتاح الضوء الشائع. في خدمة الهاتف، تشير كلمة "بدّالة" عادة إلى نظام إلكتروني بالكامل يستطيع إكمال الاتصالات تلقائياً بين مشترِكي الهاتف.ترانزستور (transistor).  جهاز إلكتروني يشبه سندويشاً ثلاثي الطبقات يتألف من مركَّبات شبه موصِّلة مختلفة. يُستعمل في الدارات لتضخيم أو تبديل التيارات.ترانزستور وصليّ (junction transistor).  الإسم العام لأي ترانزستور تنشأ فيه وصلتان بين عيّنات بلّور شبه موصِّل مَشوبة بشكل مختلف.ترايود (triode).  صمّام مفرّغ ثلاثي العناصر يتألف من فتيل باعث للإلكترونات وصفيحة مشحونة إيجابياً تسمّى الأنود، مفصولة بشبكة أسلاك رفيعة. يُستعمل كمضخِّم أو بدّالة.تيار (current).  انسياب الإلكترونات.جرمانيوم (germanium).  شكل من أشكال أشباه الموصِّلات استُعمل لأول مرة في دايودات التلامس النقطي. مستعمل نادراً الآن.جهاز (device).  مكوّنٌ أو جزءٌ من دارة إلكترونية. الأمثلة تتضمن الدايودات والترانزستورات والدارات المتكاملة والمقاوِمات والمكثِّفات والمحرِّضات، لكن عادة ليس الأسلاك المربوطة لبعضها البعض.جهاز تأثير حقليّ (field effect device).  في استخدام التيار، ترانزستور أو جهاز ذو صلة قادر على التضخيم أو التبديل رداً على حقل الكتروستاتي أو مغنطيسي مطبَّق خارجياً.دارة متكاملة (integrated circuit).  جهاز شبه موصِّل يتألف من كل أو من جزء من دارة كهربائية أو إلكترونية، مصنَّع على عيّنة شبه موصِّلة واحدة. بالإضافة إلى ترانزستور أو دايود واحد أو أكثر، يتم تصنيع المقاوِمات والمكثِّفات والتوصيلات البينية الضرورية باستعمال مواد شبه موصِّلة أيضاً.دايود (diode).  سُمّي هكذا بسبب طرفَيه. يتصرف الدايود كصمام أحادي الاتجاه للتيار. يمكن أن يكون أنبوباً مفرَّغاً أو جهازاً شبه موصِّل.دايود باعث للضوء (LED).  تُطلق كل دايودات شبه الموصِّل طاقةً بتردّد معيّن، والدايود الباعث للضوء مصنوع من مواد مُختارة لقدرتها على إطلاق أشعة تحت الحمراء أو ضوء مرئي. إنه يشبه في المبدأ ليزر شبه الموصِّل، لكنه يفتقر للحجرة الرنّانة الضرورية لإنشاء أشعة الضوء المتماثلة التردّد.دايود باعث للضوء عضوي (OLED).  دايود باعث للضوء مكوَّن مما يُسمى أشباه موصِّلات عضوية ويحتوي على مركَّبات تشبه تلك التي تؤلف الأنظمة الحيّة. تكون تلك المركَّبات عادة في النموذج السائل وتكون موضوعة بين ورقتين بلاستيكتين نصف شفافتين قادرتين على توصيل الكهرباء. راجع دايود باعث للضوء.رادار (radar).  اختصار radio detection and ranging (الاكتشاف اللاسلكي وتحديد المسافة). الرادار هو نظام إلكتروني يستعمل طاقة تردّد الموجات الصُغرية ليكتشف أو يتعقّب أو يحدّد مسافة الأشياء كالطائرات.رقاقة (wafer).  في الإلكترونيات، ورقة رفيعة مقصوصة من بلّور كبير مصنوع من مادة شبه موصِّلة. ثم تتم معالجة الرقاقة بشكل مكثّف، وتنشأ عدة دارات متكاملة على سطحها. ثم يتم قصّ الدارات المتكاملة الفردية من الرقاقة.سيليكون (silicon).  شبه موصِّل شائع جداً في تصنيع الخلايا الشمسية والترانزستورات والدارات المتكاملة والأجهزة الأخرى.سيلينيوم (selenium).  شكل من أشكال أشباه الموصِّلات معروف بحساسيته للضوء.شبه موصِّل (semiconductor).  حرفياً، مادة أو مركَّب ليس موصِّلاً جيداً جداً للكهرباء وليس أيضاً موصِّلاً سيئاً جداً. لكن تُستخدَم أشباه الموصِّلات بشكل مكثّف في الإلكترونيات بسبب خصائصها الأخرى. عند مزجها بعناية بكميات صغيرة من بعض المواد الأخرى، يمكن استعمال أشباه الموصِّلات المتبلّرة لتبديل وتضخيم التيارات الكهربائية.صمام فليمينغ (Fleming valve).  شكل من أشكال دايود الأنبوب المفرَّغ.عرض بالبلّور السائل (LCD).  جهاز تصوير أو عرض يتألف من طبقة من مادة "البلّور السائل" موضوعة بين طبقات أوراق بلاستيكية نصف شفافة، يمكنها أن تتصرف كموصِّلات أيضاً. مواد البلّور السائل هي فئة خاصة من السوائل ذات جزيئات تشكّل بنيات بلّورية يمكن تعديلها بالتحفيز من حقل كهرومغنطيسي خارجي.فتيل (filament).  في الأنبوب المفرَّغ، الإلكترود الذي يسخن، مما يجعله يُطلق إلكترونات.فولط (volt).  الوحدة الأساسية للقوة الكهربائية. الفولطية مشابهة تقريباً للضغط.كلايسترون (klystron).  شكل من أشكال الأنابيب المفرَّغة يُستعمل لتوليد إشعاع الموجات الصُغرية.كهربائي انضغاطي (piezoelectric).  يشير إلى خاصية بعض المواد المتبلّرة بإنتاج تيار كهربائي صغير عندما تُضغَط أو تُفتَل. المواد الكهربائية الانضغاطية، بما في ذلك الكوارتز، شائعة الاستعمال أيضاً لتنظيم تردّد التيار الكهربائي، كون البلّور يرنّ عند تردّد معيّن.ليزر (laser).  كلمة شائعة الاستعمال هذه الأيام. كان الليزر فيما مضى لفظة مختصرة معناها تضخيم الضوء بالانبعاث المحفَّز للإشعاع. فالغازات أو البلّورات شبه الموصِّلة تبعث ضوءاً عند قصفها بالطاقة بطريقة من الطرق. تؤدي حجرات رنّانة ومرايا مصممة بعناية إلى انبعاث فوتونات ضوء كلها بنفس التردّد تماماً وتسافر في شعاع ضيّق.متحكم صُغري (microcontroller).  دارة متكاملة تحتوي على معظم أو كل الدارات المرتبطة سابقاً بوحدة المعالجة المركزية للكمبيوتر، بالإضافة إلى معظم أو كل دارات ذاكرة النظام، دارات الإدخال والإخراج، وبعض الميزات الأخرى. الغاية من المتحكم الصُغري عادة أن يكون جزءاً من نظام مضمَّن وليس جزءاً من كمبيوتر صُغري مستقل.متوهج (incandescent).  في حقل الإضاءة، نوعٌ من المصابيح يستعمل عنصراً معدنياً (أو مادة أخرى) ويُسخَّن إلى النقطة التي يتوهج عندها بشكل ساطع.مُرحِّل (relay).  جهاز كان شائع الاستعمال في إرسال البرقيات يتألف من بدّالة تعمل كهرومغنطيسياً.معالج صُغري (microprocessor).  دارة متكاملة تحتوي على معظم أو كل الدارات المرتبطة سابقاً بوحدة المعالجة المركزية للكمبيوتر.مغنترون (magnetron).  نوع خاص من الأنابيب المفرَّغة يُستعمل لتوليد إشعاع بتردّد الموجات الصُغرية.مقاوِم (resistor).  مكوّن كهربائي هامد ذو موَصليّة كهربائية سيئة. الكهرباء المارّة بالمقاوِم تبدّد الطاقة على هيئة حرارة. يُستعمل في الدارات لتقليل أو تنظيم الفولطية.مقوِّم (rectifier).  دايود. يُستعمل هذا المصطلح عادة للإشارة إلى دايودات قادرة على معالجة تيارات مرتفعة.مكتشِف (detector).  في سياق الاتصال الراديوي، المكتشِف هو عادة شكلٌ خاص من الدايودات، مكيَّف ليعمل عند تردّدات الراديو.مكثِّف (capacitor).  مكوّن كهربائي هامد يتألف من طرفَين، عادة على هيئة طبقات أو صفائح، مفصولتين بطبقة عازلة. في الدارة الملائمة، يستطيع هذا الجهاز تخزين شحنة كهربائية.منطق (logic).  يشير المنطق في سياق الأجهزة إلى الدارات الكهربائية أو الإلكترونية المستعملة لمحاكاة عملية اتخاذ قرارات مرتكزة على قواعد. تُصنَّع تلك الدارات عادة على هيئة دارات متكاملة شبه موصِّلة.ميزر (maser).  لفظة مختصرة كانت تعني في الأصل تضخيم الموجات الصُغرية بالانبعاث المحفَّز للإشعاع. إنه جهاز إلكتروني، أنبوبٌ مفرَّغٌ عادة، يشبه الليزر في المبدأ. راجع ليزر.نشط (active).  في سياق الأجهزة الإلكترونية، أي جهاز يضخِّم أو يبدّل التيار.هامد (passive).  في سياق الأجهزة الإلكترونية، أي جهاز يحمل تياراً لكنه لا يضخِّمه أو يبدّله. تُسّمى الأجهزة الهامدة عادة "كهربائية" أيضاً بدلاً من إلكترونية، رغم أن الاختلاف عشوائي بعض الشيء.وصلة (junction).  في أشباه الموصِّلات، الوصلة هي الواجهة بين عيّنتَي بلّور شبه موصِّل مَشوبتين بشكل مختلف.وصلة p-n (p-n junction).  راجع وصلة.قراءات إضافيةAdams, Stephen B., and Orville R. Butler. Manufacturing the Future: A History of Western Electric. Cambridge: Cambridge University Press, 1999.Agrawal, Govind P. Fiber-Optic Communication Systems. New York: John Wiley & Sons, 1992.Alferov, Zhores I. “The History and Future of Semiconductor Heterostructures from the Point of View of a Russian Scientist.” Physica Scripta T68 (1996): 32–45.Bassett, Ross. To the Digital Age: Research Labs, Start-up Companies, and the Rise of MOS Technology. Baltimore: Johns Hopkins University Press, 2002.Bertolotti, M. Masers and Lasers: An Historical Approach. Bristol, England: Adam Hilger, 1983.Boot, Henry Albert Howard, and Randall John Turton. “Historical Notes on the Cavity Magnetron.” IEEE Transactions on Electron Devices ED-23 (July 1976): 724–729.Braun, Ernest, and Stuart Macdonald. Revolution in Miniature:The History and Impact of Semiconductor Electronics. New York: Cambridge University Press, 1978.Broad, William J. Teller’s War:The Top-Secret Story behind the Star Wars. New York: Simon & Schuster, 1992.Bromberg, Joan Lisa. The Laser in America, 1950–1970. Cambridge, MA: MIT Press, 1991.Brown, Ronald. Lasers:Tools of Modern Technology. New York: Doubleday, 1968.Chandler, Alfred, et al. Inventing the Electronic Century:The Epic Story of the Consumer Electronics and Computer Industries. New York: Free Press, 1991.Charschan, S. S., ed. Lasers in Industry. New York:Van Nostrand Reinhold,1972.Dummer, G. W. A. Electronic Inventions and Discoveries, 4th ed. Bristol, England: Institute of Physics Publishing, 1997.Dupuis, Russell D. “The Diode Laser—The First Thirty Days Forty Years Ago.” LEOS Newsletter (February 2003). http://www.ieee.org/organizations/ pubs/newsletters/leos/feb03/diode.html.Early, James. “Out to Murray Hill to Play:An Early History ofTransistors.” IEEE Transactions on Electron Devices 48 (November 2001): 2468–2472.Editors of Electronics magazine. Age of Innovation: The World of Electronics 1930–2000. New York: McGraw-Hill, 1981.Esaki, Leo. Quoted in National Forum on Entrepreneurship and Venture Business, “Minutes from the First Meeting of the Board of Directors.” March 17, 2000. www.js-venture.jp-eng-03-030-m030_01.html.Fielding, Raymond. A Technological History of Motion Pictures and Television. Berkeley: University of California Press, 1967.Finn, Bernard, ed. Exposing Electronics. Amsterdam: Harwood Academic Publishers, 2000.Fitzgerald, Richard. “Physics Nobel Prize Honors Roots of Information Age.” Physics Today 53 (December 2001). http://www.physicstoday.org/pt/vol-53/iss-12/current.html.“Forgotten Inventor Emerges from Epic Patent Battle with Claim to Laser.” Science 198 (October 28, 1977): 379.Fukuta, Masumi. “History of HEMT Transistors.” 1999. http://eesof.tm.agilent. com/docs/iccap2002/MDLGBOOK/7DEVICE_MODELING/3TRAN SISTORS/0History/HEMTHistory.pdf.“The Future of the Electron Tube.” IEEE Spectrum (January 1965): 50.Granatstein, Victor L., et al. “Vacuum Electronics at theDawn ofthe Twenty-First Century.” Proceedings of the IEEE 87 (May 1999): 702–716.Gray, George W. “Reminiscences from a Life with Liquid Crystals.” Liquid Crystals 24 (1998): 5–13.Gurtel, Fred, ed. “Microprocessors.” IEEE Spectrum (January 1983): 34–47.Hecht, Jeff. Laser Pioneers. New York:Academic Press, 1992.Hobday, Michael. Innovation in East Asia:The Challenge to Japan. Cheltenham, England: Edward Elgar, 1995.Hoddeson, Lillian, and Michael Riordan. Crystal Fire:The Birth of the Information Age. New York:W. W. Norton,1997.Hong, Sungook. Wireless: From Marconi’s Black-Box to the Audion. Cambridge, MA: MIT Press, 2001.Howell, Thomas R., et al. The Microelectronics Race:The Impact of Government Policy on International Competition. Boulder, CO:Westview Press, 1988.Husson, S. S., ed. 25th Anniversary Issue IBM Journal of Research and Development 25 (September 1981).IEEE Oral History Collection. IEEE History Center, Rutgers University, New Brunswick, NJ.Israel, Paul. Edison:A Life of Invention. New York: John Wiley and Sons, 1998.Johnstone, Bob. We Were Burning: Japanese Entrepreneurs and the Forging of the Electronic Age. New York:Westview Press, 1998.Keller, Peter A. The Cathode-Ray Tube: Technology, History, and Applications. New York: Palisades Press, 1991.Kressel, H., H. F. Lockwood, and M. Ettenberg. “Progress in Laser Diodes.” IEEE Spectrum (May 1973): 59.Lengyel, B. A. and V. A. Fabrikant. “Evolution of Masers and Lasers.” American Journal of Physics 34 (1966): 903.Leslie, Stuart W. “Blue Collar Science: Bringing the Transistor to Life in the Lehigh Valley.” Historical Studies of Physical and Biological Sciences 32 (2001): 71–113.Magers, Bernard. 75 Years ofWestern Electric Tube Manufacturing. Tempe, AZ:Antique Electronic Supply, 1992.Meyer, Herbert. A History of Electricity and Magnetism. Cambridge, MA: MIT Press, 1971.Millman, S., ed. A History of Engineering and Science in the Bell System: Communication Sciences (1925–1980). Murray Hill, NJ: Bell Telephone Laboratories, 1984.———. A History of Engineering and Science in the Bell System: Physical Sciences (1925–1980). Murray Hill, NJ:Bell Telephone Laboratories, 1985.Morgan, David P. “A History of Surface Acoustic Wave Devices.” International Journal of High Speed Electronics and Systems 10 (2000): 553–602.Morris, P. R. A History ofthe World Semiconductor Industry. London: Peter Peregrinus Ltd., 1990.Morton, David. A History of Electronic Entertainment since 1945. New Brunswick, NJ: IEEE, 1999.———. Power: A Survey History of Electric Power Technology since 1945. New Brunswick, NJ: IEEE, 2000.Mueller, Charles W. Oral history conducted by Mark Heger and Al Pisky, 1975. New Brunswick, NJ: IEEE History Center, Rutgers University.Okamura, S. History of Electron Tubes. Amsterdam: IOS Press, 1998.Perry, Tekla S. “Red Hot.” IEEE Spectrum 4 (June 2003): 26–29.Reid, T. R. Chip: How Two Americans Invented the Microchip and Launched a Revolution. New York: Simon & Schuster, 1984.Ronzheimer, Stephen P., ed. “A History of Consumer Electronics: Commemorating a Century of Electrical Progress.” IEEE Transactions on Consumer Electronics CE-30 (May 1984): 11–211.Seitz, Frederick, and Norman G. Einspruch. Electronic Genie: The Tangled History of Silicon. Chicago: University of Illinois Press, 1998.Shockley, William. Electrons and Holes in Semiconductors. New York: Van Nostrand, 1950.Silicon Genesis Project. “An Oral History of Semiconductor Technology.” http://silicongenesis.stanford.edu/complete_listing.html.Smits, F. M., ed. A History of Engineering and Science in the Bell System: Electronics Technology (1925–1975). Murray Hill, NJ: AT&T Bell Laboratories, 1985.Snitzer, E. “Perspective and Overview.” In Optical Fiber Lasers and Amplifiers,edited by P. W. France, 1–13. London: Blackie, 1991.Stokes, John W. 70 Years of Radio Tubes and Valves. New York: Vestal Press, 1982.Torrero, Edward A., ed. “Solid-State Devices.” IEEE Spectrum (January 1978): 78.Townes, Charles H. How the Laser Happened: Adventures of a Scientist. New York: Oxford University Press, 1999.Udelson, Joseph H. The Great Television Race. University: University of Alabama Press, 1982.Varian, Dorothy. The Inventor and the Pilot: Russell and Sigurd Varian. Palo Alto, CA: Pacific Book Club, 1983.Volokh, Eugene. The Semiconductor Industry and Foreign Competition. Policy Analysis 99. Washington, D.C.: Cato Institute, 1988.Wolff, M. F. “The Genesis of the Integrated Circuit.” IEEE Spectrum 13 (August 1976): 45–53.انتهى*   tr2@albabtainprize.org